الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يلقى فيه المشركون هذا النكال، والعذاب الأليم فى نار جهنم.
وفى قوله تعالى: «تَرْجُفُ الْأَرْضُ وَالْجِبالُ» - إشارة إلى ما يحدث للأرض فى هذا اليوم من اضطراب، حيث تشقق القبور، ومخرج ما فيها، وحيث تموج بهذه الأمواج المتدافعة من الخلق الذين يساقون إلى المحشر! ورجفة الأرض والجبال، هى من رجفة الخلائق يوم البعث، من فزعهم من أحوال هذا اليوم العظيم، كما يقول سبحانه:«وَيَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ، فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شاءَ اللَّهُ» (87: النمل) .
وقوله تعالى: «وَكانَتِ الْجِبالُ كَثِيباً مَهِيلًا» - إشارة أخرى إلى ما يصيب الجبال من أحداث هذا اليوم وشدته، وأنها تتفتت، وتنهار، وتبدو مثل كثيب من الرمل، المهيل، أي غير المتماسك.
الآيات: (15- 16)[سورة المزمل (73) : الآيات 15 الى 19]
إِنَّا أَرْسَلْنا إِلَيْكُمْ رَسُولاً شاهِداً عَلَيْكُمْ كَما أَرْسَلْنا إِلى فِرْعَوْنَ رَسُولاً (15) فَعَصى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ فَأَخَذْناهُ أَخْذاً وَبِيلاً (16) فَكَيْفَ تَتَّقُونَ إِنْ كَفَرْتُمْ يَوْماً يَجْعَلُ الْوِلْدانَ شِيباً (17) السَّماءُ مُنْفَطِرٌ بِهِ كانَ وَعْدُهُ مَفْعُولاً (18) إِنَّ هذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَنْ شاءَ اتَّخَذَ إِلى رَبِّهِ سَبِيلاً (19)
التفسير:
قوله تعالى:
«إِنَّا أَرْسَلْنا إِلَيْكُمْ رَسُولًا شاهِداً عَلَيْكُمْ كَما أَرْسَلْنا إِلى فِرْعَوْنَ رَسُولًا»
هو عودة إلى هؤلاء المشركين، بعد تهديدهم بالعذاب فى الدنيا، والنكال وعذاب جهنم فى الآخرة- عودة إليهم بعرض دعوة الإسلام عليهم من جديد، ليراجعوا أنفسهم، وليطلبوا السلامة من العذاب، القريب، والبعيد، الذي ينتظرهم..
ويكثر فى القرآن الكريم، مواجهة المشركين بفرعون، وما كان منه من كفر وضلال، وما أخذه الله به من بلاء ونكال..
وقد قلنا فى غير موضع، إن هذا الجمع بين المشركين وبين فرعون يشير فيما يشير إليه، إلى ما بين هؤلاء المشركين وبين فرعون من مشابه كثيرة، فى العناد، والجهل، والضلال، والاستعلاء على سماع كلمة الحق، والنفور منها..
وقوله تعالى: «رَسُولًا شاهِداً عَلَيْكُمْ» - إشارة إلى أن مهمة الرسول هو تبليغهم، وأداء الشهادة عند الله فيهم، بما كان منهم من هدى أو ضلال، ومن استجابة له، أو إعراض عنه.. كما يقول سبحانه:«فَكَيْفَ إِذا جِئْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنا بِكَ عَلى هؤُلاءِ شَهِيداً» (41: النساء) .
قوله تعالى: «فَعَصى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ فَأَخَذْناهُ أَخْذاً وَبِيلًا» - هو بيان للمشركين، يرون فيه ما كان من فرعون، وما حل به.. لقد عصى فرعون الرسول، وهو موسى، فأخذه الله تعالى أخذا وبيلا، أي أخذا مخزيا، مهينا، مهلكا.. فهل يعصى هؤلاء المشركون الرسول الذي أرسله الله إليهم؟
إنهم إن يفعلوا فعل فرعون، فسوف يلقون ما لقى فرعون.. إنهم ليسوا أشدّ من فرعون بأسا، ولا أقوى منه قوة، ولا أعز نفرا، ولا أكثر قبيلا..
قوله تعالى:
هو تعقيب على قوله تعالى: «فَعَصى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ فَأَخَذْناهُ أَخْذاً وَبِيلًا» - أي فكيف تدفعون عن أنفسكم عذاب هذا اليوم الذي يجعل الولدان شيبا، إن كفرتم ولم تؤمنوا بالله، ولم تستجيبوا لما يدعوكم إليه الرسول؟ كيف تدفعون عن أنفسكم هذا العذاب؟ أأنتم أقوى من فرعون قوة وأشد بأسا وأكثر نفرا؟ لقد أخذ فرعون بكفره، وستؤخذون أنتم بكفركم، إن كفرتم، وأمسكتم بهذا الكفر..
وفى قوله تعالى: «إِنْ كَفَرْتُمْ» - احتراس، يراد به قيد هذا العذاب الذي يتهددهم، وأنه رهن بما ينكشف عنه موقفهم من النبي.. فهم إلى هذه اللحظة فى سعة من أمرهم، مادام النبي فيهم، وما داموا فى الحياة، لم تطو صحف أعمالهم بعد بالموت..
وفى هذا إغراء لهؤلاء المشركين بالإيمان، وإفساح الطريق لهم إليه..
وقد دخل كثير منهم فى دين الله، وأصبحوا مؤمنين،. وهذا هو بعض الحكمة فى قوله تعالى:«وَمَهِّلْهُمْ قَلِيلًا» .. وقوله تعالى قبل ذلك: «وَاصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْراً جَمِيلًا» .
وقوله تعالى: «السَّماءُ مُنْفَطِرٌ بِهِ» هو وصف لهذا اليوم الذي تشيب من هوله الولدان.. وكما أن الأرض ترجف منه، والجبال تنهال، وتصبح كثبانا مهيلة من الرمال- كذلك السماء تنفطر به، أي تتشقق به، أي بسببه.
فالباء فى «به» .. للسببية وجاء الخبر عن السماء مذكرا «مُنْفَطِرٌ» ولم يقل «منفطرت» للإشارة إلى بنائها، أو سقفها، الذي يقع عليه التشقق والانفطار.. أي منفطر به بناؤها..
وقوله تعالى: «كانَ وَعْدُهُ مَفْعُولًا» أي كان وعد الله تعالى واقعا لا محالة.. أي أن هذا الوعد ليس مجرد قول، بل هو قول، بتحول إلى فعل واقع، ومشاهد محسوس..
وقوله تعالى:
«إِنَّ هذِهِ تَذْكِرَةٌ.. فَمَنْ شاءَ اتَّخَذَ إِلى رَبِّهِ سَبِيلًا» ..
هذه الآيات التي تحمل النذر، والبشريات معا، هى تذكرة، يجد فيها أولو العقول السليمة، تجاوبا مع الفطرة، فيذكرون بها الميثاق الذي أخذه الله عليهم وهم فى ظهور آبائهم، من الإيمان به، والإقرار بربوبيته ووحدانيته، كما يقول سبحانه:«وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى!!» (174: الأعراف) .
وقوله تعالى: «فَمَنْ شاءَ اتَّخَذَ إِلى رَبِّهِ سَبِيلًا» - إشارة إلى أن الطريق إلى الله مفتوح لكل من يريد الاتجاه إليه، فليس هناك من يحول بين الإنسان وبين اتصاله بربه، كما أنه ليس هناك من يحمل الإنسان حملا على أخذ هذا الطريق.. «وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شاءَ فَلْيَكْفُرْ» (29: الكهف) ..