المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

{بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ}   ‌ ‌المقدمة إن الحمد لله نحمدهُ ونستعينُه ونستغفره، ونعوذُ - التفسير المأمون على منهج التنزيل والصحيح المسنون - جـ ١

[مأمون حموش]

فهرس الكتاب

- ‌لمحة عن المؤلف

- ‌المقدمة

- ‌أئمة التفسير من الصحابة ومدارسهم وتراجمهم

- ‌أولًا: المدرسة المكية:

- ‌1 - عبد الله بن عباس:

- ‌2 - سعيد بن جبير:

- ‌3 - مجاهد بن جبر:

- ‌4 - عكرمة مولى ابن عباس:

- ‌6 - عطاء بن أبي رباح:

- ‌ثانيًا: المدرسة المدنية:

- ‌1 - أبي بن كعب:

- ‌2 - زيد بن أسلم:

- ‌3 - أبو العالية الرياحي:

- ‌4 - محمد بن كعب القرظي:

- ‌ثالثًا: المدرسة العراقية:

- ‌1 - عبد الله بن مسعود:

- ‌2 - مسروق بن الأجدع:

- ‌3 - الحسن البصري:

- ‌4 - قتادة بن دعامة:

- ‌5 - عطاء الخراساني:

- ‌6 - مُرّة الهمذاني:

- ‌تراجم بقية المكثرين من التفسير

- ‌1 - كعب الأحبار:

- ‌2 - وهب بن منبه:

- ‌3 - مقاتل بن سليمان:

- ‌4 - الضحاك بن مزاحم:

- ‌3 - الكَلبي:

- ‌6 - جويبر بن سعيد:

- ‌7 - السدي الكبير:

- ‌8 - السدي الصغير:

- ‌9 - النقاش:

- ‌10 - الثعلبي:

- ‌11 - الواحدي:

- ‌أنواع التفاسير

- ‌1 - التفاسير اللغوية:

- ‌2 - التفاسير العقلية والفلسفية:

- ‌3 - التفاسير الفقهية:

- ‌4 - تفاسير المبتدعة:

- ‌5 - التفاسير التاريخية:

- ‌6 - التفاسير بالمأثور:

- ‌منهج التفسير عند الراسخين من المفسرين وأئمة العلم من الصحابة والتابعين

- ‌أولًا: تفسير النص بالنص:

- ‌ثانيًا: تفسير القرآن بالحديث:

- ‌رابعًا: التفسير برد المتشابه إلى المحكم:

- ‌خامسًا: التفسير بأقوال الصحابة ومن سمع منهم من التابعين:

- ‌سادسًا: التفسير بمعرفة الناسخ والمنسوخ:

- ‌سابعًا: التفسير بالسياق والسباق:

- ‌ثامنًا: التفسير باللغة العربية:

- ‌خصائص القرآن الكريم وفضائله

- ‌من صفاته:

- ‌1 - إنه يأتي يوم القيامة شافعًا لأهله يحاج عن صاحبه

- ‌2 - القرآن شديد التفلّت فلا بد من تعاهده

- ‌3 - القرآنُ خير ما تُغني به وحُسِّنَ له الصوت

- ‌4 - القرآن خير ما تعلَّم المسلم وعلَّم، وأجر ذلك أعلى الأجور

- ‌5 - القرآنُ مصدر الثروة في الأجر، ويرفع الله به ذكر القائم به العامل بمنهاجه

- ‌6 - القرآن سبب القوة في حياة المسلمين

- ‌7 - نزول القرآن على سبعة أحرف رحمة بجميع المسلمين

- ‌8 - تكريم الله تعالى والدي صاحب القرآن يوم القيامة بتعليم ولدهما القرآن

- ‌1 - سورة الفاتحة

- ‌فضائلها وما ورد في ذكرها:

- ‌موضوع السورة

- ‌ منهاج السورة

- ‌تفسير الاستعاذة وحكمها

- ‌حكم الاستعاذة:

- ‌دروس ونتائج وأحكام

- ‌2 - سورة البقرة

- ‌موضوع السورة

- ‌ منهاج السورة

- ‌دروس ونتائج وأحكام

الفصل: {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ}   ‌ ‌المقدمة إن الحمد لله نحمدهُ ونستعينُه ونستغفره، ونعوذُ

{بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ}

‌المقدمة

إن الحمد لله نحمدهُ ونستعينُه ونستغفره، ونعوذُ باللهِ من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشمهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبدهُ ورسوله.

{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ}

{يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} .

{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} .

أما بعد: فإن خير الكلام كتاب الله، وخير الهدي هديُ محمد صلى الله عليه وسلم، وشرّ الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

وإنَّ الله سبحانه في كتابه الكريم قد أثنى على القرآن العظيم، فوصفه في أوصاف عالية، هي في منتهى الفخامة:

1 -

مبين. قال تعالى: {الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ} [يوسف: 1].

2 -

عظيم. قال تعالى: {وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ} [الحجر: 87].

3 -

مجيد. قال تعالى: {ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ} [ق: 1].

4 -

حكيم. قال تعالى: {يس (1) وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ} [يس: 1 - 2].

5 -

ذو ذكر. قال تعالى: {ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ} [ص: 1].

6 -

كريم. قال تعالى: {إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ (77) فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ} [الواقعة: 77 - 78].

ص: 7

7 -

مبارك. قال تعالى: {وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ مُصَدِّقُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَلِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا} [الأنعام: 92].

8 -

روح. قال تعالى: {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا} [الشورى: 52].

9 -

بشير ونذير. قال تعالى: {حم (1) تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (2) كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (3) بَشِيرًا وَنَذِيرًا فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ} [فصلت: 1 - 4].

10 -

عزيز. قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمَّا جَاءَهُمْ وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ} [فصلت: 41].

11 -

علي. قال تعالى: {وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ} [الزخرف: 4].

هذا الثناء الرفيع من الله سبحانهُ على كتابهِ قد لفت انتباه المسلم الصحابي فأفردهُ بمكانة خاصة في حياته حفظًا وتلاوة وتدبرًا وعملًا.

وقد أنزل الله تعالى هذا القرآن مُنَجَّمًا مفرقًا على الوقائع ليكون ذلك أثبت في الفهم والحفظ والتدبر، فكان الصحابة لا يتجاوزون عَشْر الآيات منه حتى يتقنوا تلاوتها وحفظها ويقوموا بها ويعملوا بمقتضاها، ثم يغادروا إلى عشر آيات غيرها، وهو أمر حَريّ بالمسلمين اليوم أن ينتبهوا له عند تعليمهم أبناءهم كتاب الله في المساجد أو البيوت أو حلق العلم والذكر، فلا يكون الهدف هو التسابق في الحفظ فحسب لِيُنسى بعد أيام أو سنين إن لم يتعاهده صاحبهُ من التفلت، وكذلكَ لا يكون الجهد كله منصبًا على حراسة الحفظ فحسب دون العناية بالفهم والتفسير والأحكام والواجبات وربط القرآن بالحياة، فهذا أمر غفل عنهُ كثير من المسلمين اليوم، فإذا جاءت الفتن فلا ينفع الحفظ الذي لم يقترن بالتفسير وفهم سنن الله وأحكامهِ في الأمم، ونواميس التغيير في الأحوال والنعم، ومعرفة الله بأسمائه وصفاته ومحامده ووعده ووعيده وما أخَّرَ للمسرفين من العذاب والنِّقم، ولكن إذا اقترن الحفظ وحسن التلاوة بحسن الفهم والعمل ثم الانتقال بعد ذلكَ إلى غيرها من الآيات كان أقرب لطريقة النبي صلى الله عليه وسلم مع أصحابه رضوان الله عليهم.

ثمرات علم التفسير:

1 -

فهم كتاب الله العظيم، الذي أنزله بلسان عربي مبين.

قال تعالى: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} [يوسف: 2].

ص: 8

2 -

التأمل والتدبر بآيات هذا الكتاب الكريم، فهو الكتاب المعجز والحجّة والذكر الحكيم.

قال تعالى: {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا} [النساء: 82].

وقال تعالى: {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالهَا} [محمد: 24].

وقال تعالى: {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ} [ص: 29].

قال القرطبي: (فالواجب على من خَصَّهُ الله بحفظ كتابه أن يتلوهُ حق تلاوته، ويتدبّر حقائق عبارته، ويتفَهّمَ عجائبه، ويتبيّن غرائبه).

وفي صحيح مسلم من حديث أبي مالك الأشعري مرفوعًا: [والقرآن حجةٌ لك أو عليك، كل الناس يغدو فبائع نفسه، فمعتقها أو موبقها](1).

وفي جامع الترمذي ومستدرك الحاكم بسند صحيح عن جبير بن نفير عن أبي ذر الغفاري مرفوعًا: [إنكم لا ترجعون إلى الله بشيء أفضل مما خرج منه. يعني القرآن](2).

3 -

أخذ الحِكَم والفوائد والدروس من الآيات للاعتبار، ومعرفة علل النواهي والأوامر والأخبار.

قال تعالى: {مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ} [الأنعام: 38].

فالقرآن كتاب الله تبارك وتعالى، فيه نبا من قبلنا، وخبرُ ما بعدنا، وحكم ما بيننا، وهو الفصل ليس بالهَزْل، مَنْ تركه مِنْ جبّار قصمه الله، ومن ابتغى الهُدْى في غيره أضله الله، وهو حبل الله المتين، ونوره المبين، والذكر الحكيم، وهو الصراط المستقيم، وهو الذي لا تزيغ به الأهواء، ولا تلتبس به الألسنة، ولا تتشعّب معه الآراء، ولا يشبع منه العلماء، ولا يملّه الأتقياء، ولا يَخْلَقُ على كثرة الرد،

(1) حديث صحيح. أخرجه مسلم (223)، وأحمد (5/ 342)، والدارمي (658)، والبيهقي (1/ 10).

(2)

حديث صحيح. أخرجه الترمذي (2/ 150) عن جبير بن نفير مرفوعًا مرسلًا، وأخرجه الحاكم (1/ 555) موصولًا كما يتضح من السند، وكذلكَ البيهقي في "الأسماء والصفات"(236)، ورجاله ثقات، وانظر سلسلة الأحاديث الصحيحة (961).

ص: 9

ولا تنقضي عجائبهُ، مَنْ علِمَ علمهُ سبَق، ومَنْ حكم به عدل، ومَنْ عملَ بهِ أُجِرَ، ومن دعا إليهِ هدي إلى صراط مستقيم.

روى مسلم وأهل السنن من حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [من سلك طريقًا يلتمس فيه عِلمًا سَهّل اللهُ له طريقًا إلى الجنة، وما اجتمعَ قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفّتهم الملائكة، وذكرهم اللهُ فيمن عنده، ومن أبطأ به عملهُ لم يُسرع به نسبه](1).

4 -

وقوع الخشية والرهبة في القلب، نتيجة التأثر بمعاني كلام الرب.

قال تعالى: {اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ} [الزمر: 23].

وقال تعالى: {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَال عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ} [الحديد: 16].

ثم إن خشوع قلوب المؤمنين للقرآن العظيم، يُقابل بشفاعة القرآن لهم يوم الدين.

ففي صحيح ابن حبان بإسناد جيد عن جابر، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:[القرآنُ شافِعٌ مُشَفَّعٌ، وَمَاحِلٌ مُصَدَّقٌ، من جَعَلَهُ أمامَهُ، قادَهُ إلى الجنة، ومَنْ جَعَلَهُ خلفَ ظَهرهِ، ساقَهُ إلى النار](2).

وقوله: "وَمَاحِلٌ مصدق". أي: خصم مجادل مُصَدَّقٌ، والمماحلة في كلام العرب المماكرة، والمكايدة، فالقرآن شافع لأهله أهل الخشية والإيمان، خَصْمٌ مجادِلٌ لمنكريه أهل المكر والطغيان.

5 -

وقوع الطمأنينة على القلوب، نتيجة العلم بآفاق كلام المحبوب.

فالطمأنينةُ تنزل على قلوب أهل الإيمان، الذين هم أهل العلم بالقرآن، أهل الله وخاصتهُ من الإنس والجان.

(1) حديث صحيح. أخرجه مسلم (2699)، و (2700)، وأبو داود (4946)، والترمذي (2945)، والنسائي في "الكبرى"(4/ 308 - 309)، وابن ماجة (225)، ورواه أحمد في المسند (2/ 52).

(2)

حديث صحيح. أخرجه ابن حبان (1793)، وأشار المنذري في "الترغيب"(2/ 207) إلى تقويته، وأورده الألباني في السلسلة الصحيحة (2019) وقال: إسناده جيد، رجاله ثقات.

ص: 10

قال تعالى: {الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} [الرعد: 28].

وفي سنن ابن ماجة والنسائي بإسناد حسن عن أنس بن مالك، قال:[قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنَّ لله أهلينَ من الناس. قالوا: يا رسول الله! مَنْ هُمْ؟ قال: هُمْ أهل القُرآن، أهلُ اللهِ وخاصّتهُ](1).

وفي الأثر عن عثمان: (لو سلمت قلوبكم ما شبعتم من كتاب الله تعالى).

6 -

معرفة ضوابط وقواعد أصول الدين والسلوك والأحكام، نتيجة التفسير والتحليل المنهجي لآيات هذا القرآن.

ففي علم التفسير علم الأصول والقواعد والأحكام، وفهم ميزان وضوابط الحلال والحرام، وإلا فإن في الجهل والفوضى الهلاك وخراب البنيان.

قال تعالى: {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا (82) وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ} [النساء: 82 - 83].

وفي مسند الإمام أحمد بسند صحيح من حديث أبي جهيم مرفوعًا: [لا تُماروا في القرآن، فإن مِراءً في القرآن كُفر](2).

وفي مسند أحمد -كذلكَ- عن عقبة بن عامر الجهني قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: [هلاك أمتي في الكتاب واللّبن. قالوا: يا رسول الله! ما الكتاب واللبن؟ قال: يتعلمون القرآن فيتأولونه على غير ما أنزل الله عز وجل، ويحبون اللبن فيدعون الجماعات والجمع ويبدون (3)](4).

7 -

معرفة منهاج الشريعة في تقرير الأحكام، ومعالجة مستجدات الأمور التي طرأت عبر الزمان.

(1) حديث حسن. أخرجه ابن ماجة (215)، والنسائي في "الكبرى"(8031)، والحاكم (1/ 556) وإسناده حسن، رجاله ثقات. وانظر صحيح سنن ابن ماجة (178).

(2)

حديث صحيح. انظر مسند أحمد (4/ 169 - 170)، وصحيح الجامع (4320)، وسندهُ صحيح.

(3)

أي يخرجون إلى البادية لطلب اللبن في المراعي على حساب ترك الجماعات والجمع والاهتمام بالدين. وهو شأن كثير من أهل هذا الزمان.

(4)

حديث صحيح. أخرجه أحمد في المسند (4/ 155)، وانظر سلسلة الأحاديث الصحيحة (2778).

ص: 11

ففي علم التفسير علم الدنيا والآخرة، وتقرير مناهج بناء النفس والأسرة والمجتمع والدولة، وتأصيل القواعد والأصول لدراسة مستجدات الأمور في حياة المسلمين، على منهاج التفسير المستنبط من نور الوحيين.

قال تعالى: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} [النحل: 44].

قال الإمام أحمد كما يروي عنه أبو الحارث: (لا يجوز الإفتاء إلا لرجل عالمٍ بالكتاب والسنة) - أعلام الموقعين.

أخرج الطبراني في "المعجم الكبير" بسند صحيح عن أبي ذر قال: [تركنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وما طائر يقلب جناحيه في الهواء إلا وهو يذكرنا منه علمًا، فقال صلى الله عليه وسلم: ما بقي شيءٌ يُقَرِّبُ مِنَ الجنة ويُباعد من النار إلا وقد وبُيِّنَ لكم](1).

8 -

فوائد علمية أخرى كثيرة، لا يحصيها إلا الله تبارك وتعالى.

إنَّ هذا الكتاب الذي أقدّمهُ اليوم للأمة هو تفسير الوحي العظيم، على منهج الوحيين وفهم الصحابة والتابعين، وهو منهاج متكامل في فهم كتاب الله عز وجل، لا يقتصر على فهم الآيات وذكر معانيها، بل يتعداه إلى ربطها بما صَحَّ من أسباب نزولها، واستنباط الفقه والأحكام الشرعية المتعلقة بها، ووصلها بعلوم من صحيح السنة العطرة تتصل بآفاقها، وبقواعد السياسة الشرعية، وأصول الفقه المستنبطة منها ومن منهاج السيرة النبوية المطهرة.

وقد كنتُ بدأت في مشروع هذا التفسير أيام التخصص في الولايات المتحدة الأمريكية، نتيجة للشعور بضياع المسلمين وجماعاتهم في متاهات الرأي والهوى والحزبية، والتجرؤ على تحريف فهم الآيات والنصوص الشرعية، لتناسب مناهجهم التي وضعها لهم مشايخهم والتي هي في كثير من أحوالها تقليد لمناهج أرضية، وتنحرف في بنائها عن منهاج صحيح السيرة النبوية.

ولما كانت التفاسير الموجودة في تاريخنا وعالمنا الإسلامي تفتقر أحيانًا إلى المنهج، وأحيانًا إلى التأصيل، وأحيانًا إلى علوم الوحي الثاني "السنة الصحيحة

(1) حديث صحيح. أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير"(1647)، وأخرجه أحمد (5/ 153) من طريق آخر عند أبي ذر. وبنحوه البزار (147). وانظر السلسلة الصحيحة (1803).

ص: 12

المطهرة"، بل يشكل بعضها -أحيانًا- صورة من الفوضى والضياع لا يخلص طالب العلم معها إلى فهم دقيق واضح لكثير من الآيات المتشابهات، أضف إلى ذلك امتلاء بعضها أو أكثرها بالإسرائيليات والأخبار الواهية والقصص المكذوبة، والأحاديث الضعيفة والموضوعة، والأقوال الكثيرة المتعارضة، وغير ذلكَ من العيوب، فقد دفعني هذا الركام من المشكلات إلى الاستعانة بالله على تفسير أصيل يبث في الأمة معاني القرآن بروح الوحيين وجمال منهاج النبوة، بعيدًا عن الرأي والفلسفة وعلم الكلام والخرافات، والقصص الواهية والإسرائيليات، وفوضى المعاني والأقوال والتناقضات، وهو في الوقت ذاته تفسير عصري يواكب فهم المستجدات، وعصر العلوم والاكتشافات.

وقد أفدت من معظم كتب التفسير في ذلكَ، فإنها تبقى الأصل والمرجع لكل الباحثين -جزى الله المفسرين عن الأمةِ خير الجزاء- كما أفدت من ميراث المحدثين والفقهاء وبحوث السنة والسياسة الشرعية والسيرة النبوية ومعاجم اللغة العربية، وقد اجتهدت وبذلت أقصى الجهد في تنقية هذا التفسير من كل حديث لا يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم، وذكرت درجة صحة كل حديث ومصادره التي يُرجع إليه فيها، فأضفته إلى من خَرَّجَهُ من الأئمة الأعلام، والثقات المشاهير من علماء الإسلام، ونسبت كل قول في التفسير إلى قائلهِ، من الصحابة أو التابعين، أو كبار العلماء والمفسرين، فإنه كما يقال: من بركة العلم أن يضاف القول إلى قائله. وقد سعيت إلى تفنيد الأقوال، والجمع بين بعضها إن سمحت الأحوال، وتوجيه المعنى ليخلص من تناقضات آراء الرجال.

وقد سمّيتهُ: "التفسير المأمون، على منهج التنزيل والصحيح المسنون"، ليكون موسوعة في علوم الوحيين: القرآن الكريم والسنة الصحيحة العطرة، فلا يصدر الفهم إلا منهما، ولا يتفرقان حتى يرث الله الأرض ومن عليها. وقد عملته تذكرة لنفسي، وإحياء وإنقاذًا لأمتي، وذخيرة ليوم رَمْسي (1)، وعملًا صالحًا أستأنس بهِ في حياتي وبعد موتي.

فالحمدُ لله الذي جعل صدري وعاء للوحيين، وحرّك قلمي لتصنيف علوم الملة والدين، وتبليغ الأمة ميراث سيد المرسلين، فإن أصبت فإنما هو مَنُّ الله تعالى عليَّ

(1) الرَّمْسُ: الدفن.

ص: 13

وتوفيقه وفضله وكرمه، وإن أخطأتُ فإنما ذلكَ من نفسي وتقصيري ومن الشيطان، وأستغفر الله من ذلك.

اللهم إني أسألكَ بحبك لتفسير كلامكَ بوحيك وهدي نبيكَ أن تتقبل مني هذا العمل إنك أنتَ السميع العليم، وأن تجمعني بنبيك محمد صلى الله عليه وسلم في جنة الفردوس تحت ظل عرشك العظيم، مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، وأن تجعل هذا التفسير يضيء بيوت وحياة المسلمين في أرجاء المعمورة، وأن يكون عمادًا لخلافة راشدة على منهاج النبوة، إنك أنتَ البر الرحيم، والحمدُ لله رب العالمين.

دمشق: 6/ ربيع الآخر/ 1427/ هـ، الموافق 4/ أيار/ 2006 م.

وكتبه

مأمون أحمد راتب حموش

ص: 14