الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الآيات السابقة.. إنهم مكرمون عند الله، فى جنات، يتقلبون فى نعيمها، حيث يكونون فى ضيافة أكرم الأكرمين، رب العالمين..
الآيات: (36- 44)[سورة المعارج (70) : الآيات 36 الى 44]
فَمالِ الَّذِينَ كَفَرُوا قِبَلَكَ مُهْطِعِينَ (36) عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمالِ عِزِينَ (37) أَيَطْمَعُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُدْخَلَ جَنَّةَ نَعِيمٍ (38) كَلَاّ إِنَّا خَلَقْناهُمْ مِمَّا يَعْلَمُونَ (39) فَلا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشارِقِ وَالْمَغارِبِ إِنَّا لَقادِرُونَ (40)
عَلى أَنْ نُبَدِّلَ خَيْراً مِنْهُمْ وَما نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ (41) فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا حَتَّى يُلاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ (42) يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْداثِ سِراعاً كَأَنَّهُمْ إِلى نُصُبٍ يُوفِضُونَ (43) خاشِعَةً أَبْصارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ ذلِكَ الْيَوْمُ الَّذِي كانُوا يُوعَدُونَ (44)
التفسير:
كانت الآيات السابقة على هذه الآيات، حديثا متصلا عن المؤمنين، وما ينبغى أن يكونوا عليه من صفات كريمة عالية، حتى ينالوا رضوان الله، ويدخلوا فى جنات النعيم، يتلقون فيها من ربهم فواضل الإكرام والإحسان..
وهذه الآيات، تواجه المشركين، الذين أبوا أن يستجيبوا لدعوة الإيمان، وأن يكونوا من المؤمنين..
وفى قوله تعالى:
«فَمالِ الَّذِينَ كَفَرُوا قِبَلَكَ مُهْطِعِينَ. عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمالِ عِزِينَ» ؟
المراد بالذين كفروا هنا، هم المشركون، الذين دخلوا فى الحكم الذي أشار إليه قوله تعالى فى الآيات السابقة:«إِنَّ الْإِنْسانَ خُلِقَ هَلُوعاً. إِذا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً، وَإِذا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً» .
وقد استثنى من هذا الحكم العام على الإنسان- المؤمنون، الذين هم على صلاتهم دائمون، والذين فى أموالهم حق معلوم للسائل والمحروم.. إلى آخر ما وصفهم الله سبحانه وتعالى به من صفات تدنيهم من التقوى، وتقربهم من الله.. وقد وعد الله هؤلاء المؤمنين بمقام كريم فى جنات نعيم..
وإنه إذ تنتهى آيات الله بالمؤمنين إلى هذا الموقف، وتنزلهم منازل الرضوان فى جنات النعيم- تلتفت إلى هؤلاء المشركين، فتسأل النبي الكريم عنهم، سؤال المنكر لهذا الموقف الذي هم فيه من النبىّ:«فَمالِ الَّذِينَ كَفَرُوا قِبَلَكَ مُهْطِعِينَ؟» أي ما بالهم يتحركون بين يديك يمينا وشمالا، مسرعين إلى شئون شتى، من جدّ أو هزل، دون أن يلتفتوا إليك، أو يستجيبوا لدعوتك؟.
وقبل النبي: تجاهه، وقبالته..
ومهطعين، أي مسرعين.. كما في قوله تعالى:«مُهْطِعِينَ إِلَى الدَّاعِ يَقُولُ الْكافِرُونَ هذا يَوْمٌ عَسِرٌ» (8: القمر) .
وقوله تعالى: «عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمالِ عِزِينَ» بيان لحال المشركين،
وهم يهطعون جماعات جماعات، عن يمين النبي وعن شماله، ينطلقون فى كل وجه، كما تنطلق الماشية في المرعى، على حين يرون النبي والمؤمنين، فى شغل بعبادة الله، وسعى إلى الصلاة، فلا يكون منهم إلى النبي وأصحابه إلا نظرات تائهة بلهاء، أو عيون متغامزة فى سخرية واستهزاء..
والعزون. الجماعة، ومنه العزّة، وهى تكون غالبا من لوازم الكثرة.
قوله تعالى:
«أَيَطْمَعُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُدْخَلَ جَنَّةَ نَعِيمٍ؟» .
الاستفهام إنكارى، وقد جاء الجواب عنه بالنفي فى قوله تعالى:
«كَلَّا.. إِنَّا خَلَقْناهُمْ مِمَّا يَعْلَمُونَ» .
أي كلا.. إنهم لن يدخلوا مداخل المؤمنين أبدا، ولن يكون لهم إلى جنة النعيم سبيل.
وقوله تعالى: «إِنَّا خَلَقْناهُمْ مِمَّا يَعْلَمُونَ» .. هو بيان لقدرة الله سبحانه وتعالى، وأن أمر البعث الذي ينكرونه، وهو الذي يفسد عليهم رأيهم فيما يسمعون من آيات الله- هو هيّن بالنسبة لخلقهم من هذه النطفة، التي لا تعدو أن تكون نفاية من تلك النفايات التي تلفظها أجسامهم، كالمخلط، أو اللعاب ونحوها.. ومع هذا فإن هذه النطفة يقوم منها إنسان سوىّ الخلق، خصيم مبين!!.
فهذه النطفة التي يتخلق منها الإنسان، هى مما يعلم هؤلاء المشركون علما مستيقنا، بالتجربة الواقعة، التي لا تغيب عن أشدّ الناس غباء وجهلا.
قوله تعالى:
«لا» فى قوله تعالى: «فَلا أُقْسِمُ» للنفى.. أي نفى القسم برب المشارق والمغارب، تنزيها لله سبحانه وتعالى، أن يقسم به على أمر لا يحتاج إلى قسم، لظهوره، ظهورا يكاد فى عداد البديهيات.. وهو أن الله سبحانه وتعالى قادر على أن يذهب بهؤلاء المشركين، ويقطع دابرهم، ثم يأتى بمن هم خير منهم وعيا، وإدراكا، واستقامة على طريق الهدى.. كما يشير إلى ذلك قوله تعالى:«إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ وَما ذلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ» .
(19: إبراهيم) .
وقوله تعالى: «وَما نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ» أي أننا حين نطلب من نريد إهلاكه، لا يفوتنا، ولا يعجزنا، كما فى قوله تعالى:«أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ أَنْ يَسْبِقُونا؟ ساءَ ما يَحْكُمُونَ» (4: العنكبوت) وكما يقول سبحانه على لسان الجن: «وَأَنَّا ظَنَنَّا أَنْ لَنْ نُعْجِزَ اللَّهَ فِي الْأَرْضِ وَلَنْ نُعْجِزَهُ هَرَباً» (12: الجن) قوله تعالى:
«فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا حَتَّى يُلاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ» ..
هو تهديد لهؤلاء المشركين، وذلك بأن يدعهم النبي وما هم فيه من خوض فى الباطل، ولعب فى مواقع الضلال، حتى يلاقوا اليوم الذي يوعدون، وهو يوم القيامة، وما توعّدهم الله به من عذاب..
قوله تعالى:
«يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْداثِ سِراعاً كَأَنَّهُمْ إِلى نُصُبٍ يُوفِضُونَ» .
«يَوْمَ يَخْرُجُونَ» - هو بدل من «يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ» .. ففى هذا اليوم الموعود، يخرجون من الأجداث، أي القبور، سراعا، حيث يساقون سوقا إلى موقف الحساب، والجزاء، وكأنهم فى سرعتهم ذاهبون إلى نصب
يجتمعون عنده، ليشهدوا مجلسا من مجالس عبادتهم، يمنّون فيه أنفسهم بالربح العظيم من عبادته.
والنّصب: واحد الأنصاب، وهو الصنم، وكل ما نصب ليعبد من دون الله ويوفضون: أي ينتهون إلى هذا النصب.. وأوفض إلى كذا، وأفضى إليه..
أي تتبعه، وانتهى إليه سراعا..
قوله تعالى:
«خاشِعَةً أَبْصارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ ذلِكَ الْيَوْمُ الَّذِي كانُوا يُوعَدُونَ» .
«خاشِعَةً أَبْصارُهُمْ» حال من أحوال هؤلاء المشركين، بعد خروجهم من قبورهم وسوقهم إلى الموقف أو المحشر.. إنهم يسرعون مسوقين إلى هنالك، وقد خشعت أبصارهم ذلة، وهوانا.
وقوله تعالى: «تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ» حال أخرى من أحوالهم.. أي قد أرهقتهم ذلة، وأنهكتهم، واشتدت عليهم وطأتها، وآدهم حملها..
وقوله تعالى: «ذلِكَ الْيَوْمُ الَّذِي كانُوا يُوعَدُونَ» إلفات للمشركين إلى هذا اليوم، وما يطلع عليهم فيه من بلاء عظيم، وكرب يقصم الظهور! إنه هو ذلك اليوم الذين كانوا يوعدون به فى الحياة الدنيا، ولا يصدقون به، ولا يعملون حسابا له.. وها هوذا قد جاءهم بالعذاب، فماذا هم فاعلون؟ لا شىء إلا الصراخ والعويل، وتقطيع القلوب حسرة وندامة..