الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[فصل في التوسل بالأنبياء والصالحين]
فصل وقال المعترض: (ومن ذلك قوله في شبهة قال فيها: وأما الجواب المفصل فإن أعداء الله لهم اعتراضات وشبه كثيرة على دين الرسل، [107] ، يصدون بها الناس عنه، منها قولهم: نحن لا نشرك بالله شيئا؛ بل نشهد أنه لا يخلق ولا يرزق ولا ينفع ولا يضر إلا الله وحده لا شريك له؟ فضلا عن عبد القادر وغيره، ولكن أنا مذنب والصالحين (1) لهم جاه عند الله وأطلب من الله تعالى بهم، فجاوبه بما تقدم وأقرأ عليهم ما ذكر الله في كتابه، إلى أن ذكر قوله تعالى:{أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ} [الإسراء: 57] الآية [الإسراء: 57] .
إلى أن قال: (فإن قال الكفار يريدون منهم وأنا أشهد (2) أن الله هو النافع الضار المدبر، لا أريد إلا منه، والصالحين (3) . ليس لهم من الأمر شيء، ولكن أقصدهم أرجو الله بشفاعتهم.
فالجواب: أن هذا قول المشركين سواء بسواء، فاقرأ عليه قوله
(1) كذا بالأصل، وفي بقية النسخ:"والصالحون".
(2)
في (ق) و (ح) و (المطبوعة) : "وإن شهد ".
(3)
كذا بالأصل، وفي بقية النسخ:"والصالحون".
تعالى: {وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ} [الزمر: 3][الزمر: 3] انتهى كلامه.
ثم قال المعترض: (فجعل بكلامه هذا- كما ترى- التوسل بذات الصالحين، والرسل عليهم الصلاة والسلام، وطلبه جل وعلا بأوليائه من دين المشركين الشرك الأكبر المخرج من الملة، وكفر به- كما ترى- صريحا من قوله، فصار حينئذ كلامه عن الرد عليه مريحا في (1) فإذا علمت أن أهل الغار الذين حديثهم في الصحيحين (2) كنطق القرآن لأنه صلى الله عليه وسلم لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى؟ وقد توسلوا إلى الله تعالى بصالح أعمالهم فأنجاهم الله تعالى بذلك، وأزاح عنهم الصخرة بقدرته الكاملة التي خلق الصخرة بها وأوجدها وجبلها التي هي منه، حتى خرجوا.
وقوله صلى الله عليه وسلم في حديث السنن في الدعاء للقاصد للصلاة: " «لا أسألك بحق السائلين عليك وبحق ممشاي هذا» "(3) وقد قال تعالى: {وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ} [الصافات: 96][الصافات: 96] .
وقد قرن في (4) ذلك بلفظ واحد جل ذكره، وتقرر عندك، هل ترى
(1)(ح) : (صريحا) .،.
(2)
أخرجه البخاري (2272، 3465) ، ومسلم (2743) .
(3)
أخرجه ابن ماجه (778) ، وأحمد (3 / 21) ، وضعفه الألباني في السلسلة الضعيفة (24) .
(4)
(ق) : " قرأت ".
أعمال بني آدم أفضل عند الله تعالى من (1) ذات سيد البشر صلى الله عليه وسلم؟ مع أن (2) في حديث الأعمى الذي في السنن، وصححه الترمذي من حديث عثمان بن حنيف رضي الله عنه ورواه الطبراني، والحاكم، والبيهقي (3) عن عثمان بن حنيف أنه علمه رجلا له عند عثمان بن عفان (4) حاجة، فتعسر قضاؤها في خلافته رضي الله عنه، فقال (5) الرجل، فتيسرت حين توسل إلى الله تعالى بنبيه صلى الله عليه وسلم فهل ترى الصحابة رضي الله عنهم يُعَلِّمُون الناس الشرك الأصغر؟ فضلا عن الأكبر كما يقوله هذا الرجل صريحا؟ أو ترى سلف الأمة الصالح وعلماءهم (6) يَرْوُون وينقلون لأمته أفعال الشرك وأقواله ليعملوا به أو يجيزون ذلك أو روايته؟ سبحان الله ما أعمى عين الهوى عن الهدى) .
والجواب أن يقال: أما تسميته مصنف شيخنا في رد ما احتج به المشركون "شبها" مع أنه استدل بالكتاب السنة وتمسك بهما: فهذا من أعظم الجراءة على ما يوجب ردة قائله وكفره، فإن من قال في القرآن ما دون هذا مما يشعر برده أو نقضه، مجمع على كفره وردته، ولا خلاف بين أهل العلم (7) في ذلك.
(1) في (ق) : "عندك في ".
(2)
ساقطة من (ح) .
(3)
أخرجه أحمد (4 / 138) ، والترمذي (3578) ، وابن ماجه (1385) ، والحاكم (1 / 313) ، والطبراني في الكبير (3 / 2) .
(4)
"بن عفان" ساقطة من (ق) و (م) .
(5)
في (ح) زيادة: " له".
(6)
في (ح) و (المطبوعة) : (وعلماءها) .
(7)
في (ق) و (المطبوعة) زيادة: "والحق".
وما ذكره الشيخ من أن أعداء الله لهم اعتراضات وشُبَه كثيرة على دين الرسل يصدون بها الناس فهو حق.
ومصداقه في كتاب الله قوله تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ - وَلِتَصْغَى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُوا مَا هُمْ مُقْتَرِفُونَ} [الأنعام: 112 - 113](1)[الأنعام: 112 - 113] وقال تعالى: {وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ} [الأنعام: 121][الأنعام: 121] .
وقول الشيخ: (منها قوله: نحن لا نشرك بالله شيئا، بل نشهد أنه لا يخلق، ولا يرزق، ولا ينفع، ولا يضر إلا الله وحده لا شريك له، فضلا عن عبد القادر وغيره، ولكن أنا مذنب، والصالحين (2) لهم جاه عند الله، وأطلب من الله تعالى بهم، فجاوبه بما تقدم، واقرأ عليهم (3) ما ذكر الله في كتابه) ، فهذا الكلام الذي حكاه الشيخ عنهم قد حكاه شيخ الإسلام عن كثير ممن يدعي الإسلام، ومن الصوفية، وذكر أنهم ظنوا أن الفناء في هذا التوحيد الذي هو توحيد الربوبية، هو الغاية التي ينتهي إليها السالكون، وقرر أن هذا لا يدخل به العبد في الإسلام، بل لا بد أن يكون الله وحده (4) محبوبه الذي يألهه
(1) ما بين القوسين مختص من الآية في (م) بكلمة: "الآية".
(2)
كذا بالأصل، وفي بقية النسخ:"والصالحون".
(3)
في بقية النسخ: "عليه".
(4)
ساقطة من (ق) .
ويخضع له، وينيب إليه، ويسلم له وجهه، ويتوكل عليه، ويستغيث به، ويفزع إليه في حاجاته ومهماته ولا يكون له في عباداته شريك، وقرر أن هذا هو حقيقة الإسلام وهو مدلول "لا إله إلا الله " وهو الذي دعت إليه الرسل، وصار النزاع والخصومة فيه.
كما قال تعالى: {وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ} [الزخرف: 45][الزخرف: 45] .
فنفى سبحانه جعل آلهة يعبدهم الناس، ويفزعون إليهم، وأن الرسل كلهم نافون مبطلون لما ادعته المشركون من شرع اتخاذ الآلهة، وجعلها أندادا، والمقصود بالنفي هو الجعل الديني الشرعي، لا القضائي (1) القدري الكوني، وأما الإقرار بأن الله هو الخالق الرازق المدبر، فهذا قد أقر به المشركون، كما ذكر الله ذلك عنهم في غير آية، كما في سورة يونس، والمؤمنون، وسورة النمل (2) والزخرف، وغيرها من سور القرآن. وقول من يدعو الصالحين:(أنا مذنب؟ والصالحون لهم جاه) ، هو بعينه قول المشركين، كما ذكره غير واحد: أنهم عللوا إباحة شركهم واستحسانه، بأن العبد المذنب لا يصلح لمخاطبة الرب والدخول [109] ، عليه إلا بواسطة من العبد الصالح المقرب، وأنه إذا علق أمله بالصالحين أو الملائكة فاض عليه من الإفاضات التي تحصل لهم، ومثلوا ذلك بانعكاس الشعاع من الأجسام الصقيلة، كما ذكره الفارابي وغيره من دعاة المشركين.
(1) في (ق) و (م) و (ح) : "القضاء".
(2)
في (المطبوعة) زيادة: " الزمر (39: 36 46) .
ومثل هذا يجاب عليه (1) بما ذكره شيخنا رحمه الله: من أن هذا بعينه هو قصد المشركين ومرادهم، وهو الذي دعاهم إلى عبادة الأنبياء والصالحين والتعلق عليهم لأجل الجاه والشفاعة.
قال تعالى: {وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لَا يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} [يونس: 18][يونس: 18] .
وأخبر تعالى عن قصدهم ومقالتهم، وأنكرها عليهم، وأخبر أنه لا يعلم وجود شفيع يشفع (2) عنده لا في السماوات ولا في الأرض، وما لا يعلمه فهو (3) مستحيل الوجود، فنزه نفسه عن هذا الشرك المنافي للعبودية التي هي الحكمة في إيجاد البرية.
وقال تعالى: {وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى} [الزمر: 3][الزمر: 18] وقال تعالى: {فَلَوْلَا نَصَرَهُمُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ قُرْبَانًا آلِهَةً بَلْ ضَلُّوا عَنْهُمْ وَذَلِكَ إِفْكُهُمْ وَمَا كَانُوا يَفْتَرُونَ} [الأحقاف: 28][الأحقاف: 28] .
إذا ظهر هذا وعرفت أن كلام الشيخ متجه، لا غبار عليه.
فاعلم أن قول هذا الملحد: (فجعل بكلامه هذا -كما ترى- التوسلَ بذات الصالحين، والرسل عليهم الصلاة والسلام، وطلبه جل وعلا
(1) ساقطة من (ح) و (م) .
(2)
ساقطة من (ق) .
(3)
ساقطة من (ق) و (م) .
بأوليائه من دين المشركين الشركَ الأكبر، المخرج من الملة، وكَفَّرَ به كما ترى صريحا من قوله) .
هو تمويه وتلبيس، أدخل فيه:(وطلبه (1) جل وعلا بأوليائه) ليوهم الجهال ومن لا علم عندهم بحقيقة الحال.
وموضوع الكلام: أن مراد الشيخ مسألة التوسل في دعاء الله بجاه الصالحين، وهذه مسألة، ودعاء الصالح وقصده (2) فيما لا يقدر عليه إلا الله (3) مسألة أخرى؟ فخلطها ليروج باطله، فقبحا قبحا، وسحقا سحقا لمن ورث اليهود، وحرَّف الكلم عن مواضع.
وكلام الشيخ صريح فيمن دعا مع الله إلها آخر في حاجاته وملماته، وقصده بعبادته فيما لا يقدر عليه إلا الله، كحال من عَبَدَ عبد القادر، وأحمد البدوي، أو العيدروس، أو عليًّا، والحسين، وقول هذا المشرك:(وأطلب من (4) الله بهم) ، أي: بواسطتهم. بمعنى أن هذا المشرك يدعوهم ويتوجه إليهم بالعبادات، وهم يدعو الله له، كما أخبر الله عن المشركين بقوله:{مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى} [الزمر: 3][الزمر: 3] .
فظن المعترض أن الشيخ أراد مسألة الله بجاه الصالحين؟ فاعترض على ذلك (5) وآفته الفهم السقيم، والمعتقد الذميم، فنعوذ بالله من الشيطان الرجيم.
(1) في بقية النسخ: "طلبه" بإسقاط الواو.
(2)
في (ح) و (المطبوعة) : (الصالحين وقصدهم "، وسقطت من (ق) : "وقصدهم".
(3)
"إلا الله " ساقطة من (ق) .
(4)
ساقطة من (ق) .
(5)
في (ق) و (م) زيادة: "بما مر".
ومع هذا الصنيع الفظيع، والشرك الجلي يقول:(أنا لا أشرك بالله شيئا، وأشهد أنه لا يخلق ولا يرزق ولا ينفع ولا يضر إلا الله، ظنا منه أن ذلك هو الإسلام فقط وأنه ينجو به (1) من الشرك، وما رتب عليه) .
فكشف الشيخ شبهته، وأدحض حجته بما تقدم من الآيات:{وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} [الأنعام: 115][الأنعام: 115] .
وأما مسألة الله تعالى بحق أنبيائه وأوليائه أو بجاههم، بأن يقول السائل: اللهم إني أسألك بحق أنبيائك، أو بجاه أوليائك، أو نحو هذا: فليس الكلام فيه، ولم يقل الشيخ إنه شرك، ولا له ذكر في كلامه، وحكمه عند أهل العلم معروف، وقد نص على المنع منه جمهور أهل [115] ، العلم، بل ذكر الشيخ في رده على ابن البكري (2) أنه لا يعلم قائلا بجوازه إلا ابن عبد السلام في حق النبي صلى الله عليه وسلم ولم يجزم بذلك، بل علق القول به على ثبوت حديث الأعمى وصحته، وفيه من لا يحتج به عند أهل الحديث، وعلى تسليم صحته فليس الكلام فيه، وفي المثل: أريها السهى وتريني القمر.
وأما استدلاله بحديث أهل الغار على مسألته التي لبَّس بها: فهو من نوادر جهله التي يضحك منها العقلاء، أين التوسل بالأعمال الصالحة، من البر والعفة والأمانة، من التوسل بذوات المخلوقين؟
نزلوا بمكة في قبائل هاشم
…
ونزلت بالبيداء أبعد منزل
(1) سقطت من (المطبوعة) .
(2)
في (ح) : "الكبرى"، وهو سبق قلم.
قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ} [المائدة: 35][المائدة: 35] .
والوسيلة: ما شرعه (1) ورضيه من الأعمال الصالحة، والأقوال (2) وأين في شرعه أن يسأل العبد ربه بعبد من عبيده، مخلوق من خلقه؟
ومن قاس هذا على ما صح من التوسل بالأعمال الصالحة، فقد أبعد المرمى، ولم يعرف مناط الأحكام.
والتوسل صار مشتركا في عرف كثير، فبعض الناس يطلقه على قصد الصالحين ودعائهم وعبادتهم مع الله، وهذا هو المراد بالتوسل في عرف عباد القبور وأنصارهم، وهو عند الله ورسوله وعند أولي العلم من خلقه: الشرك الأكبر والكفر البواح، والأسماء لا تُغير الحقائق.
ويطلق أيضا: على مسألة الله بجاه الصالحين والأنبياء، وحقهم على الله.
ويطلق أيضا: في عرف السنة والقرآن وعرف أهل العلم بالله ودينه، على: التوسل والتقرب إلى الله بما شرعه من الإيمان به وتوحيده وتصديق رسله، وفعل ما شرعه من الأعمال الصالحة التي يحبها الرب ويرضاها، كما توسل أهل الغار الثلاثة بالبر والعفة وأداء الأمانة.
فإذا أطلق التوسل في كتاب الله وسنة رسوله وكلام أهل العلم من خلقه فهذا هو المراد، لا ما اصطلح عليه المشركون الجاهلون بحدود ما أنزل الله
(1) في (ق) و (م) و (المطبوعة) زيادة: " لله ".
(2)
في (ح) و (المطبوعة) : "والأقوال الصالحة".
على رسوله، فلبس هذا المعترض بكلمة مشتركة، ترويجا لباطله.
وأما ما ورد في السنن من السؤال، (1)"بحق السائلين (2) وبحق ممشى الذاهب إلى المسجد" ونحو ذلك، فالله سبحانه وتعالى جعل على نفسه حقا تفضلا منه وإحسانا إلى عباده، فهو توسل إليه بوعده وإحسانه، وما (3) جعله لعباده المؤمنين على نفسه، فليس من هذا الباب، أعني باب مسألة الله بخلقه، وقد منع ذلك فقهاء الحنفية، كما حدثني به محمد بن محمود الجزائري الحنفي رحمه الله تعالى بداره بالإسكندرية، وذكر أنهم قالوا: لا حق لمخلوق على الخالق.
ويشهد لهذا ما يروى أن داود قال: "اللهم إني أسألك بحق آبائي عليك، فأوحى الله (4) إليه: أيّ حق لآبائك عليَّ؟ "(5) أو نحو هذا، والحق المشار إليه بالنفي هنا غير ما تقدم إثباته، فإن المثبت بمعنى الوعد الصادق، وما جعله الله للماشي (6) إلى الصلاة (7) وللسائلين من الإجابة [111] ، والإثابة، فضلا منه وإحسانا، المنفي هنا هو الحق الثابت بالمعاوضة والمقابلة على الإيمان والأعمال الصالحة، فالأول يعود ويرجع إلى التوسل بصفاته الفعلية والذاتية، والثاني يرجع إلى التوسل بذوات المخلوقين، فتأمله فإنه نفيس جدا.
(1) ما بين المعقوفتين إضافة من (م) يقتضيها السياق.
(2)
في (ح) و (م) و (المطبوعة) زيادة: " عليك".
(3)
في (م) : "وأما ما".
(4)
لفظ الجلالة سقط من (ق) و (م) .
(5)
أخرجه البزار (4 / 133) من حديث العباس رضي الله عنه.
(6)
في (ق) : "للماشين) .
(7)
في (م) : " الصلوات ".
وأما استدلاله بقوله تعالى: {وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ} [الصافات: 96][الصافات: 96] .
واستدلال هذا الغبي بعطف الأعمال على ما قبله فهو يريد أن الأعمال والمخلوق مستويان في التوسل بهما، بدليل العطف، فإن كان العطف يفيد ذلك، فقد عطف تعالى ذكر (1) الملائكة والنبيين وأولي العلم من خلقه على اسمه المقدس.
فإن قلت: يدعون كما يدعى؛ لأنه قرن ذلك بلفظ واحد، فقد أتيت بكفر لم تُسبق إليه ويستحي من إبدائه كفار قريش وأمثالهم.
فنعوذ بالله من هذا الفهم الضال، والإلحاد في كتاب الله، والكذب على الله. وفي الحديث:" «من قال في القرآن برأيه فليتبوأ مقعده من النار» "(2) وهذا الفهم الضال يستحي العاقل من حكايته، لولا الحاجة إلى رده، وفي قوله:(وقد قرن ذلك) من سوء التعبير ما يطلعك على جهل هذا المتكلم.
والعطف إنما يقتضي التشريك في الفاعلية، أو المفعولية أو (3) المجاورة ونحو ذلك، وأما اشتراك المتعاطفين في جميع الأحكام الخارجة عما سيق له الكلام، فهذا (4) إنما يقوله من هو أضل من الأنعام،
(1) في (ق) و (م) و (المطبوعة) : "ذكره".
(2)
أخرجه أبو داود (3652) ، والترمذي (2951) وتقدم.
(3)
في (ح) و (المطبوعة) : " و".
(4)
في (ق) : (فهو) .
ولو طردناه لاتسع الخرق في المكفرات، وخرجنا عن الموضوعات والمعقولات إلى جهالات وعمايات لا يمكن حصرها.
وأما قوله: (فهل ترى أعمال بني آدم أفضل عند الله من ذات سيد البشر) .
فهذا الكلام كلام جاهل، فإن ذات سيد البشر صلى الله عليه وسلم داخلة في عموم بني آدم، وفضلها لِمَا خصت به من الرسالة والإيمان الكامل، الذي لا أكمل منه، وغير ذلك من المواهب والتوفيق للأعمال الصالحة.
ثم التوسل بذاته يتوقف على المشروع، كالإيمان به ونصرته ومتابعته، فهذا هو الوسيلة العظمى.
قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ} [المائدة: 35][المائدة: 35] .
أما سؤال الله به، وترك متابعته، والخروج عن شريعته: فهذا (1) حال المعرضين عن الإيمان به، وبما جاء به، والعبادات مبناها على الاتباع؟ ولذلك صار عمدة من أجازه (2) حديث الأعمى، ولم يتجاوزه إلى غيره من الأقيسة والخوض بلا علم، وحديث الأعمى قد (3) تكلم فيه أهل [112] ، الحديث ولم يصححوه كما تقدم؟ لأن فيه من لا يُحتج به، ولذلك (4) توقف ابن عبد السلام في صحته وقال: "إن صح الحديث (فيجوز ذلك
(1) في (ق) : "وهو ".
(2)
في (ح) : (أجاز) .
(3)
ساقطة من (ق) و (م) .
(4)
في (ح) : " وبذلك ".
بالنبي خاصة" وغيره يقول: إن صح الحديث) (1) فليس فيه ما ذهب إليه من أجاز سؤال الله بجاه خلقه وبحقهم؟ لأن نص الحديث يفيد أن النبي صلى الله عليه وسلم دعا له، وسأل (2) الله أن يرد بصره، فهو توسل بدعائه، كما في حديث عمر: «اللهم إنا كنا إذا أجدبنا نتوسل إليك بنبيك (3) فتسقينا، وإنا نتوسل إليك بعم نبيك» (4) فدعاء الأنبياء وأقاربهم المؤمنين وأهل الفضل والصلاح من أعظم الوسائل " إلى الله، وما المانع أن يكون هذا هو المراد.
وعلى كل تقدير فالنزاع ليس في هذا، وكلام شيخنا ليس فيه، وإنما أورده المعترض لبسا ومغالطة.
والمعترض ظن أن قول شيخنا فيما حكاه من شُبَه المشرك، وأنه يقول:(وأطلب من الله بهم)، أي: بجاههم وحقهم. وليس كذلك؟ لأن سياق الكلام وموضوعه فيمن يدعوهم مع الله، ويجعلهم وسائط بينه وبين ربه في شأنه، وأمره، وحاجاته، وملماته، فالمعنى حينئذ أطلب من الله بواسطتهم، بمعنى أنه يدعوهم لتحصيل مراده ومطلوبه من الله، فالغبي لم يفهم أو لبَّس ومَوَّهَ كما تقدم.
وأما ما فعله عثمان بن حنيف من تعليم هذا الحديث (5) فليس فيه
(1) ما بين القوسين ساقط من (ق) .
(2)
في (ق) و (م) و (المطبوعة) : " وسأله ".
(3)
في (ق) و (م) : "بنبينا" في الموضعين.
(4)
أخرجه البخاري (1010، 3715) ، والبيهقي (6225) ، والطبراني الكبير (1 / 72 / 84) .،.
(5)
في (ق) و (م) زيادة: "فهو من باب رواية العلم ونشره ".
حجة لهذا المبطل، والشيخ لم يقل: إن هذا النوع شرك لا أصغر ولا أكبر، حتى يعترض بأن الصحابة علموه الناس.
وأما احتجاجه: بما عَزَاه للطبراني في الكبير من «أنه صلى الله عليه وسلم: "دخل قبر فاطمة بنت أسد ودعا لها فقال: بحق نبيك والأنبياء الذين قبلي» (1) .
إلى آخر الحديث، فيقال لهذا: كم في الطبراني من حديث يخالف هذا ويدل على وجوب التوسل بأسماء الله وصفاته، وإنابة الوجوه إليه؟ فما أعمى عينك عنها؟ هل هناك شيء أعماها سوى الجهل والهوى؟ .
وقد تكلم في هذا الحديث غير واحد.
وقال شيخ الإسلام (2)(قد بالغت في البحث والاستقصاء فما وجدت أحدا قال بجوازه إلا ابن عبد السلام في حق نبينا عليه أفضل الصلاة والسلام) . أترى هذا الحديث خفي على علماء الأمة، ولم يعلموا ما دل عليه؟ ثم لو سلمنا صحته أو حُسنه (ففيه ما مر في حديث الأعمى أن المراد: بدعاء نبيك إلى آخره) (3) فأي وسيلة بذوات الأنبياء لمن عصى أمرهم وخرج عما جاءوا به من التوحيد والشرع.
وفي الحديث: " «يا صفية عمة رسول الله، ويا فاطمة بنت محمد اشتروا أنفسكم لا أغني عنكم من الله شيئا» "(4) .
(1) أخرجه الطبراني في الكبير (24 / 351) ، وأيضا في الأوسط (1 / 68) ، وأبو نعيم في الحلية (3 / 121) ، وابن الجوزي في العلل المتناهية (1 / 270)، وقال: تفرد به روح بن الصلاح، وهو في عداد المجهولين، وقد ضعفه ابن عدي. اهـ.
(2)
انظر: "الرد على البكري "(2 / 476) ، و "زيارة القبور" ص (38) .
(3)
ما بين القوسين ساقط من (ق) و (م) .
(4)
أخرجه البخاري (2753، 3527، 4771) ، ومسلم (206) .
قال تعالى: {ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ} [التحريم: 10][التحريم: 10] .
قال شيخ الإسلام (1)(فإذا قال الداعي: أسألك بحق فلان وفلان، لم يدع له، ولم يسأله باتباعه لذلك الشخص، أو محبته وطاعته، بل بنفس ذاته وما جعله له ربه من الكرامة (2) لم يكن قد سأله بسب يوجب المطلوب (3)) .
وأما استدلاله على جواز ذلك: بما ذكر أبو الفرج في كتاب "الوفا" من قول عائشة رضي الله عنها: " انظروا قبر النبي صلى الله عليه وسلم واجعلوا منه كوة إلى السماء، حتى لا يكون بينه وبين السماء سقف، ففعلوا فمطروا " إلى آخره.
فالاستدلال بهذا من نوادر جهل المعترض.
[113]
وقد قرر شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله أن هذا لم في (4) يثبت (5) . وقال الحافظ المزي (6) في الكلام على أوس بن عبد الله الربعي
(1) انظر: اقتضاء الصراط المستقيم " (1 / 415) .
(2)
في (ق) : " الكرا مات".
(3)
في (ق) و (م) زيادة: "ففيه ما مز في حديث الأعمى أن المراد بدعاء نبيك. . . إلى آخره ".
(4)
(ق) : "لا ".
(5)
في (م) زيادة: "ذكر ذلك في كتاب الاستغاثة"، وكذلك في (ق) عدا كلمة:"ذكر". وانظر قوله في: (الرد على البكري)(1 / 89، 163) .
(6)
انظر: "تهذيب الكمال"(2 / 392) .
أبو الجوزاء (1) البصري: (قال البخاري: في إسناده نظر ويختلفون فيه. (قال الحافظ المزي (2) وقول البخاري: في إسناده نظر ويختلفون فيه) (3) إنما قاله عقب حديث رواه له في التاريخ من رواية عمرو بن مالك النكري؟ والنكري (4) ضعيف عنده. وقال ابن عدي: حدث (5) عنه (6) عمرو بن مالك قدر عشرة أحاديث غير محفوظة، وأبو الجوزاء (7) روى عن الصحابة؟ وأرجو أنه لا بأس به ولا يصح روايته عنهم أنه سمع منهم، وقول البخاري في إسناده نظر، يريد أنه لم يسمع منهم) (8) قلت: فعمرو بن مالك النكري قد ضعفه البخاري، ولم يذكر الحافظ المزي أحدا وثقه، وقد انفرد برواية هذا الحديث، (فلذلك توقف فيه البخاري، ونظر فيه، وجزم بضعفه، ولو سلم هذا الحديث)(9) فليس فيه حجة للمبطل، لما تقدم من أنه أثبت (10) أن دانيال النبي عليه السلام وُجد على سرير في بيت مال الهرمزان، وأخبر الفرس أنهم يستسقون به فَيُسْقَوْنَ، مع أنهم عباد نيران ليسوا بأهل كتاب، وبركة نبينا صلى الله عليه وسلم أعظم مما
(1) في (ح) : "أبو الجواز".
(2)
القائل هنا هو ابن حجر، وانظر قوله في:"تهذيب التهذيب"(1 / 335) .
(3)
ما بين القوسين ساقط من (ح) و (ق) .
(4)
ساقطة من (ق) .
(5)
في (ق) : "حديث ".
(6)
ساقطة من (ق) و (م) .
(7)
في (ح) : " الجواز".
(8)
في (ق) و (م) : "منها ".
(9)
ما بين القوسين ورد في النسخة (ح) قبل الذي قبله، فأربك العبارة.
(10)
في (ق) و (م) : "ثبت ".
ذكر، وأجل مما وصف؟ لكن لا دليل فيه على أنه يُدعى ويُقصد للاستسقاء ولا لغيره بعد وفاته صلى الله عليه وسلم، وقد كان جسد دانيال النبي عليه السلام عند (1) أهل "تستر" على سرير في بيت مال الهرمزان، وكان عنده مصحفه، وكانوا إذا قحطوا أخرجوه فأُمطروا، فكتب عامل عمر إليه يخبره بدلك فأمره أن يحفر بضعة عشر قبرا ويدفن ليلا في أحدها؟ ليُعَفِّيَ أثره ويُخفي خبره، والقصة مشهورة ذكرها ابن إسحاق في مغازيه (2) وقد خاف عمر من أن يُشرك به ويُجعل ندًّا لله؟ كما جعل عيسى وأمه، فاجتهدوا (3) في إخفاء قبره وعدم إظهاره.
فهذا هو فعل المهاجرين والأنصار الذين هم من أعلم الناس بحقه وأعظمهم توقيرا له، وليس في إنزال المطر إذا كشفت أجساد الأنبياء أو قبورهم ما يُستدل به على جواز التوسل الشركي (4) بهم، فإن الأمر الشرعي والعبادات الدينية توقيفية لا يجوز إحداثها نظرا إلى الأسباب القدرية الكونية، فإن أسباب الكائنات لا يحصيها إلا الله أعيانا وأنواعا، وليس كل سبب منها (5) دينيا شرعيا محمديا عليه رسم المدينة.
هذا، وما يحصل ببركته صلى الله عليه وسلم أضعاف ما ذكر، ولكن الشأن كل الشأن في السير على منهاجه، والأخذ بأمره، والانتهاء عن زجره ونهيه، وقد حَمَى حِمَى التوحيد وسد طرائق الشرك ووسائله، حتى قال للوفد الذين
(1) في (ق) و (م) : "عن ".
(2)
انظر: مغازي ابن إسحاق وتاريخ الطبري (4 / 93) .
(3)
في (ق) و (م) : "فاجتهد ".
(4)
ساقطة من (ق) و (م) .
(5)
في (ح) زيادة " يكون".
قالوا له: أنت سيدنا وابن سيدنا، خيرنا (1) وابن خيرنا، " «السيد الله تعالى، قولوا بقولكم، أو بعض قولكم ولا يستجرينكم الشيطان، إنما أنا عبد، فقولوا: عبد الله (2) ورسوله» "(3) هذا وقد قال في مقام الإخبار والإعلام: " «أنا سيد ولد آدم ولا فخر» "(4)
وأما قوله: (وهل هذا إلا توسل (5) منهم بالمصطفى صلى الله عليه وسلم إلى آخر عباراته.
فيقال: أما التوسل بذاته الشريفة صلى الله عليه وسلم: فليس من محل النزاع؛ ولا يدل على مشروعية سؤال الله بحقه أو بحق غيره من الأنبياء، وقد يحصل بدعائه صلى الله عليه وسلم أو بذاته ما لا يحصل بالدعاء به، والقياس هنا لا يسوغ، وأما كون الدال على ذلك أم المؤمنين: ففيه نظر ظاهر، والقبة التي فيها الكوة إنما بنيت في ولاية ابن (6) قلاوون من سلاطين مصر في القرن السادس؟ ولعل المعترض أراد ذكر ما وضع في سقف بيته الشريف صلى الله عليه وسلم (وقد مر ما فيه)(7)(8) .
(1) في (ق) و (م) : " وخيرنا".
(2)
وقع في (المطبوعة) : "إنما أنا عبد الله ورسوله".
(3)
أخرجه أبو داود (4856) ، وأحمد (4 / 25) ، والبخاري في الأدب المفرد (211) ، وهو حديث صحيح.
(4)
أخرجه الترمذي (3148، 3615) ، وابن ماجه (4308) .
(5)
في (ح) : " التوسل "، وإسقاط" إلا ".
(6)
في (المطبوعة) : "السلطان ".
(7)
ما بين القوسين ساقط من (ق) و (م) .
(8)
في (ق) و (م) هنا زيادة: "وحجرته قبل ذلك في عهد أصحابه رضي الله عنهم، ولكنه لم يحسن إيراد دليله ثَمَّ".
قال المعترض: (وليس المراد في هذا تقرير جوازه أو عدمه، وإنما الغرض بيان خطأ هذا الرجل بتكفيره (1) الأمة القائمة الظاهرة القاهرة [114] ، لعدوهم بما لا حاصل تحته، غايته أن يكون جائزا أو مستحبا، قد فعله السلف والخلف، ليس بكفر كما يزعم هذا؟ بل ولا محذور فيه، ولو لم يكن مندوبا لما أرشد عثمان بن حنيف رضي الله عنه إليه بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم.
فيقال في جوابه: الله أكبر، ما أعظم ما تجارى بهذا الهوى إلى أن بلغ غايته القصوى في الكذب والتمويه، ويحه أين تكفير الأمة القائمة الظاهرة في كلام شيخا رحمه الله؟ وأين التكفير بسؤال الله بحق أوليائه؟ هل هو إلا شيء اختلقه وزوره ولفقه، ثم أخذ يرده وينسبه إلى الشيخ ويبهته بأكاذيبه وزوره ليصد عن سبيل الله؟ ويلبس على الجهال.
قال تعالى عن اليهود: {وَتَرَى كَثِيرًا مِنْهُمْ يُسَارِعُونَ فِي الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ - لَوْلَا يَنْهَاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ عَنْ قَوْلِهِمُ الْإِثْمَ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَصْنَعُونَ} [المائدة: 62 - 63][المائدة: 62- 63] .
وقد جرى للرافضة والجهمية والمعطلة من هذا النوع شيء كثير، يبهتون به أهل السنة والجماعة المثبتين لصفات الله ونعوت جلاله، وقد أخزاهم الله وكبتهم، وكشف لعباده المؤمنين زورهم وبهتهم (2) {يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ - هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ} [التوبة: 32 - 33] [التوبة: 32-33] .
(1) في (ق) و (م) : "بتكفير".
(2)
ساقطة من (ح) .
وقد عرف كل أحد حتى العذارى في خدورهن أن شيخنا رحمه الله إنما يريد عباد القبور الذين يجعلون مع الله آلهة أخرى، ويسألونهم (1) قضاء حاجاتهم، وتفريج كرباتهم، ويفزعون (2) إليهم في الشدائد (3) والمهمات، وهذا المفتري يجعلهم الأمة الظاهرة القائمة.
فويل لمن نصر هذا الشرك وأثنى على أهله، وضلل من أنكر عليهم أو كفرهم كما فعل هذا الضال، والله سبحانه هو الموعد (4) وإليه المنتهى. وأما قوله:(غايته أن يكون جائزا أو مستحبا قد فعله السلف والخلف) .
فيقال لهذا الملحد: أين عن السلف والخلف فعل عبادة القبور ودعائها والاستغاثة بها وندائها بالحوائج، وكَتْب الرقاع بذلك ودَسّها في القبور؟ أوجدنا حرفا عن أحد من السلف والخلف، خواصهم وعوامهم يحقق ما زعمت، ويدل عليه، فإن لم تفعل- ولن تفعل- فهذي نصوصهم ظاهرة مشتهرة في المنع من ذلك، والتغليظ فيه، وتكفير فاعله. وقد مر من النصوص ما يثلج الصدور، ويدرأ في نحور أهل الكذب والزور.
وقد نص ابن القيم في إغاثته (5) على أن أصل شرك العالم هو دعاء
(1) في (ق) و (م) : "ويسئلونه".
(2)
في (ح) : "ويقرعون ".
(3)
في (ق) : "الدوائر".
(4)
في (ق) و (م) : "المدعو".
(5)
انظر: "إغاثة اللهفان"(2 / 232) .
الموتى والاستغاثة بهم، وسيأتي لهذا مزيد بسط.
وأما قوله: (وليس بكفر ولا محذور فيه، ولو لم يكن مندوبا لما أرشد عثمان بن حنيف إليه بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم .
فصريح هذا الكلام من المعترض أن ما ذكره الشيخ من دعاء الموتى والغائبين وجعلهم وسائط بين الله وبين خلقه لا محذور فيه، وليس بشرك، وأنه مندوب، فنعوذ بالله من الضلال بعد الهدى، والكفر بعد الإيمان، إن لم يكن هذا هو الشرك الأكبر فليس في الأرض شرك، بل هذا (1) دين الصابئة والمشركين، ممن (2) أعرض عن الرسل، ولم يؤمن بآيات ربه وأقوالهم وأوضاعهم واصطلاحاتهم في عبادة هذه الوسائط ودعائها، وجعل البيوت والسدنة والهياكل لها معروف مشهور لا يخفى.
قال تعالى عن خليله إبراهيم: {وَلَقَدْ آتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا بِهِ عَالِمِينَ - إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ - قَالُوا وَجَدْنَا آبَاءَنَا لَهَا عَابِدِينَ - قَالَ لَقَدْ كُنْتُمْ أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ - قَالُوا أَجِئْتَنَا بِالْحَقِّ أَمْ أَنْتَ مِنَ اللَّاعِبِينَ - قَالَ بَل رَبُّكُمْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الَّذِي فَطَرَهُنَّ} [الأنبياء: 51 - 56][الأنبياء: 51-66](3) ونحو ذلك من الآيات الدالة على أن النزاع والخصومة بين الرسل وقومهم إنما هي في عبادة الله، وترك عبادة ما سواه.
وأما توحيد الربوبية فأكثر الأمم قد أقرت به لله وحده.
(1) في (ق) : "هو".
(2)
في بقية النسخ: "فمن ".
(3)
في (المطبوعة) سياقة الآيات كاملة حتى قوله تعالى: "أفلا تعقلون".
قال المعترض: (وأكبر من هذا وأدهى وأمر: تنزيله هذه الآيات السابقة على غير مواضعها، فبكلامه هذا يكون أهل الغار عنده من أعداء الله كفارا بذلك (1) وكذلك من قال: بحق السائلين عليك، وما الفرق بين العمل الصالح والذات الصالحة وقد قرنهما الله تعالى في لفظ واحد؟ حيث (2) يقول:{وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ} [الصافات: 96][الصافات: 96] . هذا كلامه بحروفه.
فيقال له (3) إنما الداهية الدهياء، والمصيبة الصماء، والجهالة العمياء، ما أنت بصدده من الصد عن سبيل الله، ومعارضة أهل العلم، ورد ما استدلوا به من الآيات المحكمات، فيما نزلت فيه عن الشرك الظاهر والكفر البواح، وأنت فعارضتهم بجهالة وضلالة، وعمى عن معرفة السبيل، وما يراد من المقالة، وتعرضت لأمر لست من أكفائه {كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ} [الأعراف: 176] هذا حاصله على أي حالة، ما أنت ومعرفة الآيات، وما أنت والخوض في تلك المقاصد [116] ، والغايات؟ وأنت أجهل من خط بالقلم وأفسد، ويكفي العاقل من جهلك وضلالك قولك:(وقد قرنهما (4) في لفظ واحد، حيث يقول:{وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ} [الصافات: 96][الصافات: 96] .
وقد تقدم أن قولك الضال، وجهلك الواضح صريح في أن العطف
(1) في (ق) و (م) : "كفارا بذلك من أعداء الله ".
(2)
ساقطة من (ق) و (م) .
(3)
في (ق) و (م) زيادة: "لهذا المعترض ".
(4)
في (ق) و (م) زيادة: "الله ".
يقتضي المشاركة في الخصائص والأحكام، وقد تقدم أن (1) إطلاق هذا والقول به كفر، لا يبقي من الإيمان شيئا ولا يذر، وجهل لم يقله أحد ممن سبق من أهل اللسان وغيرهم (2) أترى قوله تعالى:{إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ} [الأحزاب: 56][الأحزاب: 56] وقوله: {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ} [آل عمران: 18](3) .
وقوله: {لَكِنِ اللَّهُ يَشْهَدُ بِمَا أَنْزَلَ إِلَيْكَ أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ وَالْمَلَائِكَةُ يَشْهَدُونَ} [النساء: 166][النساء: 166] وأمثال هذه الآيات تقتضي المشاركة في خصائص الإلهية والربوبية والذات والصفات.
وهل أفادت غير حصول ما سيقت له من الصلاة والشهادة؟ وقولك: (وقد تقدم هذا)(4) لو عرف هذا قدر نفسه، لعلم أن الأنعام أهدى منه في (5) العقل وحدسه.
قال المعترض: (هب أن بعض العلماء رحمهم الله تعالى منعه
(1) ساقطة من (ق) ر (م) .
(2)
في (ق) و (م) و (خ) : "وغير ".
(3)
في (ق) زيادة: قائما بالقسط لا إله إلا هو العزيز الحكيم.
(4)
في (ق) و (م) زيادة: "وقولك: قد قرن بينهما. عبارة نبطية أي لغة سمت العطف قرنا؟ ومن الذي عبر بهذا يا أجهل الورى؟! ".
(5)
في (ق) و (م) زيادة: "العلم و".
أو كرهه كأبي العباس، وقد يكون له قصد في ذلك (1) حسنا، ومع ذلك لم يكفر به ولم يفسق به، كما يقوله هذا الرجل، بل لم يكفر من سأل النبي صلى الله عليه وسلم في قبره واستشفع به، كما سنذكر قوله في ذلك بحروفه، حتى إنه رحمه الله حاول الفرق بين ما جمعهما الله في لفظ واحد: الذات الصالحة والعمل الصالح، فلم يستطع على إخراج ذلك ببرهان بين؛ بل الآثار والنظر والقياس الصحيح يعطي رفعة الذات على العمل، والاعتبار بما عند الله من الكرامة والإكرام ومع ذلك قوله مع الجماعة أحب إلينا كما ذكرناه ونذكره عنه) .
والجواب أن يقال: " «المتشبع بما لم يُعْط كلابس ثوبي زور» "(2) ؛ أين أنت ومعرفة الآثار والنظر والقياس؟ وقد التبس عليك الإيمان بالشرك، وخفي عليك أشد خفاء والتباس، ولفظك من الأدلة على جهلك، وقد أبقيناه برمته وما فيه من اللحن في اسم كان، وتثنية ضمير الموصول المفرد، وتعدية الاستطاعة بعلى وغير ذلك مما يدل على جهلك وإفلاسك:
لا يعرف الشوق إلا من يكابده
…
ولا الصبابة إلا من يعانيها
والشيخ لم يكفر به (3) ولم يفسق، وقد خاب من افترى.
وأما قولك: (إن الشيخ تقي الدين لم يكفر من سأل النبي صلى الله عليه وسلم في
(1) في (ق) و (م) : "في ذلك قصدا".
(2)
هذا لفظ حديث صحيح أخرجه البخاري (5219) ، والترمذي (2534) ، وأحمد (167 / 6، 345) .
(3)
ساقطة من (ح) و (ق) و (م) .
[117]
قبره واستشفع به) فسيأتيك جوابه، وبيان جهلك وخطأك في فهم كلام الشيخ عند ذكر ما نقلته عنه.
وأما كون أبي العباس بن تيمية حاول الفرق بين ما جمعه الله في لفظ واحد: فهذا كلام خِبّ لئيم، ما عرف أين الصراط المستقيم، والشيخ أعقل من أن يفرق بين ما جمعه الله. ثم أين الجمع؟ إنما هو العطف، والشيخ أعلم من أن يفهم مفهوم (1) الضالين، وقد نزهه الله عن ذلك، ولم يقل أحد من أهل العلم والإيمان أن الله جمع بينهما ولا قاس الذات على الإيمان، والعمل الصالح " بل ولا فضل أحد ذاتاً مجردة على الإيمان والرسالة والعمل الصالح، وهل يتصور وجود ذات رفعت وفضلت على (2) الإيمان والأعمال، بلا عمل ولا إيمان؟ هذا الكلام من قسم اللغو والهذيان؟ تصان عن ذكره أسماع أهل الإيمان.
وقوله: (ومع ذلك قوله مع الجماعة أحب إلينا) هذا تمويه، (كأن هناك جماعة قالوا بتفضيل الذات على الأعمال، والشيخ له قولان. هذا ظاهر العبارة؟ وكل هذا كذب وبهت وتمويه)(3) صِرْف، لا قال هذا جماعة ولا جرى نزاع فيه، وأهل العقول بل والعوام منهم ينزهون عن هذا؟ فكيف يقوله جماعة ويكون لأبي العباس قول معهم؟ وهذا الضال يختار، ويحب، ويرجح (4) وقول السوء يزري بأهله، لا بورك في لسان أورد صاحبه هذه الموارد.
(1) وقع في (المطبوعة) : " كفهم ".
(2)
في (ق) و (م) زيادة: " أهل ".
(3)
ما بين القوسين ساقط من (ق) .
(4)
في " المطبوعة " زيادة: " افتراء وكذابا وبهواه".
ثم قال المعترض: (وقد رأيت لابن الجوزي في تبصرته في مجلس منها متوسلاً بالنبي صلى الله عليه وسلم وفي كلام يحيى الصرصري رحمه الله من ذلك (1) ما لا يُحصى، وسماه أبو العباس: حسَّان الأمة، وأثنى عليه ولم ينكر عليه. فكيف ينحلون قولة هذا الزائغ لأبي العباس حاشاه عن ذلك، فكيف وهو (2) قد أثبت التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم في منسكه الكبير؟) .
والجواب أن يقال: ما تقدم، وهو أن التوسل بهذا المعنى ما صدر من شيخنا فيه، في هذا الموضع بحث ألبتة ولا تعرض، وإنما هذا الرجل كذب وبهت (3) ثم أطال الرد.
إذا عرفت هذا فقد مر فيما كتبناه على هذه المسألة ما يكفي المنصف.
وأما كون الشيخ أبي العباس أثبته في منسكه: فهذا النقل ليس بصحيح، وقد عرف حال هذا الرجل (4) في التهور في الكذب والخيانة، والمبالغة في التحريف، فكيف ينقل عنه ويؤخذ قوله هذا (5) ؟ وقد قال الشيخ في منسكه المعروف الذي هو آخر ما صنف في المناسك:(قد صنفت منسكاً في أول عمري على ما ذكره بعض الفقهاء ثم تبين لي خلافه) ، وذكر أنه صنف هذا الأخير معتمداً عليه راجعاً إليه، فليس بحمد الله هناك للمبطل حجَّة ولا دليل.
(1) ساقطة من (ق) و (م) .
(2)
ساقطة من (ح) .
(3)
في (ح) : بهت وكذب ".
(4)
ساقطة من (ق) .
(5)
ساقطة من (المطبوعة) .
وأما ما ذكره عن ابن الجوزي وعن الصرصري: فقد تقدم مراراً أن التوسل على ما ذكر، ليس من محل النزاع، وإنما النزاع في توسل المشركين الذي هو دعاء غير الله، والتسوية برب العالمين في خالص حقه، وما يجب له على خلقه، والمعترض جمع بين الجهل بالحقائق، والمغالطة عند المحاقة والمنازعة.
نعم قال شيخ الإسلام رحمه الله تعالى في الاستغاثة (1) بالنبي صلى الله عليه وسلم: (وهذا ما علمته ينقل عن أحد من العلماء؛ لكنه موجود في كلام بعض الناس، مثل الشيخ يحيى الصرصري ومحمد بن النعمان وكتاب المستغيثين بالنبي صلى الله عليه وسلم باليقظة والمنام، وهؤلاء لهم صلاح ودين لكن ليسوا من أهل العلم العالمين بمدارك الأحكام، الذين يؤخذ بقولهم في شرائع الإسلام، ومعرفة الحلال والحرام؛ وليس لهم دليل شرعي ولا نقل عن عالم مَرْضِي؛ بل جَرَوْا على عادة كما جرت عادة كثير من الناس بأن يستغيث بشيخه في الشدائد، ويدعوه) - إلى أن قال: (ولهذا لما نبَّه مَن نبه مِن فضلائهم تنبهوا، وعلموا (2) أن ما كانوا عليه ليس من دين الإسلام؟ بل هو مشابهة لعُبَّاد الأصنام، ونحن نعلم بالاضطرار من دين الإسلام أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يشرع لأمته أن يدعوا أحداً من الأموات، لا الأنبياء ولا غيرهم، لا بلفظ الاستغاثة ولا بغيرها، كما أنه لم يشرع لأمته السجود لميت، ولا إلى ميت) .
قال المعترض: (وقال في رده على ابن البكري في قوله: إن
(1) ساقطة من (ق) : وانظره في " الرد على البكري (2 / 479) .
(2)
في (ح) : " واعلموا ".
الاستغاثة بالنبي صلى الله عليه وسلم بعد موته ثابتة ثبوتها في حياته بأنه عند الله تعالى في قرب دائم لا ينقص جاهه (1) قال أبو العباس عند ذلك: وهذا اللفظ صحيح لو كان معنى الاستغاثة الِإقسام به، والتوسل بذاته صلى الله عليه وسلم، فإن ذاته بعد الموت لم تنقص بل هو في مزيد دائم، بأبي هو وأمي ونفسي صلى الله عليه وسلم. هذا عين كلامه) .
والجواب أن يقال: إن الله تعالى لم يزل ينصر دينه، ويعلي كلمته، ويؤيد عباده المؤمنين، ولو بإجراء ذلك على ألسن أعدائه، من غير قصد منهم للحق ولا إرادة له، وهذه العبارة تهدم ما قبلها، فإن أبا العباس نفى كلام ابن البكري في التسوية بين الأقسام به والتوسل بذاته، ورد على ابن البكري بأن هذا اللفظ لا يستقيم ولا يصح إلَاّ إذا كان معنى الِإقسام هو التوسل بذاته، ففرَّق الشيخ بين الأقسام والتوسل بالذات، وأخبر أنهما لا يستويان في الحكم.
والمعترض حرَّف عبارة الشيخ، وأسقط الواو العاطفة للإقسام على ما قبله، وجعله هو خبر كان، وزاد واواً بعده تفيد عطف التوسل بالذات على الِإقسام، وهذا تحريف غريب غيّر المعنى، وجعل الِإقسام الذي هو من تتمة (2) الاسم خبراً ومحطّ فائدة، وعطف عليه التوسل، فنعوذ بالله من تحريف الضالين، وزيغ الزائغين.
إذا عرفت هذا عرفت أن كلام الشيخ يهدم قول المعترض: (أن الشيخ أثبت التوسل) .
(1) في (ق) و (م) : " جاهلة ".
(2)
في (ح) : " تسمية ".
وقوله: (إنهم ينحلون قولهم هذا الزائغ لأبي العباس حاشاه من ذلك) ، فقد ردَّت عبارة الشيخ عليه، وهدمت أصله، لكن بعد تصحيحها وإزالة تحريفه (1) فالحمد لله على التوفيق والسداد (2) وأعجب من هذا: أنه زعم أن الِإمام أحمد رحمه الله (كتب ذلك للمروذي في منسكه، وهذه نصوص الِإمام أحمد)(3) ؛ وهذا مذهبه المقرر، وكلام الشيخ في نفي ذلك موجود متواتر، وقد أفرد هذه المسألة بالتأليف في ردّه على ابن البكري وغيره، وكلامه متفق لا مختلف، وحكى المنع عنها عن كافة الأئمة، سوى ابن عبد السلام، وسيأتي لهذا مزيد إن شاء الله تعالى.
(1) في (ق) : " تحريفها ".
(2)
في (ق) و (م) : السداد والتوفيق ".
(3)
ما بين القوسين ساقط من (ق) .