المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌44 - (باب الوصاة بطلبة العلم) - مشارق الأنوار الوهاجة ومطالع الأسرار البهاجة في شرح سنن الإمام ابن ماجه - جـ ٤

[محمد بن علي بن آدم الأثيوبي]

الفصل: ‌44 - (باب الوصاة بطلبة العلم)

‌44 - (بَابُ الْوِصَاةِ بطلبةِ الْعِلمِ)

" الْوَصَاة": بكسر الواو، وفتحها: اسم من أوصاه، ووصّاه، قال الفيّوميّ رحمه الله: وَصَيْتُ الشيءَ بالشيء أَصِيهِ، من باب وَعَدَ: وصَلْته، ووَصَّيْتُ إلى فلان توصيةً، وأوصيتُ إليه إيصاءً، وفي السبعة:{فَمَنْ خَافَ مِنْ مُوصٍ} [البقرة: 182] بالتخفيف، والتثقيل، والاسم: الْوِصَايةُ بالكسر، والفتحُ لغةٌ، وهو وَصِيٌّ، فَعِيل بمعنى مفعول، والجمع الأوصياء، وأوصيتُ إليه بمال: جعلتُهُ له، وأوصيته بولده: استعطفتُهُ عليه، وهذا لمعنى لا يقتضي الإيجاب، وأوصيته بالصلاة: أمرته بها. انتهى (1).

و"الطَّلَبَةُ" بفتحات: جمع طالب، ككامل وكملة، قال في "الخلاصة":

في نَحْوِ "رَامِ" ذُو اطِّرَادٍ فُعَلَهْ

وَشَاعَ نَحْوُ كَامِلٍ وَكَمَلَهْ

والله تعالى أعلم بالصواب.

وبالسند المتّصل إلى الإمام ابن مَاجَه رحمه الله في أول الكتاب قال:

247 -

(حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الحَارِثِ بْنِ رَاشِدٍ المصْرِيُّ، حَدَّثَنَا الحَكَمُ بْنُ عَبْدَةَ، عَنْ أَبِي هَارُونَ الْعَبْدِيِّ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ، عَن رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: "سَيَأتِيكُمْ أَقْوَامٌ يَطْلُبُونَ الْعِلْمَ، فَإِذَا رَأَيْتُمُوهُمْ فَقُولُوا: لهُمْ مَرْحَبًا مَرْحَبًا بِوَصِيَّةِ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم، وَاقْنُوهُمْ"، قُلْتُ لِلْحَكَمِ: مَا اقنُوهُمْ؟ قَالَ: عَلّمُوهُمْ).

رجال هذا الإسناد: أربعة:

1 -

(مُحَمَّدُ بْنُ الحارِثِ بْنِ رَاشِدٍ المصْرِيُّ) المؤذّن، صدوقٌ يُغْربُ [10] 12/ 107. من أفراد المصنّف.

2 -

(الحكَمُ بْنُ عَبْدَةَ) الرُّعَينيّ، أو الشيبانيّ، أبو عَبْدةَ البصريّ، نزيل مصر، وقيل: إنه دمشقيّ، وقيل: هما اثنان، مستور [7].

روى عن أيوب، وابن أبي عروبة، ومالك، وأبي هارون العبديّ، وغيرهم.

(1)"المصباح المنير" 2/ 662.

ص: 455

وروى عنه ابن وهب، وعمرو بن أبي سلمة، ومحمد بن الحارث بن راشد، ويحيى ابن بكير، وغيرهم.

قال ابن يونس أظن أنه الحكم بن عبدة البصري؛ لأني لم أجد له بيتًا في مصر، وذكره في المصريين يحيى بن عثمان بن صالح، وأراه أخطأ فيه. وقال ابن يونس أيضًا في "تاريخ الغرباء": الحكم بن عبدة البصريّ قَدِم مصر، آخرُ مَن حَدّث عنه الحارث بن مسكين. وقال الآجري عن أبي داود: الحكم بن عبدة الرُّعَينيّ الدمشقيّ ما عندي من علمه شيء. وقال أبو فتح الأزديّ: ضعيف.

تفردّ به المصنّف بهذا الحديث فقط.

3 -

(أَبُو هَارُونَ الْعَبْدِيُّ) عمارة بن جُوَين -بجيم مصغّرًا- مشهور بكنيته، متروك، ومنهم من كذّبه، شيعيّ [4].

روى عن أبي سعيد الخدري، وابن عمر، وعنه عبد الله بن عون، وعبد الله بن شَوْذَب، والثوري، والحمادان، والحكم بن عبدة، وخالد بن دينار، وغيرهم.

قال ابن المديني عن يحيى بن سعيد: ضعفه شعبة، وما زال ابن عون يروي عنه حتى مات. وقال البخاري: تركه يحيى القطان. وقال أحمد: ليس بشيء. وقال الدُّوري عن ابن معين: كان عندهم لا يَصْدُق في حديثه، وكانت عنده صحيفة يقول: هذه صحيفة الوَصِيّ. وقال أبو زرعة: ضعيف الحديث. وقال أبو حاتم: ضعيف أضعف من بشر بن حرب. وقال النسائي: متروك الحديث، وقال في موضع آخر: ليس بثقة، ولا يكتب حديثه.

وقال شعيب بن حرب عن شعبة: لأن أُقَدَّم، فتضربَ عنقي أحب إلي من أن أُحَدِّث عنه. وقال خالد بن خِدَاش عن حماد بن زيد: كان كذابًا، بالغداة شيءٌ، وبالعشي شيءٌ. وقال الجوزجاني: كذابٌ مُفْتَرٍ. وقال الحاكم أبو أحمد: متروك. وقال الدارقطني: يتلوَّن خارجي، وشيعي، يُعتبر بما يرويه عنه الثوري.

وقال ابن حبان: كان يروي عن أبي سعيد ما ليس من حديثه، لا يحل كَتْبُ

ص: 456

حديثه إلا على جهة التعجب. وقال إبراهيم بن الجنيد عن ابن معين: كان غير ثقة يَكْذِب. وقال ابن علية: كان يكذب، نقله الحاكم في "تاريخه". وقال ابن المثنى: ما سمعت يحيى ولا عبد الرحمن يحدثان عن سفيان عنه بشيء. وقال ابن شاهين: قال عثمان بن أبي شيبة: كان كذّابًا. وقال ابن سعد: كان ضعيفًا في الحديث. وعن شعبة قال: لو شئت لحدثني أبو هارون عن أبي سعيد بكل شيء رأى أهلَ واسط يفعلونه بالليل. رواه الساجيّ، وابن عدي.

وقال ابن الْبَرْقي: أهل البصرة يضعفونه. وقال علي بن المديني: لست أروي عنه.

وقال الساجي: ثنا عبد الله بن أحمد قال: قلت لأبي: يحيى يقول: بشر بن حرب أحب إلي من أبي هارون، فقال: صدق يحيى. وقال ابن عبد البر: أجمعوا على أنه ضعيف الحديث، وقد تحامل بعضهم فنسبه إلى الكذب، رُوي ذلك عن حماد بن زيد، وكان فيه تشيع، وأهل البصرة يُفرطون فيمن يتشيع بين أظهرهم؛ لأنهم عثمانيون.

قال الحافظ: كيف لا ينسبونه إلى الكذب، وقد رَوَى ابن عدي في "الكامل" عن الحسن بن سفيان، عن عبد العزيز بن سلام، عن علي بن مهران، عن بَهْز بن أسد قال: أتيت إلى أبي هارون العبدي، فقلت: أخرج إلي ما سمعت من أبي سعيد، فأخرج لي كتابًا، فإذا فيه حدثنا أبو سعيد، أن عثمان أدخل حُفْرَته، وإنه لكافر بالله، قال: قلت: تُقِرّ بهذا؟ قال: هو كما ترى، قال: فدفعت الكتاب في يده، وقمت، فهذا كذب ظاهر على أبي سعيد رضي الله عنه. انتهى كلام الحافظ (1).

وقال ابن قانع: مات سنة أربع وثلاثين ومائة.

أخرج له البخاري في "خلق أفعال العباد"، والترمذيّ، والمصنّف، وله عنده في هذا الكتاب حديثان فقط، برقم (247) وأعاده برقم (249) و (4187).

4 -

(أَبُو سَعِيد الخُدْريُّ) سعد مالك بن سنان رضي الله عنهما 4/ 37.

(1)"تهذيب التهذيب" 3/ 207 - 208.

ص: 457

شرح الحديث:

(عَنْ أَبِي سعِيدٍ الخُدْرِيِّ) رضي الله عنه (عَنْ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم) أنه (قَالَ: سَيَأْتِيكُمْ) الخطاب للصحابة رضي الله عنهم، ويُلحق بهم من بعدهم (أَقْوَامٌ يَطْلُبُون الْعِلْمَ، فَإِذَا رَأَيْتُمُوهُمْ فَقُولُوا: لهُمْ مَرْحَبًا مَرْحَبًا) بالتكرار للتوكيد، قيل في مثله: أي صادفتَ رُحْبًا، أو لقيتَ رحبًا وسَعَةً، وقيل: رحّب الله بك ترحيبًا، فوُضع مَرْحبًا موضعَ ترحيبًا، وقيل: التقدير: أتيتَ رحبًا، أو رَحبت بك الدار مرحبًا. انتهى.

وقال ابن منظور: وقولهم في تحيّة الوارد: "مَرْحَبًا": أي صادفتَ أهلًا ومَرْحبًا، وقالوا: مَرْحَبك الله، ومَسْهَلَك، وقولهم: مَرْحبًا وأهلًا: أي أتيت سَعَةً، وأتيت أهلًا، فاستأنس، ولا تستوحِشْ، وقال الليث: معنى قول العرب: "مَرْحَبًا": انزل في الرحب والسَّعَة وأَقِمْ، فلك عندنا ذلك، وهو منصوب بفعل مضمر، كما قدرناه. انتهى بتصرّف (1).

(بِوَصِيَّةِ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم) متعلّق بفعل مقدّر، أي نرحّب بمن أوصانا بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، أي نقول لهم: مرحبًا يا من أوصى بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويحتمل أن تكون الباء للسببيّة، أي قلنا لكم: مرحبًا بسبب وصيّة رسول الله صلى الله عليه وسلم بكم، أي بسبب أمره بالترحيب بكم.

(وَاقْنُوهُمْ) بالقاف، يقال: قناه الله، من باب رمى، وأقناه: أرضاه، أفاده في "القاموس"(2)، فيحتمل أن يكون "أَقْنُوهم" بهمزة القطع رباعيّا، ويحتمل أن يكون بهمزة الوصل، والنون مضمومة على كونه ثلاثيًّا كرمى، وأصله اقْنِيُوهم بكسر النون؛ لأنه من باب رمى، ثم نقلت ضمة الياء إلى النون بعد سلب حركتها، وحذفت الياء، فصار اقْنُوهم، كارْمُوهم، وفي بعض النسخ "وأفتوهم" بالفاء من الإفتاء رباعيّا، قال

(1)"لسان العرب" 1/ 414.

(2)

"القاموس" ص 1194.

ص: 458

محمد بن الحارث (قُلْت لِلْحَكَمِ) بن عبدة (مَا اقْنُوهُمْ؟) وفي نسخة: "ما أفتوهم" من الإفتاء بالفاء، أي ما معنى قوله:"فاقنوهم"(قَالَ) الحارت: معناه (عَلِّمُوهُمْ) قال ابن الأثير: "فاقنوهم" عَلّموهم، واجعلوا لهم قُنْيَةً من العلم، يستغنون به إذا احتاجوا إليه (1)، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو المستعان، وعليه التكلان.

قال الجامع عفا الله عنه: حديث أبي سعيد الخدريّ رضي الله عنه هذا ضعيف الإسناد جدّا؛ لأن فيه أبا هارون العبديّ، متروك، بل كذّبه بعضهم، كما سبق في ترجمته قريبًا.

وحسّن متنه الشيخ الألبانيّ في "السلسلة الصحيحة"، وذكر له طرقًا، وفي القلب من تحسينه شيء؛ لأن الإمام أحمد رحمه الله أعلّ الطريق التي حسنه الشيخ الألباني منها، وقال: هذا حديث أبي هارون عن أبي سعيد، فجعل الصواب رواية المصنّف هذه، وهذه قد عرفت حالها، وبالجملة فراجع كلام الشيخ الألباني في جـ 1 ص 503 - 507 وأمعن النظر فيه، والله تعالى أعلم بالصواب.

والحديث أخرجه (المصنّف) هنا (44/ 247) بهذا الإسناد، وأعاده بعد حديث، وأخرجه (الترمذيّ)(2650) و (2651)، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب؛ وهو حسبنا ونعم الوكيل.

وبالسند المتّصل إلى الإمام ابن مَاجَه رحمه الله في أول الكتاب قال:

248 -

(حَدَّثَنَا عَبْدُ الله بْنُ عَامِرِ بْنِ زُرَارَةَ، حَدَّثَنَا الْمُعَلَّى بْنُ هِلَالٍ، عَنْ إِسْماعِيلَ قَالَ: دَخَلنَا عَلَى الحَسَنِ نَعُودُهُ، حَتَى مَلَأْنَا الْبَيْتَ، فَقَبَضَ رِجْلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: دَخَلْنَا عَلَى أَبِي هُرَيْرَةَ نَعُودُهُ، حَتَى مَلأْنا الْبَيْتَ، فَقَبَضَ رِجْلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ. دَخَلْنَا عَلَى رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم مَلأْنَا الْبَيْتَ، وَهُوَ مُضْطَجعٌ لِجَنْبِهِ، فَلَّما رَآنَا قَبَضَ رِجْلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: "إِنَّهُ سَيَأْتِيَكَمْ أَقوَامٌ مِنْ بَعْدِي، يَطْلُبُونَ الْعِلْمَ، فَرَحِّبُوا بِهِمْ، وَحَيُّوهُمْ، وَعَلِّمُوهُمْ"، قَالَ: فأَدْرَكنَا وَالله أَقْوَامًا مَا رَحَّبُوا بِنَا، وَلَا حَيَّوْنَا، وَلَا عَلَّمُونَا، إِلا بَعْدَ أَنْ كنَّا نَذْهَبُ إِلَيْهِمْ فَيَجْفُونَا).

(1)"النهاية" 4/ 117.

ص: 459

رجال هذا الإسناد: خمسة:

1 -

(عَبْدُ الله بْنُ عَامِرِ بْنِ زُرَارَةَ) الحَضْرميّ مولاهم، أبو محمد الكوفيّ، صدوقٌ [10] 4/ 30.

2 -

(المُعَلَّى بْنُ هِلَالٍ) بن سُويد الحضرميّ، ويقال: الجعفي، أبو عبد الله الطحّان الكوفيّ، اتفق النّقّاد على تكذيبه [8].

روى عن أبي إسحاق السبيعي، ومنصور، وسهيل بن أبي صالح، وسليمان التيمي، وغيرهم.

وروى عنه عبد السلام بن حرب، وإسماعيل بن زكريا، وعبد الله بن عامر، وغيرهم.

قال أبو طالب عن أحمد: متروك الحديث، حديثه موضوع كذبٌ. وقال عبد الله ابن أحمد: قال أبي: المعلى بن هلال كذاب. وقال أحمد بن أبي مريم عن ابن معين: هو من المعروفين بالكذب، ووضع الحديث. وقال عباس الدُّوري عن ابن معين: ليس بثقة كذاب. وقال البخاري: تركوه. وقال أبو عبيد الآجري عن أبي داود: غير ثقة ولا مأمون، حدثني أبو زرعة الدمشقي، ثنا أبو نعيم قال: كنت أمشي مع ابن عيينة، فمررنا بمعلى بن هلال، فقال لي سفيان: إنّ هذا من أكذب الناس، وقال في موضع آخر: كان كذابًا. وقال النسائي: كذاب، وقال مرة: يَضَعُ الحديث. وقال علي بن المديني عن أبي أحمد الزبيري: حَدَّثت ابن عيينة عن معلى الطحان، فقال: ما أحوج صاحب هذا إلى أن يُقْتَل. وقال علي أيضًا: ما رأيت يحيى بن سعيد يُصَرِّح في أحد بالكذب إلا معلى بن هلال، وإبراهيم بن أبي يحيى.

وقال علي: سمعت وكيعًا يقول: أتينا معلى بن هلال، وإن كُتُبه لمِن أصحّ الكتب، ثم ظهرت منه أشياء ما نقدر أن نحدث عنه بشيء. وقال عمرو بن محمد الناقد: رأيت وكيعًا تُعرَض عليه أحاديث معلى بن هلال، فجعل وكيع يقول: قال أبو بكر الصديق رضي الله عنه: الكذب مجانب للإيمان. وقال أحمد بن محمد بن محمد البغدادي: سمعت أبا نعيم يقول:

ص: 460

كان معلّى بن هلال يَنْزِل بني دالان تمَرُّ بنا المراكب إليه، وكان الثوري وشريك يتكلمان فيه، فلا يلتفت إلى قولهما، فلما مات كأنه وقع في بئر. وقال زكريا بن يحيى الساجي عن أحمد بن العباس الجُنْدَيْسَابُوريّ: سمعت أبا نعيم يقول: كان سفيان الثوري لا يرمي أحدًا بالكذب إلا معلى بن هلال. وقال أبو الوليد الطيالسي: رأيت معلى ابن هلال يحدث بأحاديث قد وضعها، فقلت بيني وبينك السلطان، فكلموني فيه، فأتيت أبا الأحوص، فقال: ما لك ولذلك البائس؟، فقلت: هو كذاب، فقال: هو يؤذّن على منارة طويلة. وقال عبد الرحمن بن أبي حاتم: سئل أبو زرعة عن المعلى بن هلال، ما كان تنقم عليه؟ فقال: الكذب.

وقال أبو أحمد بن عدي: هو في عداد مَن يضع الحديث. وقال البخاري: قال ابن المبارك لوكيع: عندنا شيخ يقال له: أبو عصمة نوح ابن أبي مريم، يضع كما يضع المعلى.

وقال الآجري عن أبي داود: روى أربعين حديثًا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، عن ابن عباس، كلها مُخْتلَقَة. وقال الأزدي: متروك. وقال الجوزجاني، والعجلي، وعلي بن الحسين بن الجنيد: كذاب. وقال الدارقطني: كان يضع الحديث. وقال ابن حبان: كان يروي الوضوعات عن قوم أثبات، لا تحل الرواية عنه بحال. وقال أبو أسامة: سَجّرت بكتابه التنور. وذكره ابن الْبَرْقيّ في "باب من رُمي بالكذب"، وقال: كان قدريّا. وقال ابن المبارك في "تاريخه": كان لا بأس به، ما لم يجيء بالحديث، فقال له بعض الصوفية: يا أبا عبد الرحمن أتغتاب الصالحين؟، فقال: اسكت إذا لم نُبيِّن الحقَّ، فمن يُبَيِّن؟.

وقال الحاكم، وأبو نعيم: رَوَى عن يونس بن عبيد وغيره المناكير. وأما أبو حَرِيز فألانَ القول فيه، وقال: كان شيخًا حَدَّث عنه غير واحد، إلا أنه غير موثوق بحفظه.

وقال ابن أبي حاتم في "العلل" عن أبيه، عن ابن نمير في حديث رواه يحيى الْحِمّاني عن علي بن سُويد، عن نُفَيع، في المؤذنين: عليُّ بن سُوَيد هذا هو معلى بن هلال بن سُويد، جُعل مُعَلَّى عَليّ، وحُذف هلال من الوسط، ونُسِب إلى جده سُوَيد.

تفردّ به المصنّف بهذا الحديث فقط.

ص: 461

3 -

(إِسْمَاعِيلُ) بن مسلم، أبو إسحاق البصريّ، سَكَن مكة، ولكثرة مجاورته قيل له: المكي، وكان فقيهًا مفتيًا، ضعيف الحديث [5].

رَوى عن "أبي الطفيل، عامر بن واثلة، والحسن البصري، والحكم بن عتيبة، وغيرهم.

ورَوى عنه الأعمش، وابن المبارك، والأوزاعي، والسفيانان، ومعلى بن هلال، وغيرهم.

قال عمرو بن علي: كان يحيى وعبد الرحمن لا يحدثان عنه. وقال علي عن القطان: لم يزل مُخَلِّطًا، كان يحدثنا بالحديث الواحد على ثلاثة ضروب. وقال إسحاق بن أبي إسرائيل عن ابن عيينة: كان إسماعيل يخطىء، أسأله عن الحديث، فما كان يدري شيئًا.

وقال أبو طالب عن أحمد: منكر الحديث. وقال ابن معين: ليس بشيء. وقال ابن المديني: لا يكتب حديثه. وقال الفلاس: كان ضعيفًا في الحديث، يَهِمُ فيه، وكان صدوقًا، يُكثر الغلط، يُحَدِّث عنه من لا ينظر في الرجال. وقال الجوزجاني: وَاهٍ جدّا.

وقال أبو زرعة: ضعيف الحديث.

وقال أبو حاتم: ضعيف الحديث مختلط. وقال ابن أبي حاتم: قلت لأبي: وهو أحب إليك أو عمرو بن عبيد؟ فقال: جميعًا ضعيفان، وإسماعيل ضعيف الحديث ليس بمتروك، يُكتب حديثه. وقال البخاري: تركه يحيى، وابن مهدي، وتركه ابن المبارك، وربما ذكره. وقال النسائي: متروك الحديث. وقال مرة: ليس بثقة. وقال ابن عديّ: أحاديثه غير محفوظة، إلا أنه ممن يُكتب حديثه. وكناه الخطيب أبا ربيعة، وقال: بصري سكن مكة. وقال ابن حبان: كان فصيحًا، وهو ضعيف، يروي المناكير عن المشاهير، ويقلب الأسانيد. وقال الحربي: كان يفتي، وفي حديثه شيء. وقال الحاكم عن أبي علي الحافظ: ضعيف.

وقال ابن خزيمة: أنا أبرأ من عُهدته. وقال البزار: ليس بالقوي. وذكره الفسوي في "باب من يُرغَب عن الرواية عنهم". وقال أبو أحمد الحاكم: ليس بالقوي عندهم.

ص: 462

وذكره العقيليّ، والدولابي، والساجي، وابن الجارود، وغيرهم في "الضعفاء". وقال ابن سعد: قال محمد بن عبد الله الأنصاري: كان له رأي وفتوى وبَصَرٌ، وحفظ للحديث، فكنت أكتب عنه لنباهته.

تفرّد به الترمذيّ، والمصنّف، وله عنده في هذا الكتاب (11) حديثًا.

4 -

(الحسَنُ) البصريّ المذكور قبل باب.

5 -

(أَبُو هُرَيْرَةَ) رضي الله عنه 1/ 1.

شرح الحديث:

(عَنْ إِسماعِيلَ) بن مسلم، أنه (قَالَ: دَخَلْنَا عَلَى الحسَنِ) البصريّ (نَعُودُهُ) أي نزوره لمرضه (حَتَّى مَلَآْنَا الْبَيْتَ) أي كثر عدد العائدين بحيث امتلأ البيت منهم، وضاق بهم (فَقَبَض) الحسن (رِجْلَيْهِ) يحتمل أن قبضه من كثرة الزحام، ويحتمل أن يكون توقيرًا لهم (ثُمَّ قَالَ) الحسن (دَخَلْنَا عَلَى أَبِي هُرَيْرَةَ) رضي الله عنه، هذا ظاهر في كونه الحسن لقي أبا هريرة رضي الله عنه، وسمع منه، لكن الحديث لا يصحّ، والخلاف تقدم مستوفى البحث في ترجمة الحسن برقم (9/ 71).

(نَعُودُهُ، حَتَّى مَلَأْنَا الْبَيْتَ، فَقَبَضَ) أبو هريرة رضي الله عنه (رِجْلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ) أبو هريرة (دَخَلْنَا عَلَى رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم حَتَّى مَلَآْنَا الْبَيْتَ، وَهُوَ مُضْطَجعٌ لجِنْبِهِ) أي على جنبه (فَلَمَّا رَآنا قَبَضَ رِجْلَيْهِ) أي للاحتمالين السابقين (ثُمَّ قَالَ: إِنَّهُ) الضمير للشأن، أي إن الأمر والشأن (سَيَأْتِيكُمْ أَقْوَامٌ مِنْ بَعْدِي، يَطْلُبُونَ الْعِلْمَ) جملة في محلّ نصب على الحال، أي حال كونهم طالبين للعلم (فَرَحِّبُوا بِهِمْ) أمر من الترحيب، أي قولوا لهم: مرحبًا بكم (وَحَيُّوهُمْ) من التحيّة، قال الفيّوميّ رحمه الله: حيّاه تحيّةً: أصله الدعاء بالحياة، ومنه "التحيّات لله"، أي البقاء، وقيل: الملك، ثم كثُر حتى استُعمل في مطلق الدعاء، ثم استعمله الشرع في دعاء مخصوص، وهو "سلامٌ عليك". انتهى (1)(وَعَلِّمُوهُمْ) أمر من

(1)"المصباح المنير" 1/ 160.

ص: 463

التعليم (قَالَ) أي الحسن (فَأَدْرَكْنَا وَالله) جملة قسم معترضة بين الفعل ومعموله للتوكيد (أَقْوَامًا) أي من المشايخ، لا التلامذة، قيل: هذا يُحمل على من أدركه الحسن من غير الصحابة رضي الله عنهم، فإن أكثر علمه إنما أخذه من غيرهم. والله تعالى أعلم (مَا رَحَّبُوا بِنَا، وَلَا حَيَّوْنَا، وَلَا عَلَّمُونَا، إِلَّا بَعْدَ أَنْ كُنَّا نَذْهَبُ إِلَيْهِمْ) أي نتردّد إليهم كثيرًا (فَيَجْفُونَا) من الجفاء، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

قال الجامع عفا الله عنه: حديث أبي هريرة رضي الله عنه هذا موضوعٌ؛ لأن المعلّى بن هلال كذّاب يضع الحديث، كما سبق تفصيل أقوال العلماء فيه في ترجمته قريبًا.

وقال البوصيريّ رحمه الله: هذا إسناد ضعيفٌ، فيه المعلّى بن هلال، كذّبه أحمد، وابن معين، وغيرهما، ونسبه إلى وضع الحديث غير واحد، وإسماعيل هو ابن مسلم اتّفقوا على ضعفه، وله شاهد من حديث أبي سعيد الخدريّ رضي الله عنه، رواه ابن ماجه، والحاكم، والترمذيّ في "الجامع" -يعني الحديث الذي قبله- قال الترمذي: لا نعرفه إلا من حديث أبي هارون عن أبي سعيد. قلت: أبو هارون العبديّ ضعيف باتّفاقهم. انتهى كلام البوصيريّ.

والحديث من أفراد المصنّف أخرجه هنا 44/ 248 بهذا السند فقط، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو حسبنا ونعم الوكيل.

وبالسند المتّصل إلى الإمام ابن مَاجَه رحمه الله في أول الكتاب قال:

249 -

(حَدَّثَنَا عَليُّ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ الْعَنْقَزِيُّ، أنبَأَنا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِي هَارُونَ الْعَبْدِيِّ، قَالَ: كُنَّا إِذَا أَتَيْنَا أَبَا سَعِيدٍ الخُدْرِيَّ قَالَ: مَرْحَبًا بِوَصِيَّةِ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم إِن رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ لنَا: "إِنَّ النَّاسَ لَكُمْ تَبَعٌ، وَإِنَّهُمْ سَيَأْتُونكُمْ مِنْ أَقْطَارِ الْأَرْضِ، يَتَفَقَّهُونَ فِي الدِّينِ، فَإِذَا جَاءُوكُمْ، فَاسْتَوْصُوا بِهِمْ خَيْرًا").

رجال هذا الإسناد، تقدّموا قريبًا غير:

1 -

(عمرو بن محمد العَنْقَزِيُّ) بفتح العين المهملة، والقاف، بينهما نون ساكنة، وبالزاي، أبو سعيد الكوفي، ثقة [9].

ص: 464

قال ابن حبان: كان يبيع الْعَنْقَزَ، فنسب إليه، والعنقز: المرزنجوش.

روى عن عيسى بن طهمان، وابن جريج، والثوري، وإسرائيل.

وروى عنه ابناه: الحسين وقاسم، وقتيبة، وعلي بن محمد، والذهلي، وعلي بن المديني، وغيرهم.

قال أحمد والنسائي: ثقة، وقال ابن معين: ليس به بأس. وذكره ابن حبان في الثقات، ووثقه العجلي. مات سنة (199)(خت م 4).

و (سفيان) هو الثوري، والحديث ضعيفٌ جدّا، كما سبق الكلام عليه قبل حديث.

وقوله: "لكم تبع" بفتحتين: جمع تابع، كطَلَب: جمع طالب، وقيل: مصدر وُضع موضع الصفة مبالغة، نحو رجل عَدْلٍ.

وقوله: "من أقطار الأرض، أي من جوانبها. وقوله: "يتفقّهون": أي يطلبون الفقه. وقوله: "فاستوصوا بهم خيرًا": أي اقبلوا وصيّتي لكم بهم، وقيل: معناه: اطلبوا الوصيّة، والنصيحة لهم من أنفسكم، وفيه مبالغة، حيث أُمروا بأن يُجرّدوا من أنفسهم شخصًا آخر يطلبون منه الوصيّة في حقّ طلبة العلم، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

{إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ} [هود: 88].

ص: 465