الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عبادة بن أوفى
ويقال: ابن أبي أوفى بن حنظلة بن عمرو بن رباح ابن جعونة بن الحارث بن نمير بن عامر، أبو الوليد النميري القنّسريني وقيل: إنه دمشقي، وقيل: حمصي وقيل: إن له صحبة. شهد صفين مع معاوية.
حدث عن عمرو بن عبسة عن النبي صلى الله عليه وسلم " قال ": " أبرِدوا بصَلاة الظهر في اليوم الحارّ، فإن شدة الحرّ من فيح جهنّم ".
ذكر يحيى بن حمزة أنّ الذي قتل عمارَ بن ياسر عمرو بنُ محصن الأزدي وعُبادةُ بن وفى النُّميري، اشتركا فيه، وكان عمرو فارساً وكان عُبادة راجلاً.
والمحفوظ أن قاتل عمّار أبو الغادية.
عبادة بن الصامت
ابن قيس بن فهر بن قيس بن ثعلبة بن غَنْم بن سالم بن عوف ابن عمرو بن عوف بن الخزرج، أبو الوليد الأنصاري صاحب سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أحد الاثني عشر نقيباً ليلة العقبة. سكن الشام، ودخل دمشق قبل فتحها وبعده.
روى عبادة بن الصامت أن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج ذات ليلة وهو يريد أن يخبرهم بليلة القدر، فتلاحى رجلان، فاختُلِجَتْ منه. فقال عليه السلام:" إني أردتُ أن أُخبركم بليلة القدر فتلاحى هذا الرجلان فاختُلجت منّي. ولعل ذلك أن يكون خيراً لكم فاطلبوها في العشر الأواخر: في التاسعة والسابعة والخامسة ".
وروى عبادة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " الذهب بالذهب، مِثْلاً بِمثْل، يداً بيد، والشعير بالشعير مِثْلاً بمثل، يداً بيد. التمر بالتمر مِثْلاً بمثل، يداً بيد ". قال: حتى ذكر الملح مِثْلاً بمثل، يداً بيد. فقال معاوية: إن هذا لا يقول شيئاً. فقال عبادة: إني والله ما أبالي ألا أكون بأرضكم هذه.
حدث المقدام الرهاوي قال: جلست إلى أبي الدرداء وعبادة بن الصامت والحارث بن معاوية فقالوا لعبادة: حدِّثْنا حديث النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة كذا وكذا فقال: صلّى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ إلى بعير من المقسم، ثم أقبل علينا بوجهه فقال:" هذه غنائمكم ولا حقّ لي فيها إلا سهمي والخمس، والخمسُ مردودٌ عليكم، فأدّوا الخيط والخياط وأصغر من ذلك وأكبر، ولا تغلّوا فإن الغلول عيب على أهله في الدنيا والآخرة، وأقيموا حدود الله في السفر والحضر، وجاهدوا الناس القريب والبعيد، ولا تخافوا في الله لومةَ لائم، وعليكم بالجهاد في سبيل الله، فإن في الجهاد في سبيل الله باباً من أبواب الجنة عظيم ينجي الله به من الغم والهم ".
حدث أبو الأشعث الصنعاني أنه راح إلى مسجد دمشق فلقي شداد بن أوس الأنصاري والصنابحي فقالا له: اذهب بنا إلى أخ لنا نعوده، فدخلا على عبادة بن الصامت فقالا: كيف أصبحت؟ قال: أصبحت بنعمة من الله وفضل. قال له شداد: أبشر بكفارات السيئات وحطّ الخطايا، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " قال الله عز وجل: إذا ابتليت عبداً من عبادي مؤمناً، فحمدني وصبر على ما ابتليته فإنه يقوم من مضجعه ذلك كيوم ولدته أمه
من الخطايا. ويقول الربّ عز وجل للحفظة: إني أنا قيدت عبدي هذا وابتليته فأجروا له ما كنتم تُجرون له قبل ذلك من الأجر وهو صحيح ".
قال عبد الرحمن بن غنم:
لما دخلنا مسجد الجابية أنا وابو الدرداء ألفينا عبادة بن الصامت فأخذ يميني بشماله، وشمال أبي الدرداء بيمينه. فخرج يمشي بيننا فقال عبادة: إن طال بكما عمر أحدكما أو كلاكما فيوشك أن تريا الرجل من ثَبَج المسلمين قد قرأ القرآن على لسان محمد صلى الله عليه وسلم أعاده وأبداه، وأحل حلاله وحرّم حرامه، ونزل عند منازله، أو قرأ به على لسان أحد، لا يحورُ فيكم إلا كما يحور رأس الحمار الميت. فبينما نحن كذلك إذ طلع علينا شداد بن أوس وعوف بن مالك فجلسا إلينا، فقال شداد: إن أخوف ما أخاف عليكم أيها الناس ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " من الشهوة الخفية والشرك " فقال عبادة وأبو الدرداء: اللهم غَفْراً، أو لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد حدثنا أن الشيطان قد يئس أن يعبد في جزيرة العرب. فأما الشهوة الخفية فقد عرفناها فهي شهوات الدنيا من نسائها وشهواتها. فما هذا الشرك الذي تخوّفنا به يا شداد؟ قال: أريتكم لو رأيتم أحداً يصلي لرجل أو يصوم له أو يتصدق له أتَرَون أنه قد أشرك؟ قالوا: نعم. قال شداد: فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " من صلى يرائي فقد أشرك، ومن صام يرائي فقد أشرك، ومن تصدق يرائي فقد أشرك " فقال عوف: ولا يعمد الله إلى ما ابتُغي فيه وجهه من ذلك العمل كله فيتقبل منه ما خلص له، ويدع ما أشرك به فيه. فقال شداد: فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " أنا خير قسيم فمن أشرك بي شيئاً فإن حشده وعمله وقليله وكثيره لشريكه الذي أشرك بي، أنا عنه غنيّ ".
أُمُّ عبادة وأوس ابني الصامت: قرّةُ العين بنت عمارة بن نضلة بن العَجْلان بن زيد بن غنم بن سالم بن عوف بن الخزرج.
شهد عبادة بدراً وشهد العقبة مع السبعين من الأنصار، وآخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بين
عبادة وبين أبي مَرْثد الغنوي، وشهد أُحداً والخندق والمشاهد كلها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان عبادة عقبياً، نقيباً، بدرياً، أنصارياً وهو من القواقلة، وكان مع سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن لا يخاف في الله لومة لائم، وشهد الفتح بمصر، وكان أمير ربع المدد.
توفي أبو " الوليد " عبادة بفلسطين الشام سنة أربع وثلاثين، وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه أخرجه إليها معلماً، وعمره ابن اثنتين وسبعين سنة.
قال عبادة بن الصامت: كنا أحد عشر رجلاً في العقبة الأولى، فبايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بيعة النساء قبل أن تفرض علينا الحرب، بايعناه على ألا نشرك بالله تعالى، ولا نسرق ولا نزني ولا نأتي ببهتان نفتريه بين أيدينا وأرجلنا، ولا نقتل أولادنا، ولا نعصيه في معروف، فمن وفّى فله الجنة، ومن غشي شيئاً من ذلك فأمره إلى الله عز وجل إن شاء عذبه، وإن شاء غفر له.
وفي حديث آخر قال: بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة، في العسر واليسر، والمَنْشَط والمكره، ولا ننازع الأمر أهله، نقول في الحق حيثما كنا، لا نخاف لومة لائم ما لم نَرَ كُفْراً بواحاً.
وعن جابر أن حاطبَ بن أبي بَلْتَعَة كتب إلى أهل مكة يذكر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم آتٍ لغزوهم، فدّلَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم على المرأة التي معها الكتاب فأرسلَ إليها، فأخذ كتابها من رأسها، فقال: يا حاطب، فعلت؟! قال: نعم، أما إني لم أفعلْهُ غشّاً لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولا نفاقاً، قد علمتُ أن الله يُظهِر رسولَه ويُتُّم له أمرَهُ، غير أني كنتُ غريباً بين أظهرهم، وكان ولدي معهم، فأردت أن أتخذها عندهم، فقال: عمر: ألا أضربُ رأس هذا؟ فقال: أتقتل رجلاً من أهل بدر؟ ما يدريك لعل الله اطَّلع على أهل بدر فقال: اعملوا ما شئتم.
ولما حارب بنو قَيْنُقاع سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم تشبّث بأمرهم عبد الله بن أبيّ، وقام دونهم، فمشى عبادة بن الصامت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان أحد بني عوف بن الخزرج، لهم من حلفهم مثل الذي لهم من حلف عبد الله بن أبي، فخلعهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتبرَّأ إلى الله وإلى رسوله من حلفهم، فقال: يا رسول الله، أتبرأ إلى الله وإلى رسوله من حلفهم، وأتولّى الله ورسوله والمؤمنين، وأبرأ من حلف الكفار وولايتهم، ففيه وفي عبد الله بن أبي نزلت الآيات في المائدة:" يَا أَيُّها الَّذِيْنَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا اليَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءَ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّه مِنْهُمْ " إلى قوله: " فَتَرى الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ " يعني عبد الله بن أبي لقوله: إني أخشى الدوائر " يُسَارِعُونَ فِيْهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيْبَنَا دَائِرَاةٌ " حتى بلغ إلى قوله: إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُوْلُهُ والَّذِيْنَ آمَنُوا " لقول عبادة: أتولى الله ورسوله والذين آمنوا، وتبرُّئه من بني قينقاع وحلفهم وولايتهم. إلى قوله: " وَمَنْ يَتَوَلَّى اللهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِيْنَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللهِ هُمُ الغَالِبُونَ ".
وعن عبادة بن الصامت قال: خلوت برسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: أيُّ أصحابك أحبُّ إليك حتى أحبَّ مَنْ تحبّ كما تحب؟ قال: اكتم عليّ حياتي أحبابي يا عبادة، فقلت: نعم. فقال: أبو بكر الصديق، ثم عمر، ثم علي، ثم سكت، فقلت: ثم من يا رسول الله؟ قال: مَنْ عسى أن يكون إلا الزبير، وطلحة، وسعد، وأبو عبيدة، ومعاذ بن جبل، وأبو طلحة، وأبو أيوب، وأنت يا عبادة، وأُبي بن كعب، وأبو الدرداء، وابن مسعود، وابن عوف، وابن عفان. ثم هؤلاء الرهط من الموالي: سلمان، وصهيب، وبلال، وعمار بن ياسر.
وعن عبادة بن الصامت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثه على الصدقة فقال له: اتّقِ الله يا أبا الوليد، اتق، لا تأتي يوم القيامة ببعير تحمله له رُغاء، أو بقرة لها خُوار، أو شاة لها ثؤاج، فقال: يا رسول الله، إن ذلك كذلك؟ قال: إي والذي نفسي بيده، إن ذلك لكذلك إلا من
رحم الله عز وجل. قال: فوالذي بعثك بالحق لا أعمل على اثنين أبداً.
وعن محمد بن كعب القرظي قال: جمع القرآن في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم خمسة من الأنصار: معاذ بن جبل، وعبادة بن الصامت، وأُبي بن كعب، وأبو أيوب، وأبو الدرداء. فلما كان عُمر كتب يزيد بن أبي سفيان أن أهل الشام كثير، وقد احتاجوا إلى من يعلمهم القرآن ويفقههم، فقال: أعينوني بثلاثة. فقالوا: هذا شيخ كبير، لأبي أيوب، وهذا سقيم لأُبي، فخرج معاذ وعبادة وأبو الدرداء فقال: ابدؤوا بحمص، فإذا رضيتم منهم فليخرج واحد إلى دمشق وآخر إلى فلسطين، فأقام بها عبادة وخرج أبو الدرداء إلى دمشق، ومعاذ إلى فلسطين. ومات معاذ عام طاعون عمواس، وصار عُبادة بعدُ إلى فلسطين فمات بها، ولم يزل أبو الدرداء بدمشق حتى مات.
وعن يعلى بن شداد قال: ذكر معاوية الفرار من الطاعون في خطبته فقال عبادة: أمُّك هند أعلم منك. فأتم خطبته ثم صلى، ثم أرسل إلى عبادة فنفذت رجال الأنصار معه فاحتبسهم، ودخل عبادة فقال له معاوية: ألم تتق الله وتستحي إمامك؟ فقال عبادة: أليس قد علمت أني بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة العقبة أني لا أخاف في الله لومة لائم؟ ثم خرج معاوية عند العصر فصلى العصر، ثم أخذ بقائمة المنبر فقال: أيها الناس، إن ذكرت لكم حديثاً على المنبر فدخلت البيت فإذا الحديث كما حدثني عبادة فاقتبسوا منه فهو أفقه مني.
وعن قبيصة بن ذؤيب أن عبادة أنكر على معاوية شيئاً فقال: لا أساكنك بأرضٍ، فرحل إلى المدينة فقال له عمر: ما أقدمك؟ فأخبره، فقال: ارْحَل إلى مكانك فقبَّحَ الله أرضاً لست فيها وأمثالك. فلا إمرة له عليك.
وعن عبيد بن رفاعة
أن عبادة بن الصامت مرت عليه قطارة وهو بالشام، تحمل الخمر فقال: ما هذه؟ أزيت؟ قيل: لا، بل خمر يباع لفلان، فأخذ شفرة من السوق فقام إليها فلم يذر فيها
راوية إلا بقرها، وأبو هريرة ذاك بالشام، فأرسل فلان إلى أبي هريرة فقال: ألا تمسك عنا أخاك عبادة بن الصامت؟ أما بالغدوات فيغدو إلى السوق فيفسد على أهل الذمة متاجرهم، وأما بالعشيّ فيقعد بالمسجد ليس له عملٌ إلا شتم أعراضنا وعيبنا، فأمسكْ عنا أخاك. فأقبل أبو هريرية يمشي حتى دخل على عبادة فقال: يا عبادة، مالك ولمعاوية؟ ذره وما حمل فإن الله تعالى يقول:" تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلتْ لَها مَاكَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ " قال: يا أبا هريرة، لم تكن معنا إذ بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، بايعناه على السمع والطاعة في النشاط والكسل، وعلى النفقة في العسر واليسر، وعلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأن نقول في الله لا تأخذنا في الله لومة لائم، وعلى أن ننصره إذا قدم علينا يثرب فنمنعه مما نمنع منه أنفسنا وأزواجنا وأهلنا، ولنا الجنة، ومن وفّى وفّى الله له الجنة بما بايع عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن نكث فإنما ينكُث على نفسه، فلم يكلمه أبو هريرة بشيء، فكتب فلان إلى عثمان بالمدينة: إن عبادة بن الصامت قد أفسد علي الشام وأهله، فإما أن يكفَّ عبادة وإما أن أخلي بينه وبين الشام، فكتب عثمان إلى فلان أن أرْحِلْه إلى داره من المدينة، فبعث به فلان حتى قدم المدينة، فدخل على عثمان الدار وليس فيها إلا رجل من السابقين بعينه، ومن التابعين الذين أدركوا القوم متوافرين، فلم يُفْجَ عثمان به إلا وهو قاعد في جانب الدار، فالتفت إليه، فقال: ما لنا ولك يا عبادة؟ فقام عبادة قائماً وانتصب لهم في الدار فقال: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا القاسم يقول: سيلي أموركم بعدي رجال يعرفونكم ما تنكرون، وينكرون عليكم ما يعرفون، فلا طاعة لمن عصى الله فلا تضلوا بربكم. فوالذي نفس عبادة بيده إن فلاناً لمن أولئك، فوالذي نفس عبادة بيده إن فلاناً لمن أولئك. فما راجعه عثمان بحرف.
عن الحسن قال: كان عبادة بن الصامت بالشام فرأى آنية من فضة يباع الإناء بمثلي ما فيه، أو نحو ذلك، فمشى إليهم عبادة فقال: أيها الناس، من عرفني فقد عرفني، ومن لم يعرفني فأنا
عبادة بن الصامت، ألا وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم في مجلس من مجالس الأنصار ليلة الخميس في رمضان لم يصم رمضان بعده يقول: الذهب بالذهب مثلاُ بمثل، سواء بسواء. وزناً بوزن، يداً بيد فما زاد فهو رباً، والحنطة بالحنطة قفيز، بقفيز، يد بيد، فما زاد فهو رباً، والتمر بالتمر، قفيز بقفيز، يد بيد فما زاد فهو رباً.
قال: فتفرق الناس عنه فأتى معاوية فأخبر بذلك، فأرسل إلى عبادة فأتاه فقال له معاوية: لئن كنت صحبت النبي صلى الله عليه وسلم وسمعت منه، لقد صحبناه وسمعنا منه، فقال له عبادة: لقد صحبته وسمعت منه، فقال له معاوية: فما هذا الحديث الذي تذكره؟ فأخبره، فقال له معاوية: اسكت عن هذا الحديث ولا تذكره. فقال له عبادة: بلى، وإن رغم أنف معاوية. قال: ثم قام فقام له معاوية: ما نجد شيئاً أبلغ فيما بيني وبين أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم من الصفح عنهم.
حدِّث حميد بن زياد أبو صخر
أنه بلغه أن عبادة بن الصامت حين ذكر لناس من شأن عثمان ما ذكروا قال: والله، لا أحضر هذا الأمر أبداً، فخرج من المدينة حتى لحق بغَسْقلان، فمكث حتى فرغ من عثمان، ثم أقام حتى استخلف معاوية، فقام معاوية على المنبر فخطب الناس فذكر أبا بكر بن أبي قحافة فصلّى عليه، ثم قال: إنه وطىء عقب نبيّه صلى الله عليه وسلم واتبع أمر صاحبه، ثم مات، له الفضل من ذلك، لا عليه، ثم ولي عمر فوطىء عقب نبيّه صلى الله عليه وسلم واتبع أثر صاحبه ثم مات، له الفضل من ذلك لا عليه، ثم مكث عثمان ثمان سنين لا يخالف أمر نبيه وصاحبيه، ثم أخذ وترك فمات، فالله أعلم به، ثُم وَليتُ فأخذت حتى خالط لحمي ودمي، فهو خير مني وأنا خير ممن بعدي، ويا أيها الناس إنما أنا لكم جنَّة. فقام عبادة بن الصامت فقال: أرأيت إن احترقت الجنة قال: إذاً تخلص إليها النار، قال: من ذلك افر، قال: فأمر به فأخذ، فأضْرَط بمعاوية، ثم قال: علمت كيف كانت البيعتان حين عينا إليهما، دُعيت على أن تبايع على ألَاّ نزني ولا نسرق، ولا نخاف في الله لومة لائم
فقلت: أما هذه فاعفني يا رسول الله، ومضيت أنا عليها، فبايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ولأنت يا معاوية أصغر في عيني من أن أخافك في الله عز وجل، فقال معاوية: صدقت، قد كان هذا شأن البيعتين، فأمر به فارسل.
وعن عبادة بن الصامت أنا معاوية قال لهم: يا معشر الأنصار، مالكم لم تلقوني مع إخوانكم من قريش؟ قال عبادة: الحاجة. قال: هلاّ على النواضح. قال: أنضيناها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بدر، فما أجابه. قال: وقال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنها ستكون أثَرَه بعدي. قال معاوية: فما أمَرَكُمْ؟ قال: أمرنا أن نصبر. قال: فاصبروا حتى تَلْقَوه.
وعن عبادة بن الوليد عن أبيه قال: لقد أهديت لعبادة بن الصامت هدية وإن معه في الدار اثني عشر أهل بيت، فقال عبادة: اذهبوا بهذه إلى آل فلان فهم أحوج إلهيا منا. قال: فما زالوا كلما جئت إلى أهل بيت يقولون: اذهبوا إلى آل فلان، هم أحوج إليه منا، حتى رجعت الهدية إليه قبل الصبح.
حدِّث عثمان بن أبي العاتكة أن عبادة بن الصامت مَرَّ بقرية يقال لها دُمَّر، من قرى الغوطة، فأمر غلامه أن يقطع له سواكاً من صفصاف على نهر بردى، فمضى ليفعل، ثم قال له: ارجع فإنه إلا يكن بثمن، فإنه ييبس فيعود حطباً بثمن.
وعن مالك بن شرحبيل قال: قال: عبادة بن الصامت: ألا تروني لا أقوم إلا رِفداً، ولا آكل إلا ما لوِّق لي، وقد مات صاحبي منذ زمان يعني: ذكره وما يسرني أني خلوت بامرأة لا تحل لي وأنَّ لي ما تطلع عليه الشمس مخافة أن يأتي الشيطان فيحركه علي، إنه لا سمع له ولا بصر.
قوله: " ما أقوم إلا رفداً " يريد إلا أن أُرفَد فأُعان على القيام حتى أنهض، وقوله:" إلا ما لُوّق لي " يقول: إلا ما لُيْن من الطعام حتى يصير كالزُّبد في لينه.