المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌40 - (باب من بلغ علما) - مشارق الأنوار الوهاجة ومطالع الأسرار البهاجة في شرح سنن الإمام ابن ماجه - جـ ٤

[محمد بن علي بن آدم الأثيوبي]

الفصل: ‌40 - (باب من بلغ علما)

‌40 - (بابُ من بلَّغ علمًا)

وبالسند المتّصل إلى الإمام ابن ماجه رحمه الله في أول الكتاب قال:

230 -

(حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ، وَعَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ قَالَ: حَدَّثَنَا لَيْثُ بْنُ أَبِي سُلَيْمٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ عَبَّادٍ، أَبِي هُبَيْرَةَ الْأَنْصَارِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "نَضَّرَ اللَّهُ امْرَأً سَمِعَ مَقَالَتِي فَبَلَّغَهَا، فَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ غَيْرِ فَقِيهٍ، وَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ إِلَى مَنْ هُوَ أَفْقَهُ مِنْهُ"، زَادَ فِيهِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ، "ثَلَاثٌ لَا يُغِلُّ عَلَيْهِنَّ قَلْبُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ: إِخْلَاصُ الْعَمَلِ لِلَّهِ، وَالنُّصْحُ لِأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ، وَلُزُومُ جَمَاعَتِهِمْ").

رجال هذا الإسناد: سبعة:

1 -

(مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّه بْنِ نُمَيْرٍ) الْهَمْدانيّ الكوفيّ، ثقة حافظٌ فاضلٌ [10] 1/ 4.

2 -

(عَليُّ بْنُ مُحَمَّدٍ) الطنافسيّ الكوفيّ المذكور قبل باب.

3 -

(مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ) بن غَزْوَان الكوفيّ، صدوقٌ، رُمي بالتشيّع [9] 2/ 21.

4 -

(لَيْثُ بْنُ أَبِي سُلَيْم) زُنيم الكوفيّ، متروك [6] 36/ 208.

5 -

(يَحْيَى بْنُ عَبَّادٍ، أَبوُ هُبَيْرَةَ الأنصَارِيِّ) هو: يحيى بن عَبّاد بن شَيْبَان بن مالك الأنصاري السَّلَمِيُّ، أبو هُبيرة الكوفي، يقال: إنه ابن بنت البراء بن عازب، ويقال: ابن بنت خَبّاب بن الأَرَتّ، ثقة [4].

رَوَى عن أبيه، وجده أبي يحيى شيبان، وله صحبة، وأنس، وجابر، وأم الدرداء، وسعيد بن جبير، وأرسل عن خباب بن الأرتّ، وأبي هريرة.

ورَوَى عنه سليمان التيمي، وحُريث بن أبي مَطَر، وليث بن أبي سُليم، ومجُالد بن سعيد، وعبد المجيد بن سهيل، وإسماعيل السُّدّيّ، ومسعر، وغيرهم.

قال النسائي: ثقة. وقال يوسف بن سفيان: كوفي ثقة. وذكره ابن حبان في "الثقات"، وقال: مات في ولاية يوسف بن عمرو على العراق. وقال ليث، عن مجاهد: أحب أهل الكوفة إليّ أربعة، فذكره فيهم.

ص: 369

أخرج له البخاريّ في "الأدب المفرد"، والباقون، وله في "الصحيح" حديث عن أنس في النهي عن اتخاذ الخمر خَلًّا، وفي هذا الكتاب ثلاثة أحاديث فقط، برقم 230 وحديث (476)"كان نومه ذلك، وهو جالس، يعني النبيّ صلى الله عليه وسلم"، وحديث (2777)"غزوة في البحر مثل عشر غزوات في البرّ. . . .".

6 -

(أَبُوهُ) عباد بن شيبان الأنصاريّ السَّلَميّ -بفتح السين- والد أبي هبيرة يحيى ابن عبّاد، له ولأبيه صحبة، رَوَى عن النبي صلى الله عليه وسلم، وعن زيد بن ثابت، ورَوَى عنه ابناه إبراهيم، وأبو هبيرة يحيى، روى له ابن ماجه حديثًا واحدًا من روايته عن زيد بن ثابت.

هكذا قال في "تهذيب الكمال".

وتعقّبه في "تهذيب التهذيب" بأن الذي رَوَى عنه إبراهيم هذا صحابي، له عن النبي صلى الله عليه وسلم حديث آخر، رُوي عنه من طريق إسماعيل بن إبراهيم بن عباد، عن أبيه، عن جدّه، وهو سُلَمِيّ -بضم السين- من حُلفاء بني هاشم، وقد بينتُ ذلك في كتابي في "الصحابة". انتهى (1).

قال الجامع -عفا الله عنه-: فتحصّل من هذا أن الصواب أن عباد بن شيبان والد إبراهيم صحابي آخر له قصّة في خِطبته من النبيّ صلى الله عليه وسلم أُمامة بنت ربيعة، فأنكحه، أخرج حديثه ابن منده، وابن قانع، وابن السّكَن، راجع ترجمته في "الإصابة" 3/ 499 - 500.

وأما عباد بن شيبان هذا، والد أبي هُبيرة، فقد تفرّد به المصنّف، وله في هذا الكتاب هذا الحديث فقط. والله تعالى أعلم.

7 -

(زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ) بن الضّحّاك الأنصاري النجّاريّ الصحابي الشهير رضي الله عنه 10/ 77.

شرح الحديث:

(عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ) رضي الله عنه أنه (قالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم: نَضَّرَ الله) قال ابن الأثير

(1)"تهذيب التهذيب" 2/ 276.

ص: 370

-رحمه الله: نَضَرَه، ونَضَّرَه، وأنضره، أي نَعَّمه، ويُروى بالتخفيف، والتشديد، من النَّضَارة، وهي في الأصل: حُسنُ الوجه، والْبَرِيقُ، وإنما أراد حَسن خُلُقَه وَقَدرَهُ. انتهى (1).

وقال التوربشتيّ: النضرة: الحسن، والرَّونق، يتعدى ولا يتعدّى، ورُوي مخففًا، ومثقّلًا. انتهى. وقال النوويّ: التشديد أكثر، وقال الأبهري: رَوى أبو عبيدة بالتخفيف، وقال: هو لازمٌ ومتعدّ، ورواه الأصمعيّ بالتشديد، وقال: المخفف لازم، والتشديد للتعدية، وعن الأول للتكثير والمبالغة. انتهى.

والمعنى خصّه الله تعالى بالبهجة والسرور بعلمه، ومعرفته من القدر والمنزلة بين الناس في الدنيا، ونَعَّمه في الآخرة، حتى يُرى عليه رونق الرخاء والنعمة، ثم قيل: إنه إخبارٌ -يعني جعله ذا نَضْرَة، وقيل: دعاء له بالنضرة، وهي البهجة والبهاء في الوجه من أثر النعمة، وقيل: المراد هاهنا النضرة من حيث الجاهُ والقدرُ؛ لأنه جدّد بحفظه، ونقله طراوة الدين، فجازاه في دعائه بما يناسب عمله.

قال القاريّ رحمه الله: لا مانع من الجميع، والإخبار أولى من الدعاء -والله أعلم-، قيل: وقد استجاب الله تعالى دعاءه، فلذلك تجد أهل الحديث أحسن الناس وجهًا، وأجملهم هيئةً، ورُوي عن سفيان بن عيينة رحمه الله أنه قال: ما من أحد يطلب الحديث إلا وفي وجهه نَضْرة لهذا الحديث، أي بهجة صوريّة، أو معنوية. انتهى (2).

وقال القاضي أبو الطيّب الطبريّ رحمه الله: رأيت النبيّ صلى الله عليه وسلم في المنام، فقلت: يا رسول الله أنت قلت: "نضر الله امرءًا"، وتلوتُ عليه الحديث جميعه، ووجهه يتهلّل، فقال لي: نعم أنا قلته (3).

(1)"النهاية" 5/ 71.

(2)

"المرقاة" 1/ 484 - 485.

(3)

"شرح السندي" 1/ 151 - 152.

ص: 371

(امْرَأً سَمِعَ مَقَالَتِي) أي حديثي (فَبَلَّغَهَا) بالتشديد، من التبليغ، أي أوصل المقالة المسموعة إلى الناس، وعلّمهم إياها (فَرُبَّ) قال الطيبيّ:"رُبّ" وُضعت للتقليل، فاستعيرت في الحديث للتكثير، انتهى، وقيل: هي فيه حقيقة أيضًا (حَامِلِ فِقْهٍ) أي عِلْم.

قال السنديّ: هو بمنزلة التعليل لما يُفهم من الحديث أن التبليغ مطلوب، والمراد بحامل الفقه حافظ الأدلّة التي يُستنبط منها الفقه (غيرِ فَقِيهٍ) بالجرّ صفة لـ "حامل"، وقيل: بالرفع، فتقديره هو غيرُ فقيه، يعني أنه غير قادر على استنباط الفقه من تلك الأدلّة، لكن يحصل له الثواب بتبليغه؛ لنفعه بذلك (وَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ إِلَى مَنْ هُوَ أَفْقَهُ مِنْهُ) أي هو فقيه أيضًا، لكنه يحمل الفقه إلى أفقهَ منه، بأن كان الذي يسمع منه أفقه منه، وأقدر على الاستنباط، فيستنبط منه ما لا يفهمه الحامل، ففيه إشارة إلى فائدة النقل، والداعي إليه.

وقال الطيبيّ: قوله: "إلى من هو أفقه منه" صفة لمدخول "ربّ" استُغني بها عن جوابها، أي رب حامل فقه أدّاه إلى من هو أفقه منه لا يفقه ما يفقهه المحمول إليه. انتهى (1).

(زَادَ فِيهِ) أي في الحديث (عَليُّ بْنُ مُحَمَّدٍ) الطنافسيّ الشيخ الثاني للمصنّف في هذا السند، وقوله:(ثَلَاثٌ إلخ) جملة محكيّة؛ لقصد لفظها، مفعول به لـ"زاد"، قال السنديّ: قوله: "ثلاث" أي خصالٌ ثلاثٌ، أو ثلاثُ خصالٍ، فالنكرةُ مخصوصةٌ بالإضافة، أو التوصيف، فصحّ وقوعها مبتدأٌ عند الكلّ. انتهى.

وقال القاضي البيضاويّ -رحمه الله تعالى-: قوله: "ثلاثٌ" استئناف تأكيد لما قبله، فإنه صلى الله عليه وسلم لمّا حَرّضَ على تعليم السنن ونشرها، قَفّاه بردّ ما عَسَى أن يعرِضَ مانعًا، وهو الغِلّ، من ثلاثة أوجه:

[أحدها]: أن تعلّم الشرائع ونقلها ينبغي أن يكون خالصًا لوجه الله تعالى، مبرأً

(1)"الكاشف" 2/ 683 - 684.

ص: 372

عن شوائب المطامع، والأغراض الدنيويّة، وما كان كذلك لا يتأثّر عن الحقد والحَسَد.

[وثانيها]: أن أداء السنن إلى المسلمين نصيحةٌ لهم، وهي من وظائف الأنبياء عليهم السلام، فمن تعرّض لذلك، وقام به كان خليفةً لمن يبلَّغُ عنه، وكما لا يليق بالأنبياء عليهم السلام أن يُهملوا أعاديهم، ولا ينصحوهم، لا يَحْسُنُ من حامل الأخبار، وناقل السنن أن يَمنحها صديقه، ويمنعها عدوّه.

[وثالثها]: أن التناقل، ونشر الأحاديث إنما يكون غالبًا بين الجماعات، فَحَثَّ على لزومها، ومَنَعَ عن التأبّي عنها؛ لحقد وضَغِينةٍ يكون بينه وبين حاضريها ببيان ما فيها من الفائدة العُظمَى، وهي إحاطة دعائهم من ورائهم، فيَحْرُسُهم عن مكائد الشيطان وتسويله. انتهى.

قال الطيبيّ -رحمه الله تعالى-بعد نقله لكلام البيضاويّ المذكور-: وأقول: يمكن أن يقال -والله أعلم-: إن قوله: "ثلاث" استئناف، وهي المقالة التي استوصى في حقّها أن يبلغ عنه، والكلام السابق كالتوطئة، والتمهيد لها؛ اعتناءً بشأنها، والْعَضِّ عليها بالنواجذ، كأنّ قائلًا لمّا سَمِع تلك التوصية البليغة اتّجّهَ له أن يقول: ما تلك المقالة التي استوجبت ذلك الدعاء المرغِّب في أداء ما سمع؟.

فأُجيب "هنّ ثلاثٌ"، وإنما استوجبت هذه التوصيةَ البليغةَ؛ لأنها جمعت بين التعظيم لأمر الله تعالى، فإن إخلاص العمل هي مقدّمة مطلوبة في كلّ أعمال صالحة، وبين الشفقة على خلق الله تعالى، من النصيحة لهم، إن كان فوقهم، ومن التبرّك بدعائهم، والانخراط في سلكهم، وأداء حقوقهم إن كان دونهم، ولعلّ رواية "يُغِلُّ" -بالضمّ من الإغلال يقال: غَلّ شيئًا من المغنم غُلُولًا، وأغلّ إغلالًا: إذا أخذه في خفية- أرجح؛ لأن الخيانة في إخلاص العمل هي رؤية الغير، قال الله تعالى:{وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا} [الكهف: 110]، وفي حقّ المسلمين ترك نصيحتهم، وإرادة الخير لهم، فإن النصيحة حقّ لهم عليه، فإذا تركها خانهم، وفي حقّ نفسه أن يَحرِمها من تركه دعاء المؤمنين، وإخراجه من زمرتهم، فيكون كالغنم القاصية عن القطيع،

ص: 373

متعرضًا لمكائد الشيطان، وتسويله. انتهى كلام الطيبيّ (1).

قال الجامع -عفا الله تعالى عنه-: ما قاله الطيبيّ حسنٌ، إلا أن حمل البيضاويِّ على الإطلاق أحسن منه، ومما يؤيد ذلك أن هذه الجملة -أعني "ثلاث لا يغل إلخ" ليست مذكورةً إلا عند بعض الرواة، كما نبه عليه المصنف هنا، ولو كان المعنى على ما قاله الطيبي من الحمل على هذه الجملة، لما سقطت عن بعض الرواة، بل كان يلزم ذكرها في كل الروايات، فتبصّر، والله تعالى أعلم بالصواب.

(لَا يُغِلُّ) بفتح الياء، وضمها، وكسر الغين على الصيغتين، فالأول من الغِلّ، وهو الحقد، والثاني من الإغلال: وهو الخيانة (عَلَيهِنَّ) أي على تلك الخصال (قلبُ امْرِئ مُسلِمٍ) وفي رواية "مؤمن"، أي كامل الإيمان، والمعنى: المؤمن لا يخون في هذه الأشياء الثلاثة، أو لا يدخله ضِغنٌ يُزيله عن الحقّ حين يفعل شيئًا من ذلك. قاله التوربشتي، وقال الزمخشريّ في "الفائق": إن هذه الخلال تستَصْلَح بها القلوب، فمن تمسك بها طهر قلبه من الدَّغَل، والفساد، و"عليهن" في موضع الحال، أي لا يغلّ قلب مسلم، حال كونه كائنًا عليهن، وإنما جاز مجيء الحال عن النكرة؛ لتقدّمه، كما قال في "الخلاصة":

ولم يُنكَّر غَالِبًا ذو الحالِ إنْ

لم يَتَأَخَّرْ أوْ يخصص أَوْ يَبِن

مِن بَعد نَفي أَو مُضَاهيهِ كـ "لا

يَبغ امْرُؤٌ عَلى امرِيءٍ مُسْتَسْهِلَا"

وقيل: النفي بمعنى النهي، يعني أنه لا يتركها، بل يأتي بها، وقيل: أي ثلاثٌ لا يُغلّ قلبُ مسلم، حال كونه ثابتًا عليهنّ، يعني أن من تمسّك بهن طهر الله قلبه من الحقد، والخيانة.

ويُروَى أيضًا "يَغِل" بفتح الياء، وكسر الغين، وتخفيف اللام، من الوُغُول، وهو الدخول في الشيء.

(1)"الكاشف" 2/ 684 - 685.

ص: 374

وجوز بعضهم كونه بفتح الياء، وضمّ الغين، وتشديد اللام، من غَلّ من المغنم شيئًا غلولًا: إذا أخذه في خُفْية، فهو يرجع إلى الخيانة أيضًا.

وقال التوربشتي رحمه الله: وجه المناسبة بين قوله: "نضر الله امرأً" وبين قوله: "ثلاثٌ لا يغلّ" هو أن نقول: إن النبيّ صلى الله عليه وسلم لمّا حَث مَن سَمِع مقالته على أدائها علمهم أن قلب المسلم لا يغل على هذه الأشياء؛ خشية أن يَضِنُّوا بها على ذوي الإِحَن، والحقْدِ؛ لما يقع بينهم من التحاسد والتباغض، وبَيَّنَ أن أداء مقالته إلى من يسمعها من باب إخلاص العمل لله تعالى، والنصيحة للمسلمين، ومن الحقوق الواجبة المتعلّقة بأحكامه لزوم جماعة المسلمين، فلا يحلّ له أن يتهاون به؛ لأنه يخلّ بالخلال الثلاث. انتهى (1).

(إِخلاصُ العملِ لله) خبر لمحذوف، أي أحدها، أو مبتدأ حذف خبره، أي منها، أو بدل تفصيل من "ثلاث"، والإخلاص أن يَقصِد بالعمل وجهه، ورضاه فقط، دون غرضٍ آخر دنيويّ، وقال السنديّ: أي جعل العمل خالصًا لله تعالى، لا لغيره من محبّةٍ، أو عداوة (2).

[تنبيه] وقع في شرح القاريّ قوله: "دون غرض آخر دنيويّ أو أخرويّ، كنعيم الجنة ولذاتها، أو لا يكون له غرض دنيوي من سمعة ورياء، والأول إخلاص الخاصّة، والثاني إخلاص العامة إلخ".

وهذا من أخطر ما يرى في كلام المتصوّفة المتأخرين؛ لأنه مصادم لنصوص الكتاب والسنة، فإنها مملوءة بالترغيب في طلب نعيم الجنة، وثواب الآخرة، وإنما تحذّر من طلب الأغراض الدنيوية، فقط، قال الله عز وجل:{وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا} [الإسراء: 19]، وقال:{وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ} الآية [الأحزاب: 29]، وقال: {لِمَنْ

(1) راجع "الكاشف" 2/ 684.

(2)

"شرح السنديّ" 1/ 152.

ص: 375

كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ} الآية [الأحزاب: 21]، وقال:{وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ} [الرحمن: 46]، وقال:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (10) تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ} الآية [الصف: 10 - 11]، وقال:{أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ} [الإسراء: 57] إلى غير ذلك من الآيات التي تحثّ على ابتغاء ثواب الآخرة بدخول الجنة، والنجاة من النار.

وكذلك أحاديث النبيّ صلى الله عليه وسلم طافحة بالحثّ على ذلك، ففي "الصحيحين من حديث أبي أيوب رضي الله عنه أن رجلا قال للنبي صلى الله عليه وسلم: أخبرني بعمل يدخلني الجنة. . . ." الحديث، ولفظ مسلم: دُلني على عمل أعمله يدنيني من الجنة، ويباعدني من النار، قال: "تعبد الله، لا تشرك به شيئًا. . . ." الحديث. وغير ذلك من الأحاديث الصحيحة الكثيرة.

وبالجملة: إن هذه العبارة فشت في المتأخرين من المتصوفة، وأتباعهم، بل رأيتها في كلام النوويّ في "شرح أربعينه"، بل يقول بعضهم الإخلاص أن لا تعبده خوفًا من النار، ولا طمعًا في الجنة، وهذا منابذة للنصوص الصريحة، فينبغي لك أيها المسلم الحريص على دينه أن لا تتفوّه بهذا الكلام البذيّ الوقح، وعليك أن تُنزّه لسانك من مثله، من الألفاظ البشعة التي تنافي الكتاب والسنة، ألهمني الله وإياك الرشد والصواب، وجنينا من الزيغ والارتياب، إنه سميع قريب مجيب الدعوات، وقابل التوب والحسنات.

(وَالنُّصْحُ) قال ابن الأثير رحمه الله: النصيحة: كلمة يُعبّر بها عن جملة، هي إرادة الخير للمنصوح له، وليس يُمكن أن يُعبّر هذا المعنى بكلمة واحدة تجمع معناه غيرِها، وأصل النصح في اللغة: الْخُلُوص، يقال: نَصَحته، ونصحتُ له، ومعنى نصية الله صحّةُ الاعتقاد في وحدانيته، وإخلاص النيّة في عبادته، والنصيحة لكتاب الله هو التصديق به، والعمل بما فيه، ونصيحة رسوله صلى الله عليه وسلم هو التصديق بنبوته ورسالته، والانقياد لما أَمَر

ص: 376

به، ونَهَى عنه، ونصحية الأئمة أن يُطيعهم في الحقّ، ولا يَرى الخروج عليهم إذا جاروا، ونصيحة عامّة المسلمين إرشادهم إلى مصالحهم. انتهى (1)(لِأَئِمَّةِ المُسْلِمِينَ) أي طاعتهم في الحقّ، وعدم الخروج عليهم (وَلُزُومُ جَمَاعَتِهِمْ) أي موافقتهم في الاعتقاد، والعمل الصالح، من صلاة الجمعة، والجماعة، وغير ذلك.

زاد في رواية أحمد والترمذيّ: "فإن دعوتهم تحيط من ورائهم".

والمعنى أن دعوة المسلمين محيطةٌ بهم، فتحرسهم عن كيد الشياطين، وعن الضلالة، وفيه تنبيه على أن من خرج من جماعتهم لم يَنَل بركتهم، وبركة دعائهم؛ لأنه خارج عما أحاطت بهم من ورائهم، وفيه إيماء إلى تفضيل الْخُلْطة على العزلة، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو المستعان، وعليه التكلان.

مسائل تتعلّق بهذا الحديث:

(المسألة الأولى): في درجته:

حديث زيد بن ثابت رضي الله عنه هذا صحيح.

[فإن قلت]: كيف يصحّ، وفي إسناده ليث بن أبي سُليم، وهو متروك؟.

[قلت]: إنما صحّ؛ لأنه جاء بسند صحيح، فقد أخرجه الإمام أحمد رحمه الله في "مسنده" مطوّلًا، فقال:

حدثنا يحيى بن سعيد، حدثنا شعبة، حدثنا عمر بن سليمان، من ولد عمر بن الخطاب رضي الله عنه، عن عبد الرحمن بن أبان بن عثمان، عن أبيه، أن زيد بن ثابت، خرج من عند مروان نحوًا من نصف النهار، فقلنا: ما بَعَثَ إليه الساعةَ إلا لشيءٍ سأله عنه، فقمت إليه، فسألته، فقال: أَجَلْ سَأَلنا عن أشياء، سمعتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "نضر الله امرأً، سمع مِنّا حديثًا، فَحَفِظَهُ، حتى يبلغه غيره، فإنه رُبَّ حامل فقه ليس بفقيه، ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه، ثلاث خصال: لا يغلّ

(1)"النهاية" 5/ 62 - 63.

ص: 377

عليهن قلبُ مسلم أبدًا: إخلاص العمل لله، ومناصحة ولاة الأمر، ولزوم الجماعة، فإن دعوتهم تحيط من ورائهم"، وقال: "من كان همه الآخرةَ جمع الله شمله، وجعل غناه في قلبه، وأتته الدنيا، وهي راغمة، ومن كانت نيته الدنيا، فَرَّقَ الله عليه ضَيْعَته، وجَعَل فقره بين عينيه، ولم يأته من الدنيا إلا ما كُتب له"، وسألنا عن الصلاة الوسطى، وهي الظهر.

والجزء الأخير منه (من كان همه الآخرةَ) سيأتي للمصنف في "كتاب الزهد" برقم (4105).

وهذا إسناد صحيح، فيحيى هو القطان، وعمر بن سليمان بن عاصم بن عمر بن الخطاب متّفقٌ على ثقته، وعبد الرحمن بن أبان ثقة عابد قليل الرواية، وأبوه مجمع على ثقته.

والحاصل أن الحديث صحيح، بهذا السند وله شواهد ستأتي بعده -إن شاء الله تعالى- والله تعالى أعلم.

(المسألة الثانية): في تخريجه:

أخرجه (المصنّف) هنا (40/ 230) بهذا السند فقط، ولم يُخرجه من حديث زيد ابن ثابت رضي الله عنه من أصحاب الأصول غيره، وأخرجه (أحمد) في "مسنده"(20608) والله تعالى أعلم.

(المسألة الثالثة): في فوائده:

1 -

(منها): ما ترجم له المصنّف، وهو بيان فضل من بلّغ علمًا، وهو واضح.

2 -

(ومنها): أن فيه الإخبار بأن رواة الأحاديث في وجوههم نضرة بسبب دعوة النبيّ صلى الله عليه وسلم لهم بذلك.

3 -

(ومنها): أن الشرط في رواية الحديث كونه حافظًا له، لا كونه فقيهًا، عالمًا بمعناه.

4 -

(ومنها): بيان تفاوت العلماء في الأفهام، فإنه ربما يكون الشيخ أقلّ علمًا وفهمًا

ص: 378

من تلميذه.

5 -

(ومنها): بيان فائدة تبليغ الحديث، وذلك أن السامع ربما لا يستطيع أن يستنبط منه العلوم، فإذا بلغه من هو أفهم له منه استنبط منه فوائد كثيرة، تنتفع بها الأمة. (ومنها): الحثّ على هذه الأشياء المذكورة في الحديث، وأنه ينبغي للمسلم أن يتحلّى بها، فمنها: إخلاص العمل، وهو الركن الأساسيّ لقبوله، فإنه إذا لم يوجد كان العمل هباء منثورًا، ومنها: مناصحة ولاة الأمور، فإن فيه مصالح عظيمة؛ إذ يستلزم ذلك مناصحة كل الأمة؛ لكونهم القادة، فإذ لم ينصلح لهم فقد أساء إليهم وإلى الرعيّة جميعًا، ويؤخذ من هذا أن الرئيس الأعلى للأمة هو النبي صلى الله عليه وسلم، فنصيحته مطلوبة بالدرجة الأولى؛ إذ نصيحته تتضمن نصيحة أمته جميعًا، فمن نصيحته نشر سنته بين الأمة، والذبّ عنها، وقمع البدعة، ومقاطعة أهلها.

6 -

(ومنها): أن فيه بيان فضل لزوم الجماعة؛ إذ فيه الانتظام في سلكهم، ونيل بركتهم؛ إذ دعواتهم تحيط بهم، فمن خرج عنهم خرج عن السُّورِ المحيط بهم، وصار عُرْضة للشيطان؛ لأنه ذئب الإنسان، فيحبّ المنفرد عن الجماعة، كما يحب الذئب الشاة القاصية من الغنم، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو حسبنا ونعم الوكيل.

وبالسند المتصل إلى الإمام ابن ماجه رحمه الله في أول الكتاب قال:

231 -

(حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ عَبْدِ السَّلَامِ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِالْخَيْفِ مِنْ مِنًى، فَقَالَ:"نَضَّرَ اللَّهُ امْرَأً سَمِعَ مَقَالَتِي فَبَلَّغَهَا، فَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ غَيْرِ فَقِيهٍ، وَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ إِلَى مَنْ هُوَ أَفْقَهُ مِنْهُ".

رجال هذا الإسناد: سبعة:

1 -

(مُحَمَّد بْنُ عبدِ اللَّه بْنِ نُمَيرٍ) المذكور في السند الماضي.

2 -

(أبوه) عبد الله بن نمير، أبو هشام الكوفي، ثقة ثبت، من كبار [9] 8/ 52.

ص: 379

3 -

(مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ) بن يسار المطّلبيّ مولاهم، أبو بكر المدنيّ، ثم البغداديّ،

إمام المغازي، صدوق يدلّس، ورمي بالتشيّع والقدر، من صغار [5] 4/ 35.

4 -

(عَبْدُ السَّلَامِ) بن أبي الجَنُوب -بفتح الجيم، وتخفيف النون المضمومة، آخره موحّدة- المدنيّ، ضعيف [8].

رَوَى عن الحسن البصري، والزهري، وعمرو بن عُبيد.

ورَوَى عنه ابن إسحاق، وأبو معشر، والدَّراوردي، وأبو حمزة، وعيسى بن يونس، وغيرهم.

قال ابن المديني: منكر الحديث. وقال أبو زرعة: ضعيف. وقال أبو حاتم: شيخ متروك. وقال ابن أبي حاتم: لم يقرأ علينا أبو زرعة حديثه. وقال أبو بكر البزار: لين الحديث. وقال ابن حبان: يروي عن الثقات ما لا يُشبه حديث الأثبات، ثم غَفَل فذكره في "الثقات"، ولم ينسبه، وقال: عبد السلام يَروي عن الزهري، وعنه ابن إسحاق، وهو هذا بلا ريب. وقال الدارقطني: منكر الحديث.

تفرّد به المصنّف، وله في هذا الكتاب ثلاثة أحاديث فقط برقم 231 و 2684 و 3056.

5 -

(الزُهْرِيُّ) محمد بن مسلم الإمام الحجة المشهور [4] 2/ 15.

6 -

(مُحَمَّدُ بْنُ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ) النوفليّ، أبو سعيد المدنيّ، ثقة عارف بالنسب [3].

رَوَى عن أبيه، وعمر، وابن عباس، ومعاوية، وعبد الله بن عَدي بن الحمراء.

ورَوَى عنه أولاده: عمر، وجَبْر، وسعيد، وإبراهيم، وسعد بن إبراهيم، والزهري، وعمرو بن دينار، وغيرهم.

ذكره ابن سعد في الطبقة الثانية من تابعي أهل المدينة. وقال قال محمد بن عمر: تُوُفي في خلافة سليمان بن عبد الملك، وكان ثقة، قليل الحديث. وقال العجلي: مدني تابعي ثقة. وقال ابن خِرَاش: ثقة. وقال البخاري: نسبه لي ابنُ أبي أويس، عن ابن إسحاق، قال: وكان أعلم قريش بأحاديثها، وقد كان أبوه من أنسب قريش لقريش،

ص: 380

وللعرب قاطبةً. وذكره ابن حبان في "الثقات". وقال خليفة بن خياط وغيره: مات في خلافة عمر بن عبد العزيز، وذكر ابن سعد أنّ أبا مالك الحِمْيري قال: رأيت نافع بن جبير يوم مات أخوه قد أَلْقَى رداءه وهو يمشي، وهذا يدل على أن محمدًا لم يبق إلى خلافة عمر بن عبد العزيز، فإن نافعًا بقي بعده، ولم يدركها.

ولا يصح سماعه من عمر بن الخطاب، فإن الدارقطني نَصَّ على أن حديثه عن عثمان مرسل. وقال له عبد الملك بن مروان: إني لأعرفك بالصدق.

أخرج له الجماعة، وله في هذا الكتاب ثلاثة أحاديث فقط برقم 231 و 832 و 3056.

7 -

(أبوهُ) جبير بن مطعِم بن عديّ بن نوفل بن عبد مناف القرشيّ النوفليّ الصحابيّ، قَدِمَ على النبي صلى الله عليه وسلم في فداء أُسارى بدر، ثم أسلم بعد ذلك عام خيبر، وقيل: يوم الفتح، رَوَى عن النبي صلى الله عليه وسلم، وعنه سليمان بن صُرَد، وأبو سِرْوَعَة، وابناه محمد ونافع ابنا جبير، وسعيد بن المسيب، وإبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف، وعبد الله بن باباه، وغيرهم.

قال الزبير: كان يؤخذ عنه النسب، وكان أخذ النسب عن أبي بكر، وسَلَّحَ عمرُ ابن الخطاب جُبيرًا سيفَ النعمان بن المنذر. وقال ابن الْبَرْقيّ وخليفة: تُوفي سنة (59) بالمدينة، وقال المدائني سنة (58). وحَكَى ابنُ عبد البر أنه أوّلُ من لَبِسَ الطيلسان بالمدينة. وقال العسكري: كان جبير بن معطم أحدَ من يُتحاكم إليه، وقد تَحاكم إليه عثمان وطلحة في قضية، ومات سنة (56).

أخرج له الجماعة، وله من الأحاديث (60) حديثًا، اتفق الشيخان على ستة، وانفرد البخاريّ بحديث واحد، ومسلم بحديث آخر، وله في هذا الكتاب سبعة أحاديث برقم 231 و 575 و 807 و 832 و 1254 و 2881 و 3056.

وقوله: "بالخيف من منى""الْخيف" بفتح الخاء المعجمة، وسكون الياء التحتانيّة:

ص: 381

الموضع المرتفع عن مجرى السيل المنحدر عن غِلظِ الجبل، ومسجدُ منًى يُسمّى مسجد الخيف؛ لأنه في سفح جبلها (1)، وتمام شرح الحديث، وفوائده تقدّمت قريبًا.

قال الجامع -عفا الله عنه-: هذا الإسناد ضعيف؛ لضعف عبد السلام بن أبي الجنوب، ولكن الحديث صحيح بالسند التالي، وصحّ أيضًا فيما سبق من حديث زيد بن ثابت رضي الله عنه.

أخرجه (المصنّف) هنا (40/ 231) بهذا السند، والسند التالي، وأخرجه (أحمد) في "مسنده"(4/ 80 و 82) و (الدارمي) في "سننه"(233) و (الطبرانيّ)(1541) و (الحاكم) في "المستدرك"(1/ 87) و (الطحاوي) في (1601) و (ابن عبد البر) في "جامع العلم"(1/ 41) و (الخطيب) في "شرف أصحاب الحديث"(25)، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو حسبنا ونعم الوكيل.

وبالسند المتّصل إلى الإمام ابن ماجه رحمه الله في أول الكتاب قال:

231 -

(حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا خَالِي يَعْلَى (ح) وَحَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ يَحْيَى، قَالَا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِنَحْوِهِ.

رجال هذا الإسناد هم المذكورون في السند الماضي، غير:

1 -

(عليّ بن محمد) الطنافسيّ المذكور قبل حديث.

2 -

(هشام بن عمّار) المذكور في الباب الماضي.

3 -

(خاله يعلى) بن عبيد بن أبي أمية الطنافسيّ، أبو يوسف الكوفيّ، ثقة إلا في حديثه عن الثوري، ففيه لين، من كبار [9] 10/ 89.

4 -

(سعيد بن يحيى) بن صالح اللَّخْمي، أبو يحيى الكوفيّ، نزيل دِمَشق، لقبه سَعْدان، صدوق وَسَط [9].

(1)"النهاية" 2/ 93.

ص: 382

روى عن أبيه، وإسماعيل بن أبي خالد، وهشام بن عروة، والأعمش، وموسى ابن عُبيدة الرَّبَذيّ، وإسرائيل، وزكرياء بن أبي زائدة، وجعفر بن بُرْقان، وغيرهم.

ورَوَى عنه أبو النضر الفراديسي، وسليمان بن عبد الرحمن، وعلي بن حجر، وهشام بن عمار، وغيرهم.

وقال عثمان الدارمي عن دُحيم: ما هو عندي ممن يُتَّهَم بالكذب. وقال أبو حاتم: محله الصدق. وقال ابن حبان: ثقة مأمون مستقيم الأمر في الحديث. وقال الدارقطني: ليس بذاك.

أخرج له البخاريّ حديثًا واحدًا في غزوة الفتح، والنسائيّ، المصنّف، وله في هذا الكتاب أربعة أحاديث فقط، برقم 231 و 1747 و 2597 و 3904.

قال الجامع -عفا الله عنه-: قد سبق شرح الحديث، وهذا الإسناد صحيح، رجاله رجال الصحيح، غير شيخه عليّ، وهو ثقة، وبه يصح الحديث الماضي.

وقوله: "بنحوه" أي بنحو الحديث الماضي، والفرق بين قولهم:"بنحوه"، وقولهم:"بمثله" أن "نحوه" يكون بالمعنى، بخلاف "مثله" فإنه يكون باللفظ، وقد سبق تمام البحث في ذلك.

وأخرج الإمام أحمد في "مسنده" لفظ حديث يعلى، فقال:

حدثنا يعلى بن عبيد، قال: حدثنا محمد -يعني ابن إسحاق- عن الزهري، عن محمد بن جبير بن مطعم، عن أبيه، قال: قام رسول الله صلى الله عليه وسلم بالخيف من مِنَى، فقال:"نضر الله امرأ سمع مقالتي، فوعاها ثم أداها إلى من لم يسمعها، فرب حامل فقه لا فقه له، ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه، ثلاث لا يغلّ عليهم قلب المؤمن: إخلاص العمل، والنصيحة لولي الأمر، ولزوم الجماعة، فإن دعوتهم تكون من ورائهم"، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو حسبنا ونعم الوكيل.

ص: 383

وبالسند المتّصل إلي الإمام ابن ماجه رحمه الله في أول الكتاب قال:

232 -

(حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، وَمُحَمَّدُ بْنُ الْوَلِيدِ، قَالَا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ سِمَاكٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَبِيهِ، أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "نَضَّرَ اللَّهُ امْرَأً سَمِعَ مِنَّا حَدِيثًا فَبَلَّغَهُ، فَرُبَّ مُبَلَّغٍ أَحْفَظُ مِنْ سَامِعٍ").

رجال هذا الإسناد: سبعة:

1 -

(مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ) بندار البصريّ، ثقة حافظ تقدّم قبل باب.

2 -

(مُحَمدُ بْنُ الْوَليدِ) بن عبد الحميد القرشيّ الْبُسريّ -بضمّ الموحّدة، وسكون المهملة- من ولد بُسْر من أرطاة العامريّ، يُلَقّب حَمْدان، البصريّ، قَدِمَ بغداد، يُكنى أبا عبد الله، ثقة [10].

رَوَى عن مروان بن معاوية، وغندر، وعبد الأعلى بن عبد الأعلى، وعبد الوهاب الثقفي، وابن مهدي، والقطان، ووكيع، وأبي زُكَير المدني، وغيرهم.

ورَوى عنه البخاري، ومسلم، والنسائي، وابن ماجه، وابن أبي عاصم، وزكرياء الساجي، وابن خزيمة، وغيرهم.

قال ابن أبي حاتم: سَمِع منه أبي بالبصرة في الرحلة الثالثة، وسئل عنه، فقال: صدوق. وقال النسائي: ثقة. وذكره ابن حبان في "الثقات". قيل: إنه مات بعد سنة خمسين ومائتين.

وفي "الزهرة": روى عنه البخاريّ سبعة أحاديث، ومسلم خمسة أحاديث.

وله في هذا الكتاب (11) حديثًا.

3 -

(مُحَمدُ بْنُ جَعْفَر) غندر، أبو عبد الله البصريّ، ثقة، صحيح الكتاب [9] 1/ 6.

4 -

(شُعْبةُ) بن الحجاج الإمام الحجة الثبت المشهور [7] 1/ 6.

5 -

(سِمَاكٌ) بن حرب، أبو المغيرة الكوفيّ، صدوق وروايته عن عكرمة خاصّةً مضطربةٌ، وتغير بآخره، وربما تلقّن [4] 4/ 30.

ص: 384

6 -

(عَبْدُ الرحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّه) بن مسعود الْهُذليّ الكوفيّ، ثقة، وقد سمع من أبيه شيئًا يسيرًا، من صغار [2] 4/ 30.

7 -

(أبوهُ) عبد الله بن مسعود الصحابيّ الشهير رضي الله عنه 2/ 19.

وقوله: "سمع منا حديثًا" أي سمع بلا واسطة، أو بواسطة، وهو معنى قوله:"سمع مقالتي"، ولا يتقيّد بالسماع من فيه صلى الله عليه وسلم، وعلى هذا العلماء، قاله السنديّ (1).

ووقع في رواية: "سمع منا شيئًا"، فقال الطيبيّ: يعم الأقوال، والأفعال الصادرة من النبيّ صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم، يدلّ عليه صيغة الجمع في "مِنّا".

وتُعُقّب قوله: "يعم الأقوال والأفعال" بأنه غفلة عن كونه معمولا لـ"سمع" الذي لا يكون إلا في القول.

وأجاب القاري بأنه لما قيل بعموم "منّا" وقد يسمع من الصحابي أنه صلى الله عليه وسلم كان يفعل كذا صحّ أن يتعلّق السمع بالفعل بهذا المعنى، وهو وجيه (2).

وقوله: أحفظ من "سامع"، أي أفطن، وأفهم، أو أكثر مراعاةً لمعناه، وعملًا بمقتضاه، وليس المراد الحفظ اللسانيّ. وتمام شرح الحديث، وفوائده تقدمت قريبا.

قال الجامع -عفا الله عنه-: هذا الإسناد ذكروا له علّتين:

[إحداهما]: الكلام في سماك بن حرب، كما سبق قريبًا.

[وثانيهما]: عبد الرحمن لم يسمع من أبيه إلا يسيرًا، وهذا ليس منه، ففيه انقطاع.

[وأجيب]: بأن الحديث له طرق، فقد أخرجه أبو نعيم في "تاريخ أصبهان" 2/ 90 من طريق محمد بن طلحة بن مصرّف الياميّ، عن زبيد الياميّ، عن مرّة بن شَراحيل، عن ابن مسعود رضي الله عنه، وهذا إسناد صحيح، رجاله رجال الشيخين.

وأخرجه ابن عبد البرّ في "جامع بيان العلم" 1/ 181 رقم (190) من طريق

(1)"شرح السنديّ" 1/ 153.

(2)

راجع "المرقاة" 1/ 487 - 488.

ص: 385

عُبيدة بن الأسود، عن القاسم بن الوليد، عن الحارث الْعُكليّ، عن إبراهيم النخعيّ، عن الأسود، عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، وهذا إسناد حسن، وله طرق أخرى.

والحاصل أن الحديث صحيح، بهذه الطرق، فلا يضرّه سند المصنّف، وأيضًا تشهد له أحاديث الباب، فتنبّه (1).

والحديث أخرجه (المصنّف) هنا (40/ 232) بهذا الإسناد فقط، وأخرجه (الشافعيّ) في "مسنده"(1/ 14) و (الحميدي) في "مسنده"(88) و (أحمد) في "مسنده" 1/ 436 و (الترمذيّ)(2657 و 2658) و (ابن حبان) في "صحيحه"(66 و 68 و 69) و (الحاكم) في "معرفة العلوم"(322) و (أبو نعيم) في "الحلية" 7/ 331 و (البيهقي) في "دلائل النبوة"(1/ 23 و 6/ 540) وفي "المعرفة"(1/ 15) و (الخطيب) في "الكفاية"(29 و 173) و (ابن عبد البرّ) في "جامع بيان العلم"(1/ 45) و (البغويّ) في "شرح السنة"(112).

وأخرجه (الخطيب) في "شرف أصحاب الحديث"(26) و (ابن عبد البر) في "جامع بيان العلم"(45 و 46) من طريق الأسود، عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه.

وأخرجه (أبو نعيم) في "أخبار أصفهان"(2/ 90) من طريق مُرّة بن شَراحيل، عن ابن مسعود رضي الله عنه، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو حسبنا ونعم الوكيل.

وبالسند المتّصل إلى الإمام ابن ماجه رحمه الله في أول الكتاب قال:

233 -

(حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ، أَمْلَاهُ عَلَيْنَا، حَدَّثَنَا قُرَّةُ بْنُ خَالِدٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرَةَ، عَنْ أَبِيهِ، وَعَنْ رَجُلٍ آخَرَ، هُوَ أَفْضَلُ في نَفْسِي مِنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي بَكْرَةَ، قَالَ: خَطَبَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ النَّحْرِ، فَقَالَ: "لِيُبَلِّغِ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ، فَإِنَّهُ رُبَّ مُبَلَّغٍ يَبْلُغُهُ أَوْعَى لَهُ مِنْ سَامِعٍ").

(1) راجع ما كتبه محقق "جامع بيان العلم" 1/ 178 - 181.

ص: 386

رجال هذا الإسناد: ستة:

1 -

(مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ) المذكور في السند الماضي.

2 -

(يَحْيى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ) أبو سعيد البصريّ الإمام الحجة الثبت [9] 2/ 19.

3 -

(قُرَّةُ بْنُ خَالِدٍ) السدوسيّ، أبو خالد، ويقال: أبو محمد البصريّ، ثقة ضابطٌ [6].

رَوَى عن أبي رجاء العطاردي، وحميد بن هلال، ومحمد بن سيرين، والحسن، وعمرو بن دينار، وعبد الملك بن عُمير، وغيرهم

ورَوَى عنه شعبة، وهو من أقرانه، ويحيى بن سعيد القطان، وابن مهدي، وخالد ابن الحارث، وأبو داود الطيالسي، وأبو عامر العقدي، وغيرهم.

قال صالح بن أحمد عن علي بن المديني، عن يحيى بن سعيد: كان قُرّة عندنا من أثبت شيوخنا. وقال عبد الله بن أحمد: سألت أبي عن قرة وعمران بن حُدير؟، فقال: ما فيهما إلا ثقة، قال: وسئل أبي عن قرة وأبي خَلْدة؟، فقال. قرّة فوقه، وهو دون حبيب ابن الشهيد، قيل له: قرة والقاسم بن الفضل؟، قال: ما أقربه منه، وقال مرة: ثقة. وقال إسحاق بن منصور عن ابن معين: ثقة. وقال ابن أبي حاتم: قرة أحب إليّ من جرير بن حازم، ومن أبي خَلْدة، وقره ثبت عندي. وقال ابن أبي حاتم: سئل أبو مسعود الرازي: قرة أثبت عندك أو حسين المعلم؟ فقال: قرة. وقال الآجري. ذَكَر أبو داود قرة، فَرَفَع من شأنه، وقال أيضًا: سألت أبا داود عنه، وعن الصَّعْق بن حَزْن؟، فقال: قُرّة فوقه. وقال النسائي: ثقة. وذكره ابن حبان في "الثقات".

قال أبو نعيم: مات سنة نيف وسبعين ومائة، وقال ابن حبان في "الثقات": مات سنة أربع وخمسين ومائة، وكان متقنًا، وكذا أَرّخه خليفة في "تاريخه"، وقال في "الطبقات": مات سنة خمس وخمسين. وقال ابن سعد: كان ثقة. وقال الطحاوي: ثبت متقن ضابط.

أخرج له الجماعة، وله في هذا الكتاب حديثان فقط، هذا (233) وحديث

ص: 387

(4188)

"إن فيك خصلتين. . . .".

4 -

(مُحَمَّدُ بْنُ سِيرينَ) أبو بكر الأنصاريّ البصريّ، ثقة ثبت فقيه عابد [3] 3/ 24.

5 -

(عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرَةَ) نُفيع بن الحارث الثقفيّ، أبو بَحْر، ويقال: أبو حاتم البصريّ، وهو أول مولود، وُلِد في الإسلام بالبصرة، ثقة [2].

رَوَى عن أبيه، وعلي، وعبد الله بن عمرو بن الأسود بن سَرِيع، والأشجّ الْعَصَري.

ورَوَى عنه ابن أخيه ثابت بن عبيد الله بن أبي بكرة، وابن ابنه بحر بن مَرّار بن عبد الرحمن، وخالد الحذاء، ومحمد بن سيرين، وعلي بن زيد، وقتادة، وجماعة.

ذكره ابن حبان في "الثقات". وقال ابن سعد: هو أول مولود وُلد بالبصرة، فَأَطعَم أبوه أهلَ البصرة جَزُورًا، فكفتهم، وكان ثقةً، وله أحاديث ورواية. وقال ابن خلفون في "الثقات": يقال: وُلد سنة (14) ومات سنة (96) وكذا أَرَّخ وفاته إسحاق القَرّاب. وقال خليفة: تُوُفّي بعد الثمانين. وقال العجلي: بصري تابعي ثقة. وقال البلاذريّ: حدثني أبو الحسن البلاذري، حدثني أبو الحسن المدائني، قال: كان عبد الرحمن بن أبي بكرة فَرّاسًا، وشارف التسعين، ووقع في بعض النسخ من "مختصر السنن" للمنذري بتقديم السين على الباء، وهو خطأ، وقال أبو هلال: كان زياد وَلَّى عبدَ الرحمن بيوتَ الأموال، وَوَلَّى عبدَ الله سجستان، وقال أبو اليقظان: ولاه عَلِيّ بيت المال ثم ولاه ذاك زياد.

أخرج له الجماعة، وله في هذا الكتاب خمسة أحاديث فقط برقم 233 و 556 و 1659 و 2316 و 3744.

6 -

(أبوه) نفيع بن الحارث بن كَلَدة بن عمرو بن عِلاج بن أبي سلمة، واسمه عبد الْعُزّى بن غِيَرَة بن عوف بن قيس، وهو ثقيف، أبو بكرة الثقفي، وقيل: اسمه مَسْرُوح، وقيل: كان أبوه عبدًا للحارث بن كَلدَة، يقال له: مسروح فاستلحق الحارث

ص: 388

أبا بكرة، وهو أخو زياد ابن سُمَيّة لأمه، وكانت سُمَيّة أَمَةً للحارث بن كَلَدة، وإنما قيل له: أبو بكرة؛ لأنه تَدَلَّى من حصن الطائف إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فأعتقه يومئذ، روى عن النبي صلى الله عليه وسلم، وعنه أولاده: عبيد الله، وعبد الرحمن، وعبد العزيز، ومسلم، وأبو عثمان النَّهْديّ، ورِبْعِيّ بن حِرَاش، وحميد بن عبد الرحمن الحميري، وغيرهم.

وقال العجلي: كان من خيار الصحابة. وقال محمد بن إسحاق، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب: جَلَدَ عمرُ بن الخطاب أبا بكرة، ونافع بن الحارث، وشِبْلَ بنَ مَعْبَد، ثم استتاب نافعًا، وشبلًا، فتابا فقبل شهادتهما، واستتاب أبا بكرة فأبى، وأقام، فلم يقبل شهادته، وكان أفضل القوم. وقال يعقوب بن سفيان: نفيع ونافع وزياد، وهم إخوة لأم، أمهم سُمَيّة. وقال أبو بكر بن أبي خيثمة: ثنا هَوْذَة بن خليفة، ثنا هشام بن حسان، عن الحسن، قال: مَرّ بي أنس بن مالك، وقد بعثه زياد إلى أبي بكرة يعاتبه، فانطلقت معه، فدخلنا على الشيخ، وهو مريض، فأبلغه عنه، فقال: إنه يقول: ألم أستعمل عبيد الله على فارس، ورَوادًا على دار الرزق، وعبد الرحمن على الديوان؟ فقال أبو بكرة: هل زاد على أن أدخلهم النار، فقال له أنس: إني لا أعلمه إلا مجتهدًا، فقال الشيخ: أقعدوني، إني لا أعلمه إلا مجتهدًا، وأهل حروراء قد اجتهدوا، فأصابوا أم أخطئوا؟ قال أنس: فرجعنا مخصومين.

قال ابن سعد: مات بالبصرة في ولاية زياد. وقال المدائني: مات سنة خمسين.

وقال البخاري: قال مسدد: مات أبو بكرة، والحسن بن علي في سنة واحدة. قال: وقال غيره: مات بعد الحسن سنة إحدى وخمسين. وقال خليفة: مات سنة ثنتين وخمسين، وصَلّى عليه أبو بَرْزة الأسلمي، زاد غيره: وكان أوصى بذلك. وقال أبو نعيم: آخى النبي صلى الله عليه وسلم بينهما. أخرج له الجماعة، وروى من الأحاديث (232) حديثًا، اتفق الشيخان على ثمانية، وانفرد البخاريّ بخمسة، ومسلم بحديث، وله عند المصنّف في هذا الكتاب (13) حديثًا، والله تعالى أعلم.

ص: 389

لطائف هذا الإسناد:

1 -

(منها): أنه من سُداسيّات المصنف.

2 -

(ومنها): أن رجاله كلّهم رجال الصحيح.

3 -

(ومنها): أن شيخه أحد المشايخ التسعة الذين اتفق الجماعة بالرواية عنهم بلا واسطة، وقد تقدّموا غير مرّة.

4 -

(ومنها): أنه مسلسل بثقات البصريين.

3 -

(ومنها): أن فيه رواية الراوي عن أبيه، وتابعيّ عن تابعيّ.

6 -

(ومنها): أن فيه من لُقّب بصورة الكنية، وهو أبو بكرة رضي الله عنه، فإنه لقبٌ، كما سبق آنفا، وكنيته أبو عبد الرحمن.

7 -

(ومنها): أن قُرّة، وعبد الرحمن بن أبي بكرة، وأباه هذا أول محلّ ذكرهم في هذا الكتاب، وقد ذكرت آنفًا ما لكلّ واحد من الأحاديث في هذا الكتاب.

8 -

(ومنها): أن عبد الرحمن أول مولود في الإسلام بالبصرة، كما سبق آنفًا.

9 -

(ومنها): أن فيه قوله: "وعن رجل آخر إلخ"، وسنتكلم عليه قريبا -إن شاء الله تعالى، والله تعالى أعلم.

شرح الحديث:

(عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرَةَ، عَنْ أَبِيهِ) رضي الله عنه (وَعَنْ رَجُلٍ آخَرَ، هُوَ أَفْضَلُ في نَفْسِي مِن عَبْدِ الرَّحْمَنِ) هذا القول لمحمد بن سيرين رحمه الله، والرجل الآخر هو حُميد بن عبد الرحمن الحِمْيَريّ البصريّ، جاء مفسّرًا في رواية أبي عامر العقديّ، عن قُرّة، ولفظ الإمام أحمد في "مسنده":

قال: حدثنا أبو عامر، حدثنا قرة بن خالد، عن محمد بن سيرين، قال: حدثني عبد الرحمن ابن أبي بكرة، عن أبيه، ورجلٌ في نفسي أفضل من عبد الرحمن، حميدُ بنُ عبد الرحمن، عن أبي بكرة، قال: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم. . . ." الحديث.

وكان ابن سيرين يثني على حميد هذا، فقد ذكر العجليّ قال: كان ابن سيرين

ص: 390

يقول: هو أفقه أهل البصرة، وقال حجاج بن محمد، عن شعبة، عن منصور بن زاذان، عن ابن سيرين: كان حُميد بن عبد الرحمن أفقه أهل البصرة قبل أن يموت بعشر سنين. (1).

(عَنْ أَبي بَكْرَةَ) رضي الله عنه، أنه (قَالَ: خَطَبَ رَسولُ الله صلى الله عليه وسلم يَوْمَ النَّحْرِ) هذا الحديث أورده المصنّف رحمه الله هنا مختصرًا، وهو حديث طويلٌ، ساقه الشيخان في "صحيحيهما" مطوّلا، قال البخاريّ رحمه الله:

حدثنا مسدد، حدثنا يحيى، حدثنا قرة بن خالد، حدثنا ابن سيرين، عن عبد الرحمن بن أبي بكرة، عن أبي بكرة، وعن رجل آخر، هو أفضل في نفسي من عبد الرحمن ابن أبي بكرة، عن أبي بكرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب الناس، فقال:"ألا تدرون أيُّ يوم هذا؟ "، قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه، فقال:"أليس بيوم النحر؟ قلنا: بلى يا رسول الله، قال: "أي بلد هذا؟، أليست بالبلدة الحرام؟ " قلنا: بلى يا رسول الله، قال:"فإن دماءكم وأموالكم وأعراضكم وأبشاركم عليكم حرام، كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا، ألا هل بلغت؟ " قلنا: نعم، قال:"اللهم اشهد، فليبلغ الشاهد الغائب، فإنه رب مُبَلغ يُبَلِّغُه لمن هو أوعى له"، فكان كذلك، قال:"لا ترجعوا بعدي كفارًا يضرب بعضكم رقاب بعض"، فلما كان يوم حَرْق ابن الحضرميّ حين حَرَّقه جارية بن قدَامة، قال: أشرفوا على أبي بكرة، فقالوا: هذا أبو بكرة يراك، قال عبد الرحمن: فحدثتني أمي عن أبي بكرة، أنه قال: لو دخلوا عليّ ما بهشت بقصبة (2).

(فَقَالَ)(لِيُبَلِّغِ) بسكون الغين؛ لأنه أمرٌ، ولكنه لمّا وُصل بما بعده حُرّك بالكسرة؛ لالتقاء الساكنين، لأن الأصل في التخلّص من التقاء الساكنين أن يُحرّك بالكسرة، وهو أمر من التبليغ، كما هو المشهور، ويحتمل أن يكون من الإبلاغ (الشَّاهِدُ) بالرفع على

(1) راجع "تهذيب الكمال" 7/ 382 - 383.

(2)

أي ما تحرّكتُ مسرعًا لأدفع عن نفسي.

ص: 391

الفاعلية لـ"يبلغ"، وهو اسم فاعل من شَهِدَ: إذا حضر، أي الحاضر في المجلس (الْغَائِبَ) بالنصب على أنه المفعول الأول، والمفعول الثاني محذوفٌ، أي العلم، والمعنى ليبلِّغ الحاضر مجلس إسماع العلم العلم الذي حضر سماعه الذي غاب عن المجلس؛ حتى يعمّ البلاغ الكلَّ، كما هو مقتضى عموم الرسالة إلى الكلّ.

وهل المراد تبليغ القول المذكور، أو تبليغ جميع الأحكام، فيه احتمالان، والأظهر الثاني (فَإِنَّهُ) الفاء للتعليل، والضمير للشأن، أي لأن الأمر والشأن (رُبَّ مُبَلَّغٍ) بفتح اللام وحذف صلته، أي إليه، و"ربّ" للتقليل، وترد للتكثير، وهو الكثير في استعمالها، وهي حرف خلافًا للكوفيين في دعوى أسميّتها (يَبْلُغُهُ) بالبناء للمفعول من أحد البناءين، ونائب الفاعل ضمير "مُبلغ"، والضمير المنصوب للعلم (أوْعَى) أي أحفظ، وأضبط، وأفهم، وأتقن.

[فإن قلت]: كيف إعراب هذا الكلام؟.

[قلت]: هو على مذهب الكوفيين أن "ربّ مبلغ" كلام إضافيّ مبتدأ، وقوله:"أوعى إلخ" خبره، والمعنى: رب مبلغ إليه عنّي أفهم وأضبط لما أقول من سامع مني، ولا بد من هذا القيد؛ لأن المقصود ذلك، وقد صرّح بذلك ابن منده في روايته من طريق هَوْذَة، عن ابن عون، عن ابن سيرين، ولفظه:"فإنه عسى أن يكون بعض من لم يشهد أوعى لما أقول من بعض من شهِد"، وأما على مذهب البصريين، فإن قوله: مبلغ وإن كان مجرورًا بـ "ربّ" إلا أنه مرفوع بالابتداء محلا، وقوله:"أوعى" صفة له، والخبر محذوف، تقديره: يكون، أو يوجد، أو نحو ذلك.

وقال النحاة في نحو "ربّ رجل صالحٍ عندي" محلّ مجرور "ربّ" رفع بالابتداء، وفي نحو "ربّ رجل صالح لقيتُ" نصبٌ على المفعولية، وفي نحو "ربّ رجل صالح لقيته" رفع، أو نصب على الاشتغال، كما في قولك:"هذا لقيته"(1). والله تعالى أعلم.

(1) راجع "عمدة القاري" 2/ 35.

ص: 392

(لَهُ) أي للحديث (مِنْ سَامِعٍ) أي ممن سمعه أوّلًا، ثم بلغه ثانيًا، وهو صلة لأفعل التفضيل، وجاز الفصل بينهما؛ لأن في الظرف سعةً، وليس الفاصل أيضًا أجنبيّا، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو المستعان، وعليه التكلان.

مسائل تتعلّق بهذا الحديث:

(المسألة الأولى): في درجته:

حديث أبي بكرة رضي الله عنه هذا متّفقٌ عليه.

(المسألة الثانية): في تخريجه:

أخرجه (المصنّف) هنا (40/ 233) بهذا السند فقط، وأخرجه (أحمد) في "مسنده"(5/ 37 و 39 و 40 و 44 و 45 و 49) و (الدارميّ) في "سننه"(1922) و (البخاريّ)(1/ 26 و 37 و 2/ 216 و 4/ 130 و 5/ 244 و 6/ 83 و 9/ 163) وفي "خلق أفعال العباد"(51) و (مسلم)(5/ 107 و 108 و 109) و (أبو داود)(1947 و 1948) و (الترمذي)(1520) و (النسائي)(7/ 127 و 220) و (ابن خزيمة) في "صحيحه"(2952) و (ابن حبان) في "صحيحه"(3848) و (البيهقيّ) في "الكبرى"(3/ 298 و 5/ 140 و 165 و 166) و (البغوي) في "شرح السنة"(165)، والله تعالى أعلم.

(المسألة الثالثة): في فوائده:

1 -

(منها): ما ترجم له المصنّف، وهو بيان فضل من بلّغ علمًا، ووجه ذلك أنه صلى الله عليه وسلم لمّا أمر بتبليغ العلم، وحثّ عليه عُلم أنه من أفضل الأعمال؛ لأنه لا يأمر أمته إلا بما فيه الخير والصلاح.

2 -

(ومنها): أن العالم يجب عليه تبليغ علمه لمن لم يبلغه، وتبيينه لمن لا يفهمه، وهذا هو الميثاق الذي أخذه الله على العلماء بقوله:{وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ} الآية [آل عمران: 187].

3 -

(ومنها): أن فيه بيان أنه يأتي في آخر الزمان من يكون له من الفهم في العلم

ص: 393

ما ليس لمن تقدّمه، لكنه يكون قليلًا؛ لأن "ربّ" موضوعة للتقليل.

4 -

(ومنها): أن حامل الحديث يجوز أن يؤخذ عنه، وإن كان جاهلًا بمعناه؛ إذ الشرط حفظ لفظه، لا فهم معناه.

5 -

(ومنها): أن من كان حافظًا للعلم، غير عالم بمعناه محسوب في زمرة أهل العلم، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو حسبنا ونعم الوكيل.

وبالسند المتّصل إلى الإمام ابن ماجه رحمه الله في أول الكتاب قال:

234 -

(حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ (ح) وَحَدَّثَنَا إِسْحاقُ بْنُ مَنْصُورٍ، أَنْبَأَنَا النَّضْرُ بْنُ شُمَيْلٍ، عَنْ بَهْزِ بْنِ حَكِيمٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، مُعَاوِيَةَ الْقُشَيْرِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "أَلَا لِيُبَلِّغِ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ").

رجال هذا الإسناد: سبعة:

1 -

(أبو بَكر بنُ أَبي شَيْبةَ) المذكور قريبًا.

2 -

(إِسْحَاق بْنُ مَنْصُورٍ) الْكَوْسَج، أبو يعقوب المروزيّ، ثقة ثبت [11] 34/ 173.

3 -

(أبو أُسَامَةَ) حمّاد بن أُسامة الكوفيّ، ثقة ثبت ربما دلّس، من كبار [9] 12/ 102.

4 -

(النَّضْرُ بنُ شُمَيْلٍ) المازنيّ، أبو الحسن النحويّ البصريّ، نزيل مروَ، وشُميل هو ابن خَرَشة بن زيد بن كُلثوم بن عَنَزة بن زُهير بن عَمْرو بن حجر بن خزاعي بن مازن بن عمرو بن تميم، وقيل في نسبه غير ذلك، ثقة ثبت، من كبار [9].

رَوَى عن حميد الطويل، وابن عون، وهشام بن عروة، وهشام بن حسان، ويونس بن أبي إسحاق، وابن جريج، وبهز بن حكيم، وإسرائيل، وشعبة، وغيرهم.

ورَوَى عنه يحيى بن يحيى النيسابوري، وإسحاق بن راهويه، ويحيى بن معين، وعلي بن المديني، ومحمود بن غيلان، وأحمد بن سعيد الدارمي، وإسحاق بن منصور الكوسج، وبيان بن عمرو البخاري، وأبو قدامة السرخسي، وغيرهم.

ص: 394

قال أبو حاتم عن ابن المديني: من الثقات، وقال عثمان الدارمي عن ابن معين: ثقهّ، وكذا قال النسائي. وقال أبو حاتم: ثقة، صاحب سنة. وقال حمدويه بن محمد: سمعت محمد بن خاقان يقول: سئل ابن المبارك عن النضر بن شميل، فقال: دُرّة بين مَرْوين ضائعة. وقال العباس بن مصعب المروزي: بلغني أن ابن المبارك سئل عن النضر بن شميل، فقال: ذاك أحد الآخذين، لم يكن أحد من أصحاب الخليل يدانيه. وقال العباس: كان النضر إمامًا في العربية والحديث، وهو أول من أظهر السنة بمروَ وجميع خُرَاسان، وكان أروى الناس عن شعبة، وأخرج كُتُبًا كثيرة لم يسبقه إليها أحد، وكان وَلي قضاء مرو.

وقال أحمد بن سعيد الدارمي عنه: خرج بي أبي من مَرو الرُّوذ إلى البصرة سنة ثمان وعشرين ومائة، وأنا ابن خمس أو ست سنين. وقال: مات في أول سنة أربع ومائتين. وقال محمد بن عبد الله بن قُهزاد: مات في آخر يوم من ذي الحجة سنة ثلاث، وفيها أَرَّخه الترمذي. وقال البخاري: مات سنة ثلاث أو نحوها. وقال ابن منجويه: كان من فصحاء الناس، وعلمائهم بالأدب، وأيام الناس.

أخرج له الجماعة، وله في هذا الكتاب (10) أحاديث.

3 -

(بهزُ بْنُ حَكِيم) بن معاوية القُشيريّ، أبو عبد الملك البصريّ، صدوقٌ [6].

روَى عن أبيه، عن جده، وعن زُرارة بن أوفى، وهشام بن عروة، إن كان محفوظا.

ورَوَى عنه سليمان التيمي، وابن عون، وجرير بن حازم، وغيرهم من أقرانه، والحمادان، ومعمر بن راشد، ومعاذ بن معاذ، وأبو أسامة، وابن علية، وغيرهم.

قال إسحاق بن منصور عن يحيى بن معين: ثقة. وقال أيضًا: إسناد صحيح، إذا كان دون بهز ثقة. وقال ابن البراء عن ابن المديني: ثقة. وقال أبو زرعة: صالح، ولكنه ليس بالمشهور. وقال أبو حاتم: هو شيخ يُكتب حديثه، ولا يحتج به، وقال أيضًا: عمرو ابن شعيب، عن أبيه، عن جده، أحب إلي.

وقال النسائي: ثقة. وقال صالح جزرة: إسناد أعرابي. وقال الحاكم: كان من

ص: 395

الثقات، ممن يُجمع حديثه، وإنما أُسقط من الصحيح روايته عن أبيه عن جده؛ لأنها شاذّة، لا متابع له عليها. وقال ابن عدي: قد رَوَى عنه ثقات الناس، وقد روى عنه الزهري، وأرجو أنه لا بأس به، ولم أر له حديثًا منكرًا. وإذا حدث عنه ثقة فلا بأس به. وقال الآجري عن أبي داود: هو عندي حجة. وعند الشافعي ليس بحجة، ولم يحدث شعبة عنه. وقال له: من أنت، ومن أبوك؟ وقال ابن حبان: كان يُخطىء كثيرًا، فأما أحمد وإسحاق فهما يحتجان به، وتركه جماعة من أئمتنا، ولولا حديثه:"إنا آخذوها وشطرَ ماله" لأدخلناه في "الثقات"، وهو ممن أستخير الله فيه. وقال الترمذي: وقد تكلم شعبة في بهز، وهو ثقة عند أهل الحديث.

وقال أبو جعفر محمد بن الحسين البغدادي في كتاب "التمييز": قلت لأحمد -يعني ابن حنبل-: ما تقول في بهز بن حكيم؟ قال: سألت غُنْدَرًا عنه، فقال: قد كان شعبة مَسَّه، ثم تَبيَّن معناه فكتبت عنه، قال: وسألت ابن معين: هل رَوَى شعبة عن بهز؟ قال: نعم، حديث:"أترعون عن ذكر الفاجر"، وقد كان شعبة متوقفًا عنه. وقال أبو جعفر السبتي: بهز بن حكيم، عن أبيه، عن جده صحيح. وقال ابن قتيبة: كان من خيار الناس. وقال أحمد بن بشير: أتيت البصرة في طلب الحديث، فأتيت بهزًا، فوجدته يلعب بالشطرنج مع قوم، فتركته، ولم أسمع منه.

علّق له البخاريّ، وأخرج له الأربعة، وله في هذا الكتاب خمسة أحاديث فقط، برقم 234 و 1920 و 2536 و 4287 و 4288.

6 -

(أبوهُ) حكيم بن معاوية بن حيدة القشيريّ البصريّ، صدوقٌ [3].

رَوَى عن أبيه، وعنه بنوه: بهز، وسعيد، ومِهْرَان، وسعيد بن إياس الجريري، وأبو قزعَة سُوَيد بن حُجير.

قال العجلي: ثقة. وقال النسائي: ليس به بأس. وذكره ابن حبان في "الثقات"، وزاد في الرُّواة عنه قتادة. وذكره أبو الفضائل الصَّغَاني فيمن اختُلف في صحبته، وهو وَهَمٌ منه، فإنه تابعي قطعًا.

ص: 396

علّق له البخاريّ، وأخرج له الأربعة، وله في هذا الكتاب ستة أحاديث فقط، برقم 234 و 1850 و 1920 و 2536 و 4287 و 4288.

7 -

(جَدُّهُ، مُعَاوِيَةُ الْقُشَيْرِيُّ) هو: معاوية بن حَيْدة بن معاوية بن قُشير بن كعب ابن ربيعة بن عامر بن صعصعة القشيريّ، نزل البصرة، الصحابيّ رضي الله عنه، روى عن النبي صلى الله عليه وسلم، وعنه ابنه حكيم، وعروة بن رُوَيم اللَّخْمي، وحُميد المُزَني، قال ابن سعد: وَفَدَ على النبي صلى الله عليه وسلم، وصَحِبَه، وقال ابن الكلبيّ: أخبرني أبي أنه أدركه بخراسان، ومات بها. وذكر الحاكم أبو عبد الله، وتبعه ابن الصلاح أنه تفرد عنه بالرواية ابنه.

علّق له البخاريّ، وأخرج له الأربعة، وله في هذا الكتاب الأحاديث الستة المذكورة في ترجمة ابنه، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو المستعان، وعليه التكلان.

مسألتان تتعلّقان بهذا الحديث:

(المسألة الأولى): في درجته:

حديث معاوية القشيريّ رضي الله عنه هذا صحيح، وإن كان الإسناد حسنًا، على ما سأرجّحه قريبًا؛ لأن أحاديث الباب الصحاح تشهد له، فتنبّه، والله تعالى أعلم.

[تنبيه]: اختُلف في هذا الإسناد، إسنادِ بهز بن حكيم بن معاوية، عن أبيه، عن جدّه: قال في "التقريب"، وشرحه "التدريب": لبهز بن حكيم عن أبيه، عن جدّه نسخة حسنة، صحّحها ابن معين، واستشهد بها البخاريّ في "الصحيح"، وقال الحاكم: إنما أُسقط من الصحيح روايته عن أبيه، عن جدّه؛ لأنها شاذّة لا متابع له فيها، ورجّحها بعضهم على نسخة عمرو بن شُعيب، عن أبيه، عن جدّه؛ لأن البخاريّ استشهد بها في "الصحيح" دونها، ومنهم من عكس، كأبي حاتم؛ لأن البخاريّ صحّح نسخة عمرو، وهو أقوى من استشهاده بنسخة بهز. انتهى ما في "التدريب"(1).

(1)"تدريب الراوي" 2/ 259.

ص: 397

قال الجامع -عفا الله عنه-: الأرجح عندي أن هذا الإسناد إسناد حسن، مثل ما سبق الترجيح بذلك في عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جدّه، فراجع المسألة الثالثة في شرح الحديث رقم (85) تستفد، وبالله تعالى التوفيق.

(المسألة الثانية): في تخريجه:

أخرجه (المصنف) هنا (40/ 234) بالإسنادين المذكورين، وأخرجه (أحمد) في "مسنده"(4/ 446 و 5/ 3 و 4) و (البخاريّ) في "خلق أفعال العباد"(52) و (النسائيّ)(5/ 4 و 82).

وفوائد الحديث تقدّمت في الحديث الماضي، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو حسبنا ونعم الوكيل.

وبالسند المتصل إلى الإمام ابن ماجه رحمه الله في أول الكتاب قال:

235 -

(حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدَةَ قَالَ: أَنْبَأَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ الدَّرَاوَرْدِيُّ، حَدَّثَنِي قُدَامَةُ بْنُ مُوسَى، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُصَيْنِ التَّمِيمِيِّ، عَنْ أَبِي عَلْقَمَةَ، مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ يَسَارٍ، مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "لِيُبَلِّغْ شَاهِدُكُمْ غَائِبَكُمْ").

236 -

(حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدِّمَشْقِيُّ، حَدَّثَنَا مُبَشِّرُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْحَلَبِيُّ، عَنْ مُعَانِ بْنِ رِفَاعَةَ، عَنْ عَبْدِ الْوَهَّابِ بْنِ بُخْتٍ الْمَكِّيِّ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "نَضَّرَ اللَّهُ عَبْدًا سَمِعَ مَقَالَتِي، فَوَعَاهَا ثُمَّ بَلَّغَهَا عَنِّي، فَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ غَيْرِ فَقِيهٍ، وَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ إِلَى مَنْ هُوَ أَفْقَهُ مِنْهُ").

رجال هذا الإسناد: سبعة:

1 -

(أَحْمدُ بْنُ عَبْدة) الضبّيّ، أبو عبد الله البصريّ، ثقة، رُمي بالنصب [10] 3/ 28.

2 -

(عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ بنِ عُبَيْدِ بْنِ أَبِي عُبَيْدٍ الدرَاوَرْدِيُّ) أبو محمد الجُهنيّ مولاهم المدنيّ، صدوق، كان يُحدّث من كتب غيره، فَيُخطئ [8].

وقال ابن سعد: درَاوَرْد قرية بخراسان، وقال أبو حاتم، عن داود الجَعْفَريّ: كان

ص: 398

أصله من قرية من قُرَى فارس يقال لها: دَرَاوَرْد، وقال البخاري: دَرَابجرد بفارس، كان جدّه منها، وقال أحمد بن صالح: كان من أهل أصبهان، نزل المدينة، وكان يقول للرجل إذا أراد أن يدخل: أَنْدَرُون، فلقبه أهل المدينة الدَّرَاورديّ.

رَوَى عن زيد بن أسلم، وشريك بن عبد الله بن أبي نَمِر، ويحيى بن سعيد الأنصاري، وهشام بن عروة، وعمرو بن أبي عمرو، وثور بن زيد الديلي، وغيرهم.

ورَوَى عنه شعبة، والثوري، وهما أكبر منه، وابن إسحاق، وهو من شيوخه والشافعي، وابن مهدي، وابن وهب، ووكيع، وداود بن عبد الله الجعفري، وعبد الله ابن جعفر الرَّقّي، والقعنبي، وأصبغ بن الفرج، وبشر بن الحكم، وأحمد بن عبدة الضبيِّ، وغيرهم.

قال مصعب الزبيري: كان مالك يوثق الدراوردي. وقال أحمد بن حنبل: كان معروفًا بالطلب، وإذا حدث من كتابه فهو صحيح، وإذا حدث من كتب الناس وَهِم، وكان يقرأ من كتبهم فيخطئ، وربما قَلَب حديث عبد الله بن عمر، يرويها عن عبيد الله ابن عمر. وقال الدُّوري عن ابن معين: الدراوردي أثبت من فُليح، وابن أبي الزناد، وأبي أويس. وقال ابن أبي خيثمة عن ابن معين: ليس به بأس. وقال أحمد بن أبي مريم عن ابن معين: ثقة حجة. وقال أبو زرعة: سيء الحفظ، ربما حَدّث من حفظه الشيء فيخطيء. وقال ابن أبي حاتم: سئل أبي عن يوسف بن الماجشون، والدراوردي، فقال: عبد العزيز محدث، ويوسف شيخ.

وقال النسائي: ليس بالقوي، وقال في موضع آخر: ليس به بأس، وحديثه عن عبيد الله بن عمر منكر. وقال العجلي: هذا ثقة. وقال الساجي: كان من أهل الصدق والأمانة، إلا أنه كثير الوهم.

قال: وقال أحمد: حاتم بن إسماعيل أحب إلي منه. وقال عمرو بن علي: حدث عنه ابن مهدي حديثًا واحدًا. وقال الزبير: حدثني عياش بن المغيرة بن عبد الرحمن، جاء الدراوردي إلى أبي يَعرِض عليه الحديث، فجعل يَلْحَن لحنًا منكرًا، فقال له أبي:

ص: 399

ويحك، إنك كنت إلى لسانك أحوج منك إلى هذا.

وقال ابن سعد: وُلد بالمدينة، ونشأ بها، وسمع بها العلم والأحاديث، ولم يزل بها حتى توفي سنة (187)، وكان ثقةً كثير الحديث، يَغْلَط، وحَكَى البخاري أنه مات سنة (89) وجزم به ابن قانع، والْقَرّاب.

وقال ابن حبان في "الثقات": مات في صفر سنة (86)، وكان يخطئ، وكان أبوه من درابجرد مدينة بفارس، فاستثقلوا أن يقولوا: درابجردي، فقالوا: دراوردي، وقد قيل: إنه من اندرانه، وقد قيل: إنه تُوُفّي سنة (82) انتهى كلامه.

ووقع في "سنن أبي داود" في "الجهاد" حدثنا النُّفَيلي، ثنا عبد العزيز الأندراوردي، وقال أبو حاتم السجستاني، عن الأصمعي: نسبوا إلى درابجرد الدراوردي، فَغَلِطُوا، قال أبو حاتم: والصواب دَرَابِيّ، أو جردي، ودَرَابيّ أجود.

أخرج له البخاريّ مقرونًا بغيره، والباقون، وله في هذا الكتاب (45) حديثًا.

3 -

(قُدَامَةُ بْنُ مُوسَى) بن عمر بن قُدامة بن مَظْعُون الجُمَحيّ المكيّ، إمام المسجد النبوي، ثقة [5].

رَوَى عن ابن عمر، وأنس، وأبيه موسى، وأيوب، ويقال: محمد بن الحصين، وأبي صالح السمان، وسالم بن عبد الله بن عمر، وعمرو بن ميمون بن مهران، وغيرهم.

ورَوى عنه أخوه عمر، وابنه إبراهيم، وابن جريج، وسليمان بن بلال، ووهيب، ويحيى بن أيوب المصري، والداروردي، وجعفر بن عون، وغيرهم.

قال ابن معين، وأبو زرعة: ثقة. وقال الزبير بن بكار: عُمِّرَ قدامة بن موسى، وكان ثبتًا. وذكره ابن حبان في "الثقات"، وقال: كان إمام مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، مات سنة ثلاث وخمسين ومائة، وفيها أَرّخه ابن أبي عاصم. علق له البخاريّ، وأخرج له الباقون، سوى النسائيّ، وله في هذا الكتاب هذا الحديث فقط.

[تنبيه]: قال الحافظ رحمه الله: في صحة سماعه من ابن عمر نظر، فقد أخرج له

ص: 400

الترمذي حديثًا، فأدخل بينه وبين ابن عمر ثلاثة أنفس، انتهى (1).

4 -

(مُحَمَّدُ بْنُ الحصَيْنِ التمِيمِيِّ) ثم الحنظلي، وقال بعضهم: أيوب بن الحصين، قال أبو حاتم: ومحمد أصحّ.

رَوَى عن أبي علقمة، مولى ابن عباس، وروى عنه سليمان بن بلال، وقُدامة بن موسى الجمحي، وعبد العزيز بن محمد الدراوردي، وعمر بن علي بن مقدم. ذكره ابن حبان في "الثقات".

قال الجامع -عفا الله عنه-: هكذا ذكر الحافظ المزيّ رحمه الله جماعة الرواة عنه.

وتعقّبه الحافظ، فقال: وقد رأيت رواية سليمان بن بلال عنه بواسطة قُدامة بن موسى، وكذلك الدَّراورديّ، وكلاهما في "كتاب قيام الليل" لمحمد بن نصر المروزي، ورواية الدراوردي في الترمذي، فليس له راو إلا قُدامة، ولهذا قال الدارقطني: مجهول، واتفق وهيب وسليمان على أنه أيوب، وقال الدراوردي: محمد. وروى يحيى بن أيوب المصري، عن عبيد الله بن زَحْر، عن محمد بن أبي أيوب المخزومي، عن أبي علقمة، فإن كان هو فيستفاد، رواية عبيد الله بن زَحْر عنه، ويرجح أن اسمه محمد، وأما أبوه فهو حصين، وكنيته أبو أيوب، فلعل من سماه أيوب، وقع مسمى، فسماه بكنية أبيه. انتهى كلام الحافظ (2).

فتحصل بما ذُكر أنه مجهول، كما قال الدارقطنيّ، وأما رواية عبيد الله بن زَحْر، فلا عبرة بها؛ لأنه ضعيف عند الأكثرين، فتبصّر. والله تعالى أعلم.

أخرج له أبو داود، والترمذيّ، والمصنّف، وله في هذا الكتاب هذا الحديث فقط.

5 -

(أَبو عَلْقَمَةَ، مَوْلَى ابْنِ عَباسٍ) وهو: أبو علقمة الفارسيّ المصريّ، مولى بني هاشم، ويقال: حليفهم، ويقال: حليف الأنصار، ثقة، وكان قاضي إفريقية، من كبار [3].

(1)"تهذيب التهذيب" 3/ 435.

(2)

"تهذيب التهذيب" 3/ 544.

ص: 401

روى عن عثمان بن عفان، وابن مسعود، وأبي سعيد، وأبي هريرة، وابن عمر، ويسار بن نمير، مولى ابن عمر، وغيرهم.

وعنه أبو الزبير المكي، وأبو الخليل، مُفلح بن أبي مريم، وعطاء العامري، ويعلى ابن عطاء العامري، وأيوب، ويقال: محمد بن حصين، وآخرون.

قال أبو حاتم: أحاديثه صحاح. وذكره ابن حبان في "الثقات". وقال ابن يونس: أبو علقمة الفارسيّ، مولى ابن عباس، كان على قضاء إفريقية، وكان أحد الفقهاء الموالي الذين ذكرهم يزيد بن أبي حبيب. وقال العجلي: مصري تابعي ثقة.

أخرج له البخاري في "جزء القراءة"، والباقون، وله في هذا الكتاب هذا الحديث فقط.

6 -

(يَسَارٌ، مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ) هو: يسار المدنيّ، مولى ابن عمر، قال: بعضهم هو ابن نمير، ثقة [4].

رَوَى عن مولاه عبد الله بن عمر، وعنه أبو علقمة، مولى ابن عباس، قال أبو زوعة: مدني ثقة. وذكره ابن حبان في "الثقات".

أخرج له أبو داود، والترمذيّ، والمصنّف، وله عنده في هذا الكتاب هذا الحديث فقط.

7 -

(ابْنُ عُمَرَ) هو: عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما 1/ 4.

قال الجامع عفا الله عنه: حديث ابن عمر رضي الله عنهما هذا إسناده ضعيف؛ لجهالة محمد بن حصين، كما سبق في ترجمته، وأما المتن فصحيح؛ للشواهد المذكورة في الباب.

أخرجه (المصنّف) هنا (40/ 235) بهذا الإسناد فقط، وأخرجه (أحمد)(2/ 23 و 104) و (أبو داود)(1278) و (الترمذيّ)(419)، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو حسبنا ونعم الوكيل.

ص: 402

وبالسند المتّصل إلى الإمام ابن مَاجَه رحمه الله في أول الكتاب قال:

236 -

(حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدِّمَشْقِيُّ، حَدَّثَنَا مُبَشِّرُ بْنُ إِسماعيلَ الحلَبِيُّ، عَنْ مُعَانِ ابْنِ رِفَاعَةَ، عَنْ عَبْدِ الْوَهَّابِ بْنِ بُخْتٍ المكِّيِّ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "نَضَّرَ الله عَبْدًا سَمِعَ مَقَالَتِي، فَوعَاهَا، ثُمَّ بَلَّغَهَا عَنِّي، فَرُبَّ حَامِلِ فِقهٍ غَيْرِ فَقِيهٍ، وَرُبَّ حَامِلِ فِقهٍ إِلَى مَن هُوَ أَفقَهُ مِنْهُ").

رجال هذا الإسناد: خمسة:

1 -

(مُحَمَّدُ بن إبْرَاهِيمَ الدِّمَشقِيُّ) هو: محمد بن إبراهيم بن العلاء الدمشقيّ، أبو عبد الله الزاهد السائح، مولى نبيط، نزيل عَبّادان، منكر الحديث [10](1).

رَوَى عن الوليد بن مسلم، ومبشر بن إسماعيل، وبقية، وعبد المجيد بن أبي رَوّاد، وغيرهم.

وروى عنه ابن ماجه، وأبو بكر بن عليّ المروزي، وأسلم بن سهل الواسطي، وبقي بن مَخْلَد، وعبد العزيز بن معاوية، ومحمد بن عبد الله الحضرمي، وغيرهم.

قال ابن أبي حاتم: سمع منه أبي بمكة، وقال ابن عدي: منكر الحديث، وعامة أحاديثه غير محفوظة. وقال الدارقطني: كذاب. وقال أبو نعيم: روى عن الوليد بن مسلم، وشعيب بن إسحاق، وبقية، وسُويد بن عبد العزيز موضوعات، وقال ابن حبان: يضع الحديث، لا تحل الرواية عنه إلا عند الاعتبار. وقال الحاكم أبو أحمد: ليس بالمتين عندهم. وقال الحاكم، والنقاش: رَوَى أحاديث موضوعة.

تفرّد به المصنّف، وله في هذا الكتاب حديثان فقط، هذا (236) وحديث (746) عن ابن عمر رضي الله عنهما في النهي عن الصلاة في سبعة مواطن. . .".

(1) جعله في "التقريب" من التاسعة، والظاهر أنه غلط؛ لأنه من شيوخ ابن ماجه مباشرة، فعندي أنه من العاشرة، فليتأمل.

ص: 403

2 -

(مُبَشِّرُ (1) بْنُ إِسْمَاعِيلَ الحلَبِيُّ) أبو إسماعيل الكلبيّ مولاهم، صدوقٌ [9].

رَوَى عن حَرِيز بن عثمان، وحسان بن نوح، وتَمّام بن نَجِيح، وجعفر بن بُرْقان، والأوزاعي، ومعان بن رفاعة، وغيرهم.

وروى عنه إبراهيم بن موسى الرازي، وأحمد بن حنبل، ومحمد بن مهران الجمّال، وموسى بن عبد الرحمن الأنطاكي، ومحمد بن إبراهيم بن العلاء، وغيرهم.

قال النسائي: ليس به بأس. وقال ابن سعد: كان ثقةً مأمونًا، ومات بحلب سنة مائتين. وقال عثمان الدارمي عن ابن معين: ثقة، وكذا قال أحمد بن حنبل. وقال ابن قانع: ضعيف، وقال الذهبي: تُكُلِّم فيه بلا حجة. وذكره ابن حبان في "الثقات".

أخرج له الجماعة، وله في هذا الكتاب هذا الحديث فقط.

3 -

(مُعَانُ بْنُ رِفَاعَةَ) -بضم الميم، وتخفيف العين المهملة- السّلاميّ -بتخفيف اللام- أبو محمد الدمشقي، ويقال: الحمصيّ، لَيِّنُ الحديث، كثير الإرسال [7].

روى عن إبراهيم بن عبد الرحمن العُذْري، وعبد الوهاب بن بُخْت، وعطاء الخراساني، وعلي بن يزيد الألهاني، وغيرهم.

وروى عنه إسماعيل بن عياش، ومبشر بن إسماعيل، ومحمد بن شعيب بن شابور، وغيرهم.

قال محمد بن عوف عن أحمد: لم يكن به بأس. وقال مُهَنّا عن أحمد: لا بأس به.

وقال علي بن المديني: ثقة، قد رَوَى عنه الناس. وقال عثمان الدارمي عن دُحيم: ثقة.

وقال محمد بن عوف: لا بأس به. وقال أبو حاتم: شيخ حمصيّ، يُكتب حديثه، ولا يحتج به. وقال أبو زرعة الدمشقي: شيخان معناهما واحد: عثمان بن أبي العاتكة، ومُعَان بن رِفَاعة، أخبرني دُحيم أن مُعانًا أرفعهما وأرجحهما. وقال الآجري عن أبي داود: ليس به بأس. وقال الدُّوري عن ابن معين: ضعيف.

(1) بصيغة اسم الفاعل.

ص: 404

وقال محمد بن عثمان بن أبي شيبة: سئل ابن معين عن عثمان بن عطاء، ومعان بن رفاعة، وسعيد بن بَشِير، فقال: كل هؤلاء ضعفاء. وقال الجوزجاني: ليس بحجة.

وقال يعقوب بن سفيان: لين الحديث. وقال ابن حبان: منكر الحديث، يروي مراسيل كثيرة، ويحدث عن أقوام مجاهيل، لا يشبه حديثه حديث الأثبات، فلَمّا صار الغالب في روايته ما يُنكره القلب، استَحَقَّ ترك الاحتجاج به. وقال ابن عدي: عامة ما يرويه لا يُتابَع عليه.

قال الحافظ: قرأت بخط الذهبي: مات مع الأوزاعي تقريبًا، وهو صاحب حديث، ليس بمتقن، وقال أبو الفتح الأزدي: لا يحتج به.

تفرّد به المصنّف، وله عنده في هذا الكتاب ثلاثة أحاديث فقط، هذا (236) و (245) و (3950).

4 -

(عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ بُخْتٍ المكِّيُّ) -بضم الموحّدة، وسكون الخاء المعجمة، بعدها مثناة- الأمويّ، مولى آل مروان، أبو عبيدة، ويقال: أبو بكر المكيّ، سكن الشام، ثم المدينة، ثقة [5].

رَوَى عن أنس، وأبي هريرة، يقال: مرسل، وابن عمر، وأبي إدريس الخولاني، وعمر بن عبد العزيز، وزر بن حبيش، وعبد الواحد البصري، وغيرهم.

وروى عنه أيوب، وعبيد الله بن عمر، ومالك، وابن عجلان، وزيد بن أبي أنيسة، وشعيب بن أبي حمزة، ومُعان بن رِفَاعة، وغيرهم.

وقال ابن معين: قد سمع منه مالك، وكان ثقة، وليس بينه وبين سلمة بن بُخْت قرابة، وسلمة أيضًا ثقة. وقال أبو زرعة، ويعقوب بن سفيان، والنسائي: ثقة. وقال أبو حاتم: صالح، لا بأس به. وقال مالك: كان كثير الحج والعمرة والغزو، حتى استُشهِد.

وقال ابن جرير: ذَكر محمد بن عمر عن عبد الله بن عمر غزا عبد الوهاب بن بُخْت مع البَطّال، فانكشفوا، فجعل عبد الوهاب يَكُرّ فرسه، ثم ألقى بيضته عن رأسه، وصاح أنا عبد الوهاب بن بُخت من الجنة تَفِرّون، ثم تقدم في نحر العدوّ، فخَلَط القوم، فقُتِل

ص: 405

وقُتِل فرسه. وقال عمرو بن علي وغير واحد: قُتل مع البَطّال سنة (113)، وكذا أرّخه غير واحد. وقال علي بن عبد الله التميمي: قُتل مع البطال سنة (111).

أخرج له أبو داود، والنسائيّ، والمصنّف، وله عنده في هذا الكتاب هذا الحديث فقط.

5 -

(أَنَسُ بن مَالِكٍ) رضي الله عنه 3/ 24.

مسألتان تتعلقان بهذا الحديث:

(المسألة الأولى): في درجته:

حديث أنس بن مالك رضي الله عنه هذا إسناده ضعيف جدّا؛ لأن شيخ المصنّف منكر الحديث، بل كذّبه بعضهم، واتهمه بعضهم بالوضع، كما سبق في ترجمته، لكن المتن صحيح، كما سبق في الأحاديث الماضية.

(المسألة الثانية): في تخريجه: أخرجه (المصنّف) هنا (40/ 236) بهذا الإسناد فقط، ولم يُخرجه من أصحاب الأصول غيره، وأخرجه (أحمد) في "مسنده"(3/ 225)، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

{إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ} [هود: 88].

ص: 406