الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بسم الله الرحمن الرحيم
الآيات: (1- 7)[سورة المرسلات (77) : الآيات 1 الى 7]
بسم الله الرحمن الرحيم
وَالْمُرْسَلاتِ عُرْفاً (1) فَالْعاصِفاتِ عَصْفاً (2) وَالنَّاشِراتِ نَشْراً (3) فَالْفارِقاتِ فَرْقاً (4)
فَالْمُلْقِياتِ ذِكْراً (5) عُذْراً أَوْ نُذْراً (6) إِنَّما تُوعَدُونَ لَواقِعٌ (7)
التفسير:
قوله تعالى:
«وَالْمُرْسَلاتِ عُرْفاً» ..
ما المرسلات؟
اختلف المفسرون فى معنى المرسلات، وتعددت مقولاتهم فيها، وكثرت الروايات والأسانيد التي تضاف إلى صحابة رسول الله فى هذا المقام.. وهذا الاختلاف الشديد بين تلك المقولات، مما يضعف هذه الروايات، بل ويكذب نسبتها إلى من نسبت ادعاء إليهم.. إذ لو كانت صحيحة لما كانت إلا قولا واحدا.. لأن صحابة رسول الله لم يقولوا في تأويل كلام الله برأيهم، بل كل ما صحت نسبته إليهم من أقوال فى معنى حرف، أو كلمة، أو آية، هو مما علموه من رسول الله صلوات الله وسلامه عليه.. وليس للرسول الكريم إلا قول واحد. فى المقام الواحد.. «وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى» (3: النجم) .
وعلى هذا. فإن ما نقوله أو يقوله غيرنا فى تفسير كلمة «المرسلات» هو اجتهاد فى تحرى أقرب المفاهيم التي يطمئن إليها كل مفسر، حسب ما أداه
إليه اجتهاده.. وهنا لا بأس أن يختلف المفسرون، إذ ليس قول أحدهم حجة على الآخرين.. وذلك على خلاف ما إذا نسب التفسير إلى أحد من صحابة رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فإنه إذا ثبتت نسبته إليه كان حجة علينا.
والرأى الذي نرتضيه من آراء المفسرين فى تفسير كلمة «المرسلات» هو القول بأنها الرياح، فقد جاءت كلمة «العاصفات» بعدها قرينة قوية على أنهما من مورد واحد، وإن اختلفا قوة وضعفا..
فقد جاء فى القرآن الكريم وصف الريح بهذا الوصف، فقال تعالى:
«وَلِسُلَيْمانَ الرِّيحَ عاصِفَةً» (81: الأنبياء) .. والقرآن يفسر بعضه بعضا، ويشهد بعضه لبعض..
وهناك قرينة أخرى، وهى أن القرآن الكريم قد أكثر من لفظ أرسل، ويرسل عند الحديث عن الرياح، كما يقول سبحانه:«وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّياحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ» (57: الأعراف) وقوله سبحانه: «وَأَرْسَلْنَا الرِّياحَ لَواقِحَ» (22: الحجر) وقوله تبارك اسمه: «فَيُرْسِلَ عَلَيْكُمْ قاصِفاً مِنَ الرِّيحِ فَيُغْرِقَكُمْ» (69: الإسراء) ..
فقوله تعالى: «وَالْمُرْسَلاتِ عُرْفاً» هو قسم بالرياح المرسلة من عند الله، فى هبوب دائم، على الوجه المعروف للناس من الرياح..
وقوله تعالى:
«فَالْعاصِفاتِ عَصْفاً» ..
هو حال من أحوال الرياح، حين يشتدّ هبوبها، فتتحول إلى عواصف..
وقوله تعالى:
«وَالنَّاشِراتِ نَشْراً» ..
هى الرياح فى حال أخرى من أحوالها، ومع أثر من آثارها، وهى حين تنشر السحب فى جو السماء، كما يشير إلى ذلك قوله تعالى:«اللَّهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّياحَ فَتُثِيرُ سَحاباً فَيَبْسُطُهُ فِي السَّماءِ كَيْفَ يَشاءُ وَيَجْعَلُهُ كِسَفاً» (48: الروم) ..
وقوله تعالى:
«فَالْفارِقاتِ فَرْقاً» ..
هى الريح أيضا وأفعالها بالسحب.. فهى بعد أن تبسطها فى السماء، تسوقها أمامها، وتذهب بها إلى مواقع مختلفة متفرقة من الأرض، بعضها شرقا، أو غربا، وبعضها شمالا أو جنوبا.. كما يشير إلى ذلك قوله تعالى:«أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُزْجِي سَحاباً ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ، ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكاماً فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّماءِ مِنْ جِبالٍ فِيها مِنْ بَرَدٍ فَيُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشاءُ وَيَصْرِفُهُ عَنْ مَنْ يَشاءُ» (43: النور) ..
وقوله تعالى:
«فَالْمُلْقِياتِ ذِكْراً» ..
هى السحب الممطرة، التي تلقى بما حملت من ماء، على المواقع التي ساقها الله سبحانه وتعالى إليها..
ويسمى المطر «ذكرا» لأنه مما يذكر بالله سبحانه وتعالى، ويحدّث عن واسع فضله، وعظيم رحمته، كما يشير إلى ذلك قوله تعالى: «وَهُوَ الَّذِي
يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ ما قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ»
(48: الشورى) .. وقوله سبحانه: «وَإِنْ كانُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمُبْلِسِينَ» (49: الروم) فأنظار الناس وآمالهم متعلقة بالمطر، فى حال إمساكه، أو حال نزوله، لأن فيه حياتهم، وحياة حيوانهم وزروعهم..
وقوله تعالى:
هو بيان لقوله تعالى «ذكرا» .. فهذا الذكر الذي يحدثه المطر، إما أن يكون إعذارا، أو إنذارا.. فهو إعذار للمؤمنين الذين غفلوا عن ذكر الله سبحانه وتعالى، وهو إنذار للكافرين الذين لا يذكرون الله أصلا..
وقوله تعالى:
«إِنَّما تُوعَدُونَ لَواقِعٌ» ..
هو جواب هذا القسم الذي أقسم الله سبحانه وتعالى به فى مفتتح السورة..
والذي يوعد به الناس، هو يوم القيامة، وما يلقون فيه من جزاء.
ومن إعجاز القرآن الكريم هنا أنه فرق بين الرياح فى مهابّها على الأرض، وبين الرياح فى مدارها مع السحاب، فى طيّه ونشره، وفى سوقه وتوجيه مساره..
فيقسم سبحانه وتعالى أولا بالرياح على إطلاقها وعمومها،:«وَالْمُرْسَلاتِ عُرْفاً» ثم يعطف على هذه الرياح حالا من أحوالها العارضة، وهى العواصف:
«فَالْعاصِفاتِ عَصْفاً» ..