الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
العباس بن عبد الرحمن بن الوليد
ابن نَجِيع أبو الحارث القرشي حدث عن بكر بن عبد العزيز بن إسماعيل بن عبد الله بسنده عن أبي الدرداء قال:
أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فإذا جماعة من العرب يتفاخرون، قال: فأذن لي رسول الله صلى الله عليه وسلم فدخلت، فقال لي: يا أبا الدرداء، ما هذا اللجب الذي أسمع! قال: قلت: هذه العرب تفتخر بفناء رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فقال: يا أبا الدرداء، إذا فاخرت ففاخر بقريش، وإذا كاثرت فكاثر بتميم، وإذا حاربت فحارب بقيس، ألا وإن وجوهها كنانة، ولسانها أسد، يا أبا الدرداء، إن لله فرساناً في سمائه يقاتل بهم أعداءه، وهم الملائكة، وفرساناً في أرضه وهم قيس يقاتل بهم أعداءه، يا أبا الدرداء، إن آخر من يقاتل عن الدين حين لا يبقى إلا ذكره، ومن القرآن إلا رسمه رجل من قيس. قلت: يا رسول الله، ممن هو من قيس؟ قال: من سليم.
قال: هذا غريب جداً.
العباس بن عبد المطلب
أبو الفضل القرشي الهاشمي عم سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم قيل: إنه أسلم قبل الهجرة، وكتم إسلامه إلى أن اسر ببدر فأظهر إسلامه. قدم الشام مع عمر بن الخطاب.
حدث العباس قال: قلت: يا رسول الله، إن أبا طالب كان يحفظك وينصرك فهل ينفعه ذلك؟ قال: نعم، وجدته في غمرات من النار فأخرجته إلى ضحضاح.
وحدث العباس أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إذا سجد العبد سجد معه سبعة آراب: وجهه، وكفاه، وركبتاه، وقدماه.
ولما دنا عمر من الشام وأخذ طريق أيلة تنحى معه غلامه. فلما أراد الركوب عمد إلى مركب غلامه وإن عليه لفرواً مقلوباً، فركب وحوَّل غلامه على رحل نفسه، وهو على جمل أحمر، وعمر يومئذ متزر بإزار، ومرتد بعمامة على حقبيه، تحته فرو، وإن العباس لبين يديه على عتيق يتقدى به وكان رجلاً جميلاً، فجعلت البطارقة يسلمون عليه ويشير أني لست به، وأنه ذاك، فيسلمون عليه ويرجعون معه حتى انتهى إلى أيلة والجابية، وتوافى إليه بها المسلمون وأهل الذمة.
قالوا: وركب عمر من الجابية يريد الأردن، وقد توافى إليه الناس، ووقف له المسلمون وأهل الذمة، فخرج عليهم على حمار، وأمامه العباس على فرس. فلما رآه أهل الكتاب سجدوا له، فقال: لا تسجدوا للبشر واسجدوا لله، ومضى في مسيره، وقال القسيسون والرهبان: ما رأينا أحداً قط أشبه بما يوصف من الحواريين من هذا الرجل. ثم دخل الأردن على بعيره.
وولد عبد المطلب بن هاشم اثني عشر رجلاً وست نسوة، منهم العباس، وكان شريفاً عاقلاً مهيباً. وضراراً، وكان من فتيان قريش جمالاً وسخاء، ومات أيام أوحي إلى سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا عقب له. وقُثم بن عبد المطلب لا عقب له. وأمهم نتيلة بنت جناب بن كليب بن مالك بن عمرو بن عامر بن زيد مناة بن عامر، وهو الضحيان بن سعد بن الخزرج بن تيم الله بن النمر بن قاسط.
قيل: إنه شهد بدراً كرهاً، وأنه اسلم بعد انصرافه إلى مكة، وهو وكَّد البيعة للنبي صلى الله عليه وسلم ليلة العقبة.
ولد العباس قبل الفيل بثلاث سنين، وكان أبيض جميلاً بضاً، له ضفيرتان معتدل القامة.
وفي موضع آخر: كان معتدل القناة، يعني طويلاً حسن الانتصاب ليس فيه جنأ.
سئل العباس: أن أكبر أو رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم أكبر منّي وولدته قلبه.
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم للعباس: يا عماه، أنت أكبر مني وولدت قبله.
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم للعباس: يا عماه، أنت أكبر مني، قال العباس: أنا أسنّ ورسول الله صلى الله عليه وسلم أكبر.
قال ابن سلام:
لما أمعر أبو طالب قالت بنو هاشم: دعنا فليأخذ كل رجل منا رجلاً من ولدك. قال: اصنعوا ما أحببتم إلى خليتم لي عقيلاً، فأخذ النبي صلى الله عليه وسلم عليّاً، فكان أول من أسلم ممن تلفت عليه حيطانه من الرجال، ثم أسامة بن زيد، فكان أو طالب يدّان لسقاية الحاج حتى أعوزه ذلك، فقال لأخيه العباس بن عبد المطلب وكان أكثر بني هاشم مالاً في الجاهلية -: يا أخي، قد رأيت ما دخل عليّ، وقد حضر الموسم ولا بدّ لهذه السقاية من أن تقام للحاج، فأسلفني عشرة آلاف درهم، فأسلفه العباس إياها، فأقام أبو طالب تلك السنة بها وبما احتال. فلما كانت السنة الثانية وأَفِدَ الموسم قال لأخيه العباس: يا أخي، إن الموسم قد حضر ولابدّ للسقاية من أن تقام، فأسلفني أربعة عشر ألف درهم فقال: إني قد أسلفتك عام أول عشرة آلاف درهم ورجوت ألاّ يأتي عليك هذا الموسم حتى تؤديها
فعجزت عنها، وأنت تطلب العام أكثر منها وترجو زعمت ألا يأتي عليك الموسم حتى تؤديها، فأنت عنها أعجز اليوم، ههنا أمر لك فيه فرج: أدفع إليك هذه الأربعة عشر ألف درهم، فإن جاء موسم قابل ولم توفني حقي الأول، وهذا فولاية السقاية إلي فأقوم بها وأكفيك هذه المؤنة إذا عجزت عنها، فأنعم له أبو طالب بذلك، فقال: ليحضر هذا الأمر بنو فاطمة ولا أريد سائر بني هاشم، ففعل أبو طالب وأعاره العباس الأربعة عشر الألف درهم بمحضر منهم ورضى. فلما كان الموسم العام المقبل، ولم يكن بدّ من إقامة السقاية، فقال العباس لأبي طالب: قد أفِد الحج وليس لدفع حقي إليّ وجه وأنت لا تقدر أن تقيم السقاية فدعني وولايتها أكِفكها وأبرئك من حقي، ففعل، فكان العباس بن عبد المطلب يليها وأبو طالب حيّ ثم تمّ ذلك لهم إلى اليوم.
قال معروف بن خربوذ: انتهى الشرف من قريش من الجاهلية إلى عشرة نفر من عشرة بطون، فأدركهم الإسلام فوصل ذلك لهم من بني هاشم: العباس بن عبد المطلب، كان قد سقى في الجاهلية الحجيج فبقي ذلك له في الإسلام. قال: وكانت سقاية الحاج في الجاهلية وعمارة المسجد الحرام وحلول الثغر في بني هاشم. فأما حلول الثغر فإن قريشاً لم تكن تملك عليها في الجاهلية أحداً، فإذا كانت الحرب أقرعوا بين أهل الرئاسة، فإذا حضرت الحرب أجلسوه، لا يبالون صغيراً أو كبيراً، أجلسوه تيمناً به. فلما كان أيام الفجار أقرعوا بين بني هاشم فخرج سهم العباس وهو غلام فأجلسوه على ترسٍ.
وقال العباس بن عبد المطلب في دم عمرو بن علقمة بن عبد المطلب بن عبد مناف يحرض أبا طالب بن عبد المطلب على الطلب به: " الطويل "
أبا طالبٍ لا تقبلِ النصْف منهُمُ
…
وإنْ أنصفوا حتّى تعقّ وتظلِما
أبى قوما أن ينصفونا فأنصفت
…
قواطعُ في أيماننا تقطر الدما
إذا خالطتْ هام الرجال رأيتها
…
كبَيْض نعامٍ في الوغى قد تحطما
وزعناهُمُ وزع الحوامس غُدوة
…
بكل يماني إذا عض صمّما
وزعناهُمُ وزع الحوامس غُدوة
…
بكل يماني إذا عض صمّما
تركناهُمُ لا يستحلون بعدها
…
لِذي رحمٍ يوماً من الناس مَحْرَما
قال الزبير: ويقال: كان للعباس بن عبد المطلب ثوب لعاري بن هاشم وجفنة لجائعهم ومِقْطَرة لجاهلهم، وفي ذلك يقول إبراهيم بن علي بن هرمة:" الطويل "
وكانت لعباس ثلاثٌ يعدّه
…
إذا ما جنابُ الحيّ أصبح أشْهَبا
فسلسلةٌ تنهى الظلوم وجفنةٌ
…
تباحُ فيكسوها السَّنام الْمُزَغَّبا
وحُلَّةٌ عَصبٍ ما تزال معُدَّةً
…
لعارٍ ضريكٍ ثوبُه قد تهبَّبا
وكان يمنع الجار، ويبذل المال، ويعطي في النوائب، وكان نديمه في الجاهلية أبو سفيان بن حرب.
عن عمرو بن عثمان أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " أمتي أمة مباركة، لا يدري أولها خير أو آخرها ".
فأسلم العباس ليلة الغار، وأسلم عمر بعد أربع سنين من مبعث النبي صلى الله عليه وسلم.
وعن ابن عباس قال:
أسلم العباس بمكة قبل بدر، وأسلمت أم الفضل معه حينئذٍ، وكان مثقامه بمكة، إنه كان لا يغبّي على رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة خبراً يكون إلاّ كتب به إليه، وكان مَنْ هناك من المؤمنين يتقوون به ويصيرون إليه، وكان لهم عوناً على إسلامهم، ولقد كان يطلب أن
يقدم على النبي صلى الله عليه وسلم فيكتب إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم أن مقامك مجاهد حسن، فأقام بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وعن عبد الله بن الحارث بن نوفل أن قريشاً لما نفروا إلى بدر فكانوا بمرّ الظهران بعث أبو جهل من يومه فقال: يا معشر قريش، ألا تبّاً لرأيكم، ماذا صنعتم، خلّفتم بني هاشم وراءكم، فإن ظفر بكم محمد كانوا من ذلك بنجوة، وإن ظفرتم بمحمد أخذوا ثأرهم منكم من قريب من أولادكم وأهليكم، وفلا تذروهم في بَيْضَتِكم ونسائكم ولكن أخرجوهم معكم، وإن لم يكن عندهم غَناء، فرجعوا إليهم فأخرجوا العباس بن عبد المطلب ونوفلاً وطالباً وعقيلاً كُرهاً.
قال: هكذا ذكر ابن سعد، والصحيح أن العباس أسلم بعد بدر.
قال أبو اليسر: نظرت إلى العباس بن عبد المطلب يوم بدر وهو قائم كأنه صنم وعيناه تذرفان. فلما نظرت إليه قلت: جزاك الله من ذي رحم شرّاً، أتقاتل ابن أخيك مع عدوه! قال: ما فعل؟ وهل أصابه القتل؟ قلت: الله أعزُّ له وأنصر من ذلك، قال: ما تريد إليَّ؟ قلت: إسار، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن قتلك، قال: ليست بأول صلته، فأسرته ثم جئت به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال ابن عباس: وكان الذي أسر العباس بن عبد المطلب أن اليسر بن عمرو وهو كعب بن عمرو أحد بني سلمة، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: كيف أسرته يا أبا اليسر؟ قال: لقد أعانني عليه رجل ما رأيته بعد ولا قبل، هيئته كذا، وهيئته كذا، قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لقد أعانك عليه مَلَك كريم.
وعن ابن عباس قال: فبعثت قريش إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في فداء أسراهم، ففدى كل قوم أسيرهم بما
تراضوا، وقال العباس بن عبد المطلب: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم، إن قد كنت مسلماً فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الله أعلم بإسلامك، فإن يك كما تقول فالله يجزيك بذلك، فأما ظاهر أمرك فقد كان علينا، فأفد نفسك وابني أخيك نوفل بن الحارث بن عبد المطلب، وعقيل بن أبي طالب بن عبد المطلب، وحليفك عتبة بن عمرو بن جَحْدم أخو بني الحارث بن فهر، قال: ماذاك عندي يا رسول الله. قال: فأين المال الذي دفنت أنت وأم الفضل فقلت لها: إن أصبتُ في سفري هذا فهذا المال لبنيّ: الفضل وعبد الله وقُثَم؟ فقال: والله يا رسول الله إني لأعلم أنك رسول الله، إن هذا لشيء ما علمه أحد غيري وغير أم الفضل، فاسحب لي يا رسول الله ما أصبتم مني عشرين أوقية من مال كان معي. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ذاك شيء أعطاناه الله منك، ففدى نفسه وابني أخويه وحليفه. وأنزل الله عز وجل فيه:(يا أَيُّها النَّبيّ قُلْ لِمَنْ في أيديكُمُ مِن الأَسرى إنْ يَعْلَمِ اللهُ في قُلُوبِكُمْ خَيْراً يُؤْتِكُمْ خَيْراً مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ واللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) فأعطاني الله تعالى مكان العشرين الأوقية في الإسلام عشرين عبداً، كلهم في يده مال يضرب به مع ما أرجوا من مغفرة الله تعالى.
قال ابن إسحاق: وكان أكثر الأسارى يوم بدر فداء العباس بن عبد المطلب، وذلك لأنه كان رجلاً موسراً فافتدى نفسه بمئة أوقية من ذهب.
قال يحيى بن أبي كثير: لما كان يوم بدر أسر المسلمون من المشركين سبعين رجلاً، فكان ممن أسى عباس عم رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فولي وَثاقة عمر بن الخطاب فقال عباس: أما والله يا عمر ما يحملك على شدة وثاقي إلا لطمتي إياك في رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال عمر: والله ما زادتك تلك عليَّ إلاّ كرامة، ولكن الله أمرنا بشدّ الوثاق، قال: فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسمع أنين العباس فلا يأتيه النوم، فقالوا: يا رسول الله، ما يمنعك من النوم؟ فقال: كيف أنام وأنا أسمع أنين عمي؟! قال: فزعموا أن الأنصار أطلقوه من وثاقه وباتت تحرسه.
وفي حديث مجاهد
أن العباس أسره رجل من الأنصار وأوعدوه أن يقتلوه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إني لم أنم الليلة من أجل العباس، وقد زعمت الأنصار أنهم قاتلوه، فقال عمر: آتيهم يا رسول الله؟ فأتى الأنصار فقال: أرسلوا العباس، قالوا: إن كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم رضاً فخذه.
وعن ابن عباس قال: أقبل النبي صلى الله عليه وسلم حين فرغ من بدر، قال: عليك العير ليس دونها شيء. قال: فناداه العباس وهو أسير: لا يصلح ذلك، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: لمه؟ قال: لأن الله عز وجل وعدك إحدى الطائفتين وقد أعطاك ما وعدك.
وعن أنس بن مالك قال: قالت الأنصار: ذرنا يا رسول الله نترك لابن أخينا العباس فداءه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تذرون له درهماً واحداً.
وعن ابن عباس قال: قال العباس: فيّ نزلت: " مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يكونَ لهُ أسرَى حتَّى يُثْخِنَ في الأَرْضِ "، فأخبرت النبي صلى الله عليه وسلم بإسلامي وسألته أن يحاسبني بالعشرين أوقية التي أخذ مني، فأبى عليَّ، فأبدلني الله بالعشرين أوقية عشرين عبداً، كلهم تاجرٌ، مالي في يده.
وعن الهيثم بن معاوية قال: للعباس بن عبد المطلب عِدَةٌ في كتاب الله عز وجل ليس لغيره، وعده الله عز وجل إياها فهي تقرأ إلى يوم القيامة تكون له ولولده من بعده، قال الله عز وجل في
كتابه: " إنْ يَعْلَمِ اللهُ في قُلُبِكُمْ خَيْراً يُؤْتِكُمْ خَيْراً مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ " فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم للعباس: وفيْت فوفى الله لك. وذلك أن الإيمان كان في قلبه.
وعن حميد بن هلال قال: بعث ابن الحضرمي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من البحرين بثمانين ألفاً، ما أتاه مال أكثر منه لا قبل ولا بعد قال: فنثرت على حصير ونودي بالصلاة، قال: وجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فمثل قائماً على المال، قال: وجاء أهل المسجد، قال: فما كان يومئذٍ عدد ولا وزن ما كان إلا قبضاً، قال: فجاء العباس بن عبد المطلب فحثى في خميصة عليه، فذهب يقوم فلم يستطع، قال: فرفع رأسه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، ارفع عليّ، فتبسمّ رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى خرج ضاحكه أو نابه فقال له: أعد في المال طائفة، وقم بما تطيق، قال: أفعل، قال: فجعل العباس يقول وهو منطلق: أما إحدى اللتين وعدنا الله فقد أنجزنا، وما ندري ما يصنع في الأخرى:" يا أَيُّها النَّبيّ قُلْ لِمَنْ في أيديكُمُ مِن الأَسرى إنْ يَعْلَمِ اللهُ في قُلُوبِكُمْ خَيْراً يُؤْتِكُمْ خَيْراً مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ واللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ "، قال: فهذا خير ما أخذ مني، ولا أدري ما يصنع الله في الآخرة، فما زال رسول الله صلى الله عليه وسلم ماثلاً على ذلك المال حتى ما بقي منه درهم وما بعث إلى أهله بدرهم، قال: ثم أتى الصلاة فصلى.
قال أبو رافع: بشرت النبي صلى الله عليه وسلم بإسلام العباس فأعتقني.
وعن سهل بن سعد قال: لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم من بدر أستأذنه العباس أن يأذن له أن يرجع إلى مكة حتى يهاجر منها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اطمئن يا عم، فإنك خاتم المهاجرين في الهجرة، كما أنا خاتم النبيين في النبوة.
قال ابن عباس: أسلم كل من شهد بدراً مع المشركين من بني هاشم، فادى العباس نفسه وابن أخيه عقيلاً، ثم رجعوا جميعاً إلى مكة، ثم أقبلوا إلى المدينة مهاجرين.
وعن العباس بن عبد المطلب قال:
لما كان يوم فتح مكة ركبت بغلة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتقدمت إلى قريش وفي رواية: إلى مكة لأردهم عن حرب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ففقدني رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسأل عني فقالوا: تقدم إلى مكة ليرد قريشاً عن حربك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ردّوا عليّ أبي، ردّوا عليّ أبي، لا تقتله قريش كما قتلت ثقيف عروة بن مسعود، قال: فخرجت فوارس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى يلقوني فردّوني معهم. فلما رآني رسول الله صلى الله عليه وسلم جهش واعتنقني باكياً، فقلت: يا رسول الله، إني ذهبت لأنصرك، فقال: نصرك الله، اللهم انصر العباس وولد العباس. قالها ثلاثاً. ثم قال: يا عمّ، أما علمت أن المهدي من ولدك موفقاً راضياً مرضياً؟ وعن عبادة بن الصامت: قال: أخذ العباس بعنان دابة رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين حين أنهزم المسلمون فلم يزل آخذاً بعنان دابته، حتى نصر الله رسوله وهزم المشركين.
وعن عبد المطلب بن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب قال: دخل العباس على رسول الله صلى الله عليه وسلم مغضباً، فقال له: ما يغضبك؟ قال: يا رسول الله، ما لنا ولقريش إذا تلاقوا بينهم تلاقوا بوجوه مبشرة، وإذا لقونا لقونا بغير ذلك، فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى احمرّ وجهه، وحتى استدرّ عرق بين عينيه، وكان إذا غضب استدرّ. فلما سُرّي عنه قال: والذي نفسي بيده أو نفس محمد بيده لا يدخل قلب رجل الإيمان حتى يحبكم لله عز وجل ولرسوله، ثم قال: أيها الناس، من آذى العباس فقد آذاني، وإنما عمّ الرجل صنو أبيه.
وعنه أيضاً قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: احفظوني في العباس، فإنه بقية آبائي، وإن عمّ الرجل صِنْو أبيه.
وعن العباس بن عبد المطلب أنه جلس إلى قوم فقطعوا حديثهم، فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ما بال أقوام إذا جلس إليهم أحد من هل بيتي قطعوا حديثهم، والذي نفسي بيده لا يدخل قلب امرىء الإيمان حتى يحبهم لله ولقرابتهم مني.
وعن ابن عباس أن رجلاً شتم أباً للعباس في الجاهلية، فلطمه العباس، فأخذ قوم هذا السلاح، وأخذ قوم هذا السلاح، قال: فغضب النبي صلى الله عليه وسلم فجاء فصعد المنبر فقال: من أنا؟ قالوا: أنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: فإن عمّ الرجل صنو أبيه، لا تسبّوا أمواتنا فتؤذوا أحياءنا، فقالوا: نعوذ بالله من غضب رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وفي حديث بمعناه: فصعد المنبر فقال: يا أيها الناس، أيُّ الناس تعلمون أكرم على الله عز وجل؟ قالوا: أنت. قال: فإن العباس مني وأنا منه، لا تسبوا أمواتنا فتؤذوا أحياءنا.
وزاد في آخر: فقالوا: يا رسول الله: نعوذ بالله من غضبك فاستغفر لنا، أحسبه قال: فاستغفر لهم.
وفي حديث بمعناه: " مَنْ سبّ العباس فقد سبَّني ".
وعن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا يغسلني العبّاس فإنه والد، والوالد لا ينظر إلى عورة ولدِه ".
وعن سهل بن سعد الساعدي قال: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر، فسما لحاجة له، فلحقه العباس بكساء فستره، قال فقال له: يا عباس، سترك الله من النار، وستر ولدك من النار.
وعن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم للعباس بن عبد المطلب: إذا كان غداة الاثنين فائتني أنت وولدك، فغدا وغدونا معه فألبسنا رسول الله صلى الله عليه وسلم كساء له وقال: اللهم، اغفر للعباس ولولده مغفرة ظاهرة باطنة لا تغادر ذنباً، اللهم، اخلفه في ولده. وعن أبي أسيد الأنصاري الخزروجي البدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال للعباس بن عبد المطلب: يا أبا الفضل، لا تَرِمْ منزلك غداً أنت وبنوك، فإن لي فيكم حاجة، فانتظروه فجاء فقال: السلام عليكم، قالوا: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، قال: كيف أصبحتم؟ قالوا: بخير نحمد الله، كيف أصبحت أنت يا رسول الله، قال: بخير أحمد الله، فقال: تقاربوا ليزحف بعضكم إلى بعض، ثلاثاً. فلما أمكنوه اشتمل عليهم بملاءته، وقال: هذا العباس عمي وصنو أبي، وهؤلاء أهل بيتي، اللهم، استرهم من النار كستري إياهم بملاءتي هذه، قال: فَأمَّنّتْ اُسْكُفّه الباب وحوائط البيت. آمين آمين، ثلاثًا.
وعن أبي هريرة قال:
بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عمر بن الخطاب ساعياً على الصدقة، فمنع ابن جميل وخالد بن الوليد والعباس بن عبد المطلب، فقال رسول الله صلى اللهعليه وسلم: ما ينقم ابن جميل إلا أن كان فقيراً فأغناه الله، وأما خالد فإنكم تظلمون خالداً، إن خالداً قد احتبس أدْراعه وأعواده في سبيل الله، وأما العباس عمّ رسول الله صلى الله عليه وسلم فهي عليّ ومثلها معها. ثم قال: أما شعرت أن عمّ الرجل صنو أبيه؟ وفي حديث آخر مطول بمعناه: فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا عمر، أكرمه أكرمك الله، أما علمت أن عمّ الرجل صنو أبيه؟ لا تكلم العباس فإنا قد تعجلنا منه صدقة سنتين.
وعن علي بن أبي طالب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " العباس بن عبد المطلب عمي وصنو أبي، فمن شاء فليباه بعمه ".
وعن عبد الله بن مسعود قال: " رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم انتشل يد العباس بن عبد المطلب وقال: " هذا عمي وصنو أبي وسيد عمومتي من العرب، وهو معي في السناء الأعلى من الجنة ".
ومن حديث: " من آذى العباس فقد آذاني، إنما عمّ الرجل صنو أبيه ".
وعن قيس بن عاصم قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " العباس عمي وصنو أبي وبقية آبائي، اللهم، اغفر له ذنبه وتقبل منه أحسن ما عمل، وتجاوز عنه سيء ما عمل، وأصلح له في ذريته ".
وعن ابن عباس قال: جاء النبي صلى الله عليه وسلم يعود العباس فأخذ بيده العباس حتى صعد إليه على السرير فأقعده في مجلسه فقال: رفعك الله يا عم.
وعن أبي هريرة قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم للعباس بن عبد المطلب: " اللهم، اغفر للعباس وولد العباس ولمحبي ولد العباس وشيعتهم ".
قال أبو هريرة: ثم رأيت النبي صلى الله عليه وسلم قد ضرب بيديه على منكب العباس فقال: يا رب، هذا عمي وصنو أبي، اللهم، لا تفجعني به كما فجعتني بعمي حمزة يوم أحد، وكان أمرك يا رب قَدراً مقدوراً، ثم رأيت عينيه تذرفان بالدموع.
قال أبو هريرة: ثم رأيته صلى الله عليه وسلم قد رفع يديه وهو يدعو ويقول: " اللهم، اغفر للعباس ما أسرّ وما أعلن، وما أبدى وما أخفى، وما كان وما يكون منه ومن ذريته إلى يوم القيامة ".
قال أبو هريرة: وكان في المجلس عبد الله بن العباس وعبد الله بن جعفر وعقيل وعلي وفاطمة والحسن والحسين. فقال: هؤلاء أهلي، اللهم، فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً.
وعن الأعمش قال: بني العباس بن عبد المطلب داره التي كانت إلى المسجد فجعل يرتجز ويقول:
بنيتها باللّبن والحجاره
…
والخشبات فوقها مطاره
يا رب باركن في أهل الداره فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " اللهم، باركن في أهل الداره ".
قال: وجعل العباس ميزابها لاصقاً بباب المسجد يصب عليه، فطرحه عمر بن الخطاب فقال العباس: أما والله ما شده إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإنه لعلى منكبي، فقال عمر: لا جرم والله لا تشده إلا وأنت على منكبيّ، فشده على منكبي عمر.
وعن عبد الله بن العباس قال: قال لي العباس: جئت أنا وعلي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما رآنا قال: " بخٍ لكما، أنا سيد ولد آدم، وأنتم سيدا العرب ".
وعن ابن عباس قال: أمر النبي صلى الله عليه وسلم المهاجرين والأنصار أن يصفّوا صفين، ثم أخذ بيد علي وبيد عباس، ثم مشى بينهم، ثم ضحك النبي صلى الله عليه وسلم ثم قال له علي: ممّ ضحكت يا رسول الله؟ قال: أن جبريل أخبرني أن الله تعالى باهى بالمهاجرين والأنصار أهل السموات السبع، وباهى بك يا علي وبك يا عباس حملة العرش.
وعن علي بن أبي طالب قال: لما فتح الله على نبيّه صلى الله عليه وسلم مكة صلى بالناس الفجر من صبيحة ذلك، فضحك حتى بدت نواجذه، فقالوا: يا رسول الله، ما رأيناك ضحكت مثل هذه الضحكة، فقال: "
وما لي لا أضحك وهذا جبريل عليه السلام يخبرني عن الله عز وجل أن الله باهى بي وبعمي العباس وبأخي علي بن أبي طالب سكان الهواء وحملة العرش وأرواح النبيين وملائكة ست سماوات، وباهى بأمتي أهل سماء الدنيا ".
وعن سعد بن أبي وقاص قال:
خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يجهز بعثاً بسوق الخيل وهو اليوم موضع سوق النخاسين فطلع العباس بن عبد المطلب على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " هذا العباس عم نبيكم أجود قريش وأوصلها ".
وفي حديث: " أجود قريش كفاً وأوصلها لها ".
وعن ابن عمر أنه قال: استسقى عمر بن الخطاب عام الرمادة بالعباس بن عبد المطلب فقال: اللهم، إن هذا عمّ نبيك نتوجه به إليك، فاسقنا، فما برحوا حتى سقاهم الله، فخطب عمر الناس فقال: يا أيها الناس، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يرى للعباس ما يرى الولد لوالده فيعظمه ويفخمه ويَبَرّ قسمه ولا تناله يمينه، فاقتدوا أيها الناس برسول الله صلى الله عليه وسلم في عمه العباس، واتخذوه وسيلة إلى الله فيما نزل بكم.
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يكرم أحداً إكرامه العباس.
وعنها قالت: ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يُجِلّ أحداً ما يُجِلّ العباس.
وعن عائشة رضوان الله عليها أنها قالت لعروة: يا بن أختي، لقد رأيت من تعظيم رسول الله صلى الله عليه وسلم العباس أمراً عجيباً: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت تأخذه الخاصرة، فتشتد به جداً، قالت: فكنا نقول: أخذ
رسول الله صلى الله عليه وسلم عرق الكلية ولا نهتدي للخاصرة، قالت: فاشتد به صلى الله عليه وسلم جداً حتى أغمي عليه، ففزع الناس إليه، قالت: فظننا أن به ذات الجنب فلددناه، قالت: ثم سُرّي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فعرف أن قد لددناه، ووجد أثر اللدود فقال صلى الله عليه وسلم: أظننتم أن الله عز وجل سلطها عليّ، ما كان الله ليسلطها علي، والذي نفسي بيده لايبقى أحد في البيت إلا لُدّ، إلا عمي، قالت عائشة: فلقد رأيتهم يلدون رجلاً رجلاً، قالت: ومن في البيت يومئذ يذكر فضلهم، قالت: فلُدّ الرجال أجمعون، قالت: ثم بلَغَنا والله اللدود أزواجَ النبي صلى الله عليه وسلم، قالت: فلددنا والله امرأة امرأة، قالت: حى بلغ اللدود امرأة منا، قالت: إني والله صائمة، قلنا لها: بئس ما تحسبين أن تتركين وقد أقسم رسول الله صلى الله عليه وسلم فلددناها والله يا بن أختي وإنها لصائمة.
وفي حديث آخر عن العباس بن عبد المطلب قال: دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعنده نساء فيهن أسماء، وهي تدق سعطة لها فقال:" لا يبقى في البيت أحد شهد اللد إلا لُدّ، وإني قد أقسمت أن يميني لم تصب العباس ".
قال أنس بن مالك قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم من أشد الناس لطفاً بالعباس.
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم جالساً مع أصحابه وبجنبه أبو بكر وعمر، فاقبل العباس عم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأوسع له أبو بكر فجلس بين النبي صلى الله عليه وسلم وبين أبي بكر، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لأبي بكر:" إنما يعرف الفضل لأهل الفضل ذوو الفضل "، قال: ثم أقبل العباس على النبي صلى الله عليه وسلم يحدثه فخفض النبي صلى الله عليه وسلم صوته شديداً فقال أبو بكر لعمر: قد حدث برسول الله صلى الله عليه وسلم الساعة علة قد شغلت قلبي، قال: فما زال العباس عند النبي صلى الله عليه وسلم حتى فرغ من حاجته وانصرف، فقال أبو بكر للنبي صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله، حديث بكل علةٌ الساعة "؟ قال: لا. قال: فإني قد رأيتك قد خفضت صوتك شديداً،
قال: إن جبريل أمرني إذا حضر العباس أن أخفض صوتي، كما أُمرتم أن تخفضوا أصواتكم عندي.
قال أبو رِشْدين كريب مولى ابن عباس: إن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليجلّ العباس إجلال الولدِ والده، خاصة خص الله عز وجل العباس من بين الناس، وما ينبغي للنبي صلى الله عليه وسلم أن يجل أحداً إلا والداً أو عماً.
وعن عروة قال: أخذ العباس بن عبد المطلب بيد رسول الله صلى الله عليه وسلم في العقبة حين وافاه السبعون من الأنصار، فأخذ لرسول الله صلى الله عليه وسلم عليهم واشترط له، وذلك والله في غرّة الإسلام وأوله من قبل أن يعبد الله أحد علانية.
وعن محمد بن علي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً وهو في مجلس بالمدينة وهو يذكر ليلة العقبة فقال: " أيّدتُ تلك الليل بعمي العباس، وكان يأخذ على القوم ويعطيهم ".
وعن دحية الكلبي قال: قدمت من الشام فأهديتُ إلى النبي صلى الله عليه وسلم فاكهة يابسة من فستق ولوز وكعك، فوضعته بين يديه، فقال:" اللهم، ائتني بأحبّ أهلي إليك أو قال: إليّ يأكل معي من هذا "، فطلع العباس، فقال:" ادنُ يا عم فني سألت الله عز وجل أن يأتيني بأحب أهلي إلي أو إليه يأكل معي من هذا فأتيت " قال: فجلس يأكل.
وعن جابر بن عبد الله الأنصاري قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " من لم يحبّ العباس بن عبد المطلب وأهل بيته فقد برىء اللهُ ورسولُه منه ".
وعن أبي الضحى قال: قال العباس للنبي صلى الله عليه وسلم: إني لأعرف ضغائن في صدور أقوام بوقائع أوقعتُها فقال: " لن يبلغوا خيراً حتى يحبّوك لله ولقرابتي، ترجو سَلْهَم شفاعتي ولا ترجوها بنو عبد المطلب ".
وفي رواية: سَلهم: حيٌّ من مراد.
وعن عبد الله بن حارثة قال: لما قدم صفوان بن أمية المدينة أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: على من نزلت يا أبا وهب؟ قال: على العباس بن عبد المطلب، قال: نزلت على أشد قريش لقريش حباً.
وروى المنصور أبو جعفر عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " العباس وصيّي ووارثي ".
وعن ابن عباس قال: لما حاصر النبي صلى الله عليه وسلم الطائف خرج رجل من الحصن فاحتمل رجلاً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ليدخله الحصن، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: من يستنقذه فله الجنة، فقام العباس فمضى فقال النبي صلى الله عليه وسلم: امض ومعك جبريل وميكائيل، فمضى فاحتملهما جميعاً ووضعهما بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وفي حديث سمعناه عن جابر بن عبد الله قال: لقد بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الطائف حنظلة بن الربيع إلى أهل الطائف يكلمهم، فاحتملوه ليدخلوه حصنهم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من لهؤلاء وله مثل أجل غزاتنا هذه؟ فلم يقم إلا العباس بن عبد المطلب حتى أدركه في أيديهم قد كادوا أن يُدخلوه الحصن، فاحتضنه العباس، وكان رجلاً شديداً فاختطفه من أيديهم، وامطروا على العباس الحجارة من الحصن، فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يدعو له حتى انتهى به إلى النبي صلى الله عليه وسلم.
وعن أبي سفيان بن الحارث قال: اليوم علمت أن العباس سيد العرب بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنه أعظم الناس منزلة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أخطره قريشاً بأصلها فقال: لئن قتلوه لا أستبقي منهم أحداً أبداً. وقال في حمزة رضي الله عنه حين قتل ومُثِّل به: لئن بقيت لأمثلنّ بثلاثين من قريش. وقال المكثر: بسبعين.
وعن سعيد بن المسيب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم للعباس: يا أبا الفضل، ألا أبشرك؟ قال: بلى يا رسول الله، قال: لو قد متّ أعطاك الله حتى ترضى.
وعن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: " إن الله تعالى اتخذني خليلاً كما اتخذ إبراهيم خليلاً، فمنزلي ومنزل إبراهيم في الجنة تجاهين، والعباس بيننا مؤمن بين خليلين ".
وعن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أسعد الناس يوم القيامة العباس ".
وعن عائشة قالت: قلت: يا رسول الله، بأبي أنت وأمي، ما للعباس فضل؟ قال:" بلى. إن له في الجنة غرفة كما تكون الغرف، مُطِلّ عَلَيَّ يكلمني وأكلمه ".
قال عبد الله بن كثير: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أوصاني الله بذي القربى، وأمرني أن أبدأ بالعباس بن عبد المطلب ".
قال: وقال علي بن أبي طالب: أفضل هذه الأمة بعد نبيها أو بكر وعمر، ولو شئت أن أسمي لكم الثالث لسميته، وقال: لا يفضلني أحد على أبي بكر وعمر إلا جلدته جلداً وجيعاً، وسيكون في آخر
الزمان قوم ينتحلون محبتنا والتشيّع فينا، هم شرار عبد الله، الذي يشتمون أبا بكر وعمر.
قال: وقال علي: ولقد جاء سائل فسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعطاه، وأعطاه أبو بكر، وأعطاه عمر، وأعطاه عثمان، فطلب الرجل من رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يدعوا له فيما اعطوه بالبركة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" وكيف لا يبارك لك ولم يعطك إلا نبي أو صديق أو شهيد؟ ".
وعن جعفر بن محمد عن أبيه عن جده قال:
كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا جلس جلس أبو بكر عن يمينه وعمر عن يساره، وعثمان بين يديه، وكان كاتبَ سِرّ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإذا جاء العباس بن عبد المطلب تنحى أبو بكر وجلس العباس مكانه.
وعن المُجَمّع بن يعقوب الأنصاري عن أبيه قال: إن كانت حلقة رسول الله صلى الله عليه وسلم لتشتبك حتى تصير كالأسوار، وإن مجلس أبي بكر منها لفارغ منا يطمع فيه أحد من الناس، فإذا جاء أبو بكر جلس ذلك المجلس، وأقبل عليه النبي صلى الله عليه وسلم بوجهه وألقى إليها حديثه، وسمع الناس، فطلع العباس فتزحزح له أبو بكر من مجلسه فعرف السرور في وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم لتعظيم أبي بكر العباس.
وعن جابر بن عبد الله قال: جاء العباس بن عبد المطلب إلى النبي صلى الله عليه وسلم وعليه ثياب بيض. فلما نظر إليه تبسم، فقال العباس: يا رسول الله، ما الجمال؟ قال: صواب القول بالحق، قال: فما الكمال؟ قال: حسن الفعال بالصدق.
وعن أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين قال: أقبل العباس بن عبد المطلب وهو أبيض بضّ، وعليه حُلَّةٌ وله ضفيرتان. فلما رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم تبسم فقال له العباس: مم ضحكت يا رسول الله أضحك الله سنك؟
قال أعجبني جمالك يا عم، فقال العباس: يا رسول الله، ما الجمال في الرجل؟ قال: اللسان.
وعن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لكل شيء أسّ، وأسّ الإيمان الورع، ولكل شيء فرع وفرع الإيمان الصبر، ولكل شيء سنام وسنام هذه الأمة عمي العباس، ولكل شيء سِبط، وسبط هذه الأمة حبيباي الحسن والحسين، ولكل شيء جناح وجناح هذه الأمة أبو بكر وعمر، ولكل شيء مجنّ ومجن هذه الأمة علي بن أبي طالب ".
وعن أبي هريرة قال:
بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عمه العباس بن عبد المطلب وإلى علي بن أبي طالب فأتياه في منزل أم سلمة فنهاهما عن بعض الأمر وأمرهما ببعض الأمر، فاختلفا وامتريا حتى ارتفعت أصواتهما، واشتد اختلافهما بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال النبي صلى الله عليه وسلم:" يا علي، مَهْ " وأقبل عليه وقال: " هل تدري لمن اغلظت؟! أبي وعمي وبقيتي وأصلي وعنصري وبقية نسل آبائي، خير أخصل الجاهلية محتداً، وأفضل أهل الإسلام نفساً وديناً بعدي، من جهل حقه فقد ضيع حقي، أما علمت أن الله جلّ ذكره مخرج من صلب عمي العباس أولاداً ولاة أمر أمتي يجعلم خلفاء ملوكاً ناعمين ومنهم مهديّ أمتي، يا علي، لست أنا ذكرتهم، ولكن الله هو الذي ذكرهم ورفع أصواتهم، فيخذل من ناوأهم، يجعل الله عز وجل فيهم نوراً ساطعاً، عبداً صالحاً، مهدياً سيداً، يبعثه الله حين فرقة من الأمر واختلاف شديد، فيحيي الله به كتابه وسنتي، ويعز به الدين وأولياءه في الأرض، يحبه الله في سمائه وملائكته وعباده الصالحون في شرق الأرض وغربها، وذلك يا علي بعد اختلاف الأخوين من ولد العباس فيقتل أحدهما صاحبه، ثم تقع الفتنة ويخرج قوم من ولدك يا علي فيفسدون عليهم البلدان ويعادونهم، ويفترون عليهم في قطر الأرض، ويفسد عليهم فيكن ذلك أشهراً أو تمام السنة، ثم يرد الله عز وجل النعمة
على ولد العباس، فلا يزال فيهم حتى يخرج مهدي أمتي منهم، شاب حدث السن، فيجمع الله به الكلمة ويحيي به الكتاب والسنة، ويعيش في زمانه كل مؤمن متمسك بكتاب الله وسنته، ينزل الله به رحمته، ويفرج به كل كربة كان في أمتي، يحبه ساكن السماء وساكن الأرض، فلا يزال ذلك فيه وفي نسله حتى ينزل عيسى بن مريم روح الله وكلمته فيقبض ذلك منهم. يا علي، أما علمت أن للعباس ولآل العباس من الله حافظاً، أعطاني الله ذلك فيهم، أما علمت أن عدوهم مخذول ووليهم منصور؟ قال: وغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم غضباً شديداً حتى درّ عرق بين عينيه واحمرّ وجهه ودرت عروقه، فما كاد يقلع في المقالة في العباس وولده عامة نهاره. فلما رأى ذلك عليّ وثب إلى العباس فعانقه وقبل رأسه وقال: أعوذ بالله من سخط الله وسخط رسوله وسخط عمي، فما زال كذلك حتى سكن غضب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم قال:" يا علي، إنه من لم يعرف حق أبي وعمي وبقيتي وبقيتك العباس بن عبد المطلب ومكانه من الله ورسوله فقد جهل حقي، يا علي، احفظ عترته وولده فإن لهم من الله حافظاً، يَلُون أمر أمتي، يشد الله بهم الدين ويعز بهم الإسلام بعدما أُكفِىء الإسلام وغُيرت سنتي، يخرج ناصرهم من أرض يقال لها: خراسان برايات سود، فلا يلقاهم أحد إلا هزموه وغلبوا على ما في أيديهم حتى تضرب رايات ببيت المقدس ". ثم أمرهما رسول الله صلى الله عليه وسلم فانصرفا. فلما أدبرا دعا لهما رسول الله صلى الله عليه وسلم دعاء كثيراً، وخرجا راضيين غير مختلفين.
وعن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال للعباس بن عبد المطلب: " فيكم النبوة والمملكة ".
وعن علي بن أبي طالب قال: لقي رسول الله صلى الله عليه وسلم العباس بن عبد المطلب يوم فتح مكة وهو على بغلته الشهباء فقال: " يا عم، ألا أحبوك ألا أجيزك؟ " قال: بلى فداك أبي وأمي يا رسول الله، قال:" إن الله فتح هذا الأمر بي ويختمه بولدك ".
وعن ابن عباس قال: قال العباس: يا رسول الله، ما لنا في هذا الأمر؟ قال:" لي النبوة ولكم الخلافة، بكم يفتح هذا الأمر، وبكم يختم ".
زاد غيره: وقال النبي صلى الله عليه وسلم للعباس: " من أَحبَّك نالته شفاعتي، ومن أبغضك فلا نالته شفاعتي ".
وعن عمار بن ياسر قال: بينما النبي صلى الله عليه وسلم راكب إذ حانت منه التفاتة فإذا هو بالعباس فقال: يا عباس، قال: لبيك، قال: يا عم، قال: لبيك، قال:" إن الله بدأ الإسلام بي، وسيختمه بغلام من ولدك، وهو الذي يصلي بعيسى عليه السلام ".
وفي حديث: " وسيختمه بغلام من ولدك يملأها عدلاً كما ملئت جوراً، وهو الذي يصلي بعيسى ".
وعن أبي ميسرة قال: سمعت العباس يقول: كنت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات ليلة فقال: انظر هل ترى في السماء من شيء؟ قال: قلت: نعم. قال: ما ترى؟ قال: قلت: أرى الثريا. قال: أما إنه يملك هذه الأمة بعددها من صلبك.
وعن ابن عباس قال: حدثتني أم الفضل بنت الحارث الهلالية قالت: مررت بالنبي صلى الله عليه وسلم وهو في الحجر، قال: يا أم الفضل، إنك حامل بغلام، قلت: يا رسول الله، وكيف وقد تحالف الفريقان ألا يأتوا النساء؟! قال: هو ما أقول لك، فإذا وضعتيه فائتني به. قالت: فلما وضعته أتيت به رسول الله صلى الله عليه وسلم فأذن في أذنه اليمنى، وأقام في أذنه اليسرى فقال: اذهبي بأبي الخلفاء. قالت: فأتيت العباس فأعلمته، وكان رجلاً جميلاً لباساً، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم. فلما رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم قام إليه فقبّل ما بين عينيه ثم
أقعده عن يمينه ثم قال: هذا عمي، فمن شاء فليباه بعمه. قلت: يا رسول الله، بعض القول. فقال: يا عباس، لم لا أقول هذا وأنت عمي وصنو أبي وبقية آبائي وخير من أخلّف بعدي من أهلي، فقلت: يا رسول الله، ما شيء أخبرّتْني به أم الفضل عن مولودنا هذا؟ قال: نعم، يا عباس، إذا كانت سنة خمس وثلاثين ومئة فهي لك ولولدك منهم السفاح ومنهم المنصور ومنهم المهدي.
وعن علي بن أبي طالب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هبط عليّ جبريل وعليه قباء أسود، وعمامة سوداء فقلت: ما هذه الصورة التي لم أرك هبطت عليّ فيها قطّ؟ قال: هذه صورة الملوك من ولد العباس عمك. قلت: وهم على حق؟ قال جبريل نعم، قال النبي صلى الله عليه وسلم: اللهم، اغفر للعباس وولده حيث كانوا، وأين كانوا. قال جبريل: ليأتين على أمتك زمان يُعزّ الله الإسلام بهذا السواد. قلت: رئاستهم ممن؟ قال: من ولد العباس، قلت: وتبّاعهم؟ قال: من أهل خراسان. قلت: وأي شيء يملك ولد العباس؟ قال: يملكون الأصفر والأخضر، والحجر والمدر، والسرير والمنبر، والدنيا إلى المحشر، والملك إلى المنشر.
وعن عامر الشعبي قال: قال العباس لعلي بن أبي طالب حين مرض النبي صلى الله عليه وسلم: إن أكاد أعرف في وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم الموت، فانطلق بنا إليه نسأله مَنْ يستخلف، فإن يستخلف منا فذاك، وإلا أوصى بنا. قال: فقال علي للعباس كلمة فيها جفاء، فلما قبض صلى الله عليه وسلم قال العباس لعليّ: ابسط يدك فلنبايعك قال: فقبض يده.
فقال عامر: لو أن علياً أطاع العباس في أحد البابين كان خيراً من حُمْر النَّعم.
قال عامر: لو أن العباس شهد بدراً ما فضله أحد من الناس رأياً ولا عقلاً.
وحدث إسماعيل بن محمد بن سعد بن أبي وقاص هو وغيره قالا: ما أدركنا أحداً من الناس إلا وهو يقدم العباس بن عبد المطلب في العقل في الجاهلية والإسلام.
وروي أن العباس بن عبد المطلب لم يمر قط بعمر بن الخطاب ولا بعثمان بن عفان وهما راكبان إلا نزلا حتى يجوز العباس بهما، إجلالاً له أن يمرّ بهما عم رسول الله صلى الله عليه وسلم وهما راكبان وهو يمشي.
وعن أنس قال: كانوا إذا قُحطوا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم استسقَوا بالنبي صلى الله عليه وسلم، فسقوا. فلما كان بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم في إمارة عمر قحطوا فأخرج عمر العباس يستسقي به فقال: اللهم، إنا كنا إذا قحطنا على عهد نبيك استسقينا به فستسقينا، وإنا نتوسل إليك بعم نبيك فاسقنا. قال: فسُقُوا.
وعن ابن عباس أن عمر استسقى بالناس بالمصلى، فقال عمر للعباس: قم فاستسق، فقام العباس فقال: اللهم، إن عندك سحاباً وعندك ماء، فانشر السحاب ثم أنزل فيه الماء، ثم أنزله علينا فاشدد به الأصل، وأطل به الفرع، وأدْرِر به الضرع، اللهم، إنا شفعاء إليك عمَّن لا ينطق من بهائمنا وأنعامنا، اللهم، شفعنا في أنفسنا وأهالينا، اللهم، إنا نشكو إليك جوع كل جائع، وعُري كل عار، وخوف كل خائف، اللهم، اسقنا سقيا وادعةً نافعةً طبعاً مجلّلاً عامّاً.
وعن أبي صالح
أن العباس بن عبد المطلب يوماً استسقى به عمر بن الخطاب. فلما فرغ عمر من دعائه، قال العباس: اللهم، إنه لم ينزلْ بلاء من السماء إلا بذنب، ولا يُكشف إلا بتوبة، وقد توجّه بي القوم إليك لمكاني من نبيك صلى الله عليه وسلم، وهذه أيدينا إليك بالذنوب
ونواصينا بالتوبة، وأنت الراعي لا تُهمل الضالة، ولا تدع الكسير بدار مَضِيعةٍ، فقد ضرع الصغير ورقّ الكبير، وارتفعت الشكوى، وأنت تعلم السر وأخفى، اللهم، فأغثهم بغياثك قبل أن يقنطوا فيهلكوا فإنه لا ييأس من رحمتك إلا القوم الكافرون، قال: فما تمّ كلامه حتى أرخت السماء مثل الحبال.
وفي ذلك يقول عباس بن عتبة بن أبي لهب: " الطويل "
بعمّي سقى الله الحجاز وأهلَه
…
عشيةَ يستسقي بشيبته عُمَرْ
توجّه بالعباس في الجدب راغباً
…
إليه فما إنْ رامَ حتى أتى المطرْ
ومنّا رسول الله فينا تُراثُه
…
فهل فوق هذا للمفاخِر مُفْتَخرْ
وعن جابر بن عبد الله قال: أصابتنا سنة الرمادة فاستسقينا فلم نُسْق ثم استسقينا فلم نُسق، ثم استسقينا فلم نُسق. فقال عمر: لأستسقين غداً بمن يسقيني الله، فقال الناس: بمن؟ بعلي، بحسن، بحسين؟ فلما أصبح غدا إلى منزل العباس فدقّ عليه، فقال: من؟ فقال: عمر، قال: ما حاجتك؟ قال: اخرج حتى نستسقي الله بك، قال: اقعد، فأرسلَ إلى بني هاشم أن تطهروا والبسوا من صالح ثيابكم، فأتوه، فأخرج إليهم طيباً فطيَّبهم، ثم خرج وعليٌّ أمامه بين يديه، والحسن عن يمينه، والحسين عن يساره، وبنو هاشم خلف ظهره، فقال: يا عمر، لا تخلط بنا غيرنا، قال: ثم أتى المصلى، فوقف فحمد الله وأثنى عليه وقال: اللهم، إنك خلقتنا ولم تؤامرنا، وعلمت ما نحن عاملون قبل ان تخلقنا، فلم يمنعك علمك فينا عن رزقنا، اللهم، فكما تفضَّلْتَ علينا في أوله فتفضّلْ علينا في آخره، فما برحنا حتى سحَّت السماء علينا سحّاً، فما وصلنا إلى منازلنا إلا خوضاً. فقال العباس: أنا المُسقى ابن المسقى ابن المُسقى، خمس مرات. فقال سعيد: فقلت لموسى بن جعفر: كيف ذاك؟ قال: استسقى فسقي عام الرمادة، واستسقى
عبد المطلب فسقي زمزم، فنافسته قريش، فقالوا: ائذن لنا فيه فأبى، فقالوا: بيننا وبينك راهب إيلياء، فخرجوا معه، وخرج مع عبد المطلب نفر من أصحابه. فلما كانوا في الطريق نفِد ماء عبد المطلب وأصحابه فقال للقرشيين، اسقونا، فأبوا، فقال عبد المطلب: علام نموت حسرة؟ فركب راحلته. فلما نهضت انبعث من تحت خفّها عين، فشرب وسقى أصحابه، واستسقوه القرشيون فسقاهم فقالوا: إن الذي أسقاك في هذه الفلاة هو الذي أسقاك زمزم، فارجع فلا خصومة لنا معك.
وكان لعبد المطلب مال بالطائف يقال له: ذو الجذم، فغلبت عليه بنو ذباب وكلاب، وغلَبَ عليه، ثم أتى فقال: هذا المال لي فجُحده، فقال: بيني وبينكم سطيح، فخرجوا وخرج معه نفر من قومه حتى إذا كانوا في فلاً من الأرض عطش وفني ماؤه، فاستسقى بني كلاب وبني ذباب فأبوا أني سقوه وقالوا: موتوا عطشاً، فركب راحلته وخرج. فبينا هو يسير إذ انبعثت عين، فلوَّح بسيفه إلى أصحابه فأتوه، فلما رأوا ذباب كثرة الماء أهراقوا ماءهم، فاستسقوه، فقال القرشيون: والله لا نسقيكم، فقال عبد المطلب: لا تتحدث العرب أن قوماً من العرب ماتوا عطشاً وأنا أقدر على الماء فسقاهم ثم رحلوا إلى سطيح، فقالت بنو ذباب: والله ما ندري أصادق فيما يقضي بيننا؟ فخبّأ رجل منهم ساق جرادة. فلما قدموا عليه قال الرجل، إني خبأت لك خبيئاً فما هو؟ قال: ظهر كالفقار، طار فاستطار، واسق كالمنشار، ألق ما في يدك، فالقى ساق جرادة، قال: وخبّأ رجل منهم تمرة فقال: قد خبأت خبيئة، قال: طالب فبسَق وأينع فأطعم، ألق التمرة، وخبأ له رجل آخر رأس جرادة، خرزها في مزادة، فعلقها في عنق كلب يقال له: يسار. فقال: خبأت خبيئاً فما هو؟ فقال: رأس جرادة خرزت في مزادة في عنق كلبك يسار، ثم اختصموا إليه فقضى لعبد المطلب بالمال. فغرموا لعبد المطلب مئة ناقة، وغرموا لسطيح مئة ناقة، فقدم عبد المطلب فاستعار قدوراً، فنحر وأطعم الناس حوله، ثم أرسل إلى جبال مكة فنحر، فأكلته السباع والطير والناس، والخامسة أسقى الله إسماعيل زمزم.
وعن ابن عباس قال:
كانت للعباس دار إلى جنب المسجد بالمدينة، فقال له عمر بن الخطاب: بعنيها أو هبْها لي حتى أدخلها في المسجد فأبى، فقال: اجعل بيني وبينك رجلاً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، فجعلا بينهما أبيًّ بن كعب، فقضى للعباس على عمر، فقال عمر: ما أحدٌ من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم أجرأ علي منك، فقال أبيُّ بن كعب: أو أنصح لك مني. ثم قال: يا أمير المؤمنين، أما بلغك حديث داود أن الله أمره ببناء بيت المقدس، فأدخل فيه بيت امرأة بغير إذنها، فلما بلغ حِجْز الرجال منعه الله بناءه قال داود: أي ربّي، إن منعتني بناءه فاجعله في خلفي، فقال العباس: أليس قد قضيتَ لي بها وصارت لي؟ قال: بلى، قال: فإني أشهدك أني قد جعلتها لله عز وجل.
وعن عدي بن سهيل قال: لما استمدَّ أهل الشام عمر على أهل فلسطين استخلف علياً وخرج ممدّاً لهم، فقال له عليٌّ: أين تخرج بنفسك؟ إنك تريد عدواً كلباً، فقال: إني أبادر بجهاد العدو موت العباس، إنكم لو قد فقدتم العباس لا نتقض بكم الشر كما ينتقض الحبل، فمات العباس لست سنين خلت من إمارة عثمان، فانتقض والله بالناس الشر.
وعن صهيب مولى العباس قال: رأيت علياً يقبل يد العباس ورجله ويقول: يا عم، ارض عني.
وعن الأحنف بن قيس قال: سمعت عمر بن الخطاب رضي الله عنهما يقول: إن قريشاً رؤوس الناس، وأن ليس أحد منهم يدخل في باب إلا دخل معه طائفة من الناس، فلما طُعن أمر صُهيباً أن يصلي بالناس ويطعمهم ثلاثة أيام حتى يجتمعوا على رجل. فلما وضعوا الموائد كفّ الناس عن الطعام، فقال العباس: يا أيها الناس، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد مات فأكلنا بعده وشربنا، وبعد أبي بكر، وأنه لابد للناس من الأكل، فأكل وأكل الناس، فعرفت فضل قول عمر.
زاد في حديث غيره: فعُرف فضل قول عمر: إن قريشاً رؤساء الناس.
وعن سعيد بن المسيب أنه قال: العباس خير هذه الأمة، وارث النبي وعمه.
وعن ابن شهاب قال: لقد جاء الله بالإسلام وإن جَفْنَة العباس لتدور على فقراء بني هاشم، وإن سوطه وقيده لمعد لسفهائهم. قال: فكان ابن عمر يقول: هذا والله الشرف: يطعم الجائع، ويؤدب السفيه.
وعن ابن عباس قال: كان العباس بن عبد المطلب كثيراً ما يقول: ما رأيت أحداً أحسنت إليه إلا أضاء ما بيني وبينه، وما رأيت أحداً أسأت إليه إلا أظلم ما بيني وبينه، فعليك بالإحسان واصطناع المعروف، فإن ذلك يقي مصارع السوء.
وكان العباس بن عبد المطلب تكون له الحاجة إلى غلمانه وهم بالغابة، فيقف على سَلْعٍ، وذلك من آخر الليل فيناديهم فيسمعهم. قال: وذلك نحو من تسعة أميال.
وكان العباس قد عمي قبل موته.
وعن علي بن عبد الله بن عباس قال: أعتق العباس عند موته سبعين مملوكاً.
وعن عبد الله بن إبراهيم القرشي قال: لما نزل بالعباس بن عبد المطلب الموت قال لابنه: يا عبد الله، إن والله ما متُّ موتاً ولكنني فنيت فناء، وإني موصيك بحب الله وحب طاعته، وخوف الله وخوف معصيته، فإنك إذا كنت كذلك لم تكره الموت متى أتاك. وإن استودعتك الله يا بني، ثم استقبل القبلة فقال: لا إله إلا الله ثم شخص ببصره فمات.
وعن عبد الرحمن بن يزيد بن حارثة قال: جاءنا مؤذن يؤذنا بموت العباس بن عبد المطلب بقباء على حمار، ثم جاءنا آخر على حمار فقلت: ما الأول؟ قال: مولى لبني هاشم، والثاني رسول عثمان بن عفان، فاستقبل قرى الأنصار قرية قرية حتى انتهى إلى السافلة: بني حارث وما والاها، فحشد الناس فما غادرنا النساء
…
فلما أُتي به إلى موضع الجنائز تضايق فتقدموا به إلى البقيع، فلقد رأيتنا يوم صلينا عليه بالبقيع وما رأت مثل ذلك الخروج على أحد من الناس قط، وما يستطيع أحد من الناس أن يدنو إلى سريره، وغلب عليه بنو هاشم. فلما انتهوا إلى اللحد ازدحموا عليه فأرى عثمان اعتزل وبعث الشرطة يضربون الناس عن بني هاشم حتى خلص بنو هاشم، فكانوا هم الذين نزلوا في حفرته ودلّوه في اللحد، ولقد رأيت على سريره بُرْدَ حِبَرةٍ قد تقطع من زحامهم.
وتوفي في ست من خلافة عثمان.
قال عيسى بن طلحة: رأيت عثمان يكبّر على العباس بالبقيع وما يقدر من لغط الناس، ولقد بلغ الناس الحِشّان، وما تخلف أحد من الرجال والنساء والصبيان.
وتوفي العباس وهو ابن سبع وثمانين. وقيل: توفي سنة تسع وعشرين وله ست وثمانون، وقيل: توفي سنة اثنتين وثلاثين، وهو ابن ثمان وثمانين سنة. ودفن بالبقيع في مقبرة بني هاشم. وقيل: سنة ثلاث وثلاثين. وقيل: سنة أربع وثلاثين، وجلس عثمان على قبره حين دفن.
قال ابن عباس: ولد أبي قبل الفيل بثلاث سنين، وكان أسن من رسول الله صلى الله عليه وسلم بثلاث سنين،