الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عكرمة بن ربعي بن عمير التيميّ
البصري المعروف بالفياض قدم على عبد الملك بن مروان هارباً من الحجاج، فنزل على يزيد بن أبي النّمس الغساني بدمشق، فاستأمن له عبد الملك فأمنه. ولعكرمة بن ربعي يقول شبيب بن عمرو بن كريب: من الوافر
إذا نهشت ربيعة للمعالي
…
فعكرمة بن ربعيّ فتاها
كانت امرأة من آل عكرمة الفياض تخاصم إلى ابن شبرمة، فكانت تأتيه بين موليين لها: أعمى وأعور، وكان ابن شبرمة إذا نظر إليها قال: من الطويل
فلو كنت ممن يزجر الطير لم يكن
…
وزيراك فيما ناب أعمى وأعور
وقيل: إن الحجاج نادى مناديه يوم رستقياباذ: أمن الناس كلهم إلا أربعة: عبد الله بن الجارود، وعبد الله بن فضالة، وعكرمة بن ربعي، وعبيد الله بن زياد بن ظبيان. فأما عكرمة بن ربعي فإنه لحقته خيل الحجاج في بعض سكك المربد فعطف عليهم، فقتل منهم نيفاً وعشرين رجلاً ثم قتلوه.
عكرمة بن أبي جهل عمرو بن هشام بن المغيرة
ابن عبد الله بن عمر بن مخزوم بن يقظة بن مرة بن كعب أبو عثمان المخزومي كان من رؤوس الكفر والغلاة فيه، ثم رزقه الله الإسلام، فأسلم وحسن إسلامه، وصحب سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، واستعمله أبو بكر الصديق على عمان حين ارتدوا،
فقاتلهم، فأظفره الله بهم، ثم خرج إلى الشام مجاهداً، فاستشهد يوم أجنادين، وقيل: في فتح دمشق، وقيل: باليرموك، وكان أميراً على بعض الكراديس.
وروى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم جئته مهاجراً: " مرحباً بالراكب المهاجر ".
وفي حديث آخر: " مرحباً بالراكب المهاجر أو المسافر ".
ثم قال له: ما أقول يا نبي الله؟ قال: " أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله ". قال: ثم ماذا؟ قال: " تقول: اللهم إني أشهدك أني مهاجر مجاهد "، ففعل، ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم: ما أنت سائلي شيئاً أعطيه أحداً من الناس إلا أعطيتك ". فقال: أما إني لا أسألك مالاً، إني أكثر قريش مالاً، وكلن أسألك أن تستغفر لي. وقال: كل نفقة أنفقتها لأصدّ بها عن سبيل الله، فوالله لئن طالت بي حياة لأضعفن ذلك كله.
وفي رواية: إلا أنفقت مثلها في سبيل الله.
وفي عكرمة يقول الشاعر وهو رجل من هذيل حين هزمت بنو بكر ودخل على امرأته فاراً فلامته وهجرته، وعيرته بالفرار وقيل: هو حماس أخو بني سعد بن ليث:
إنك لو شهدتنا بالخندمه
…
إذ فرّ صفوانٌ وفرّ عكرمه
فلحقتنا بالسيوف المسلمه
…
يقطعن كلّ ساعد وجمجمه
لم تنطقي في اللوم أدنى كلمه
وكان عكرمة خرج هارباً يوم الفتح، فركب البحر حتى استأمنت له زوجته أم حكيم بنت الحراث بن هشام بن المغيرة من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأمنه، فأدركته باليمن، فردته إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. فلما رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم قام فرحاً به، فقال:" مرحباً بالمهاجر ".
وقيل: إن قيام رسول الله صلى الله عليه وسلم إليه، وفرحه به؛ أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى في منامه أنه دخل الجنة، فرأى فيها عذقاً مذللاً، فأعجبه، فقيل:" لمن هذا؟ " فقيل له: لأبي جهل، فشق ذلك عليه، وقال:" ما لأبي جهل والجنة؟ " والله لا يدخلها أبداً، فلما رأى عكرمة أتاه مسلماً تأول ذلك العذق عكرمة بن أبي جهل.
وقدم عليه عكرمة منصرفه من مكة بعد الفتح المدينة، فجعل عكرمة كلما مرّ بمجلس من مجالس الأنصار قالوا: هذا ابن أبي جهل، فيسبون أبا جهل؛ فشكا ذلك عكرمة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" لا تؤذوا الأحياء بسبّ الأموات ".
وأم عكرمة أم جميل بنت مجالد بن عبد مناف بن هلال بن عامر بن صعصعة، وقيل: أمه أم مجالد بنت يربوع من بني هلال بن عامر.
وليس لعكرمة عقب.
وكان عكرمة إذا اجتهد في اليمين قال: والذي نجّاني يوم بدر.
وكان يضع المصحف على وجهه ويقول: كلام ربي.
ولما كان يوم فتح مكة آمن رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس إلا أربعة نفر وامرأتين، وقال: اقتلوهم وإن وجدتموهم متعلقين بأستار الكعبة: عكرمة بن أبي جهل وعبد الله بن خطل ومقيس بن صبابة وعبد الله بن سعد بن أبي سرح.
فأما عبد الله بن خطل فأدرك وهو متعلق بأستار الكعبة، فاستبق إليه سعيد بن حريث وعمار بن ياسر، فسبق سعيدٌ إليه فقتله.
وأما عكرمة فركب البحر، فأصابهم عاصف، فقال أصحاب السفينة لمن في السفينة: أخلصوا؛ فإن آلهتكم لا تغني عنكم شيئاً هاهنا، فقال عكرمة: لئن لم ينجني في البحر إلا الإخلاص ما ينجيني في البرّ غيره، اللهم إن لك عليّ عهداً إن أنت عافيتني مما أنا فيه، أني آتي محمداً حتى أضع يدي في يده، فلأجدنه عفواً كريماً. فجاء فأسلم.
وأما عبد الله بن سعد بن أبي سراح، فإنه اختبأ عند عثمان بن عفان، فلما دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس إلى البيعة، جاء به حتى أوقفه على النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله: بايع عبد الله، فرفع صلى الله عليه وسلم رأسه، فنظر إليه ثلاثاً، كل ذلك يأبى، فبايعه بعد الثلاث، ثم أقبل على أصحابه، فقال:" ما كان فيكم رجل رشيد يقوم إلى هذا حين رآني كففت يدي عن بيعته فيقتله؟! " قالوا: ما يدرينا يا رسول الله ما في نفسك؟ قال: " إنه لا ينبغي لنبي أن يكون له خائنة أعين ".
وعن يزيد بن أبي حبيبي: أن عكرمة بن أبي جهل قتل رجلاً من الأنصار يقال له: المجذر، فأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك، فتبسم، فقال له رجل من الأنصار: يا رسول الله تبسمت أن قتل رجل من قومك رجلاً من الأنصار؟ قال: " لا، ولكني تبسمت إذ كان جميعاً في درجة واحدة في الجنة ".
قال: فأسلم عكرمة، وقتل يوم وقعة المسلمين بالروم بأجنادين.
وعن أم سلمة قالت: لما قدم عكرمة بن أبي جهل المدينة جعل يمرّ بالأنصار فيقولون: هذا ابن عدو الله ابن أبي جهل، فشكا ذلك إلى أم سلمة، وقال: ما أظنني إلا راجعاً إلى مكة، فأخبرت أم سلمة بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فخطب الناس فقال:" إنما الناس معادن، خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا، لا يؤذينّ مسلم بكافر ".
قال سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: " رأيت في المنام كأن أبا جهل أتاني فبايعني ". فلما أسلم خالد بن الوليد رحمه الله. قيل: صدق الله رؤياك يا رسول الله، هذا كان لإسلام خالد. قال: " ليكوننّ غيره، حتى أسلم عكرمة بن أبي جهل، فكان ذلك تصديق رؤياه.
وعن عبد الله بن الزبير قال:
لما كان يوم الفتح أسلمت أم حكيم بنت الحارث بن هشام امرأة عكرمة بن أبي جهل، ثم قالت أم حكيم: يا رسول الله قد هرب عكرمة منك إلى اليمن، وخاف أن تقتله فآمنه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" وهو آمن ".
فخرجت في طلبه، ومعها غلام لها رومي، فراودها عن نفسها، فجعلت تمنيه حتى قدمت به على حي من عكل، فاستغاثتهم عليه، فأوثقوه رباطاً.
وأدركت عكرمة، وقد انتهى إلى ساحل من سواحل تهامة، فركب البحر، فجعل نوتيّ السفينة يقول له: أخلص، قال: أي شيء أقول؟ قال: قل: لا إله إلا الله. قال عكرمة ما هربت إلا من هذا.
فجاءت أم حكيم على هدى من الأمر، فجعلت تلمح إليه وتقول: يا بن عم، جئتك من عند أوصل الناس وأبرّ الناس، وخير الناس، لا تهلك نفسك، فوقف لها حتى أدركته، فقالت: إني قد استأمنت لك رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: أنت فعلت؟ قالت: نعم، أنا كلمته، فأمنك.
فرجع معها، وقالت: ما لقيت من غلامك الرومي، وخبرته خبره؛ فقتله عكرمة هو يومئذ لم يسلم.
فلما دنا رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة، قال لأصحابه:" يأتيكم عكرمة بن أبي جهل مؤمناً مهاجراًن فلا تسبوا أباه، فإن سب الميت يؤذي الحي، ولا يبلغ الميت ".
قال: وجعل عكرمة يطلب امرأته يجامعها، فتأبى عليه، وتقول: إنك كافر، وأنا مسلمة، فيقول: إن أمراً منعك مني لأمر كبير.
فلما رأى النبي صلى الله عليه وسلم عكرمة وثب إليه وما عليه رداء فرحاً به، ثم جلس رسول الله صلى الله عليه وسلم، فوقف بين يديه، ومعه زوجته منتقبة فقال: يا محمد إن هذه أخبرتني أنك أمّنتني، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" صدقت، فأنت آمن ".
قال عكرمة: فإلام تدعو يا محمد؟ قال: " أدعو إلى أن تشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله، وأن تقيم الصلاة وتؤتي الزكاة، وتفعل وتفعل "، حتى عدّ خصال الإسلام. فقال عكرمة: والله ما دعوت إلا إلى الحق، وأمر حسن جميل، قد كنت والله فينا قبل أن تدعو إلى ما دعوت إليه وأنت أصدقنا حديثاً، وأبرّنا برّاً.
ثم قال عكرمة: فإني أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله؛ فسرّ بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم. ثم قال: يا رسول الله، علمني خير شيء أقوله. فقال:" تقول: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ". فقال عكرمة: ثم ماذا؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا تسألني اليوم شيئاً أعطيه أحداً إلا أعطيتكه ".
قال عكرمة: فإني أسألك أن تستغفر لي كل عداوة عاديتكها، أو مسيرٍ أوضعت فيه، أو مقام لعنتك فيه، أو كلام قلته في وجهك، أو أنت غائب عنه.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " اللهم اغفر له كل عداوة عادانيها، وكل مسير سار فيه إلى موضع يريد بذلك المسير إطفاء نورك، واغفر له ما نال مني من عرض في وجهي، أو أنا غائب عنه ". فقال عكرمة: رضيت يا رسول الله.
ثم اجتهد في القتال حتى قتل شهيداً.
فردّ رسول الله صلى الله عليه وسلم امرأته بذلك النكاح الأول.
وفي رواية: أن امرأته أدركته بأمان من سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد ركب السفينة، فنادته: يا بن عم، هذا أمان معي من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن تسلم وتقبل أمان رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنا زوجتك، وإلا انقطعت العصمة فيما بيني وبينك، لم يلتفت إليها.
وتهيأ نوتي السفينة ليدفع سفينته، فتكلم عكرمة بشركه باللات والعزى، فقال النوتي: أخلص، فإنه لن ينجيك إلا الإخلاص. قال عكرمة: ما أراني أفرّ إلا من الحق. فنزل من السفينة، وقبل أمان رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقال سهيل بن عمرو يوم حنين: لا يجتبرها محمد وأصحابه، فقال له عكرمة:
إن هذا ليس بقول، إنما الأمر بيد الله، وليس إلى محمدٍ من الأمر شيء، إن أديل عليه اليوم فإن له العاقبة غداً، فقال له سهيل: والله إن عهدك بخلافه لحديث، قال: يا أبا يزيد، إنا كنا والله نوضع في غير شيء، وعقولنا عقولنا، نعبد حجراً لا يضر ولا ينفع.
وقيل: إن عكرمة لما ركب البحر جعلت الصواري ومن في السفينة يدعون الله ويستغيثون به، فقال: ما هذا؟ قيل: هذا مكان لا ينفع فيه إلا الله عز وجل، فقال عكرمة: فهذا إله محمد الذي كان يدعو إليه، ارجعوا بنا، فرجع، فأسلم.
ولما رجع وضع يده في يد النبي صلى الله عليه وسلم فقال: هذا مكان العائذ، إن قتلت قتلت مذنباً مخطئاً، وإن عفوت عفوت عن ذي رحم، فشهد شهادة الحق، وبسط رسول الله صلى الله عليه وسلم يده فبايعه.
وكان إسلام عكرمة بن أبي جهل سنة ثمان.
ولما كان يوم اليرموك نزل فترجل، فقاتل قتالاً شديداً، فقتل، فوجدوا به بضعة وسبعين ما بين طعنة وضربة ورمية.
ولما ترجل قال له خالد بن الوليد: لا تفعل، فإن قتلك على المسلمين شديد، فقال: خلّ عني يا خالد، فإنه قد كان لك مع رسول الله صلى الله عليه وسلم سابقة، وإن وأبي كنا من أشد الناس على رسول الله صلى الله عليه وسلم. فمشى حتى قتل.
وقيل: إنه قال يوم اليرموك: قاتلت رسول الله صلى الله عليه وسلم في كل موطن، وأفرّ منكم اليوم؟! ثم نادى: من يبايع على الموت؟ فبايعه الحارث بن هشام وضرار بن الأزور في أربع مئة
من وجوه المسلمين وفرسانهم، فقاتلوا قدام فسطاط خالد حتى أثبتوا جميعاً جراحة، وقتلوا إلا من نبا، منهم ضرار بن الأزور.
قال الزهري: إن عكرمة يوم فحلٍ كان أعظم الناس بلاء، وإنه كان يركب الأسنة حتى جرحت صدره ووجهه، فقيل له: اتق الله وارفق بنفسك، قال: كنت أجاهد بنفسي عن اللات والعزى وأبذلها، فأستبقيها الآن عن الله ورسوله؟ لا والله أبداً، فلم يزدد إلا إقداماً حتى قتل يومئذ.
قالوا: فوقف عليه خالد بن الوليد فقال: ليت ابن حنتمة يعني عمر نظر إلى ابن عمي وركوبه الأسنة حتى يعلم أنّا إذا لقينا العدو ركبنا الأسنة ركوباً.
قالوا: وقال الزهري: كان الذي كان بينهما كالمتجانبين حتى أذهب الله ذلك منهم بعد، رحمة الله عليهما. وكان عكرمة بن أبي جهل محمود البلاء في الإسلام، محمود الإسلام حين دخل فيه.
قال الزبير بن بكار: لما ندب أبو بكر الصديق الناس لغزو الروم، وقدم الناس، فعسكروا بالجرف على