الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كلمة الأستاذ الشيخ محمد حامد الفقي رئيس جماعة أنصار السنة
نشرت في مجلة "الكتاب" عدد أبريل سنة 1947
أحَبَّ صديقي الشيخ أحمد محمد شاكر السُّنة النبوية المطهرة منذ شبابه الأول، وشغف بفقهها، والتعمق في علومها، والتنقيب عن روائعها، ونفائس كتبها. وما زال يتعهد هذا الحب وينميه ويسقيه بما يتيح الله له من التوفيق، وجمع كتب الحديث وعلومه، المخطوط منها والمطبوع في كل بلدان العالم، مما جعل مكتبته لا نظير لها مطلقاً عند عالم ممن أعرف، على كثرة من أعرف في البلدان الإسلامية. وقد وهبه الله صبراً دائباً على الدرس، وحافظة قوية لا يند عنها شيء، وذوقاً رفيعاً في استكناه الآثار واعتبارها بالعقل والنقل، وإجالة النظر وإعمال الفكر، دون تقليد لأحد، أو تقبل لرأي من سبق. وقد ساهم الأستاذ في إحياء كتب السنة مساهمة مشكورة، فنشر كثيراً من كتبها نشراً علميا ممتازاً، وهو اليوم يتوج أعماله بنشر كتاب "المسند" للإمام العظيم أحمد بن حنبل. والمسند مع نفاسته لا يكاد يستفيد منه إلا من حفظه على طريقة الأقدمين، وهيهات! ولعله أوضح مثال لقول الخطيب البغدادي:"فإني رأيت الكتاب الكثيرِ الفائدة المحكم الإجادة، ربما أريدَ منه الشيء فيعمد من يريد إلى إخراجه، فيَغْمُض عنه موضعُه، ويذهب بطلبه زمانُه، فيتركه وبه حاجة إليه وافتقار إلى وجوده". ولقد كانت صعوبة المسند هذه مصدر شكوى من كبار المحدثين وأعلامهم، وهذا ما جعل الحافظ الذهبي يقول: "فلعل الله تبارك وتعالى أن يقيض لهذا الديوان السامي من يخدمه ويبوب عليه ويتكلم على رجاله، ويرتب هيئته ووضعه، فإنه محتو
على أكثر الحديث النبوي". ولعل دعوة الذهبي قد أجيبت بما صنع الشيخ أحمد شاكر في نشر هذه الطبعة الممتازة التي كانت أمنية حياته، وغاية همه سنين طويلة. فقد جعل لأحاديث الكتاب أرقاماً متتابعة كانت كالأعلام للأحاديث، بني عليها فهارس ابتكرها، منها: فهرس للصحابة رواة الحديث
مرتب على حروف المعجم، وفهرس الجرح والتعديل، وفهرس للأعلام والأماكن التي تذكر في متن الحديث، وفهرس لغريب الحديث.
أما الفهارس العلمية فهي الأصل لهذا العمل العظيم، وما نظن أحداً سبق الأستاذ المحقق إلى مثلها، وقد بناها على أرقام الأحاديث، فذلل الصعوبة التي يعانيها المشتغلون بالسنة، فإن الحديث الواحد قد يدل على معان كثيرة متعددة في مسائل وأبواب منوعة، مما ألجأ البخاري- رضي الله عنه إلى تقطيع الأحاديث وتكرارها في الأبواب، فصار من الميسور للباحث- بعد هذا الجهد البالغ الذي قام به الأستاذ المحقق- أن يجد الباب الذي يريده أو المعنى الذي يقصده بالاستقصاء التام والحصر الكامل.
وبعد: فهذا العمل العظيم حقاً، ليس وليد القراءة العاجلة، أو إزجاء الفراغ فيما يلذ ويَشُوق ويسهل. وإنما هو نتاج الكدح المتواصل، والتنقيب الشامل، والتحقيق الدقيق، والغوص العميق في بطون الكتب وثنايا الأسفار.
وقد أنفق فيه صديقي نحو ربع قرن من الزمان، لو أنفقه في التأليف أو في نشر الكتب الخفيفة لكان لديه منها الآن عشرات وعشرات، ولجمع منها مالاً جزيلا، وذكراً جميلا، ولكنه آثر السنة النبوية وتقريبها لطالبيها على كل ذلك، فحقق الله أمله، وبارك عمله، ووفقه لطبع الجزء الأول من "المسند" هذه الطبعة الممتازة التي لا مثيل لها بين طبعات الكتب الإسلامية دقة وأناقة، وجمالا يشرح الصدور، ويونق الأبصار، ويشوق النفوس إلى إدمان المطالعة،
وذلك أجل ما يُسدى إلى شباب العربية في هذا الزمان. فجزى الله الناشر على صنيعه خير الجزاء، وأعانه على إتمام طبع بقية "المسند" وغيره من المصادر التي اعتزم نشرها خدمة لقراء العربية، وحفظاً لتراثها العظيم، إن شاء الله تعالى.
رقم الإيداع: 10859/ 1994 م
(9 - 56 - 5227 - 977: I.S.B.N)