الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[فصل في رد دعوى المعترض أن الشيخ جعل بلاد الحرمين بلاد كفر وبيان أن الإيمان لا يختص به بلد من البلدان]
فصل قال المعترض: (ومع ما ذكرناه جعل هذا الرجل مواضع (1) . دعوته صلى الله عليه وسلم ومنبع النبوات بلاد كفر، لا يجوز السفر إليها، ومن جاءه منها راغبا لدنياه سماه مهاجرا، قد صحَّ عنه صلى الله عليه وسلم في (2) . الصحيح:" «إن الإيمان يأرز إلى المدينة كما تأرز الحية إلى جحرها» "(3) . وأنها آخر بلاد المسلمين خرابا في آخر الزمان، فصح أن الإسلام ملازم (4) . لها، وأرشد صلى الله عليه وسلم إلى الشام أيام الفتن (5) . وأنها عقر الإسلام ومعقل الإيمان، ومع ذلك صوب هذا الرجل نفسه على خطئه، وخطَّأ علماء الأمة، وكفّرهم بخطئه، وقد قدمنا استشهاد الله تعالى جلَّ ذكره (6) . بهم، وما رواه ابن عدي والبيهقي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال:" «يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله» "(7) .
(1) في (ق) : "منابع"، وفي (ح) :"موضع".
(2)
في (ق) و (م) زيادة: "الحديث".
(3)
أخرجه البخاري (1876) ، ومسلم (147) ، والترمذي (2630) ، وابن ماجه (3111) ، وأحمد (2 / 286، 422) .
(4)
في (ق) و (م) : "ملازما".
(5)
في (ق) و (م) : "أيام الفتن إلى الشام ".
(6)
"جل ذكره" ساقطة من (ح) و (المطبوعة) .
(7)
تقدم. انظر: ص (197) ، هامش 1، وص (355) ، هامش 4.
والجواب أن يقال: قد تقدَّم أن هذه الدعوى التي ادعاها المعترض على شيخنا من جعله الحرمين بلاد كفر دعوى كاذبة ضالة؛ وأن الشيخ رحمه الله تعالى من أعلم الناس وأعدلهم في قوله وفعله، على منهاج مستقيم، ولا يمكن أحد إثبات هذه الدعوى وتصحيحها بوجه من الوجوه، والكلام في هذه المواضع يجب أن يكون بعدل وعلم (1) . ومن فقد ذلك فقد ضلَّ عن سواء السبيل وأضلّ.
وأما قوله صلى الله عليه وسلم: " «الإيمان يأرز إلى المدينهّ كما تأرز الحية إلى جحرها» ": فرسول الله صلى الله عليه وسلم الصادق المصدوق، والذي لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى، والشأن كل الشأن في الفقه عن الله ورسوله ومعرفة مواقع خطابه. وأما الكلام في هذه المباحث من الأغمار والجهال، الذين لا عناية لهم بمعاني الكتاب والسنَّة، ولا دراية لهم بتقارير علماء الأمة: فالمحنة بهم عظيمة، وطريقتهم (2) .
غير عادلة ولا مستقيمة، ليس في الحديث ما يفيد أنه لا يتعدَّاها إلى غيرها من البلاد والمواضع، وليس فيه ما يفيد إيمان جميع من سكنها واستوطنها، وقد وجد في زمانه من أهل النفاق كثير في المدينة، وسكنها بعده صلى الله عليه وسلم كثير من أهل البدع والمارقين، وفي هذه الأزمان جمهور أهل العوالي وما يليها رافضة من غلاة الرافضة، وكلامهم في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ومسبتهم لأم المؤمنين معروفة [152] مشهورة، والحكم الكلي الأغلبي لا يلزم إطراده.
(1) في بقية النسخ: (بعلم وعدل) .
(2)
في (ق) : "وطريقهم".
ثم يقال لهذا الغبي: أخبرنا ما الفرق بين هذا وبين قوله صلى الله عليه وسلم: " «الإيمان يمان والحكمة يمانية» "(1) .؟ إن قلت إن الإيمان لا يفارق اليمن في كل وقت وزمان، وَرَدَ عليك الأسود العنسي وأمثاله من المرتدين والمارقين في كل وقت وحين.
وقوله: (وأرشدهم (2) . صلى الله عليه وسلم إلى الشام أيام الفتن) إلى آخره. فيقال له: إذا كان الشام عقر الإسلام، ومعقل الإيمان، فهذا من الأدلة على أن الإسلام والإيمان (3) . لا تختص به المدينة ولا غيرها من البلاد الإسلامية، وأن الله يداول الأيام بين البلاد والعباد، فحينا تكون الشوكة والدولة الإسلامية بالحجاز والحرمين، كما كان في عهد النبوة وفي الخلافة (4) . التيمية، والخلافة (5) . العدوية، والخلافة الأموية، والخلافة العلوية، وحينا في الشام كالولاية المروانية، وحينا بالعراق كالدولة العباسية، وحينا في غيرها من البلاد، كما يشهد لذلك (6) . الواقع، فإنَّ الإفرنج ملكوا بيت المقدس، واستولوا على خير بلاد الشام وأفضلها دهرًا طويلًا حتى استنقذها من أيديهم الملك الصالح من السلاطين (7) . المصرية،
(1) أخرجه البخاري (4388) ومواضع، ومسلم (52) ، والترمذي (3935) ، وأحمد (2 / 235، 252، 258) ، والدارمي (1 / 51، ح 79) .
(2)
في (ق) : "وأرشد".
(3)
ساقطة من (ق) .
(4)
في (المطبوعة) زيادة: "الصديقية ".
(5)
في (المطبوعة) زيادة: "الفاروقية".
(6)
في (ح) و (المطبوعة) : "بذلك".
(7)
في (المطبوعة) زيادة: "الأكراد".
واستولى على ساحل الشام طوائف من النصارى بعد ما سبق فيه من القوة والصولة الإسلامية، ثم استحال جبل النصيرية والإسماعيلية إلى (1) . الكفر العظيم، والغلو في أئمتهم، وترك التزام أحكام الإسلام.
وبهذا تعرف أن العموم مخصوص، والإطلاق مقيد، والعبرة بالغالب الأكثر (2) . وجاء عنه صلى الله عليه وسلم أن الإيمان يكون بالشام (3) . حين تكون الفتن (4) .
وأما حديث: " «يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله» ": فقد ثبت وصحَّ عن أحمد وغيره من الأئمة أنَّ المراد به علم الحديث المشتمل على بيان الكتاب وتفسيره وتقرير الأحكام الدينية الأصولية والفروعية، وهذا بحمد الله لنا لا علينا، فإن شيخنا قد شهد له الجمّ الغفير والخلق الكثير بأنه من حملة هذا العلم، ومن أئمته المقتدى بهم فيه، ولولا خشية الإطالة لبسطنا القول في ذلك، وفيما كتبناه كفاية.
(1) في (المطبوعة) : "إلى الإسماعيلية و".
(2)
في (ح) و (ق) : "والأكثر".
(3)
في (ق) : "في الشام".
(4)
في (ق) : "الفتنة".