الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بسم الله الرحمن الرحيم
الآيات: (1- 7)[سورة المدثر (74) : الآيات 1 الى 7]
بسم الله الرحمن الرحيم
يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ (1) قُمْ فَأَنْذِرْ (2) وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ (3) وَثِيابَكَ فَطَهِّرْ (4)
وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ (5) وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ (6) وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ (7)
التفسير:
قوله تعالى: «يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ.....»
هذه هى الوصايا التي يوصى بها ربّ السماء رسول الله، عند أول خطوة يخطوها برسالته إلى الناس..
إنه مدعوّ إلى أن يقوم بكل قواه، ليلقى الناس منذرا، غير ملتفت إلى عناد المعاندين، ولا متهيب كبر المتكبرين.. فالله- سبحانه- الذي يدعو الناس باسمه، هو أكبر من كل كبير.. فليذكر هذا دائما، فإنه إذا ذكر كبرياء الله، تضاءلت أمام عينيه كبرياء كل كبير.. وأن ينفض عن ثيابه غبار الدّعة والراحة، وأن يطهرها من غبار الزمن الذي عاشه بها قبل النبوة.. إنه منذ اليوم يلبس.
ثياب النبوة، إنها ثياب الجهاد، فى سبيل الله، ولبوس الحرب والقتال لأعداء الله.. وإنّ من شأن المحارب إذا أخذ لبوس حربه أن ينظر فيه، وأن يصلح منه ما يحتاج إلى إصلاح، حتى يكون صالحا للعمل، دفاعا أو هجوما.. وهذا هو تطهير الثياب.
ومما ينبغى أن يأخذ به النبي نفسه فى ثياب النبوة، أن يهجز الرجز، وهو كل ما يمسّ طهارة هذا الثوب، سواء أكان ذلك ناجما من الاحتكاك بالحياة،
والمجادلة مع المشركين، أو كان ذلك مما يعرض النفس من ضجر، وقلق ومعاناة، من تلقاء هذا العبء لذى تنوء بحمله الجبال.. وهذا هو هجر الرجز والفاءات في قوله تعالى:«وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ، وَثِيابَكَ فَطَهِّرْ، وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ» يرى كثير من النجاة وتابعهم في هذا كثير من المفسرين، أن هذه الفاءات زائدة..
ونحن على رأينا من أنه ليس هناك حرف زائد فى كتاب الله الكريم، وأن كل حرف أو كلمة، لها دلالتها التي لا يتم المعنى المراد فى القرآن إلا بها..
وهذه الفاءات، هى من نوع الفاء في قوله تعالى:«يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ قُمْ فَأَنْذِرْ» فالفاء فى قوله تعالى: «فَأَنْذِرْ» واقعة فى جواب الأمر..
وكذلك الفاءات فى قوله تعالى: «وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ وَثِيابَكَ فَطَهِّرْ وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ» - هى واقعة فى جواب أمر مقدر، معطوف على قوله تعالى فى أول السورة:«قم» ..
وعلى هذا يكون المعنى فى ابتدائه على هذا الوجه:
يا أيها المدثر قم فأنذر الناس، وقم فكبر ربك، وقم فطهر ثيابك، وقم فاهجر الرجز..
ثم للاهتمام بالمفعول به، وقصر مر فعل الفاعل عليه، قدم هذا المفعول على الفعل، فى قوله تعالى:«وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ، وَثِيابَكَ فَطَهِّرْ، وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ» وحذف فعل الأمر «قم» المكرر فى الآيات الثلاث، اكتفاء بتقديره وراء حرف العطف «الواو» الذي يأخذ نصيبه معنى لا لفظا من الفعل «قم» فى قوله تعالى:«قم فأنذر»
وفى الحق أن هذا التخريج النحوي لا ينبغى أن ندخل به على آيات الله، فذلك مما لا يتفق ومقام الإعجاز القرآنى، الذي يزرى بقدره، أن يوزن بميزان الكلام البشرى، الذي يخضع الضرورات، ويقبل الخطأ والانحراف.. تماما كما يزرى بقدر الذهب أن يوزن بميزان الحصى، إن كان الحصى ميزان..
وحسبنا فى هذا المقام أن نقف بين يدى مثل هذه الآيات- التي يجد فيها النحاة مجالا القول- فنضرب صفحا عن النحو ومقولاته، ونفتح قلوبنا، وعقولنا إلى هذا النور الذي يتدفق من آيات الله وكلماته، فيكشف لنا معالم الطريق إلى مواقع الهدى، والخير والفلاح.
ونمود إلى موقفنا بين يدى آيات الله فنقول:
كذلك ينبغى أن يعلم النبي من أول الأمر، أنه رحمة مهداة من عند الله إلى عباد الله، كضوء الشمس، ونور القمر، وماء السحب.. وإنه مما يكدر هذه النعمة، أن يرى الناس منه استعلاء، أو تطاولا بتلك المنن التي سيقت إليهم على يده.. فإن النفوس تكره ممن يحسن إليها أن يمنّ عليها بإحسانه، ويذكّرها به، وكأنه يريد لذلك ثمنا، أىّ ثمن، من ولاء وخضوع، أو من جاه وسلطان «وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ» والأولى من هذا، أن يبذل المحسن إحسانه، من غير التفات إلى مواقعه ممن أحسن إليهم بالنسبة إليه، وما أحدثه ذلك فى نفوسهم من تصافر أمامه، أو تسبيح بحمده والثناء عليه..
والإحسان من النبي- كما قلنا- هو إحسان منظور إليه على أنه من الله مباشرة إلى الناس، وأن النبىّ هو حامل هذا الفضل، وموصّل هذا الإحسان إليهم..
وبهذه النظرة إلى رسالة النبي، من جهته هو، ومن جهة المرسل إليهم، تقوم الرسالة على ميزان صحيح، مستقيم..
فالرسول يرى في ضوء هذه النظرة، أن حسابه فى هذه الرسالة مع ربه، وأن جزاءه عليها، هو من الله سبحانه وتعالى.. وهذا يجعل من شأنه ألا ينظر إلى الناس نظرة المحسن المتفضل..
والمرسل إليهم يرون أن الذي يدعوهم إليه، هو ربهم، وليس بشرا مثلهم، وأنهم إذ يستجيبون المرسول، فإنما يستجيبون لله.. وهذا من شأنه أن يخفف كثيرا من مشاعر الغيرة والحسد عندهم، ويذهب بكثير من دوافع الحميّة والأنفة والاستعلاء التي تملأ صدورهم، والتي كثيرا ما تقوم حجازا بين الناس والناس، فى تبادل المنافع، وتقبل النصح والإرشاد..
وفى قوله تعالى: «تستكثر» - حال من فاعل «وَلا تَمْنُنْ» أي لا تمنن مستكثرا من المنّ.. وهذا يعنى أن بعض المنّ مسموح به فى هذا المقام، على أن يكون ذلك من أجل خدمة الدعوة ولحسابها، كأن يقول النبي لقومه:
«لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى» (23: الشورى)«ما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَما أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ» (86: ص) ونحو هذا مما علمه الله سبحانه وتعالى النبي أن يقوله المشركين فى موقف الاحتجاج عليهم، ودفع التهم التي يتهمونه بها.. فهذا وإن كان فيه شىء من المنّ، إلا أن له ما يبرره من تصحيح أخطاء، وتلبيسات، وقعت فى نفوس المشركين، من مقام الرسول فيهم هذا المقام، وأنه فى نظرهم إنما يبغى من وراء هذا شيئا ما، وإلا فماذا يحمله على ركوب هذا المركب الصعب إليهم؟
ثم يكون ختام ما يوصى به النبي فى هذا المقام أن يتجمل بالصبر، وأن يوطن