المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[الأرض لا تقدس أحدا ولا هي سبب لعينه وذمه] - مصباح الظلام في الرد على من كذب الشيخ الإمام ونسبه إلى تكفير أهل الإيمان والإسلام - جـ ٢

[عبد اللطيف آل الشيخ]

فهرس الكتاب

- ‌[استنباط الأحكام غير موقوف على السماع]

- ‌[فصل بيان أن الكفر بالطاغوت شرط لا يحصل الإسلام بدونه]

- ‌[فصل في التوسل بالأنبياء والصالحين]

- ‌[فصل فيه مناقشة الشرك الواقع في مثل البردة للبوصيري]

- ‌[فصل في مخاطبة النبي بكاف الخطاب بعد موته والدعاء له عند قبره]

- ‌[فصل في بيان أن من دعا معبودا أو انتحل طريقة أنه لا يرى في ذلك محذورا]

- ‌[فصل في مناقشة وتضعيف رواية سيف بن عمر في ذكر قول الصديق عند دخوله على النبي صلى الله عليه وسلم بعد موته]

- ‌[فصل في الرد على المعترض بأن البوصيري إنما قصد الشفاعة يوم القيامة]

- ‌[فصل في بيان أن الشفاعة بيده سبحانه ملكا له خاصة وأن النبي فيها عبد مأمور لا مالك متصرف]

- ‌[فصل في رد زعم المعترض أن العلماء الأمناء تلقوا البردة بالقبول والرضا]

- ‌[الأرض لا تقدس أحدا ولا هي سبب لعينه وذمه]

- ‌[دفاع عن لغة تميم وبني حنيفة وبيان أن الشيخ من رؤس تميم]

- ‌[المدح والذم الشرعيين يتوجهان إلى الإيمان والكفر لا إلى سكنى الأرض أو الانتساب إلى قوم]

- ‌[فصل في بيان كذب المعترض في إيقاع وصف سفهاء الأحلام على أهل نجد]

- ‌[فصل في رد دعوى المعترض أن الشيخ جعل بلاد الحرمين بلاد كفر وبيان أن الإيمان لا يختص به بلد من البلدان]

- ‌[فصل في رد دعوى المعترض إجماع الأمة على قبول البردة والرضا بها]

الفصل: ‌[الأرض لا تقدس أحدا ولا هي سبب لعينه وذمه]

ما انتقدها عليهم فحول الرجال؟ والعصمة لا تدعى ولا تثبت لغير الرسل، فكيف ينسب إلى جميع العلماء من نواحي الأرض أنهم قبلوها ورضوها، وجلّ بضاعة هذا الرجل هو الكذب على الله وعلى رسله وعلى علماء الأمة وساداتها، فمن كانت هذه بضاعته فهو أكثر الناس (1) غبنا، وأعظمهم خسرانا، وهذا العدد الذي ذكره ليس فيهم من ذكر بالعلم إلا نحو ثلاثة أشخاص من المقلّدين الذين لا يرجع إليهم في التصحيح والترجيح، وما المانع أن يخفى عليهم هذا، وقد خفي على من هو أجل منهم وأفضل بالاتفاق؟ .

اللهم إلا أن يقول هذا المعترض بعصمة من روى هذا النظم، كما قالت ذلك غلاة الرافضة والإسماعيلية في أئمتهم الاثنى عشر، وقد مرَّ أنَّ شيخ الإسلام ابن تيمية انتقد على من هو أجل من صاحب البردة، كابن النعمان ما هو دون ما في هذه الأبيات.

ثم ما يدري هذا المغفل أن الأئمة لم ينتقدوها ولم يردوها أيكون الجهل، وعدم العلم دليلاً في موارد النزاع؟ وما المانع من أن يكون علماء الأمة أنكروا ما فيها من الغلو والإطراء؟ بل لا مانع من أن يكون رواتها قد أنكر ما فيها حذاقهم، وأهل البصيرة منهم، وقد يروي الرجل بعض الأحاديث والأخبار ويتعقَّبها مع ذلك ويذكر ما فيها، وينبغي إحسان الظن بأهل العلم، وحملهم في ذلك على أحسن المحامل وأكمل الوجوه.

[الأرض لا تقدس أحدا ولا هي سبب لعينه وذمه]

وأمَّا تعريضه بذكر الأرض التي سفكت فيها دماء الصحابة، حتى أشفق صدِّيق الأمة على ذهاب القرآن.

(1) في (ق) و (م) : "أكثرهم".

ص: 362

فيقال: قد سفكت دماء أناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في كثير من البقاع التي وقع فيها القتال، كأحد وحنين وبدر والشام والعراق، ودماؤهم أصيبت في الله ولله، وأشرف البقاع ما اشتمل (1) على أجسادهم ودمائهم ولا يؤثر ذلك في الأرض إلا طيباً وتطهيراً، وقد صح الحديث:«أنَّ الشهيد يبعث يوم القيامة وجرحه يسيل دما، اللون لون الدم، والريح ريح المسك» (2) وأمَّا من بعدهم ممن سكن تلك الأرض، فالأرض لا تطهر ولا تقدس (3) أحداً، كما قال سلمان لما كتب إليه أبو الدرداء أن يقدم إلى الأرض المقدَّسة، فكتب إليه:"إنَّ الأرض لا تُقدّس أحداً"(4) وكذلك الأرض لا تؤثر في الإضلال والشقاوة، وقد سكن الحرمين والأرض المقدَّسة من هو (5) أضلّ خلق الله وأكفرهم (6) وأشدّهم عداوة لله (7) بل سكن الأرض المقدسة من قتل الأنبياء وعَبَد العجل، وفعل ما قص الله عن (8) بني إسرائيل، ولم تزل مقدسة مع ذلك تبعث فيها الأنبياء وتسكنها، ومصر دار الفراعنة والجبارين قد فتحت زمن عمر، وبنيت فيها المساجد

(1) في (ق) : "أشملت".

(2)

أخرجه البخاري (237، 2853، 5533) ، ومسلم (1876) ، والترمذي (1656) ، وأحمد (2 / 231، 242، 317) ومواضع.

(3)

في (ق) و (م) : " لا تقدس ولا تطهر".

(4)

أخرجه مالك في الموطأ (2 / 769) ، ومن طريقه أبو نعيم في الحلية (1 / 205) .

(5)

ساقطة من (ق) .

(6)

في (ق) : "وكفرهم ".

(7)

لم يرد لفظ الجلالة في (ق) و (م) و (ح) .

(8)

في (ق) : "على".

ص: 363

وسكنها الصحابة والتابعون، وجملة من أكابر العلماء كالليث بن سعد ومحمد بن إدريس، وأكابر أصحابه، وأشهب صاحب مالك، وخلق لا يحصيهم إلَاّ الله من أهل العلم والدين، ولم يقل أحد منهم: هذه دار فرعون الذي قتل بني إسرائيل وكذَّب الرسل (1) وادعى الربوبية، واتَّبعه قومه على ذلك، وما من حرم للمسلمين، ولا بلدة (2) من بلادهم، ومساكن الأنبياء، إلَاّ وقد وقع فيها من الكفر والفسوق والقتال ما هو معروف (3) مشهور.

ولا يعيب المسلمين، ويتنقص (4) المؤمنين بمن سكن ديارهم، من الفراعنة الجبارين، والكفرة الماضين، إلَاّ من هو معدود من جملة الحمقى الضالين، وما أحسن ما قيل:

العلم للرجل اللبيب زيادة

ونقيصة للأحمق الطياش

مثل النهار يزيد إبصار الورى

نوراَ؛ ويعمي أعين الخفاش

[فصل في رد تعريض المعترض بأن الشيخ من نجد موضع الزلازل والفتن وموطن مسيلمة

(1) في (ق) و (م) : "كذب الرسل وقتل بني إسرائيل".

(2)

في (ق) : "بدله"، وهو سبق قلم.

(3)

ساقطة من (المطبوعة) .

(4)

في (ق) : "وينقص".

ص: 364

فصل قال المعترض: (وقد امتنع رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الدعاء لها لما دعا للشام ولليمن والمدينة؟ لمَّا علم بعلم (1) الله ما يحدث فيها ومنها، وقال فيها:"أولئك (2) منها الزلازل والفتن، ومنها يظهر قرن الشيطان"، ثم ذكر مسيلمة وقوله:"يا ضفدع بنت ضفدعين "، وأطال الكلام السمج (3) الذي [146] يتنزَّه العاقل عن حكايته. ثم قال:(وقد نصَّت العرب أن لغة أهل اليمامة أركّ اللغات، فأين تأتي لهم الفصاحة والمعرفة، وقال فيهم الصدّيق رضي الله عنه: " لا يزالون في فتنة من كذابهم" وقد وجد منهم بالكوفة مائة وستون رجلا يقرءون كلام مسيلمة، فأُتي بهم لابن عبَّاس (4) وقتل إمامهم وفرَّقهم في القبائل، وأجلى من أجلى منهم إلى الشام) . ثم قال:(ومن أين يظهر لهؤلاء البيان، ولم يميِّزوا (5) بين القرآن وسجع الشيطان؟ بل أجملوا على ذلك، ولم يتنبَّه منهم اثنان فصار بذلك

(1) في (ق) : "من علم ".

(2)

ساقطة من (ق) و (م) .

(3)

في (ق) و (م) و (ح) : "السامج".

(4)

في "المطبوعة": " لابن مسعود".

(5)

في (ق) : "يفرقوا ".

ص: 365

موضعهم قابلا للبهتان وزخارف الهذيان، ومن أنكر عليهم من أهل نجد وعلمائهم قتلوه في (1) ونهبوه، فصحَّ بهذا أنَّهم من الذين وصفهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنهم " «سفهاء الأحلام» ) الحديث (2) الحديث (3) والجواب أن يقال: أما اليمن والشام: فقد ثبت في الحديث (4) أنه صلى الله عليه وسلم دعا بالبركة فيهما (5) ولا يلزم من هذا تفضيلهما على سائر البلاد الإسلامية، وقد دعا لأناس من أصحابه صلى الله عليه وسلم (6) وغيرهم من السابقين الأولين أفضل منهم (7) عند كافة المسلمين، ومكة أُخْرِج منها النبي صلى الله عليه وسلم وعبدت فيها الأصنام، وعلق على الكعبة من ذلك، ووضع عليها ما لم (8) يوضع في بيت المقدس ولا غيره من مساجد المسلمين، ومكة أفضل البلاد، ومسجدها أفضل المساجد على الإطلاق. وأمَّا قوله صلى الله عليه وسلم لما قيل له: وفي نجدنا: "تلك مواضع (9) الزلازل

(1)(ق) : "قلوه"، وهو سبق قلم.

(2)

أخرجه البخاري (3615، 3611، 5057، 6935) ، وأبو داود (4767) ، وأحمد (1 / 404) .

(3)

ساقطة من (ق) و (م) .

(4)

في (ق) : " الأحاديث".

(5)

فقال صلى الله عليه وسلم: "اللهم بارك لنا في شامنا ويمننا"، أخرجه البخاري (1037، 7094) ، والترمذي (3953) .

(6)

وردت " الصلاة". في (ق) و (م) بعد " دعا".

(7)

في (ق) و (م) : "أفضل منهم من السابقين الأولين".

(8)

في (ق) : "مالا".

(9)

في (ق) زيادة: "قال" قبل "تلك "، وفي (المطبوعة) :"هاهنا موضع ".

ص: 366

والفتن؟ ومنها يطلع قرن الشيطان (1) فالمقصود بها نجد العراق، وشرق المدينة، وقد ورد ذلك صريحاً في حديث ابن عمر (2) ونصَّ عليه الخطابي (3) وغيره، وقد ترك الدعاء للعراق جملة بل (4) وذمها. وقد روى الطبراني من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" «دخل إبليس العراق فقضى فيها حاجته، ثم دخل الشام فطردوه، ثم دخل مصر فباض فيها وفرخ، وبسط عليها عبقرية» "(5) ولا يقول مسلم بذم علماء العراق لما ورد فيها، وأكابر أهل (6) الحديث

(1) أخرجه البخاري والترمذي وغيرهما وهو بقية الحديث السابق في الدعاء للشام واليمن بالبركة.

(2)

ونصه: "اللهم بارك لنا في مدينتنا، وبارك لنا في مكتنا، وبارك لنا في شامنا، وبارك لنا في يمننا، وبارك لنا في صاعنا ومُدنا، فقال رجل: يا رسول الله، وفي عراقنا، فأعرض عنه فقال: فيها الزلازل والفتن وبها يطلع قرن الشيطان ". أخرجه أبو نعيم في الحلية (6 / 133)، وأخرج أيضا في نفس الموضع عن ابن عمر مرفوعاً: " اللهم بارك لنا في صاعنا ومدنا- فرددها ثلاث مرات-، فقال الرجل: يا رسول الله ولعراقنا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: بها الزلازل والفتن ومنها يطلع قرن الشيطان) .

وذكر الهيثمي في مجمع الزوائد (3 / 305) ، نحوهما عن ابن عمر وابن عباس.

(3)

قال الخطابي: "نجد من جهة المشرق، ومن كان بالمدينة كان نجده بادية العراق ونواحيها وهي مشرق أهل المدينة ".

(4)

ساقطة من (ق) .

(5)

أخرجه الطبراني في الكبير (12 / 340، 13290) ، وأيضاً في الأوسط (6 / 286) ، وأبو الشيخ في العظمة (1687 / 5) ، قال المناوي في الفيض (2 / 522)، قال الهيثمي في مجمع الزوائد (10 / 60) : (رجاله ثقات إلا أن فيه انقطاعاً.

(6)

في (ق) : (علماء) .

ص: 367

وفقهاء الأمة وأهل الجرح (1) والتعديل أكثرهم من أهل العراق، وإمام السنَّة أحمد بن حنبل، وشيخ الطريقة (2) الجنيد بن محمد، وعلَم الزهَّاد الحسن وابن سيرين، وأبو حنيفة وأصحابه، وسفيان الثوري وأصحابه، وإسحاق بن إبراهيم بن راهويه ومحمد بن إسماعيل، ومسلم بن الحجاج، وأبو داود وأصحاب السنن وأصحاب الدواوين الإسلامية، كلهم عراقيو الدار مولداً أو (3) سكنى، والليث بن سعد، ومحمد بن إدريس وأشهب، ومن قبل هؤلاء كلهم سكن العراق ومصر، وجملة (4) من أكابر أصحاب رسول الله "صلى الله عليه وسلم، ومن التابعين (5) بعدهم. ومن عاب الساكن بالسكنى والإقامة في مثل تلك البلاد، فقد عاب جمهور الأمة، وسبهم، وآذاهم بغير ما اكتسبوا، وقد داول الله الأيام بين البقاع والبلاد، كما داولها بين الناس والعباد. قال تعالى:{وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ} [آل عمران: 140][آل عمران: 140] . وكم من بلد قد (6) فتحت، وصارت من خير بلاد المسلمين بعد أن كانت في أيدي الفراعنة والمشركين، والفلاسفة والصابئين، والكفرة من المجوس والكتابيين؟ بل الخربة التي كانت بها قبور المشركين صارت

(1) ساقطة من (ق) .

(2)

في (ق) : "الطريق ".

(3)

في (ق) و (ح) و (المطبوعة) : (وسكنى) .

(4)

في (المطبوعة)، و (ق) :" جملة ".

(5)

في (ق) زيادة: "من".

(6)

سقطت من (ح) و (المطبوعة) .

ص: 368

مسجداً هو أفضل مساجد المسلمين بعد المسجد الحرام؟ ودفن بها أفضل المرسلين وسادات المؤمنين. ولا يعيب شيخنا بدار مسيلمة إلا من عاب أئمة الهدى ومصابيح الدجى بما سبق في بلادهم من الشرك والكفر المبين، وطَرْد هذا القول جراءة على النبيين وأكابر المؤمنين. وهذا المعترض كعنز السوء يبحث عن حتفه بظلفه، ولا يدري؟ وقد قال (1) بعض الأْزهريين: مسيلمة الكذاب من خير نجدكم، فقلت: وفرعون اللعين رئيس مصركم فبهت. وأين كفر فرعون من كفر مسيلمة لو كانوا يعلمون؟ وأما قوله في كلام مسيلمة " يا ضفدع بنت ضفدعين: فإن كان هذا ينسبه إلينا، ويرى أننا آمنا بكلام مسيلمة، فهو لا يفرِّق بين دين محمد بن عبد الله الرسول الصادق الأمين، ودين مسيلمة الكذاب المهين، وإن كان هذا المعترض يعلم أننا كفرنا بمسيلمة وآمنا بالله ورسوله فما وجه ذكر مسيلمة وكذبه؟ لولا الحماقة والسفاهة، والجهالة والوقاحة؟ وقد تقدَّم أن طرد هذا الكلام يوجب ذم كل من سكن بلدة من بلاد المسلمين التي سكنها قبله أعيان المشركين، ورؤوس الكافرين، فأي أحد يبقى لو طرد هذا؟ وقد قال صلى الله عليه وسلم: "«لو كان الإيمان معلقاً بالثريا لناله رجال من فارس» " (2) مع أن بلادهم من شر البلاد، عبدت فيها الأوثان والنيران، وكُفر فيها (3) بالله الذي لا إِله إلَاّ هو الرحمن (4)

(1) في (المطبوعة) زيادة: "لي ".

(2)

أخرجه البخاري (4897، 4898) ، ومسلم (2546) ، وأحمد (2 / 358) .

(3)

في (ق) : "بها".

(4)

في (ق) و (م) زيادة: " الرحيم ".

ص: 369