المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[فصل بيان أن الكفر بالطاغوت شرط لا يحصل الإسلام بدونه] - مصباح الظلام في الرد على من كذب الشيخ الإمام ونسبه إلى تكفير أهل الإيمان والإسلام - جـ ٢

[عبد اللطيف آل الشيخ]

فهرس الكتاب

- ‌[استنباط الأحكام غير موقوف على السماع]

- ‌[فصل بيان أن الكفر بالطاغوت شرط لا يحصل الإسلام بدونه]

- ‌[فصل في التوسل بالأنبياء والصالحين]

- ‌[فصل فيه مناقشة الشرك الواقع في مثل البردة للبوصيري]

- ‌[فصل في مخاطبة النبي بكاف الخطاب بعد موته والدعاء له عند قبره]

- ‌[فصل في بيان أن من دعا معبودا أو انتحل طريقة أنه لا يرى في ذلك محذورا]

- ‌[فصل في مناقشة وتضعيف رواية سيف بن عمر في ذكر قول الصديق عند دخوله على النبي صلى الله عليه وسلم بعد موته]

- ‌[فصل في الرد على المعترض بأن البوصيري إنما قصد الشفاعة يوم القيامة]

- ‌[فصل في بيان أن الشفاعة بيده سبحانه ملكا له خاصة وأن النبي فيها عبد مأمور لا مالك متصرف]

- ‌[فصل في رد زعم المعترض أن العلماء الأمناء تلقوا البردة بالقبول والرضا]

- ‌[الأرض لا تقدس أحدا ولا هي سبب لعينه وذمه]

- ‌[دفاع عن لغة تميم وبني حنيفة وبيان أن الشيخ من رؤس تميم]

- ‌[المدح والذم الشرعيين يتوجهان إلى الإيمان والكفر لا إلى سكنى الأرض أو الانتساب إلى قوم]

- ‌[فصل في بيان كذب المعترض في إيقاع وصف سفهاء الأحلام على أهل نجد]

- ‌[فصل في رد دعوى المعترض أن الشيخ جعل بلاد الحرمين بلاد كفر وبيان أن الإيمان لا يختص به بلد من البلدان]

- ‌[فصل في رد دعوى المعترض إجماع الأمة على قبول البردة والرضا بها]

الفصل: ‌[فصل بيان أن الكفر بالطاغوت شرط لا يحصل الإسلام بدونه]

[فصل بيان أن الكفر بالطاغوت شرط لا يحصل الإسلام بدونه]

فصل قال المعترض: (فصل: وقال في مسائله على توحيده في حديث طارق بن أشيم رضي الله عنه الذي في صحيح مسلم: " «من قال لا إله إلا الله وكفر بما يعبد من دون الله حرم ماله ودمه وحسابه على الله عز وجل» " (1) فقال عليه: وهذا من أعظم ما يبين لك (2) معنى "لا إله إلا الله! فإنه لم يجعل التلفظ بها عاصما للدم والمال، بل (3) ولا معرفة معناها مع لفظها، بل ولا الإقرار بذلك، بل ولا كونه لا يدعو إلا الله وحده لا شريك له، بل لا يحرم دمه وماله (4) حتى يضيف إلى ذلك الكفر بما يعبد من دون الله، هذا كلامه) (5) .

ثم قال: (فيا لها من مسألة ما أجلها، ويا له من بيان ما أوضحه، وحجة ما أقطعها للمنازع) . انتهى كلامه.

ثم قال المعترض: (فتفكر بعقلك هذا الكلام، وتفهم لقول

(1) أخرجه مسلم (23) .

(2)

ساقطة من (ق) .

(3)

ساقطة من (ق) .

(4)

في (ق) و (م) : "ماله ودمه ".

(5)

"هذا كلامه " ساقطة من (ق) و (م) .

ص: 261

رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله: " «من قال لا إله إلا الله» " ثم أعرض عليه كلام هذا الرجل وما حكم عليه به، حتى ترى مخالفته له أوضح من الشمس حيث حمله ما لا يحتمله عقلا ولا شرعا ولا لغة سواء جعلناه من عطف الخاص على العام.

كقوله تعالى: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى} [البقرة: 238][البقرة / 238] .

وقوله: من (1){كَانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ} [البقرة: 98][البقرة / 98] .

أو جعلنا الواو واو الحال، أو جعلنا الواو شرطا فيكون تأكيد أو تحقيقا لما (2) يلزم باللفظ بشهادة الإخلاص؟ لأنها المطلوبة بما تضمنته في (3) جميع الأحاديث، وهي المنجية من الخلود في النار. وفي مسند البزار عن عياض الأنصاري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " «إن لا إله إلا الله كلمة على الله كريمة، لها عند الله مكان، وهي كلمة من قالها صادقا أدخله الله الجنة، ومن قالها كاذبا حقنت دمه، وهو إلى الله تعالى غدا فمحاسبه» (4) وعند البيهقي، وصححه البزار، والطبراني في معجميه (5) وأبى نعيم في "الحلية" عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " «من قال لا إله إلا الله نفعته يوما

(1) في (الأصل) و (ح) و (المطبوعة) زيادة: " قل من "، وهو خطأ.

(2)

في بقية النسخ: "لم".

(3)

ساقطة من (ق) .

(4)

أخرجه البزار، انظر: كشف الأستار (1 / 10، ح 4) .

(5)

في (ق) و (م) : " معجمه"، وفي (ح) :" مجمعه ".

ص: 262

من دهره (1) يصيبه قبل ذلك ما أصابه» " (2) وعند أبي داود بسند حسن، من حديث أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "«ثلاث من أصل الإيمان: الكف عمن قال لا إله إلا الله، ولا نكفره بذنب؟ ولا نخرجه من الإسلام بعمل، والجهاد ماض منذ بعثني الله إلى أن يقاتل آخر أمتي الدجال، لا يبطله جور جائر ولا عدل عادل، والإيمان بالأقدار» " (3) .

فهذا قول رسول الله (4) صلى الله عليه وسلم، وهذا الرجل يقول: لا ينفعه التلفظ بها، بل ولا معرفة معناها. إلى آخر كلامه، فإذا كان التلفظ بها مع معرفة معناها والإقرار بها وكونه لا يدعو إلا الله وحده لا شريك له، لا يعصم دمه وماله بذلك فما العاصم له حينئذ من هذا الرجل على كلامه على (5) هذا؟ فلا أكبر حينئذ من ذلك لله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم محادة ومحاربة ومكابرة ومضادة، فإن هذا الرجل بهذا الكلام لم يجعل الكفر بالطاغوت داخلا في كلمة الإخلاص، كما تراه واضحا فاضحا من قوله، ولو كان فقيها لعلم أن هذا كما لو شرط في عقد ما يقتضيه العقد زيادة تحقيق إذا

(1) في بقية النسخ: "دهر".

(2)

أخرجه البزار، كما في كشف الأستار (1 / 10، ح 3) ، والطبراني في الصغير (ح / 385) ، وذكره المناوي في فيض القدير (5 / 189) ، وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد (1 / 17)، وقال: رواه البزار والطبراني في الأوسط الصغير ورجاله رجال الصحيح.

(3)

أخرجه سعيد بن منصور (2 / 176) ، ومن طريقه أبو داود (2532) ، ومن طريقه البيهقي في الكبرى (9 / 156) ، وأخرجه أبو يعلى (7 / 287) ، وفي سنده مجهول.

(4)

في (م) : " الرسول".

(5)

ساقطة من (م) .

ص: 263

جعلنا الواو شرطا، وهو بكلامه هذا جعلها (1) شرطا زائدا عليها، فما فائدة إذا تسميتها بكلمة الإخلاص؟ فأين المسلم حينئذ عنده؟ وهذا من جملة خزعبلاته، وجهله بلغة العرب، وتحكيمه لعقله على دقله وجهله، فأبو جهل حينئذ وناديه أعلم منه بلا إله إلا الله، فإنها تنفي جميع ما عبد من دون الله تعالى، حين دعاهم (2) صلى الله عليه وسلم إليها، فصفقوا (3) بأيديهم، وقالوا:{أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا} [ص: 5][ص / 5]

أفيقول قول هذا الرجل عاقل؟ فهذا الرجل ينطق لسانه بما لا يحكم (4) جنانه، أو ما علم في حديث طارق بعينه أنه متضمن شهادة أن محمدا رسول الله؟ ومن لوازمها، كما نص عليه العلماء الأمناء، والعجب ممن يعظم هذا الكلام كما عظمه صاحبه، ولا يرى ظهور غائلته، فهلا قال صلى الله عليه وسلم لأسامة بن زيد حين قتل الرجل بعد أن قال لا إله إلا الله: أكفر بما يعبد من دون الله، بعد أن شهد أن لا إله إلا الله؟ بل قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم:" «كيف تصنع بلا إله إلا الله إذا جاءت يوم القيامة؟ " حين (5) قال أسامة: "إنما قالها تعوذا من القتل " فجعل صلى الله عليه وسلم يردد عليه: "كيف تصنع بلا إله إلا الله إذا جاءت يوم القيامة"، وهو يقول: يا رسول الله استغفر لي، حتى تمنى أسامة رضي الله عنه أنه (6) أسلم

(1) في (م) : "جعله ".

(2)

في (ق) و (م) زيادة: " النبي ".

(3)

في (ح) : "فصيفقوا".

(4)

في (ق) : "يحكمه ".

(5)

في (ق) : "حيثما".

(6)

في (ق) و (م) : "أنه أسلم حينئذ "، وفي (ح) و (المطبوعة) :"أن لم يكن أسلم يومئذ ".

ص: 264

يومئذ،» والحديث جميعه في الصحيحين (1) وكذا (2) حديث أبي هريرة في الشفاعة، وقصة النعلين (3) وحديث عبادة بن الصامت (4) وحديث عثمان بن عفان رضي الله عنه (5) والكل في الصحيحين، لا نطيل بذكرها وقد ذكرناها في "غسل الدرن، مستوفاة) .

والجواب أن يقال: في نسبة التوحيد إليه أعني إلى شيخنا: ما يشعر ببراءة (6) هذا الرجل منه، والكتاب الذي يشير إليه ليس فيه إلا كلام الله وكلام رسوله، أورده المصنف رحمه الله مستدلا به على ما وضع من الأبواب والتراجم، فالبراءة منه براءة من كتاب الله وسنة نبيه (7) ولا شك في كفر من قصد ذلك، ولا أرى لقول المعترض في عبارته:(أن الشيخ ذكره في مسائله على توحيده) إلا ما يشعر بهذا، والله أعلم بقصده ومراده.

(1) أخرجه البخاري (4269، 6872) ، ومسلم (96، 97) ، وأبو داود (2643) .

(2)

في (ح) و (المطبوعة) : "وكذلك ".

(3)

أخرجه البخاري (99، 6570) في الشفاعة (من أسعد الناس بشفاعتك) ، ومسلم (31) في قصة النعلين.

(4)

أخرجه مسلم (28، 29)، اللفظ الأول: من قال أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله، وأن عيسى عبد الله وابن أمته وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه، وأن الجنة حق وأن النار حق أدخله الله من أي أبواب الجنة الثمانية شاء"، واللفظ الثاني: "من شهد أن لا اله إلا الله وأن محمدا رسول الله حرم الله عليه النار".

(5)

أخرجه مسلم (26)، ولفظه:"من مات وهو يعلم أنه لا إله إلا الله دخل الجنة ".

(6)

في (ح) و (المطبوعة) : " ببراء".

(7)

في (ق) : "رسوله ".

ص: 265

وتقرير الشيخ على هذا (1) الحديث من أحسن التقارير (2) وأدلها وأبينها، فإنه استدل بالجملة المعطوفة الثانية على أن الكفر بالطاغوت وما عبد من دون الله (شرط في تحريم الدم والمال، وأن لا عصمة بمجرد القول والمعرفة ولا بمجرد ترك عبادة ما عبد من دون الله)(3) بل لا بد من الكفر بما عبد من دون الله، والكفر فيه بغضه (4) وتركه، ورده، والبراءة منه ومعرفة بطلانه، وهذا لا بد منه في الإسلام.

قال تعالى: {فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ} [البقرة: 256](5)[البقرة / 256] .

فجمع بين الإيمان بالله والكفر بالطاغوت في هذه الآية ولها نظائر في كتاب الله.

كقوله تعالى عن إبراهيم: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ - إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ} [الزخرف: 26 - 27][الزخرف / 26، 27]

فدلت هذه الآية وما قبلها على أن الكفر بالطاغوت شرط لا يحصل (6) الإسلام بدونه، وهكذا هذا الحديث مثل هذه الآيات، فان الإيمان بالله هو شهادة لا إله إلا الله، ومع ذلك ذكر الكفر بالطاغوت معه في حصول الاستمساك بالعروة الوثقى.

(1) ساقطة من (ق) .

(2)

في (ح) : "تقارير".

(3)

ما بين القوسين ساقط من (ق) .

(4)

في (ح) : (بغضه)، وفي (م) :"فيه وبغضه "، وفي (ق) و (المطبوعة) :"به وبغضه ".

(5)

في (ق) و (ح) و (المطبوعة) زيادة: فقد استمسك بالعروة الوثقى.

(6)

في (ق) : "لا يصلح ".

ص: 266

وقد يفرد الإيمان ويخص بالذكر، فيدخل فيه الكفر بالطاغوت، كشهادة أن لا إله إلا لله، فإنها دالة على الإيمان بالله المتضمن للكفر بالطاغوت وعبادة الله وحده لا شريك له.

وقد يجمع بينهما كما (1) في حديث طارق، فيستفاد معنى زائد وحكم آخر، سواء كانت الجملة الثانية مؤكدة أو مؤسسة، وأيضا فإن دلالة الألفاظ والأسماء تختلف في حال اقترانها وانفرادها، ومعلوم أن الجملة المعطوفة أفادت فائدة أخرى، وحصل بها حكم لم يحصل بالجملة الأولى، (على القول بأنها مؤسسة، وكذا القول بأنها مؤكدة. فإن النفي في الجملة الأولى)(2) يتضمن الكفر بما عبد من دون الله على وجه العموم المستفاد من النفي، وفي الجملة الأخرى خصت أحد (3) المعاني المستفادة من الجملة الأولى، تنبيها على أنه أجل معانيها وأهمها وهذا مشهور في كلام الله وكلام رسوله وكلام العرب.

وقول الشيخ: إنه لا يحرم دمه وماله حتى يضيف إلى ذلك الكفر بما يعبد من دون الله هو نص الحديث ومنطوقه وصريحه.

وهذا المفتري يقول: (حمله ما لم يحتمل، وخالفه خلافا أوضح من الشمس) ، فأي جهل وكذب ومكابرة ورد للنصوص أعظم من هذا؟ فنعوذ بالله من الجهل والعمى، والضلال بعد الهدى، وإنكار ما قاله شيخنا مما دل عليه النص هو الباطل شرعا وعقلا ولغة.

ولو جعلناه من عطف المرادف، أو عطف الخاص على العام فهو

(1) ساقطة من (ح) .

(2)

ما بين القوسين ساقط من (ق) .

(3)

في (ح) : "إحدى".

ص: 267

دال على كل تقدير بمنطوقه على أن الكفر بالطاغوت وما عبد من دون الله لا بد منه في الإيمان والإسلام؟ ولا عصمة للدم والمال إلا بذلك، وإنكار هذا مكابرة ظاهرة.

فإن الكفر بما عبد من دون الله إن كان من مدلول الجملة الأولى، والثانية مؤكدة فالحكم الذي قرره الشيخ ثابت بالأولى، مؤكد بالثانية، وهذا أقوى في الدلالة على ما قاله وما قرره، وليس فيه ما يستريح به هذا المعترض؛ لكنه لا يتأتى على قواعد العربية، لأن الحال وصف فضلة مفهم للحالية؟ ويشترط في كون الجملة حالا شروط لا تتأتى هنا (1) فقوله:(أو جعلنا الواو شرطا أو للحال) كلام جاهل بقواعد العربية لا يدريها، فالواو لا تقع شرطا، وإنما تقع للعطف والتشريك، والجملة بعدها لا تصح أن تكون للحال، فإنها جملة فعلية ماضوية لا تقع (2) حالا، ولغير ذلك من موانع الحالية كما يعلم من باب الحال في "الخلاصة" وغيرها من كتب العربية.

وهذا الغمر يرمي أتباع الشيخ بعدم العلم بالعربية، وهو فيها (3) أشد لحنا، وأفسد تركيبا من البربر والديلم، أين أنت ومعرفة معاني الحروف والتراكيب؟

ليس ذا (4) عشك ادرجي.

(1) ساقطة من (ح) .

(2)

في بقية النسخ: "تفهم".

(3)

في (ق) : "فيا".

(4)

ساقطة من (الأصل) و (ح) و (ق) ، والصواب إثباتها.

ص: 268

وقوله: "لما يلزم باللفظ بشهادة الإخلاص" فيه جهل عظيم، لأن شهادة أن لا إله إلا الله دلت على الكفر بما عبد من دون الله تضمنا لا التزاما؟ ولم يقل أحد من المسلمين والعرب: إنها دلت على ذلك التزاما إلا على قول (1) طائفة ضالة من المتكلمين، يزعمون أن معناها: لا قادر على الاختراع إلا الله، وأما كون شهادة الإخلاص هي المنجية من الخلود في النار فنعم، ولكن لا بد من العلم واليقين، وحصول ما دلت عليه من النفي والإثبات، وهذا لنا لا علينا؟ وهو يشهد لهذا الحديث الذي فيه زيادة:"وكفر بما يعبد من دون الله ".

وقد قدمنا أن شهادة الإخلاص دالة على الكفر بالطاغوت في حال إفرادها، وكذلك في حال اقترانها بغيرها.

فهذه الأحاديث التي ساق المعترض كلها لنا بحمد الله، دالة على ما قرره شيخنا ونص عليه في حديث طارق، شاهدة له (2) مقررة لمعناه، كحديث عياض، وحديث أبي هريرة، وكذلك حديث أنس، كل هذا يدل على أن الكفر بالطاغوت لا بد منه في عصمة المال والدم.

والمعترض أوردها محتجا بها على دعواه أن اشتراط الكفر بما يعبد من دون الله من زيادات شيخنا، وأنه مخالف للأحاديث، وأنها لا تحتمله عقلا ولا شرعا ولا لغة، وإنما المراد مجرد لفظها والوعد بالجنة والانتفاع بها، وعدم تكفير قائلها وإخراجه من الإسلام، كل هذا عند المعترض لا يشترط فيه الكفر بما يعبد من دون الله المذكور في حديث طارق،

(1)"على قول" ساقطة من (ق) .

(2)

ساقطة من (ح) .

ص: 269

وجعل نص الحديث ومنطوقه مما لا يدل عليه حديث طارق ولا هذه الأحاديث، فلا يشترط الكفر بالطاغوت عنده (1) بل هو من زيادات شيخنا، ومن الخزعبلات عند هذا المعنى وعلى زعمه، والحديث مشهور عند أهل العلم، فجعله من الخزعبلات، مع العلم بأن الرسول قد قاله ردة صريحة عند كافة أهل الفقه والفتوى، فسبحان من طبع على قلبه بحكمته، وجعل ثيران المدار، أهدى منه لمعرفة ما يدل على توحيد العزيز (2) الغفار.

وأما قوله: (في حديث أنس: " «ثلاث من أصل الإيمان» - إلى قوله- «ولا نخرجه من الإسلام بعمل» ") ، فالصحيح وقفه، وليس من المرفوع (3) والجملة الأخيرة وهي قوله (4)"والجهاد ماض منذ بعثني الله " فهي تروى.

وأما قوله: (وهذا الرجل يقول: لا ينفعه التلفظ بها ولا معرفة معناها) .

فهذا كذب، لم يقل: لا ينفعه، وإنما قال شيخا:(فإنه لم يجعل التلفظ بها عاصما للدم والمال، بل ولا معرفة معناها (5) فحرف هذا المفتري (6) وبهت الشيخ بقول (7) لم يصدر، مع (8) أنه حكى قوله بنفسه، فنعوذ بالله من جهد البلاء.

(1) ساقطة من (ق) .

(2)

ساقطة من (ق) و (م) .

(3)

لم أقف على من أخرجه موقوفا، وأظن أن المؤلف هنا وهم، والحديث في سنده مجهول وقد سبق تخريجه.

(4)

ساقطة من (ق) و (م) .

(5)

في (ح) : " معناه"، دون " معرفة ".

(6)

في (ق) : " المعترض ".

(7)

في (ح) : "بقوله ".

(8)

في (المطبوعة) : "منه "، وفي (ح) :"معه ".

ص: 270

وأما قوله: (فإذا كان التلفظ بها مع معرفة معناها والإقرار بها وكونه لا يدعو إلا الله وحده لا شريك له لا يعصم ماله ودمه (1) بذلك فما العاصم له حينئذ من هذا الرجل على كلامه) .

فنقول: الكلام كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم، هو الذي جاء بهذا من عند الله تعالى وتقدس؟ واشترط الكفر بما عبد من دون الله في عصمة المال والدم، مع المعرفة والتلفظ، وكونه لا يدعو إلا الله، فمن رد ذلك فقد رد على عبد الله ورسوله محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم النبي العربي الأمي الذي بشرت به الأنبياء، وقامت الأدلة القاطعة والبراهين الساطعة على رسالته وصدق مقالته، فمن رد ذلك فهو المحاد لله ورسوله، المحارب له، المكابر لنصوصه، لا من آمن به وأخذ بقوله ودعا إليه الناس وبلغه الأمة.

إذا عرفت هذا، فقول المعترض:(فهذا الرجل بهذا الكلام لم يجعل الكفر بالطاغوت داخلا في كلمة الإخلاص) ، فيه رجوع عن قوله الأول، وهدم لأساسه وقاعدته، وقد تقدم حكاية قوله الصريح في رد اشتراط هذا في عصمة (المال والدم)(2) ثم رجع القهقري وانحط إلى وراء، وزعم أن الشيخ لم يدخل الكفر بالطاغوت في كلمة الإخلاص، فأين هذا من تقريره الأول؟ والشيخ لم ينف دخوله، وإنما اشترطه في عصمة المال والدم، وذكر أنه نص الحديث، وأن حديث طارق أفاد أن هذه الجملة بخصوصها لا بد منها، ولم يتعرض لنفي دلالة كلمة الإخلاص عليها، ولا في كلامه ما يفهم منه ذلك، بل فيه ما يؤيده.

(1) في (ق) و (م) : "دمه وماله ".

(2)

ما بين القوسين ساقط من (ق) .

ص: 271

ويقال لهذا: إن رجعت عن دعواك الأولى وأقررت أن الكفر بما يعبد من دون الله لا بد منه في العصمة، فما هذا الاعتراض والطعن والذم لمن اشترطه وقال به؟ .

وما أحسن قوله تعالى: {وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْحُبُكِ - إِنَّكُمْ لَفِي قَوْلٍ مُخْتَلِفٍ - يُؤْفَكُ عَنْهُ مَنْ أُفِكَ - قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ - الَّذِينَ هُمْ فِي غَمْرَةٍ سَاهُونَ} [الذاريات: 7 - 11][الذاريات / 7 - 11] .

فنزل هذه الآيات وأمثالها على هذا المعترض وأشباهه تجد فيها من وصفهم وعيبهم وذمهم بالاختلاف، وتدافع الأقوال ونفى العلم واليقين، وأنه لم يحصل لهم إلا مجرد خرص وخدس، ليس من العلم في شيء، وأنهم في غمرة السهو والجهل، وعدم الإيمان، فمتى تتفق أقوالهم؟ وتسلم عقولهم (وتعلم قلوبهم)(1) ؟ وتنشرح صدورهم آيات الحق وداعيه؟

فيا لك من آيات حق لو اهتدى

بهن مريد الحق كن هواديا

ولكن على تلك القلوب أكنة

فليست وإن أصغت تجيب المناديا

ومن تناقضه وتدافع أقواله، قوله:(ولو كان فقيها لعلم (أن هذا كما لو شرط في عقد ما يقتضيه العقد زيادة تحقيق)(2) .

فإن هذا يهدم ما قبله إن كانت كلمة الإخلاص تقتضي هذا وتدل على أن الكفر بما يعبد من دون الله لا بد منه، فما هذه الخصومة؟ وكيف تقول فيما قبل:(إن مخالفته للحديث أوضح من الشمس، وأنه حمله ما لا يحتمله عقلا ولا شرعا ولا لغة؟) فما هذا التناقض؟ تذكر المخالفة وتزعم أنها واضحة، وأن الحديث ما دل على ما قاله الخصم ثم ترجع

(1) ما بين القوسين ساقط من (ق) .

(2)

ما بين القوسين ساقط من (ق)) .

ص: 272

وتقول: (هذا كما لو شرط في عقد ما يقتضيه العقد زيادة تحقيق؟) .

فتبا لك آخر الدهر، أين الفقه الذي تدعيه؟ لو صحت العقول لعدك السامع لهذا من صنف المعتوهين، ومن أهل الهذيان لا من أهل الفقه والبيان.

وإذا دلت عليها الجملة الأولى فالمعنى حينئذ واحد، والشيخ ما نفى دلالة الأولى على المعنى المراد، وإنما قرر أن الجملة الثانية فيها مزيد بيان وتوضيح يستفيده الذكي والبليد، والضعيف والشديد، وهذا محض الفقه، ومن أنكره فهو الجاهل بلغة العرب واصطلاح (1) الشرع، المحرف للكلم عن مواضعه، المصادم للأحاديث النبوية بالحرفة اليهودية.

وكلامه ومسبته للشيخ عنوان على علم الشيخ وفضله ومخالفة عقله لعقله، ولو أثنى عليه هذا الملحد لشك بعض الناس في فضل الشيخ، وقال: أي جامعة بينهما؟ كما أن سفهاء الجاهلية وسقطهم بينهم وبين الرسل والصديقين أشد منافرة (2) وأعظم مباينة، وبين المؤمنين والمنافقين كذلك.

قال تعالى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا كَمَا آمَنَ النَّاسُ قَالُوا أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاءُ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاءُ وَلَكِنْ لَا يَعْلَمُونَ} [البقرة: 13][البقرة / 13] ، ووصفهم بالاستهزاء بأوليائه وعباده.

ثم قال: {اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ} [البقرة: 15][البقرة / 15] .

وكذلك هذا الرجل صرح بالاستهزاء بتوحيد الله وبمن قاله، ووصفه بدقل العقل والجهل.

(1) في (م) : "وإصلاح".

(2)

في (ح) : " مناخرة".

ص: 273

فسبحان من اقتضت حكمته، وجود ورثة وأتباع لأعدائه وأعداء (1) رسله، كما اقتضت وجود أوليائه وأتباع رسله، ومضت إرادته تعالى ومشيئته بوجود الضدين واجتماع الجنسين، إلى أن يأتي أمر الله وهم في خصومة يختصمون في ربهم، وسيحكم بينهم بعدله ويزيد أولياءه من رحمته وفضله.

وأما قوله: (فأبو جهل حينئذ وناديه أعلم منه بلا إله إلا الله) .

أقول: جوابه: أن من تفكر (2) في قوله تعالى: {فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ - إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ - الَّذِينَ يَجْعَلُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ - وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ - فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ - وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ} [الحجر: 94 - 99][الحجر / 94 - 99] لم يبق في صدره حرج ولا ضيق من سفاهة الجاهلين، واستهزاء المستهزئين، وإلحاد الضالين.

والله سبحانه يعلم من الذي أبو جهل وناديه أعلم منه بلا إله إلا الله، أهو من يدعو الناس إلى عبادة الله وإسلام الوجوه له، وترك التعلق على الأنداد والشفعاء والشركاء، أو هو من قام يدعو إلى عبادة الصالحين، والجن والشياطين، ويجهل من أنكر عليهم ويعاديه، ويرميه بأنه كفر الأمة أهل لا إله إلا الله، وأن من عبد عليا والحسين والعباس وعبد القادر وأمثالهم هم (3) خير أمة أخرجت للناس، وهم الذين عمروا المساجد، وهم وهم وهم؟ .

(1) في (ق) : " وأتباع ".

(2)

في (ق) و (م) : " تذكر ".

(3)

ساقطة من (ق) و (م) .

ص: 274

وسيعلم هذا إذا انكشف الغطاء، وآن الرحيل واللقاء، ماذا جنى على نفسه؟ وفي أي الموارد أوردها؟ وأي المهالك ساقها إليه وأنزلها؟ .

وفي الحديث: " «يرحم الله موسى لقد أوذي بأكثر من هذا فصبر» "(1) ومن وقف على ما قالته الرافضة في السابقين الأولين، (من المهاجرين)(2) والأنصار وأكابرهم (3) وسادتهم، كأبي بكر وعمر وعثمان، لم يستغرب ما يجري من أهل المعاندة والفجور، المعروفين بالقحة وشهادة (4) الزور.

اللهم إنا فارقناهم في مرضاتك، وعاديناهم لجلال ذاتك، فحل بيننا وبين من أشرك بك، وصد عن سبيلك، وجحد توحيدك، وعادى أولياءك.

اللهم إنا نتوسل إليك بتوحيدك الذي أنكره (5) المشركون ألا تجمع بيننا وبينهم في دار الهوان والشقاء، اللهم إن عبدك ورسولك الصادق المصدوق، قال فيما صح عنه " «المرء مع من أحب» "(6) .

اللهم إنا نشهدك، ونشهد ملائكتك، وأولي العلم من خلقك على محبتك، ومحبة رسلك، وأوليائك، وعبادك الصالحين.

(1) أخرجه البخاري (6095) ، ومسلم (1063) ، والترمذي (3896) .

(2)

"من المهاجرين " ساقطة من (ح) .

(3)

في (ق) : "كبار".

(4)

ساقطة من (م) .

(5)

في (ق) و (م) : "جحده".

(6)

أخرجه البخاري (6168، 6171) ، ومسلم (2640) ، والترمذي (2386، 2387) .

ص: 275

اللهم فاجعلنا مع الذين أنعمت عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين.

اللهم رحمتك نرجو ومغفرتك نأمل (1) فلا تخيب رجاءنا وحقق فيك آمالنا.

وما أحسن ما قال الشافعي رضي الله عنه: "ما أرى الناس ابتلوا بشتم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا ليزيدهم الله بذلك ثوابا عند انقطاع أعمالهم"(2) .

وأما قول المعترض: (إن حديث طارق بعينه متضمن شهادة أن محمدا رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن لوازمها) .

فيقال: ومن نفى ذلك؟ ومن الذي رده؟ وإذا تضمن الشهادة بالرسالة فتضمنه للكفر بما عبد من دون الله أولى، فما هذا الإنكار والجهل الجهار؟ .

وأما حديث أسامة: ففيه وفي أمثاله من الأحاديث التي دلت على الكف عمن قال: "لا إله إلا الله ". دلالة على أن الكفر بما يعبد من دون الله لا بد منه، وإنما اختلفت دلالة الألفاظ ومعانيها، في حالة الأفراد والاقتران، كما تقدم.

وأيضا يقال لهذا: إن أنكرت دلالة: "لا إله إلا الله " على الكفر بما يعبد من دون الله أبطلت كلامك الذي قبل هذا بأسطر، ورجعت إلى (3)

(1) في (ق) و (م) : "نؤمل ".

(2)

انظر: "تبيين كذب المفتري "ص (424) .

(3)

في (م) : "على ".

ص: 276

بنائك بالهدم، وإن أثبتها وجعلت كلمة الإخلاص دالة عليه بطل اعتراضك على الشيخ؟ لأن حاصل تقريره وكلامه: أن هذا لا بد منه في عصمة المال والدم، فلا ندري ما هذا الروغان؟!

جهد المغفل في الزمان مضيع

وإن ارتضى أستاذه وزمانه

كالثور في الدولاب يسعى وهو لا

يدري الطريق فلا يزال مكانه

وأما حديث أبي هريرة في الشفاعة، وحديث عبادة، وحديث عثمان:

فكلها دالة على وجوب الكفر بما عبد من دون الله، إما تضمنا أو مطابقة، وهذا المعترض لا يعقلها وإن أوردها، وكيف يعقلها من عادى أهلها وعابهم، ونصر من خالفها، ونقضها وردها؟ وقال تعالى:{مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا} [الجمعة: 5][الجمعة / 5]

وقال تعالى: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ - وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا (1) فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} [الأعراف: 175 - 176][الأعراف / 175، 176](2)

(1) في (ق) : (بآيات الله) ، وهو خطأ.

(2)

في (ق) و (م) : زيادة ساء مثلا القوم الذين كذبوا بآيتنا وأنفسهم كانوا يظلمون.

ص: 277