الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل فِي نقض ِشُبُهَاتِ المعْتَرِض ِعَلى تَحْرِيْمِ الصَّلاةِ مُطلقا في المقابرِ وَعِنْدَ القبور
أَمّا مَا ظنهُ هَذَا المعْتَرِضُ حُجَّة ً وَدَلِيْلا ً فِي مَقالِهِ فاسْتَدَلَّ بهِ، فليْسَ كذلك.
وَقدْ ذكرَ خَمْسَة َ أَدِلةٍ أَجَازَ بهَا الصَّلاة َ فِي المقبرَةِ بزَعْمِهِ وَليْسَ فِي شَيْءٍ مِمّا ذكرَهُ حُجَّة ٌ، وَهَذَا بيانُ رَدِّهَا:
أَمّا دَلِيْلهُ الأَوَّلُ:
فقوْلهُ: (قوْلُ رَسُوْل ِاللهِ صلى الله عليه وسلم: «جُعِلتْ لِيَ الأَرْضُ مَسْجِدًا وَطهُوْرًا» [خ (335)، (438) م (521)]، وَهَذَا يَعُمُّ الأَرْضَ كلهَا) انتهَى كلامُه.
وَهَذَا بَاطِلٌ، فإنَّ الأُمَّة َ مُجْمِعَة ٌ عَلى تَخْصِيْص ِ هَذَا العُمُوْمِ، وَأَنَّ مِنَ الأَرْض ِمَا ليْسَ بطهُوْرٍ، وَلا مَسْجِدٍ تَصِحُّ فِيْهِ الصَّلاة.
ثمَّ اخْتَلفوْا في مُخَصِّصَاتِ ذلِك َ العُمُوْمِ، مَعَ إجْمَاعِهمْ عَلى بَعْضِهَا. وَمِنْ ذلِك َ: إجْمَاعُهُمْ عَلى تَحْرِيْمِ الصَّلاةِ عَلى الأَرْض ِ النَّجِسَةِ وَبطلانِهَا لِغيْرِ المضْطرِّ، وَاخْتَلفوْا في المضْطرّ.
وَهُوَ عُمُوْمٌ مُقيَّدٌ أَيْضًا بأَحَادِيْثِ النَّهْيِّ عَن ِ الصَّلاةِ فِي المقابرِ وَعِنْدَ القبوْرِ، وَقدْ تقدَّمَ طرَفٌ مِنْهَا. وَمُقيَّدٌ بأَحَادِيْثَ أُخْرَى عَنْ مَوَاضِعَ أُخْرَى كذَلك.
قالَ القاضِي أَبوْ بكرٍ ابنُ العَرَبيِّ فِي «عَارِضَةِ الأَحْوَذِيِّ» (2/ 114 - 115) بَعْدَ حَدِيْثِ أَبي سَعِيْدٍ الخدْرِيِّ «الأَرْضُ كلهَا مَسْجِدٌ إلا َّ المقبَرَة َوَالحمّامَ» قالَ: (الحدِيْثُ الصَّحِيْحُ «جُعِلتْ لِيَ الأَرْضُ مَسْجِدًا وَطهُوْرًا» .
وَهِيَ خَصِيْصَة ٌفضِّلتْ بهَا هَذِهِ الأُمَّة ُ عَلى سَائِرِ الأُمَمِ، في حُرْمَةِ سَيِّدِ البَشرِ، لا يُسْتَثْنى مِنْهَا إلا َّ البقاعُ النَّجسَة ُ وَالمغْصُوْبة ُ، التي يَتَعَلقُ بهَا حَقُّ الغير.
وَكلُّ حَدِيْثٍ سِوَى هَذَا: ضَعِيْفٌ، حَتَّى حَدِيث السَّبْعَةِ مَوَاطِنَ، التي وَرَدَ النَّهْيُ عَنْهَا: لا يَصِحُّ عَن ِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، وَقدْ ذكرَهُ التِّرْمِذِيّ (346).
وَالموَاضِعُ التِي لا يُصَلى بهَا، ثلاثة َ عَشرَ مَوْضِعًا: الأَوَّلُ المزْبَلة ُ، وَالمجْزَرَة ُ، وَالمقبرَة ُ، وَالحمّامُ، وَالطرِيْقُ، وَأَعْطانُ الإبل ِ، وَظهْرُ الكعْبَةِ، وَأَمَامَك َ جدَارُ مِرْحَاض ٍ عَليْهِ نَجَاسَة ٌ، وَالكنِيْسَة ُ، وَالبيْعَة ُ، وَفي قِبْلتِك َ تمَاثِيلُ، وَفي دَارِ العَذَاب) اه.
وَقدْ ذكرَ ابْنُ العَرَبيِّ هُنَا اثنَيْ عَشَرَ مَوْضِعًا، وَلمْ يَذْكرِ الثالِثَ عَشَرَ! وَلعَلهُ الحشُّ، أَوِ الأَرْضُ المغْصُوْبة.
أَمّا الحنابلة ُ: فقدْ ذكرُوْا عَشَرَة َ مَوَاضِعَ، هِيَ: المقبَرَة ُ، وَالمجْزَرَة ُ، وَالمزْبلة ُ، وَالحشُّ، وَالحمّامُ، وَقارِعَة ُالطرِيْق ِ، وَأَعْطانُ الإبل ِ، وَظهْرُ الكعْبَةِ، وَالموْضِعُ المغْصُوْبُ، وَالموْضِعُ النَّجِس.
وَقدْ ذكرَهَا شَيْخُ الإسْلامِ ابْنُ تَيْمية َ في «شَرْحِ العُمْدَةِ» (2/ 425)، ثمَّ قالَ: (وَأَمّا ثلاثة ٌمِنْهَا: فقدْ تَوَاطأَتِ الأَحَادِيْثُ
وَاسْتَفاضَتْ باِلنَّهْيِّ عَن ِالصَّلاةِ فِيْهَا، وَهِيَ: المقبرَة ُ، وَأَعْطانُ الإبل ِ، وَالحمّامُ. وَسَائِرُهَا جَاءَ فِيْهَا مِنَ الحدِيْثِ مَا هُوَ دُوْنَ ذلك) اه. وَالمسْأَلة ُمَبْسُوْطة ٌ فِي كتبِ الفِقهِ، وَلا تخْفى.
وَلمّا ذكرَ أَبوْ محمَّدٍ ابْنُ قدَامَة َ فِي «المغنِي» (2/ 468 - 469) قوْلَ مَن ِاسْتَدَلَّ بعُمُوْمِ قوْلِهِ صلى الله عليه وسلم «جُعِلتْ لِيَ الأَرْضُ مَسْجِدًا وَطهُوْرًا» وَنَحْوِهِ: خَصَّصَهُ أَبوْ محمَّدٍ بقوْلِهِ صلى الله عليه وسلم «الأَرْضُ كلهَا مَسْجِدٌ إلا َّ الحمّامَ وَالمقبَرَة» .
ثمَّ قالَ: (وَهَذَا خَاصٌّ مُقدَّمٌ عَلى عُمُوْمِ مَا رَوَوْه).
وَقالَ (2/ 480) فِي الحدِيْثِ الأَوَّل ِ- أَي حَدِيْثَ «جُعِلتْ لِيَ الأَرْضُ مَسْجِدًا وَطهُوْرًا» -: (وَهُوَ صَحِيْحٌ مُتَّفقٌ عَليْهِ، وَاسْتُثْنِيَ مِنْهُ المقبَرَة ُ، وَالحمّامُ، وَمَعَاطِنُ الإبل ِ بأَحَادِيْثَ صَحِيْحَةٍ خَاصَّةٍ، ففِيْمَا عَدَا ذلِك َ يبقى عَلى العُمُوْم).
وَكذَلِك َ أَبوْ حَاتِمٍ ابْنُ حِبّانَ في «صَحِيْحِهِ» لمّا رَوَى (4/ 595)(1697): حَدِيثَ حُذيفة َ رَضِيَ الله ُ عَنْهُ قالَ: قالَ رَسُوْلُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «فضِّلنَا عَلى النّاس ِ بثلاثٍ: جُعِلتِ الأَرْضُ كلهَا مَسْجِدًا، وَجُعِلَ تُرْبتهَا لنا طهُوْرًا، وَجُعِلتْ صُفوْفنَا كصُفوْفِ الملائِكة» وَهُوَ عِنْدَ الإمَامِ أَحْمَدَ فِي «مُسْندِهِ» (5/ 383) ومُسْلِمٍ فِي «صَحِيْحِه» (522): خَصَّصَ ابنُ حِبّانَ هَذَا العُمُوْمَ وَالإطلاقَ بثلاثةِ أَبوَابٍ:
أَوَّلها (4/ 596): «ذِكرُ وَصْفِ التَّخْصِيْص ِالأَوَّل ِالذِي يَخصُّ عُمُوْمَ تِلك َ اللفظةِ التِي تقدَّمَ ذِكرُنا لهَا» .
وَالثّانِي (4/ 598): «ذِكرُ التَّخْصِيْص ِالثّانِي الذِي يَخُصُّ عُمُوْمَ اللفظةِ التِي ذكرْناهُ قبْلُ» .
وَالثّالِثُ (4/ 599): «ذِكرُ التَّخْصِيْص ِ الثّالِثِ الذِي يَخُصُّ عُمُوْمَ قوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: «جُعِلتْ لِيَ الأَرْضُ كلهَا مَسْجِدًا» .
وَأَوْرَدَ تحْتهَا ثلاثة َأَحَادِيْثَ:
أَوَّلها (1698): حَدِيْثُ أَنس ِ بْن ِمَالِكٍ رَضِيَ الله ُعَنْهُ أَنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم نهَى أَنْ يُصَلى بَيْنَ القبوْرِ. وَهَذَا صَحَّحَهُ الضِّيَاءُ المقدِسِيُّ فِي «الأَحَادِيْثِ المخْتَارَة» .
وَالثّانِي (1699): حَدِيْثُ أَبي سَعِيْدٍ الخدْرِيِّ رَضِيَ الله ُ عَنْهُ مَرْفوْعًا: «الأَرْضُ كلهَا مَسْجِدٌ إلا َّ الحمّامَ وَالمقبَرَة» .
وَالثّالِثُ (1700): حَدِيْثُ أَبي هُرَيْرَة َرَضِيَ الله ُ عَنْهُ مَرْفوْعًا: «إذا لمْ تَجِدُوْا إلا َّ مَرَابضَ الغنمِ، وَمَعَاطِنَ الإبل ِ: فصَلوْا فِي مَرَابض ِ الغنمِ، وَلا تصَلوْا فِي أَعْطان ِ الإبل» وَهُوَ عِنْدَ الإمَامِ أَحْمَدَ فِي «مُسْنَدِهِ» (2/ 491) وَابْن ِمَاجَهْ (768).
وَبوَّبَ ابْنُ حِبّانَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ (6/ 88) عَلى حَدِيْثِ أَبي هُرَيْرَة َ هَذا السّابق ِ: (ذِكرُ الخبَرِ المصَرِّحِ بأَنَّ قوْلهُ صلى الله عليه وسلم: «جُعِلتْ لِيَ الأَرْضُ طهُوْرًا وَمَسْجِدًا» أَرَادَ بهِ بَعْضَ الأَرْض ِلا الكلّ).
وَبوَّبَ قبْلهُ (6/ 87): (ذِكرُ خَبَرٍ قدْ يُوْهِمُ غيْرَ المتَبَحِّرِ فِي صِناعَةِ العِلمِ أَنَّ الأَرْضَ كلهَا طاهِرَة ٌ، يَجُوْزُ لِلمَرْءِ الصَّلاة ُ عَليْهَا).
ثمَّ سَاقَ حَدِيْثَ أَبي هُرَيْرَة َ رَضِيَ الله ُعَنْهُ أَنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قالَ: «فضِّلتُ عَلى الأَنبيَاءِ بسِتٍّ: أُعْطِيْتُ جَوَامِعَ الكلِمِ، وَنصِرْتُ بالرُّعْبِ، وَأُحِلتْ لِيَ الغنائِمُ، وَجُعِلتْ لِيَ الأَرْضُ طهُوْرًا وَمَسْجِدًا، وَأُرْسِلتُ إلىَ الخلق ِ كافة ً، وَخُتِمَ بيَ النبيوْن» .
وَهَذَا الحدِيْثُ عِنْدَ الإمَامِ أَحْمَدَ فِي «مُسْنَدِهِ» (2/ 411 - 412) وَمُسْلِمٍ في «صَحِيْحِه» (523).
وَبوَّبَ ابْنُ حِبّانَ بَعْدَهُ أَبوَابا عِدَّة ً، أَوْرَدَ تَحْتَهَا جُمْلة َ أَحَادِيْثَ فِي الأَمَاكِن ِ المخْصُوْصَةِ وَالمسْتثناةِ مِنْ ذلِك َ العُمُوْمِ، كالمقبَرَةِ، وَالحمّامِ، وَأَعْطان ِ الإبل ِ، وَقدْ تقدَّمَ ذِكرُهَا.
وَكذَلِك َ الحافِظ ُ أَبوْ بكرٍ ابنُ المنذِرِ في «الأَوْسَطِ» (2/ 180 - 182): ذكرَ في «جِمَاعِ أَبوَابِ الموَاضِعِ التِي تَجُوْزُ الصَّلاة ُ عَليْهَا، وَالموَاضِعِ المنْهيِّ عَن ِ الصَّلاةِ فِيْهَا» : أَرْبعَة َ أَبوَابٍ:
أَوَّلها: ذِكرُ الأَخْبَارِ التِي يدُلُّ ظاهِرُهَا، عَلى أَنَّ الأَرْضَ كلهَا مَسْجِدٌ وَطهُوْر.
وَالثاني: ذِكرُ الخبرِ الدّالِّ عَلى أَنَّ المرَادَ مِنْ قوْلِهِ صلى الله عليه وسلم «جُعِلتِ الأَرْضُ لِي مَسْجِدًا» كلُّ أَرْض ٍ طيِّبَةٍ دُوْنَ النَّجِس ِ مِنْهَا.
وَالثالِثُ: ذِكرُ النَّهْيِّ عَن ِ اتخاذِ القبوْرِ مَسَاجِد.
وَالرّابعُ: ذِكرُ النَّهْيِّ عَن ِ الصَّلاةِ في المقبَرَةِ وَالحمّام.
قالَ البَغوِيُّ فِي «شَرْحِ السُّنَّةِ» : (أَرَادَ أَنَّ أَهْلَ الكِتَابِ لمْ تُبَحْ لهمُ الصَّلاة ُ إلا َّ فِي بيعِهمْ وَكنَائِسِهمْ، فأَباحَ الله ُ لهِذِهِ الأُمَّةِ، الصَّلاة َ حَيْثُ كانوْا، تَخْفِيْفا عَليْهمْ وَتيْسِيرًا، ثمَّ خَصَّ مِنْ جَمِيْعِ الموَاضِعِ: الحمّامَ، وَالمقبرَة َ، وَالمكانَ النَّجِس) نقلهُ عَنْهُ الشَّيْخُ عَبْدُ الرَّحْمَن ِ بْنُ حَسَن ِ بْن ِ محمَّدِ بْن ِ عَبْدِ الوَهّابِ آل الشَّيْخِ رحمهم الله ُ في «فتحِ المجيْد» (ص206).
وَقالَ شَيْخُ الإسْلامِ في «شَرْحِ العُمْدَةِ» (2/ 439 - 440): (وَأَمّا الأَحَادِيْثُ المشْهُوْرَة ُ في جَعْل ِ الأَرْض ِ مَسْجِدًا: فهيَ عَامَّة ٌ، وَهَذِهِ الأَحَادِيْثُ خَاصَّة ٌ، وَهِيَ تفسِّرُ تِلك َ الأَحَادِيْثَ، وَتبينُ أَنَّ هَذِهِ الأَمْكِنَةِ، لمْ تقصَدْ بذَلِك َ القوْل ِ العَامِّ، وَيُوَضِّحُ ذلك أَرْبعة ُ أَشْيَاءَ:
أَحَدُهَا: أَنَّ الخاصَّ يَقضِي عَلى العَامِّ، وَالمقيدُ يُفسِّرُ المطلقَ، إذا كانَ الحكمُ وَالسَّبَبُ وَاحِدًا، وَالأَمْرُ هُنَا كذَلك.
الثاني: أَنَّ قوْلهُ صلى الله عليه وسلم «جُعِلتْ لِيَ الأَرْضُ مَسْجِدًا وَطهُوْرًا» : بيانٌ لِكوْن ِ جِنْس ِ الأَرْض ِ مَسْجِدًا لهُ، وَأَنَّ السُّجُوْدَ عَليْهَا لا يَخْتَصُّ بأَنْ تكوْنَ عَلى صِفةٍ مَخْصُوْصَةٍ، كمَا كانَ فِي شَرْعِ مَنْ قبْلنَا. لكِنَّ ذلِك َ لا يَمْنَعُ أَنْ تَعْرِضَ للأَرْض ِ صِفة ٌ تَمْنَعُ السُّجُوْدَ عَليْهَا.
فالأَرْضُ التِي هِيَ عَطنٌ، أَوْ مَقبَرَة ٌ، أَوْ حَمّامٌ، هِيَ مَسْجِدٌ، لكِنَّ اتخاذهَا لمّا وُجِدَ لهُ مَانِعٌ عَرَضَ لها: أَخْرَجَهَا عَنْ حُكمِهَا. وَلوْ خَرَجَتْ عَنْ أَنْ تكوْنَ حَمّامًا، أَوْ مَقبَرَة ً: لكانتْ عَلى حَالِهَا.
وَذلِك َ أَنَّ اللفظ َ العَامَّ، لا يُقصَدُ بهِ بيانُ تفاصِيْل ِ الموَانِعِ، كقوْلِهِ تعَالىَ:{وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ} .
وَقدْ عُلِمَ أَنَّ العَقدَ لا بُدَّ فِيْهِ مِنْ عَدَمِ الإحْرَامِ، وَعَدَمِ العِدَّةِ، وَلا بُدَّ لهُ مِنْ شُرُوْطٍ وَأَرْكان.
الثالِثُ: أَنَّ هَذَا اللفظ َ العَامَّ، قدْ خُصَّ مِنْهُ الموْضِعُ النَّجِسُ، اعْتِمَادًا عَلى تَقييْدِهِ باِلطهَارَةِ، فِي قوْلِهِ صلى الله عليه وسلم «كلُّ أَرْض ٍ طيِّبَةٍ» ، وَتَخْصِيْصُهُ باِلاسْتِثْنَاءِ المحَقق ِ، وَالنَّهْيِّ الصَّرِيْحِ أَوْلىَ وَأَحْرَى.
الرّابعُ: أَنَّ تِلك َ الأَحَادِيْثَ إنمَا قصِدَ بهَا بيانُ اخْتِصَاص ِ نبيِّنَا صلى الله عليه وسلم وَأُمَّتِهِ باِلتَّوْسِعَةِ عَليْهمْ فِي الصَّلاةِ دُوْنَ مَنْ قبْلنا مِنَ الأَنبيَاءِ وَأُمَمِهمْ، حَيْثُ حُظِرَتْ عَليْهمُ الصَّلاة ُ إلا َّ في المسَاجدِ المبْنِيَّةِ للصَّلاة. فذَكرَ صلى الله عليه وسلم أَصْلَ الخصِيْصَةِ وَالمزِيةِ، وَلمْ يَقصِدْ تفصِيْلَ الحكم.
وَاعْتَضَدَ ذلِك َ بأَنَّ هَذِهِ الأَمَاكِنَ قلِيْلة ٌ باِلنِّسْبَةِ إلىَ سَائِرِ الأَرْض ِ، فلمّا اتفقَ قِلتهَا، وَأَنهُ لمْ يَتَمَحَّض ِ المقصُوْدُ لِبيان ِ أَعْيَان ِ أَمَاكِن ِ الصَّلاةِ، ترَك َ اسْتِثْنَاءَهَا.
أَمّا أَحَادِيْثُ النَّهْيِّ: فقصِدَ بهَا بيانُ حُكمِ الصَّلاةِ في أَعْيَان ِ هَذِهِ الأَمَاكِن ِ، وَهَذَا بيِّنٌ لِمَنْ تأَمله.
وَهَذَا المعْتَرِضُ مُتناقِضٌ، فإنهُ لا يُنَازِعُ فِي حُرْمَةِ اتخاذِ قبوْرِ الأَنبيَاءِ مَسَاجِدَ، وَالصَّلاةِ فِيْهَا، فلمَ لمْ يَسْتَثْنهَا مِنَ العُمُوْمِ فِي الحدِيْثِ السّابق ِ؟! أَمْ يَرَاهَا دَاخِلة ً فِيْه؟!