المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌37 - (باب من أحيا سنة قد أميتت) - مشارق الأنوار الوهاجة ومطالع الأسرار البهاجة في شرح سنن الإمام ابن ماجه - جـ ٤

[محمد بن علي بن آدم الأثيوبي]

الفصل: ‌37 - (باب من أحيا سنة قد أميتت)

‌37 - (بابُ من أحيا سُنّةً قد أُميتت)

وبالسند المتَّصل إلى الإمام ابن ماجه رحمه الله في أول الكتاب قال:

209 -

(حَدَثَنَا أبو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبةَ، حَدَّثَنَا زَيْدُ بْنُ الحُبَابِ، حَدَثَنَا كَثِيرُ بْنُ عَبْدِ الله بْنِ عَمرِو بْنِ عَوْفٍ المُزَنِيُّ، حَدَّثَني أَبِي، عَنْ جَدِّي، أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ:"مَنْ أَحيَا سُنّة مِنْ سُنَّتِي، فَعَمِلَ بِها النَّاسُ، كَانَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِ مَنْ عَمِلَ بِها، لَا يَنْقُصُ مِنْ أُجُورِهم شَيْئًا، وَمَنْ ابْتَدَع بِدْعَةً، فَعُمِلَ بِها كَانَ عَلَيْهِ أَوْزَارُ مَنْ عَمِلَ بِها، لَا يَنْقُصُ مِنْ أَوْزَارِ مَنْ عَمِلَ بِها شَيْئًا".

رجال هذا الإسناد: خمسة:

1 -

(أبو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبةَ) المذكور في السند السابق.

2 -

(زَيْدُ بْنُ الحباب) أبو الحسين الْعُكْلي الكوفيّ، خراسانيّ الأصل، صدوق يُخطىء في حديث الثوريّ [9] 2/ 12.

3 -

(كثِيرُ بْنُ عَبْدِ الله بْنِ عَمرِو بْنِ عَوْفٍ المُزَنِيُّ) المدنيّ، ضعيف [7] 32/ 165.

4 -

(أبوه) عبد الله بن عمرو بن عوف المزنيّ المدنيّ، مقبول [3] 32/ 165.

5 -

(جَدُّهُ) عمرو بن عوف بن زيد بن مِلْحَةَ، أبو عبد الله المزنيّ الصحابيّ رضي الله عنه، مات في خلافة معاوية رضي الله عنه 32/ 165، والله تعالى أعلم.

شرح الحديث:

عن عمرو بن عوف المزنيّ رضي الله عنه (أن رَسُولَ الله رضي الله عنه قَالَ: مَنْ أَحيَا سُنَّةً) قيل: المراد بالسنّة هنا ما وضعه رسول الله رضي الله عنه من الأحكام، وهي قد تكون فرضا، كزكاة الفطر، وغير فرض، كصلاة العيد، ونحو ذلك (مِنْ سُنَّتِي) مفرد مضاف، فيعمّ كلّ سنته، فما قيل: كان النظر يقتضي أن يقول: "من سنني" بصيغة الجمع، فمما لا يُلتفت إليه (فَعَمِلَ) بالبناء للفاعل (بِها) أي بتلك السنة (الناسُ) مرفوع على الفاعليّة (كَانَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِ مَنْ عَمِلَ بِها) ببناء الفعل للفاعل أيضًا (لَا يَنْقُصُ مِنْ أُجُورِهِم شَيْئًا، وَمَنْ ابْتَدَع بدعَةً) هي ما لا يوافق أصول الشرع، كما سبق التنبيه عليه (فَعُمِلَ بِها) ببناء الفعل للمفعول، أي

ص: 257

عمل الناس بتلك البدعة، وقال السنديّ: ولم يقل: فعَمِل بها الناس، كما قال في السنّة؛ إشارةً إلى أنه ليس من شأن الناس العمل بالبدع، وإنما من شأنهم العمل بالسنن، فالعامل بالبدعة لا يُعَدّ من الناس، ويحتمل على بُعْد أن يكون "عَمِلَ" على بناء الفاعل، وفيه ضمير "الناس"، وأفرده لإفراد الناس لفظًا. انتهى.

قال الجامع عفا الله عنه: فيما قاله السنديّ نظر، لا يخفى، أما قوله:"ولم يقل: فعمل بها الناس" فإنه يردّه قوله في الحديث التالي: "فإن عليه إثم من عمِلَ بها من الناس"، وأما قوله:"ويحتمل إلخ"، ففيه تعسّفٌ ظاهر، والله تعالى أعلم.

(كَانَ عَلَيْهِ أَوزَارُ مَنْ عَمِلَ بِها، لَا يَنْقُصُ مِنْ أَوْزَارِ مَنْ عَمِلَ بِها شَيْئًا) قد تقدّم الكلام مستوفى على هذا فيما مضى، فراجعه. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو المستعان، وعليه التكلان.

مسألتان تتعلقان بهذا الحديث:

(المسألة الأولى): في درجته:

هذا الحديث إسناده ضعيف جدًّا؛ لأن كثير بن عبد الله ضعفه الجمهور، بل نسبه الشافعيّ، وأبو داود إلى الكذب، وقال ابن عديّ: عامّة ما يرويه لا يُتابع عليه، وقال ابن حبّان: روى عن أبيه، عن جدّه نسخةً موضوعةً لا يحلّ ذكرها في الكتب، ولا الرواية عنه إلا على وجه التعجّب، وأبوه عبد الله بن عمرو لم يرو عنه غير ابنه كثير هذا، فهو مجهول عين، ولذا قال في "التقريب": مقبول، أي حيث يُتابع، وإلا فهو ليّن الحديث.

وأما متن الحديث، فإنه صحيح؛ لأن له شواهد كثرة، وقد سبق بعضها في الباب الماضي، ولذا حسّنه الترمذيّ رحمه الله. والله تعالى أعلم.

(المسألة الثانية): في تخريجه:

أخرجة (المصنّف) هنا (337/ 209) بهذا السند، وأعاده بعده (37/ 210) بالسند الآتي، وأخرجه (عبد بن حميد)(289) و (الترمذيّ)(2677)، والله تعالى أعلم

ص: 258

بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو حسبنا ونعم الوكيل.

وبالسند المتَّصل إلى الإمام ابن ماجه رحمه الله في أول الكتاب قال:

210 -

(حَدَّثَنَا مُحمَدُ بْنُ يَحيَى، حَدَّثَنَا إِسماعِيلُ بْنُ أَبِي أُوَيْسٍ، حَدَّثَني كثِيرُ بْنُ عَبْدِ الله، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "مَنْ أَحيَا سُنّة مِنْ سُنَّتِي، قَدْ أُمِيَتَتْ بَعدِي، فَإِنَّ لَهُ مِنْ الْأَجْرِ مِثْلَ أَجْرِ مَنْ عَمِلَ بها مِنْ النَّاسِ، لَا يَنْقُصْ أجُورِ النَّاسِ شَيْئًا، وَمَنْ ابْتَدَعَ بِدعَةً، لَا يرضَاها الله وَرَسُوَله فَإِنَّ عَلَيْهِ مِثْلَ إِثْمِ مَنْ عَمِلَ بِها مِنْ النَّاسِ، لَا يَنْقُصُ مِنْ آثَامِ النَّاسِ شَيْئًا").

رجال هذا الإسناد: خمسة، كلهم تقدّموا، غير:

1 -

(محمد بن يحيى) الذهليّ الإمام الحافظ [11] تقدّم في الباب الماضي.

2 -

(إِسماعِيلُ بْنُ أَبِي أُوَيْسٍ) هو: إسماعيل بن عبد الله بن عبد الله بن أُويس بن مالك بن أبي عامر الأصبحيّ؛ أبو عبد الله بن أبي أويس، ابنُ أخت مالك، ونَسِيبه المدنيّ، لا يُحتجّ بحديثه، بل يُعتبر به (1)[10].

رَوَى عن أبيه، وأخيه أبي بكر، وخاله فأكثر، وعن سلمة بن وَرْدان، وابن أبي الزناد، وعبد العزيز الماجشون، وسليمان بن بلال، وإسماعيل بن إبراهيم بن عقبة، وغيرهم.

ورَوَى عنه البخاري، ومسلم، وهما والباقون بواسطة إبراهيم بن سعيد الجوهري، وأحمد بن صالح المصري، وأبي خيثمة، والدارمي، وأحمل بن يوسف السلمي، وجعفر بن مسافر، وعبد الله بن محمد بن يزيد بن خُنيس، والذهلي، ويعقوب ابن حميد، ويعقوب بن سفيان، ورَوَى عنه أيضًا إسماعيل بن إسحاق القاضي، وأبو

(1) هذه العبارة أولى من عبارة "التقريب""صدوقٌ أخطأ في أحاديث من حفظه"؛ وقد أوضحها في "هدي الساري"، حيث قال فيه: لا يُحتجّ بشيء من حديثه غير ما في "الصحيح"، من أجل ما قَدَح فيه النسائيّ وغيره، إلا إن شاركه فيه غيره، فمعتبر به انتهى.

ص: 259

حاتم، وقتيبة، ونصر بن علي الجهضمي، والحارث بن أبي أسامة، وخلق.

قال أبو طالب عن أحمد: لا بأس به، وكذا قال عثمان الدارمي عن ابن معين، وقال ابن أبي خيثمة عنه: صدوق، ضعيف العقل، ليس بذاك -يعني أنه لا يحسن الحديث، ولا يعرف أن يؤديه، أو يقرأ من غير كتابه. وقال معاوية بن صالح عنه: هو وأبوه ضعيفان. وقال عبد الوهاب بن أبي عِصمة، عن أحمد بن أبي يحيى، عن ابن معين: ابنُ أبي أويس وأبوه يسرقان الحديث. وقال إبراهيم بن الجنيد عن يحيى: مخَلِّط يَكْذِب ليس بشيء. وقال أبو حاتم: محله الصدق، وكان مُغَفَّلًا. وقال النسائي: ضعيف. وقال في موضع آخر: غير ثقة. وقال اللالكائيّ: بالغ النسائي في الكلام عليه إلى أن يؤدي إلى تركه، ولعله بأن له ما لم يَبِنْ لغيره؛ لأن كلام هؤلاء كلهم يؤول إلى أنه ضعيف. وقال ابن عديّ: رَوَى عن خاله أحاديث غرائب، لا يتابعه عليها أحدٌ. وعن سليمان بن بلال وغيرهما من شيوخه، وقد حَدَّث عنه الناس، وأثنى عليه ابن معين، وأحمد، والبخاري يحدث عنه الكثير، وهو خير من أبي أويس. وقال الدُّولابي في "الضعفاء": سمعت النضر بن سلمة المروَزيّ يقول: ابن أبي أويس كذّاب، كان يحدِّث عن مالك بمسائل ابن وهب.

وقال الدارقطني: لا أختاره في الصحيح. ونقل الخليلي في "الإرشاد" أن أبا حاتم قال: كان ثَبْتًا في حاله. وفي "الكمال" أن أبا حاتم قال: كان من الثقات. وحكى ابن أبي خيثمة، عن عبد الله بن عبيد الله العباسيّ، صاحب اليمن، أن إسماعيل ارتشى من تاجر عشرين دينارًا حتى باع له على الأمير ثوبًا يساوي خمسين بمائة. وذكره الإسماعيلي في "المدخل" فقال كان ينسب في الخِفّة والطَّيْش إلى ما أكره ذكره. قال: وقال بعضهم: جانبناه للسُّنّة.

وقال ابن حزم في "المحلَّي": قال أبو الفتح الأزدي: حدثني سيف بن محمد أن ابن أبي أويس كان يَضَعُ الحديث. وقرأت على عبد الله بن عمر، عن أبي بكر بن محمد، أن عبد الرحمن بن مكي أخبرهم كتابة، أنا الحافظ أبو طاهر السِّلَفي، أنا أبو غالب محمد

ص: 260

ابن الحسن بن أحمد الباقلاني، أنا الحافظ أبو بكر أحمد بن محمد بن غالب الْبَرْقاني، ثنا أبو الحسن الدارقطني، قال: ذكر محمد بن موسى الهاشمي، وهو أحد الأئمة، وكان النسائي يخصه بما لم يَخُصّ به ولده، فذكر عن أبي عبد الرحمن قال: حَكَى لي سَلَمة بن شبيب، قال: بم تَوَقَّف أبو عبد الرحمن؟ قال: فما زِلْتُ بعد ذلك أداريه أن يحكي في الحكاية، حتى قال: قال لي سلمة بن شبيب: سمعت إسماعيل بن أبي أويس يقول: ربما كنت أَضَعُ الحديث لأهل المدينة، إذا اختلفوا في شيء فيما بينهم، قال البرقاني: قلت للدارقطني: من حَكَى لك هذا عن محمد بن موسى؟ قال: الوزير، كتبتها من كتابه، وقرأتها عليه -يعني بالوزير الحافظ الجليل جعفر بن خِنْزابة.

قال الحافظ: وهذا هو الذي بأن للنسائي منه، حتى تجنب حديثه، وأطلق القول فيه بأنه ليس بثقة، ولعل هذا كان من إسماعيل في شبيبته، ثم انصلح، وأما الشيخان فلا يُظَنّ بهما إنهما أخرجا عنه إلا الصحيح من حديثه، الذي شارك فيه الثقات، وقد أوضحت ذلك في مقدمة شرحي على البخاري. انتهى (1).

قال الجامع عفا الله عنه: ملخّص ما ذكره الحافظ في "المقدّمة" أنه لا يُحتجّ بشيء من حديثه غير ما في "الصحيح"، من أجل ما قدح فيه النسائيّ وغيره، إلا إن شاركه فيه عيره، فيعتبر به. انتهى (2).

قال ابن عساكر: مات سنة ست، ويقال: سنة سبع وعشرين ومائتين في رجب، وجزم ابن حبان في "الثقات" أنه مات سنة (6).

وله في هذا الكتاب أربعة أحاديث فقط، هذا الحديث (210) وحديث (1032) "صلى في بني عبد الأشهل

"، وحديث (3646) "لبس خاتم فضة

"، وحديث (3724) "إنما هذه ضجعة أهل النار".

(1)"تهذيب التهذيب" 1/ 158.

(2)

"هدي الساري" ص 557.

ص: 261

والحديث سبق الكلام فيه في الذي قبله.

وقوله: "لا يرضاها الله إلخ" هذا تقبيح للبدعة؛ لأن كلّ بدعة ضلالة، فليس شيء منها مرضيّا لله تعالى ولا لرسوله صلى الله عليه وسلم، وأما قول بعضهم: إنه إشارة إلى أن من البدع ما يرضاه الله إلى آخر كلامه، فليس بصحيح، فإن البدعة الشرعية لا تنقسم إلى حسن وقبيح، وما نُقل عن بعض السلف أنه قسمها إلى القسمين، فمراده البدعة اللغويّة، وهي التي استُحدثت بعد النبيّ صلى الله عليه وسلم، سواء خالف الأصول، أم لا، فتقبل هذا التقسيم، وأما البدعة الشرعية، وهي التي استُحدثت بعد كمال الدين، مما لا يشهد له الكتاب والسنة، فإنها كلها ضلالة، وقبيحة، فتنبّه، ولا تغترّ بمن خلط بين النوعين، فبلس الحقّ بالباطل، والصدق بالميْن، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

{إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ} [هود: 88].

ص: 262