المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الآيات: (1- 14) [سورة المزمل (73) : الآيات 1 الى 14] - التفسير القرآني للقرآن - جـ ١٥

[عبد الكريم يونس الخطيب]

فهرس الكتاب

- ‌67- سورة الملك

- ‌مناسبتها لما قبلها

- ‌الآيات: (1- 11) [سورة الملك (67) : الآيات 1 الى 11]

- ‌الآيات: (12- 15) [سورة الملك (67) : الآيات 12 الى 15]

- ‌الآيات: (16- 27) [سورة الملك (67) : الآيات 16 الى 27]

- ‌الآيات: (28- 30) [سورة الملك (67) : الآيات 28 الى 30]

- ‌68- سورة القلم

- ‌مناسبتها لما قبلها

- ‌الآيات: (1- 16) [سورة القلم (68) : الآيات 1 الى 16]

- ‌الآيات: (17- 33) [سورة القلم (68) : الآيات 17 الى 33]

- ‌الآيات: (34- 47) [سورة القلم (68) : الآيات 34 الى 47]

- ‌الآيات: (48- 52) [سورة القلم (68) : الآيات 48 الى 52]

- ‌69- سورة الحاقة

- ‌مناسبتها لما قبلها

- ‌الآيات: (1- 12) [سورة الحاقة (69) : الآيات 1 الى 12]

- ‌الآيات: (13- 18) [سورة الحاقة (69) : الآيات 13 الى 18]

- ‌الآيات: (19- 37) [سورة الحاقة (69) : الآيات 19 الى 37]

- ‌الآيات: (38- 52) [سورة الحاقة (69) : الآيات 38 الى 52]

- ‌70- سورة المعارج

- ‌مناسبتها لما قبلها

- ‌الآيات: (1- 18) [سورة المعارج (70) : الآيات 1 الى 18]

- ‌[من الإعجاز النفسىّ.. فى القرآن]

- ‌الآيات: (19- 35) [سورة المعارج (70) : الآيات 19 الى 35]

- ‌[الإسلام.. وشهوة الجنس]

- ‌الآيات: (36- 44) [سورة المعارج (70) : الآيات 36 الى 44]

- ‌71- سورة نوح

- ‌مناسبتها لما قبلها

- ‌الآيات: (1- 14) [سورة نوح (71) : الآيات 1 الى 14]

- ‌الآيات: (15- 25) [سورة نوح (71) : الآيات 15 الى 25]

- ‌الآيات: (26- 28) [سورة نوح (71) : الآيات 26 الى 28]

- ‌72- سورة الجن

- ‌مناسبتها لما قبلها

- ‌الآيات: (1- 15) [سورة الجن (72) : الآيات 1 الى 15]

- ‌الآيات: (16- 28) [سورة الجن (72) : الآيات 16 الى 28]

- ‌73- سورة المزمل

- ‌مناسبتها لما قبلها

- ‌الآيات: (1- 14) [سورة المزمل (73) : الآيات 1 الى 14]

- ‌الآيات: (15- 16) [سورة المزمل (73) : الآيات 15 الى 19]

- ‌الآية: (20) [سورة المزمل (73) : آية 20]

- ‌74- سورة المدثر

- ‌الآيات: (1- 7) [سورة المدثر (74) : الآيات 1 الى 7]

- ‌الآيات: (8- 30) [سورة المدثر (74) : الآيات 8 الى 30]

- ‌الآيات: (31- 56) [سورة المدثر (74) : الآيات 31 الى 56]

- ‌75- سورة القيامة

- ‌مناسبتها لما قبلها

- ‌الآيات: (1- 15) [سورة القيامة (75) : الآيات 1 الى 15]

- ‌الآيات: (16- 33) [سورة القيامة (75) : الآيات 16 الى 33]

- ‌الآيات: (34- 40) [سورة القيامة (75) : الآيات 34 الى 40]

- ‌76- سورة الإنسان

- ‌مناسبتها لما قبلها

- ‌الآيات: (1- 14) [سورة الإنسان (76) : الآيات 1 الى 14]

- ‌الآيات: (15- 22) [سورة الإنسان (76) : الآيات 15 الى 22]

- ‌الآيات: (23- 31) [سورة الإنسان (76) : الآيات 23 الى 31]

- ‌77- سورة المرسلات

- ‌الآيات: (1- 7) [سورة المرسلات (77) : الآيات 1 الى 7]

- ‌الآيات: (8- 15) [سورة المرسلات (77) : الآيات 8 الى 15]

- ‌الآيات: (16- 28) [سورة المرسلات (77) : الآيات 16 الى 28]

- ‌الآيات: (29- 40) [سورة المرسلات (77) : الآيات 29 الى 40]

- ‌الآيات: (41- 50) [سورة المرسلات (77) : الآيات 41 الى 50]

الفصل: ‌الآيات: (1- 14) [سورة المزمل (73) : الآيات 1 الى 14]

بسم الله الرحمن الرحيم

‌الآيات: (1- 14)[سورة المزمل (73) : الآيات 1 الى 14]

بسم الله الرحمن الرحيم

يا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ (1) قُمِ اللَّيْلَ إِلَاّ قَلِيلاً (2) نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلاً (3) أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً (4)

إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً (5) إِنَّ ناشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئاً وَأَقْوَمُ قِيلاً (6) إِنَّ لَكَ فِي النَّهارِ سَبْحاً طَوِيلاً (7) وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلاً (8) رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لا إِلهَ إِلَاّ هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلاً (9)

وَاصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْراً جَمِيلاً (10) وَذَرْنِي وَالْمُكَذِّبِينَ أُولِي النَّعْمَةِ وَمَهِّلْهُمْ قَلِيلاً (11) إِنَّ لَدَيْنا أَنْكالاً وَجَحِيماً (12) وَطَعاماً ذا غُصَّةٍ وَعَذاباً أَلِيماً (13) يَوْمَ تَرْجُفُ الْأَرْضُ وَالْجِبالُ وَكانَتِ الْجِبالُ كَثِيباً مَهِيلاً (14)

التفسير:

قوله تعالى:

«يا أيها المزمل» .

النداء هو من الحق جلّ وعلا، إلى رسول الله، صلوات الله وسلامه عليه، وكان ذلك فى أول الدعوة، حيث تلقى الرسول الكريم أمر ربه بأنه رسول الله، وذلك فى قوله تعالى: «اقرأ باسم ربك الذى خلق خلق

ص: 1247

الإنسان من علق.»

وقد استقبل الرسول هذه الدعوة، استقبال الإنسان لأمر غريب يقع له، مما لم تألفه الحياة، ومما لم يقع له أو لغيره المعاصرين له.، فوقع فى نفسه شىء من الخوف، والفزع لهذا الحدث، ولما له من عواقب لا يدرى ما يأتيه منها.. ويروى فى هذا أن النبىّ صلوات الله وسلامه عليه، كان فى أول أيام رسالته كلما عرض له جبريل، وناداه من قريب أو بعيد فزع، وكرب وعاد إلى أهله يرجف فؤاده، ويقول زمّلونى، دثرونى..

والمزّمل: أصله المتزمّل، وهو المتلفف فى يرد، أو نحوه..

والمزّمل: الحامل الثقال من الأمور، ومنه: الزّاملة، وهى الراحلة التي تحمل الزاد والمتاع، ونحوه..

ونداء النبىّ الكريم، بهذه الصفة التي كان عليها.. وهى المزمل.. هو غاية اللطف، والتكريم والإحسان، من الله سبحانه وتعالى.. حيث لا يكون هذا النوع من الخطاب إلا بين متحابين متصافيين، قد زالت حواجز الكلفة بينهما.. وهذا جائز من الله سبحانه وتعالى، لأنه هو الملك للأمر كله، يدنى من يشاء ويبعد من يشاء، ويخاطب أحبابه وأولياءه، كما يخاطب الحبيب حبيبه، والخليل خليله.. أما النبىّ، والملائكة، وغيرهم من عباد الله المقربين فإنه لا يجوز لهم أن يخاطبوا الله سبحانه إلا من مقام العبودية المطلقة لجلال الله وعظمته..

«يا أيها المزمل» !! كم وجد الرسول الكريم من سعادة، وغبطة، ورضا.. بهذا الوصف الذي أصبح علما هو آثر الأسماء عنده، وأحب، الصفات إليه؟ وهذا يعنى أن جميع أحوال النبىّ، هى غير أحوال الناس، وأن كلّ حال منها هى علم على النبىّ

ص: 1248

وحده، حتى ما كان منها فى ظاهره مما لا يتمدّح به، هى بالنسبة إليه صفات كمال لا يتصف بها غيره.

وللرسول الكريم وصف وصف به الإمام عليا- كرم الله وجهه- حين رآه نائما فى المسجد وقد علا جبينه بعض التراب، وكان مغاضبا السيدة فاطمة رضى الله عنها، فقال له الرسول صلوات الله وسلامه عليه:«قم يا أبا تراب» يقول الإمام علىّ: فكان هذا الوصف هو أحبّ ما أنادى به!! وقوله تعالى:

«قم الليل إلا قليلا» .. هذا هو المنادى به النبىّ من قبل الله سبحانه وتعالى، بعد أن أوقظ من نومه بهذه اللمسة الرفيقة الحانية، من يد اللطف والرحمة، من ربّ لطيف رحيم.. «يا أيها المزمل» وفى هذه الدعوة، انتقال بالنبيّ الكريم من حال المزمل، والنوم، إلى اليقظة الكاملة، والتشمر للعمل، والقيام له.. «قم الليل إلا قليلا» .

والمراد بقيام الليل، هو اليقظة فيه، يقظة كاملة، واعية عاملة، حتى لكأنه فى حال قيام دائم، وإن كان جالسا..

قوله تعالى:

«نصفه أو انقص منه قليلا أو زد عليه ورتل القرآن ترتيلا» نصفه، بدل من «قليلا» فى قوله تعالى:«قم الليل إلا قليلا» وهو بيان لمقدار قيام الليل إلا قليلا منه.. فنصف الليل، إذا قامه النبي، يعدّ منه قياما لليل، إلا قليلا منه، وأقل قليلا من نصف الليل، بعد كذلك من النبي قياما لليل إلا قليلا منه، وكذلك إذا هو زاد فى قيامه على نصف الليل..

وهذا يعنى أن أمر النبي- صلوات الله وسلامه عليه- بقيام الليل

ص: 1249

إلا قليلا، هو أمر قائم على اليسر، حسب أحوال النبي، وعلى قدر استعداده فى كل حال من أحواله.. ففى ليلة، يقوم الليل كله إلا قليلا، وفى ليلة أخرى، يقوم نصف الليل، وفى ثالثة، يقوم أقل من نصف الليل، وفى رابعة يقوم اكثر من نصفه.. وفى كل هذا، هو- صلوات الله وسلامه عليه- قد أدى غاية المطلوب منه، وهو قيام الليل إلا قليلا منه..

وقوله تعالى: «ورتل القرآن ترتيلا» - معطوف على قوله تعالى، «قم الليل إلا قليلا» .. إذ ليس المطلوب هو قيام الليل فى ذاته، وإنما المراد هو الذي يصحب هذا القيام، من ترتيل القرآن ترتيلا.. فالواو هنا بمعنى المعية والمصاحبة.. ويجوز أن تكون واو الحال، والجملة بعدها حالية، أي قم الليل مرتلا القرآن ترتيلا..

وترتيل القرآن، هو قراءته فى تمهل وتتابع، بحيث تتابع الحروف والكلمات، فيأخذ كل حرف مكانه على الفم من كل كلمة، كما تأخذ الكلمة مكانها من كل آية، حتى ينتظم منها جميعها موكب متحرك فى نظام أشبه بنظام حبات الدر فى عقدها.. وهكذا كانت قراءة رسول الله للقرآن.. عن أم سلمة- رضى الله عنها- قالت:«كان رسول الله صلى الله عليه وسلم. يقطّع قراءته آية آية» وعن أنس- رضى الله عنه- قال: «كان يمدّ صوته مدّا» وعن ابن عمر رضى الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يقال لصاحب القرآن «1» : اقرأ وأرق، ورتّل كما كنت ترتل فى الدنيا، فإن منزلتك عند آخر تقرؤها» ولفظ الترتيل، يحتمل هذه المعاني كلها.. وهو من ترتّل الأسنان، إذا

(1) أي فى الآخرة

ص: 1250

استوت وحسن نظامها، ويقال ثغر رتل إذا كانت أسنانه مستوية لا تفاوت فيها..

قوله تعالى:

«إنا سنلقى عليك قولا ثقيلا» - هو بيان للسبب الذي من أجله دعى النبي إلى قيام الليل، وإلى نزع ثوب الدّعة والسكون.. إنه صلوات الله وسلامه عليه- سيواجه- بعد اصطفائه المرسالة- أمرا عظيما، وإنه سيكلف أداء مهمة شاقة، تحتاج إلى أن يبذل لها كل جهده، وأن يقوم عليها فى كل لحظة من حياته، ليلا ونهارا.. فهذا القول الذي سيلقى عليه، وهو القرآن الكريم، هو قول ثقيل بما يحمل من تكاليف، هى عبء ثقيل عند كثير من الناس، كما أنها حمل ثقيل على النبي فى حملها إلى الناس، ودعوتهم إليها..

إن عهد النوم بالليل قد انتهى! فليوطّن النبي التي نفسه منذ الآن على الجهاد، وحمل هذا العبء، وليأخذ للموقف عدته، وإلّا ضعف عن حمل الرسالة، وأداء أمانة تبليغها، وقد علم أن إخوانه من الرسل، قد أبلغوا رسالات ربهم، وما كان له أن يقصر عنهم، وهو خاتمهم، وسيدهم.

وهذا التنبيه من الله سبحانه لنبيه الكريم، بما سيلقاه على طريق رسالته، من صعاب، وما يحمله فى سبيلها من أعباء- هو الذي يهيىء النبي جسميّا ونفسيّا للمهمة الخطيرة التي نيطت به، وألقيت عليه..

وقوله تعالى:

«إن ناشئة الليل هى أشد وطئا وأقوم قيلا» .

اختلف فى معنى «ناشئة الليل» .. أهي أول الليل، أو آخره، أو وسطه، أم هى اليقظة بعد النوم..

ص: 1251

والذي نميل إليه أن ناشئة الليل هى أوله، حيث يبدأ فيها نشوء الليل، وحيث هى التي يتحقق بها ما دعى إليه النبىّ من قيام الليل إلا قليلا منه، فإنه لو نام الإنسان أول الليل فهيهات أن يضبط الوقت الذي يستيقظ فيه، ومن ثمّ فقد لا يقوم شيئا من الليل، فضلا عن أن يقوم الليل كله إلا قليلا منه..

وقوله تعالى: «هى أشد وطئا» أي أثقل على النفس وأشق، لأن الإنسان يصل بها تعب النهار، الذي يحمل الإنسان على أن يلقى بهذا التعب عند أول الليل، كما يلقى المسافر مشقة السفر عند أول منزل ينزله.. وفى هذه المشقة، مضاعفة الثواب، ودربة على تعوّد المتاعب، ومغالبة منازع النفس وأهوائها..

وقوله تعالى: «وأقوم قيلا» أي أن قيام ناشئة الليل، أكثر فائدة، وأطيب ثمرا.. حيث يكون الإنسان مغالبا لهواه، قاهرا سلطان نفسه، مستعليا على حاجة جسده، وتلك أحسن أحوال الإنسان لتقبل الخير، والإفادة منه..

والقيل الذي مع الرسول الكريم، هو القرآن الكريم، وهو أقوم قول وأعدله، وأكمله، فى جميع الأحوال، والأزمان.. لا تتغير ذاتيته، ولا تتعرض صفاته لزيادة أو نقص.. لأنه كامل فى ذاته، لا يقبل كما له زيادة، كما أنه لا يقبل نقصا.. لأن الكامل كمالا مطلقا، لا يكون على هذا الوصف إلا إذا تنزه كماله عن التعرض الزيادة أو النقص..

أمّا وصف القيل المراد به القرآن هنا، بأنه أقوم قيلا، أي أسدّ قولا وأنفعه- أما هذا الوصف، فليس لذاتية القول، وإنما هو للأثر الذي يحدثه

ص: 1252

هذا القول فيمن يتلقاه، ويرتله.. فإن هذا الأثر يختلف باختلاف المتلقّين له، وباستعدادهم العقلي، والنفسىّ والروحي، للفهم عنه، والتجاوب معه.. كما أن هذا الأثر يختلف باختلاف أحوال المتلقّى الواحد، وبتأثر هذه الأحوال بظروف الزمان، والمكان.. فبعض الأزمنة تفعل فيها الكلمة ما لا تفعله فى أزمنة أخرى، وبعض الأمكنة، تجعل الكلمة وقعا على نفس متلقيها، لا يجده منها فى مكان آخر.. تماما كشأن النبات من الحب والفاكهة، فإن لكل فاكهة ولكل حب مكانا لا يجود إلا فيه، وزمانا لا تنطلق فيه طاقاته وقواه كاملة إلا إذا احتواه هذا الظرف من الزمان..

وأول ما ألقى على النبي من قول ثقيل، هو هذا الأمر التكليفي الذي كلف به من ربه، وهو أن يقوم من نومه، وأن يرفع هذا الغطاء المتزمل به، وأن يقوم الليل كله إلا قليلا منه، ذاكرا الله بتلاوة القرآن وترتيله..

ويجوز أن يكون هذا القول الثقيل، هو ما يحمل إليه هذا القول من حمل أمانة تلك الرسالة العظيمة التي يقوم عليها، ويواجه الناس بها، وقد حمل النبي أعباء هذه الرسالة نحوا من ثلاث وعشرين سنة، احتمل فيها ما تنوء الجبال الراسيات بحمله.. ويجوز أن يكون هذا القول الثقيل، هو الوحى نفسه، وما كان يجد النبي من جهد فى تلقى كلمات الله منه..

هذا، والذين ذهبوا إلى أن ناشئة الليل، هى آخر الليل إنما نظروا فى قول الله سبحانه:«أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهودا» - وفى هذا تنويه بهذا الوقت- وقت الفجر- وأنه وقت مبارك، تتفتح فيه النفس لتقبل الخير، وتشرق فيه بنور الحق، كما يشرق وجه النهار، ويسفر، حين يطلع الفجر..

ص: 1253

وعلى هذا يكون قوله تعالى: «إن ناشئة الليل هى أشد وطئا وأقوم قيلا» هى دعوة إلى النبي- صلوات الله وسلامه عليه- إلى أن يمدّ فى قيام الليل، حتى يبلغ الفجر، ليلتقى مع هذا الوقت المبارك المشهود، وإن كان فى السهر، ومغالبة النوم ما تشتد وطأته عليه.. ولهذا جاء بعد ذلك قوله تعالى:«وأقوم قيلا» ليكون خيرا مرصودا ينتظر النبىّ على نهاية الليل الذي قطعه قياما، وترتيلا، وبهذا يشتد عزمه، وتشتد رغبته فى السهر ليلتقى مع هذا الخير الذي هو على موعد معه هناك.. مع الفجر! وعلى هذا التأويل، يكون القول بأن ناشئة الليل، هى آخر الليل، أولى عندنا مما قلناه من أنها أول الليل.. والله أعلم..

وقيل إن ناشئة، الليل، هو ما يتجدد فيها من ساعات، ينشأ بعضها إثر بعض، وعلى هذا تكون شاملة الليل كله باعتبار ظرفا طيبا للعبادات والطاعات، وذلك لخلو النفس فيه من الشواغل التي تشغلها بالنهار..

قوله تعالى:

«إن لك فى النهار سبحا طويلا» ..

السبح: الحركة، المطلقة، المتحررة من القيود.. ومنه يقال الفرس السريع الجري: سابح، وقد أقسم الله سبحانه بالسابحات، فقال سبحانه:

«والنازعات غرقا والناشطات نشطا والسابحات سبحا» (1- 3:

النازعات) ..

ومنه التسبيح، وهو إطلاق اللسان بذكر الله..

وهذه الآية بيان لسبب آخر من أسباب دعوة النبىّ مجاهدة نفسه أولا، وتدريبها على ركوب الصعاب من الأمور، حتى يستطيع أن يستقل بحمل القول

ص: 1254

الثقيل الذي سيبلقى عليه. فإن قيام الليل مع شدّة وطأته لا يكفى وحده لمواجهة الرسالة المكلّف بحملها، وتبليغها إلى الناس، وإنما يقتضيه هذا أن يقوم النهار كلّه، يطوف على الناس، ويلقاهم بها فى كل مكان، ويسبح بها إلى كل أفق كما تسبح الطير فى السماء.. وأنه إذا كان النبىّ قد جعل الليل لمناجاة ربه، فليجعل النهار لمواجهة الناس.. إنه بمناجاة ربه بالليل يتزود بالزاد الطيب الذي يعينه على رحلة النهار مع الناس ودعوتهم إلى الله، فإذا أقبل الليل عاد إلى تلك المناجاة يستروح أرواح الطمأنينة والرضا، ويتخفف من أعباء يومه الثقيل، وما لقى فيه من خلاف عليه، واستخفاف به من أهل السفاهة والجهالة، ليستقبل يوما آخر.. وهكذا..

وهذا ما يشير إليه قوله تعالى: «فلا تطع الكافرين وجاهدهم به جهادا كبيرا» (52: الفرقان) ..

فهذا السبح الطويل الذي يسبحه النبىّ الكريم فى النهار- هو جهاده للكافرين بآيات الله التي يتلوها عليهم، ويحاجّهم بها، ويتلقى ما يرمونه من بهت وتكذيب..

يروى أن عمر بن الخطاب رضى الله عنه، وقد نصح له بعض أصحابه بأن يرفق بنفسه، وأن يأخذ لها حظها من الراحة والنوم بالليل أو النهار، فأجابه عمر بقوله:«إنى إن نمت الليل ضيّعت حق الله، وإن نمت النهار ضيعت حق الرعية.. فكيف بالنوم مع هذا أو ذاك؟» ..

فإذا كان هذا شأن عمر، فرع شجرة الإسلام الطيبة المباركة، فكيف بالشجرة ذاتها؟ ..

وكيف برسول الله، وبالأمر العظيم الذي ندبته السماء له، وأناطت به حمله؟

ذلك أمر لا نوم معه فى ليل أو نهار..

ص: 1255

قوله تعالى:

«واذكر اسم ربك وتبتل إليه تبتيلا» ..

هو دعوة إلى الرسول الكريم أن يكون دائما مع ذكر الله، فى الليل أو فى النهار، مع نفسه، أو مع الناس، فلا يقطعه هذا السبح الطويل فى النهار مع الناس، عن ذكر الله أبدا.. إن رسالته كلها هى ذكر الله، والتذكير به، فهو حيث كان فى ذكر الله، وفى تلاوة آياته..

وفى التعبير عن ذكر الله بذكر اسمه تعالى، إشارة إلى أن ذكر اسم الله، هو الذي يذكّر بالله، وهو الذي يستحضر به ماله سبحانه من صفات الكمال والجلال التي تشعّ من أسمائه وصفاته.. وفى هذا يقول سبحانه:«ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها» (180: الأعراف) ..

ويقول جل شأنه: «قد أفلح من تزكى وذكر اسم ربه فصلى» (14- 15: الأعلى) ..

ويقول سبحانه: «ولذكر الله أكبر» (45: العنكبوت) ..

ويقول سبحانه: «وأقم الصلاة لذكرى» (14: طه) ..

وقوله تعالى: «وتبتل إليه تبتيلا» ..

التبتل: الانقطاع، والبتل القطع.. ومنه البتول، وهى التي انقطعت عن الدنيا وشواغلها بعبادة الله..

ومعنى التبتل إلى الله، الانقطاع إليه، وتوجيه العقل، والقلب إليه جميعا، دون التفات إلى غيره..

وهذا هو شأنه- صلوات الله وسلامه عليه- فكل وجوده لله.. كلامه وخطوه، وقيامه، وقعوده، ونومه، ويقظته.

ص: 1256

وليس التبتل هنا معناه الرهبنة، والانقطاع عن الحياة، وإنما هو العمل لله وحده فى معترك الحياة، بمعنى أن تكون أعمال النبي، وجهاده بالقول، وبالسيف، مرادا بها وجه الله وحده، معزولا عن كل مطلب من مطالب الحياة الدنيا، ومجانبا لكل حظ من حظوظ النفس، إلا ما يمسك الأود، ويحفظ الحياة..

قوله تعالى:

«رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلًا» أي هو رب المشرق والمغرب، أي هو رب هذا الوجود كله.. فإذا ذكر المؤمن اسم ربه، ذكر بذلك ما لله سبحانه من سلطان، وأنه مالك الملك، وحافظه، ومدبر كل أموره وأحواله، وهذا هو الذي يعطى الذاكر ثمرة طيبة، إذا هو ذكر ربه بهذه المشاعر الخالصة له سبحانه وتعالى.

وفى التعبير بالمشرق والمغرب، عن الوجود كله، وحصره فى هاتين الجهتين، مع أن الجهات أربعة، هى المشرق والمغرب، والشمال، والجنوب- فى هذا أمور، منها:

أولا: أن التعبير القرآنى، جاء بلفظ مشرق، ومغرب، ولم يجىء بلفظ شرق وغرب..

وهذا يعنى أنه يشير إلى مشرق الشمس، والقمر، والكواكب، والنجوم، ومغربها.. فهذه العوالم، لها مشرق، ومغرب، وليس لها شمال، وجنوب..

وثانيا: أن المشرق، والمغرب، يشملان- ضمنا- الشمال والجنوب..

حيث أن المشرق يشير إلى جهة الشروق، التي تمتد من أقصى الشمال، إلى نهاية الجنوب.. وكذلك المغرب، فإنه يمتد من طرف الشمال، إلى طرف الجنوب.

ص: 1257

وثالثا: أن دورة الأرض، وهى الكوكب الذي نعيش عليه، هى دورة من الغرب إلى الشرق، وليست من الشمال إلى الجنوب، أو من الجنوب إلى الشمال.. ولذا فإن في حركتها تلك لا يظهر إلا وجه المشرق، ووجه المغرب، جامعين كلّ شمال وكل جنوب يقع في محيطهما..

وقوله تعالى: «لا إِلهَ إِلَّا هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلًا» .. أي أنه سبحانه هو المتفرد بالسلطان على الوجود، لا يشاركه أحد، ولهذا كان التعلق به وحده، والتوكل عليه وحده، هو الطريق إلى السلامة، والنجاة..

وفى قوله تعالى: «فَاتَّخِذْهُ وَكِيلًا» إشارة إلى تفويض الأمر لله وحده، وجعله سبحانه هو الوكيل الذي يكل إليه الإنسان أموره، ويفوّض له التصرف فيها..

ووكالة الله سبحانه وتعالى للإنسان، هنا، هى وكالة عن اختيار وطواعية، وعن ثقة فى الله، وإقرار بالعجز من العبد عن أن يكون له تصريف فى أي شىء إلا بما قضى الله سبحانه وتعالى له به، وقدّره.. وهذا هو الإيمان فى حقيقته، وفى أكمل صوره، وتلك حال المؤمنين حقا فى صلتهم بالله، وفى تعاملهم مع الله..

أما غير المؤمنين بالله، الذين لا يتوكلون عليه، ولا يفوضون أمورهم إليه- فإنهم مقهورون تحت سلطان الله، وفى إجراء مقاديره عليهم.. ويستوى فى هذا المؤمنون، وغير المؤمنين.. ولكن الفرق بين المؤمنين وغير المؤمنين، هو فى أن المؤمنين قد امتلأت قلوبهم طمأنينة ورضا بهذا العقد الذي عقدوه مع ربهم، فى تفويض أمورهم إليه، وإلقائها بين يديه، وهذا من شأنه أن يقيمهم على رضا دائم بما يقع لهم، فلا يرون فيما صنعه الوكيل لهم إلا الخير، والإحسان، سواء أكان ذلك مما يسرّ الناس أو يسخطهم، ومما يرونه خيرا أو شرّا..

ص: 1258

إن المؤمن الذي فوض لله أموره، لا يرى عاقبة هذه الأمور إلا أنها الخير، والخير كله..

أما غير المؤمن بالله، فإنه يحمل وحده هموم نفسه، ويتولّى تصريفها، غير ملتفت إلى أن يدا قوية قادرة حكيمة، رحيمة، هى التي تتصرف فيها بسلطان غالب، ومشيئة سابقة، وقدر مقدور- فهو لهذا فى معاناة دائمة، وفى مخاوف ووساوس لا تنقطع، من عواقب أموره.. فإذا جاءه من أمر ما يسره، لم تنطلق من نفسه رنة الفرح، لأن هناك أمورا أخرى أصدرها، وينتظر مواردها عليه ولا يدرى ما يجيئه منها، فلا تقع الفرحة خالصة بما وقع ليده مما يسره.. وإن أصابه ما يسوءه، قتل نفسه حسرة وندما، لأنه فعل كذا، ولم يفعل كذا، وأنه لوسلك بأمره هذا الذي ورد عليه بهذا السوء مسلكا آخر- لما حدث له هذا الذي حدث.. وهكذا يظل يمضغ الحسرة والأسى، حتى آخر لحظة من حياته.. فلا هو لما يسرّ مطمئن، ولا هو لما يسوء واجد عزاء وسلوانا.

قوله تعالى:

«وَاصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْراً جَمِيلًا» ..

هو معطوف على قوله تعالى: «فَاتَّخِذْهُ وَكِيلًا» .. أي اتخذ ربك الذي لا إله إلا هو، وكيلا، تستند إليه فى جميع أمورك، بعد أن انقطعت إليه، ووضعت وجودك كله فى سبيل مرضاته.. واصبر على ما يأتيك من المشركين من أقوال ضالة مفتراة، وما يرمونك به من تهم باطلة كاذبة.. اصبر على سفاهتهم تلك وقولهم إنك مجنون، وإنك شاعر، أو كاهن، أو مفتر متقوّل على الله.. اصبر على كل هذا، فذلك هو من آثار هذا القول الثقيل الذي ألقيناه عليك، وتلك هى المهمة الثقيلة التي انتدبناك لحملها.. وإنه لا يعنيك على حمل هذا العبء الثقيل إلا توكلك على الله، واعتصامك بالصبر: «يا أَيُّهَا الَّذِينَ

ص: 1259

آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ»

(153: البقرة) .

وقوله تعالى: «وَاهْجُرْهُمْ هَجْراً جَمِيلًا» .. أي واهجر المشركين إذا انقطع بينك وبينهم ما ترجو لهم من خير- اهجرهم هجرا جميلا.. أي كن رفيقا بهم، متوددا إليهم، ولا يحملنّك ما يرمونك به من سفاهة وجهل، على بغضتهم، والدعاء عليهم.. بل ارفق بهم، والتمس العذر لهم، فهذا هو شأن العالم مع الجاهل، والطبيب مع المريض.. فإذا انتهى بك الأمر معهم إلى القطيعة، فليكن ذلك بحكمة وبرفق من جهتك، كأن تقول: سلام عليكم.. لى عملى ولكم عملكم..

إنى لا أملك لكم ضرا ولا رشدا.. إلى غير ذلك مما علمك الله، من الدعوة إليه، بالحكمة والموعظة الحسنة، والمجادلة بالتي هى أحسن.

وقوله تعالى:

«وَذَرْنِي وَالْمُكَذِّبِينَ أُولِي النَّعْمَةِ وَمَهِّلْهُمْ قَلِيلًا» .

النعمة: التنعم، والرّفه.. ومنه النعمة، وهى كل ما ينعم به، جسديا، أو نفسيّا، أو روحيّا..

وقوله تعالى: «وَذَرْنِي وَالْمُكَذِّبِينَ أُولِي النَّعْمَةِ» تهديد مزلزل مفزع لهؤلاء السادة المتنعمين، من مشركى القوم، فإنهم هم الرءوس الفاسدة، العفنة، التي تقود تلك الحملة الضالة التي تؤذى النبي، وتقف لدعوته بالمرصاد..

وأولو النعمة: هم المترفون من أصحاب المال.

والخطاب النبىّ صلوات الله وسلامه عليه، وهو دعوة إليه من ربه ألا يستشفع عند الله لهؤلاء الضالين، وما سيأخذهم الله سبحانه وتعالى به من عذاب، فى هذه الدنيا، وما أعد لهم فى الآخرة من نار جهنم، وعذاب السعير..

ص: 1260

وفى هذا التهديد من الله سبحانه وتعالى المشركين، بعد دعوة النبي بأن يهجرهم هجرا جميلا، وأن يزايل موقفه من بينهم فى رفق- فى هذا إشارة إلى أن يترك النبي الأمر لله، فهو الذي سيتولى حساب هؤلاء المشركين.. فليدع الأمر لله، ولا يقطع ما بينه وبين قومه من أواصر النسب والقرابة.. فهم قومه، وأولى الناس بعطفه، ومودته..

وهذا أسلوب من أساليب التهديد، التي تبدو فى صورة من أمسك بيده سيفا، أو رمحا، ثم رفعه فى وجه عدوه، الذي يحتمى فى ظل صديق أو شفيع، فهو يقول لهذا الصديق أو الشفيع: ذرنى، أي اتركني، وهذا الشقي، أضربه الضربة القاضية..!

ومن هذا الأسلوب يبدو أن النبىّ- صلوات الله وسلامه عليه- هو الدّرع الواقية لهؤلاء الضالين من أن ينزل عليهم غضب الله، وأن هذا الغضب واقع بهم، إذا هم غاضبوا النبي، وحملوه حملا على أن يخلى مكانه فيهم..

وقد كان! فإنه ما إن بلغ الكتاب أجله لموقف النبي من هؤلاء المشركين، وخروجه من بينهم مهاجرا- حتى تتساقط عليهم سحب العذاب، فيكون لهم فى بدر يوم، تقطع فيه رءوس كثيرة من هؤلاء المكذبين أولى النعمة، ثم يكون لهم فى يوم الفتح، يوم تذل فيه رقابهم، وتخضع فيه أعناقهم، فلا يرتفع لمشرك بعد هذا اليوم رأس، ولا يشمخ أنف..!!

وفى قوله تعالى: «وَمَهِّلْهُمْ قَلِيلًا» - إشارة إلى أن العذاب الذي يتهدد هؤلاء المشركين، هو مطلّ عليهم، لا يلبث إلا قليلا حتى يقع عليهم.. وقد كان!! ويجوز أن يكون المراد بالإمهال القليل، هو إشارة إلى إعطاء هؤلاء المشركين فرصة يراجعون أنفسهم، ويرقبون مسيرة الدعوة الإسلامية، وأثرها فى القلوب والعقول، فلربما كان لهم من ذلك عبرة وعظة.. وقد كان..

ص: 1261

فإن أكثر هؤلاء المشركين قد دخل فى الإسلام، وأصبح من القوى العاملة على نصره، والتمكين له..

قوله تعالى:

«إِنَّ لَدَيْنا أَنْكالًا وَجَحِيماً وَطَعاماً ذا غُصَّةٍ وَعَذاباً أَلِيماً يَوْمَ تَرْجُفُ الْأَرْضُ وَالْجِبالُ وَكانَتِ الْجِبالُ كَثِيباً مَهِيلًا» .

هذا هو ما سيلقى المشركون يوم القيامة، إذا هم ماتوا على ما هم عليه من شرك.. إنهم سيردون إلى الله، وإنه ليس لهم عند الله إلا أنكال، وجحيم، وطعام ذو غصة وعذاب أليم..

فهذه صورة من صور العذاب التي يتجرع أهل الضلال كئوسها قطرة قطرة يوم القيامة.. فهل يريد أصحاب الترف والنعيم أن يذوقوا هذا البلاء؟ إنه موجود عندنا، لا نتكلف له جهدا، وإنه ينتظر الضالين المكذبين.

والأنكال، جمع نكل، وهى ضروب من المساءات، التي تساق إلى أهل الضلال يوم القيامة، قبل أن يلقى بهم فى نار جهنم، ومنها هذا السوق العنيف الذي يساقون فيه إلى المحشر، وهذا الفضح لهم على رءوس الأشهاد، بما كان منهم من مخاز، وضلالات، ومنها تلك السلاسل التي يقادون بها من أعناقهم، ويسحبون بها إلى النار على وجوههم..

ثم هذا الجحيم أي النار المستعرة، التي يتأجج، ويتسعر وقودها.. ثم هذا الطعام ذو الغصة، وهو الطعام الكريه، الذي لا يجد الطاعم مساغا له، فيزور به، ويضيق حلقه عن ابتلاعه، فيصاب بغصة منه.. كل هذا، هو مما أعده الله لأهل الشرك والضلال..

وقوله تعالى: «يَوْمَ تَرْجُفُ الْأَرْضُ وَالْجِبالُ» هو بيان للظرف الذي

ص: 1262