الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عصمة بن أبي عصمة البعلبكي
حدث عن أبي عبد الله محمد بن بكير البصري بسنده إلى أم سليم زوجة أبي طلحة الأنصاري أنها قالت: لم تر فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم دماً قط في حيض ولا في نفاس، وكانت يصب عليها من ماء الجنة؛ وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أسري به دخل الجنة، وأكل من فاكهة الجنة، شرب من ماء الجنة، فنزل من ليلته فوقع على خديجة، فحملت بفاطمة، رضوان الله وسلامه عليها، فكان حمل فاطمة من ماء الجنة.
عطارد بن حاجب بن زرارة
ابن عدس بن زيد بن عبد الله بن دارم بن مالك بن حنظلة ابن مالك بن زيد منامة من تميم ويقال: إن حاجباً لقب زرارة، لقّب بذلك لكبر حاجبيه أبو عكرمة التميمي أسلم على عهد سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ووفد عليه، واستعمله سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على صدقات بني دارم، ووفد على معاوية.
روى عطارد بن حاجب: أنه أهدى إلى النبي صلى الله عليه وسلم ثوب ديباج كساه إياه كسرى، فدخل أصحابه فقالوا: أنزلت عليك من السماء؟ فقال: " وما تعجبون من ذا؟ لمنديلٌ من مناديل سعد بن معاذ في الجنة خيرٌ من هذا "، ثم قال:" يا غلام، اذهب به إلى أبي جهم بن حذيفة، وقل له: يبعث إليّ بالخميصة ".
عن ابن عمر قال: رأى عمر عطارد التميمي يقيم بالسوق حلة سيراء، وكان رجلاً يغشى الملوك، فقال عمر: يا رسول الله، إني رأيت عطارد يقيم في السوق حلة سيراء، فلو اشتريتها ولبستها لوفود العرب إذا قدموا عليك، وأظنه قال: ولبستها يوم الجمعة، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم:" إنما يلبس الحرير في الدنيا من لا خلاق له في الآخرة ".
فلما كان بعد ذلك أتي رسول الله صلى الله عليه وسلم بحلل سيراء، فبعث إلى عمر بحلة، وبعث إلى أسامة بن زيد بحلة، وأعطى علي بن أبي طالب حلة وقال:" شقّقها خمراً بين نسائك ". فجاء عمر يحملها، فقال: يا رسول الله: بعثت إليّ بهذه، وقلت بالأمس في حلة عطارد ما قلت: قال: " إني لم أبعث بها إليك لتلبسها، ولكن بعثت بها إليك لتصيب بها ". فأما أسامة فراح في حلته فنظر إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم نظراً عرف أن رسول الله عليه وسلم أنكر ما صنع، فقال: يا رسول الله ما تنظر إليّ وأنت بعثت بها إليّ؟ قال: " إني لم أبعث بها إليك لتلبسها، ولكن بعثت لها إليك لتشققها خمراً بين نسائك ".
بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بشر بن سفيان، ويقال: نعيم بن عبد الله النحام على صدقات بني كعب. فجاء وقد حلّ بنواحيهم من بني تميم بنو عمرو بن جندب بن العنبر بن عمرو بن تميم، فهم يشربون معهم على غدير لهم بذات الأشطاط. ويقال: وجدهم على عسفان، ثم أمر بجمع مواشي خزاعة ليأخذ منها الصدقة، فحشرت عليه خزاعة الصدقة من كل ناحية، فاستنكر ذلك بنو تميم، وقالوا: ما هذا؟ تؤخذ أموالكم منكم ثباطاً؟! وتحبّشوا وتقلدوا القسيّ وشهروا السيوف. فقال الخزاعيون: نحن قوم ندين بدين الإسلام، وهذا من ديننا. فقال التميميون: والله لا يصل إلى بعر منها أبداً.
فقملا رآهم المصدق هرب منهم، فانطلق مولّياً، وهو يخافهم، والإسلام يومئذٍ لم يعم العرب، وقد بقيت بقايا من العرب، فهم يخافون السيف؛ لما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة وحنين.
وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر مصدقيه أن يأخذوا العفو منهم ويتوقّوا كرائم أموالهم. فقدم المصدق على النبي صلى الله عليه وسلم، فأخبره الخبر، وقال: يا رسول الله، إنما كنت في ثلاثة نفر. فوثبت خزاعة على التميميين، فأخرجوهم من محالهم، وقالوا: لولا قرابتكم ما وصلتم إلى بلادكم، لتدخلنّ علينا بلاء من عداوة محمد وعلى أنفسكم، حيث تتعرضون لرسول رسول الله صلى الله عليه وسلم، تردونهم عن صدقات أموالنا. فخرجوا راجعين إلى بلادهم.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من لهؤلاء القوم الذين فعلوا ما فعلوا؟ " فانتدب أول الناس عيينة بن حصن الفزاري، فقال: أنا لهم أتبع آثارهم، ولو بلغوا يبرين حتى أنيل بهم إن شاء الله تعالى، فترى فيهم رأيك أو يسلموا.
فبعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم في خمسين فارساً من العرب ليس فيها مهاجرٌ واحد ولا أنصاري. وكان يسير بالليل ويكمن بالنهار، خرج على ركوبة حتى انتهى إلى العرج، فوجد خبرهم وأنهم قد عارضوا إلى أرض بني سليم.
فخرج في إثرهم حتى وجدهم قد عدلوا من السّقيا يؤمّون أرض بني سليم في
صحراء، فدخلوا وسرحوا مواشيهم، والبيوت خلوف ليس فيها أحد إلا النساء ونفير، فلما رأوا الجمع ولّوا، وأخذوا منهم أحد عشر رجلاً، ووجدوا في المحلة من النساء إحدى عشرة امرأة وثلاثين صبيّاً، فجلبهم إلى المدينة، فأمر بهم النبي صلى الله عليه وسلم فحبسوا في دار رملة بنت الحارث.
فقدم منهم عشرة من رؤسائهم: العطارد بن حاجب بن زارة، والزبرقان بن بدر، وقيس بن عاصم، وقيس بن الحارث، ونعيم بن سعد، وعمرو بن الأهتم، والأقرع بن حابس، ورياح بن الحارث بن مجاشع. فدخلوا المسجد قبل الظهر، فلما دخلوا سألوا عن سبيهم، فأخبروا بهم، فجاؤوهم فبكى الذراري والنساء، فرجعوا حتى دخلوا المسجد ثانية ورسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذٍ في بيت عائشة، وقد أذن بلال الأذان الأول، والناس ينتظرون خروج رسول الله صلى الله عليه وسلم، فعجلوا خروجه فنادوه: يا محمد، اخرج إلينا، فقام إليهم بلال، فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يخرج الآن، فاستشهر أهل المسجد أصواتهم، فجعلوا يخفضونهم بأيديهم.
فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأقام بلال الصلاة، وتعلقوا به يكلمونه، فوقف رسول الله صلى الله عليه وسلم معهم بعد إقامة بلال الصلاة مليّاً، وهم يقولون: أتيناك بخطيبنا وشاعرنا فاستمع منا؛ فتبسم النّبي صلى الله عليه وسلم، ثم مضى فصلى بالناس الظهر، ثم انصرف إلى بيته، فركع ركعتين، ثم خرج فجلس في صحن المسجد.
وقدّموا عطارد بن حاجب التميمي، فخطب فقال: الحمد لله الذي له الفضل علينا، والذي جعلنا ملوكاً، وأعطانا الأموال نفعل فيها المعروف، وجعلنا أعز أهل المشرق وأكثرهم مالاً وأكثرهم عدداً، فمن مثلنا في الناس؟ ألسنا برؤوس الناس وذوي فضلهم؟ فمن يفاخر فليعدد مثلما عددنا، ولو شئنا لأكثرنا من
الكلام، ولكنا نستحي من الإكثار فيما أعطانا الله، أقول هذا لأن يؤتى بقولٍ هو أفضل من قولنا! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لثابت بن قيس:" قم فأجب خطيبهم ".
فقال ثابت وما كان درى من ذلك بشيء وما هيأ قبل ذلك ما يقول، فقال: الحمد لله الذي السماوات والأرض خلقه، قضى فيها أمره، ووسع كل شيء علمه، فلم يكن شيء إلا من فضله، ثم كان مما قدر الله أن جعلنا ملوكاً، اصطفى لنا من خلقه رسولاً، أكرمهم نسباً، وأحسنهم زيّاً، وأصدقهم حديثاً، أنزل عليه كتابه، وائتمنه على خلقه، وكان خيرته من عباده، فدعا إلى الإيمان؛ فآمن المهاجرون من قومه وذوي رحمه، أصبح الناس أنصار الله ورسوله، نقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله، فمن آمن بالله ورسوله منع منا ماله ودمه، ومن كفر بالله ورسوله جاهدناه في ذلك، وكان قتله علينا يسيراً، أقول قولي هذا وأستغفر الله للمؤمنين والمؤمنات. ثم جلس.
فقالوا: يا رسول الله ائذن لشاعرنا، فأذن له؛ فأقاموا الزبرقان بن بدر فقال: من البسيط
نحن الملوك فلا حيٌّ يقاربنا
…
فينا الملوك وفينا تنصب البيع
وكم قسرنا من الأحياء كلّهم
…
عند النّهاب وفضل الخير يتّبع
ونحن نطعم عند القحط ما أكلوا
…
من السّديف إذا لم يؤنس القزع
وننحر الكوم عبطاً في أرومتنا
…
للنازلين إذا ما استنزلوا شعبوا
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أجبهم يا حسان بن ثابت "، فقام فقال: من البسيط
إنّ الذوائب من فهرٍ وإخوتهم
…
قد شرعوا سنة للناس تتّبع
يرضى بها كلّ من كانت سريرته
…
تقوى الإله وبالأمر الذي شرعوا
قومٌ إذا حاربوا ضرّوا عدوّهم
…
أو حاولوا النفع في أشياعهم نفعوا
سجيةٌ تلك منهم غير محدثةٍ
…
إن الخلائق فاعلم شرّها البدع
لا يرقع الناس ما أوهت أكفّهم
…
عند الدّفاع ولا يوهون ما رقعوا
ولا يضنّون عن جار بفضلهم
…
ولا ينالهم في مطمع طبع
إن كان في الناس سبّاقون بعدهم
…
فكلّ سبقٍ لأدنى سبقهم تبع
أكرم بقومٍ رسول الله شيعتهم
…
إذا تفرقت الأهواء والشّيع
أعفّةٌ ذكرت في الوحي عفتهم
…
لا يطمعون ولا يرديهم طمع
كأنهم في الوغى والموت مكتنعٌ
…
أسدٌ ببيشة في إرصاعها قذع
لا فرّح إن أصابوا في عدوّهم
…
وإن أصيبوا فلا خورٌ ولا جزع
وإن أصبنا لحي لم ندبّ لهم
…
كما تدبّ إلى الوحشية الذّرع
نسمو إلى الحرب نالتنا مخالبها
…
إذا الزعانف من أطرافها خشعوا
خذ منهم ما أتوا عفواً إذا غضبوا
…
ولا يكن همّك الأمر الذي منعوا
فإنّ في حربهم فاترك عداوتهم
…
سماً عريضاً عليه الصاب والسّلع
أهدى لهم مدحاً قلبٌ يؤازره
…
فيما أحب لسانٌ حائكٌ صنع
وإنهم أفضل الأحياء كلّهم
…
إذ جدّ بالناس جدّ القول أو شمعوا
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أمر بمنبر فوضع في المسجد ينشد عليه حسان، وقال:" إن الله ليؤيد حسان بروح القدس ما نافح عن نبيه ".
وسرّ رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون بمقام ثابت، وشعر حسان.
وخلا الوفد بعضهم إلى بعض، فقال قائلهم: تعلمن والله أن هذا الرجل مؤيد مصنوع له، والله لخطيبه أخطب من خطيبنا، ولشاعرهم أشعر من شاعرنا ولهم أحلم منا.
وكان ثابت بن قيس من أجهر الناس صوتاً. وأنزل الله على نبيه صلى الله عليه وسلم في رفع أصوات التميميين، ويذكر أنهم نادوا النبي صلى الله عليه وسلم من وراء الحجرات، فقال:" يا أيّها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النّبيّ " إلى قوله: " أكثرهم لا يعقلون ". يعني تميماً حين نادوا النبي صلى الله عليه وسلم، وكان ثابت حين نزلت هذه الآية لا يرفع صوته عند سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ورد رسول الله صلى الله عليه وسلم الأسرى والسبي، وقام عمرو بن الأهتم يومئذٍ فهجا قيس بن عاصم، كانا جميعاً في الوفد. وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أمر لهم بجوائز، وكان يجيز الوفد إذا قدموا عليه، ويفضل بينهم في العطية على قدر ما يرى. فلما أجازهم سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" هل بقي منكم من لم نجزه؟ " فقالوا: غلام في الرحل، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" أرسلوه، نجيزه ". فقال قيس بن عاصم: إنه لا شرف له. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " وإن كان فإنه وافد وله حق ". فقال عمروا بن الأهتم شعراً يريد قيس بن عاصم: من البسيط
أظللت مفترشاً هلباك تشتمني
…
عند الرسول فلم تصدق ولم تصب