الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مِمَّا كَانَ حَقًا، كحكايته عَن الْأَنْبِيَاء والأولياء، وَمِنْه قصَّة ذِي القرنين، وقصة الْخضر مَعَ مُوسَى عليه السلام، وقصة أَصْحَاب الْكَهْف، وَأَشْبَاه ذَلِك"1.
1 - الْمصدر نَفسه (4/161) .
المبحث الثَّالِث: مَعَ الإِمَام أبي إِسْحَاق الشاطبي فِي مَنْهَج الْقُرْآن الْكَرِيم فِي التَّرْغِيب والترهيب
1
قَالَ الإِمَام أَبُو إِسْحَاق الشاطبي: "إِذا ورد فِي الْقُرْآن التَّرْغِيب قارنه التَّرْهِيب، فِي لواحقه أَو سوابقه أَو قرائنه وَبِالْعَكْسِ، وَكَذَلِكَ الترجية مَعَ التخويف، وَمَا يرجع إِلَى هَذَا الْمَعْنى مثله، وَمِنْه ذكر أهل الْجنَّة يقارنه ذكر أهل النَّار، وَبِالْعَكْسِ؛ لِأَن فِي ذكر أهل الْجنَّة بأعمالهم ترجية، وَفِي ذكر أهل النَّار بأعمالهم تخويفا، فَهُوَ رَاجع إِلَى الترجية والتخويف.
وَيدل على هَذِه الْجُمْلَة عرض الْآيَات على النّظر فَأَنت ترى أَن الله جعل الْحَمد فَاتِحَة كِتَابه، وَقد وَقع فِيهِ:{اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ} 2إِلَى آخرهَا. فجيء بِذكر الْفَرِيقَيْنِ.
ثمَّ بدئت سُورَة الْبَقَرَة بذكرهما أَيْضا، فَقيل:{هُدىً لِلْمُتَّقِينَ} 3 ثمَّ قَالَ: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ} 4، ثمَّ ذُكِرَ بإثرهم المُنَافِقُونَ وهم صنف من الْكفَّار، فَلَمَّا تمّ ذَلِك أعقب الْأَمر بالتقوى، ثمَّ بالتخويف بالنَّار، وَبعده بالترجية فَقَالَ:{فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ}
1 - اسْتَفَادَ القاسمي من هَذَا المبحث فِي مُقَدّمَة تَفْسِيره. انْظُر مِنْهُ (1/76) .
2 -
سُورَة الْفَاتِحَة، الْآيَة: 6، 7.
3 -
سُورَة الْبَقَرَة، الْآيَة:2.
4 -
سُورَة الْبَقَرَة، الْآيَة:6.
إِلَى قَوْله: {وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا} 1 الْآيَة"2.
وَقد أَطَالَ أَبُو إِسْحَاق الشاطبي فِي تتبع آيَات سُورَة الْبَقَرَة، وتنزيلها على الْقَاعِدَة الْمَذْكُورَة3، ثمَّ أورد بعض آيَات سُورَة الْأَنْعَام، وبيّن كَيفَ تنطبق على الْقَاعِدَة4.
ثمَّ قَالَ: "وَقد يغلب أحد الطَّرفَيْنِ بِحَسب المواطن ومقتضيات الْأَحْوَال، فَيرد التخويف ويتسع مجاله، لكنه لَا يَخْلُو من الترجية كَمَا فِي سُورَة الْأَنْعَام، فَإِنَّهَا جَاءَت مقررة للحق، ومنكرة على من كفر بِاللَّه، واخترع من تِلْقَاء نَفسه مَا لَا سُلْطَان لَهُ عَلَيْهِ، وَصد عَن سَبيله، وَأنكر مَا لَا يُنكر، ولدَّ فِيهِ وَخَاصم، وَهَذَا الْمَعْنى يَقْتَضِي تَأْكِيد التخويف، وإطالة التأنيب والتعنيف، فكثرت مقدماته ولواحقه، وَلم يخل مَعَ ذَلِك من طرف الترجية؛ لأَنهم بذلك مدعوون إِلَى الْحق، وَقد تقدم الدُّعَاء وَإِنَّمَا هُوَ مزِيد تكْرَار، إعذارًا وإنذارًا، ومواطن الاغترار يطْلب فِيهَا التخويف أَكثر من طلب الترجية؛ لِأَن دَرْء الْمَفَاسِد آكِد.
وَترد الترجية أَيْضا ويتسع مجالها، وَذَلِكَ فِي مَوَاطِن الْقنُوط ومظنته، كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى:{قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً} 5 الْآيَة فَإِن نَاسا من أهل الشّرك كَانُوا قد قتلوا وَأَكْثرُوا، وزنوا وَأَكْثرُوا فَأتوا مُحَمَّدًا صلى الله عليه وسلم فَقَالُوا: إِن الَّذِي
1 - سُورَة الْبَقَرَة، الْآيَة: 24، 25.
2 -
الموافقات (4/167) .
3 -
انْظُر الْمصدر نَفسه (4/167، 168) .
4 -
انْظُر الْمصدر نَفسه (4/169) .
5 -
سُورَة الزمر، الْآيَة:53.
تَقول وَتَدْعُو إِلَيْهِ لحسن لَو تخبرنا ألنا لما عَملنَا كَفَّارَة، فَنزلت1.
فَهَذَا موطن خوف يخَاف مِنْهُ الْقنُوط، فجيء فِيهِ بالترجية غالبة، وَمثل ذَلِك الْآيَة الْأُخْرَى:{وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} 2 وَانْظُر فِي سَببهَا فِي التِّرْمِذِيّ، وَالنَّسَائِيّ، وَغَيرهمَا.
وَلما كَانَ جَانب الْإِخْلَال من الْعباد أغلب كَانَ جَانب التخويف أغلب، وَذَلِكَ فِي مظانه الْخَاصَّة، لَا على الْإِطْلَاق؛ فَإِنَّهُ إِذا لم يكن هُنَالك مظنَّة هَذَا، وَلَا هَذَا أَتَى الْأَمر معتدلاً"3.
ثمَّ أورد أَبُو إِسْحَاق اعتراضا على مَا قَرَّرَهُ سَابِقًا فَقَالَ: "فَإِن قيل: هَذَا لَا يطرد فقد ينْفَرد أحد الْأَمريْنِ فَلَا يُؤْتى مَعَه بِالْآخرِ، فَيَأْتِي التخويف من غير ترجية، وَبِالْعَكْسِ، أَلا ترى قَوْله تَعَالَى:{وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ} 4 إِلَى آخرهَا فَإِنَّهَا كلهَا تخويف، وَقَوله:{كَلا إِنَّ الأِنْسَانَ لَيَطْغَى أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى} 5إِلَى آخر السُّورَة، وَقَوله:{أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ} 6إِلَى آخر السُّورَة
…
وَفِي الطّرف الآخر قَوْله تَعَالَى: {وَالضُّحَى وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى} 7 إِلَى آخرهَا،
1 - أخرجه الإِمَام البُخَارِيّ فِي صَحِيحه - مَعَ الْفَتْح - (8/549) ، كتاب التَّفْسِير، بَاب
{يَا عبَادي الَّذين أَسْرفُوا على أنفسهم لَا تقنطوا من رَحْمَة الله
…
} ح (4810) .
2 -
سُورَة هود، الْآيَة:114.
3 -
الموافقات (4/170 - 172) .
4 -
سُورَة الْهمزَة، الْآيَة:1.
5 -
سُورَة العلق، الْآيَة: 6، 7.
6 -
سُورَة الْفِيل، الْآيَة:1.
7 -
سُورَة الضُّحَى، الْآيَة: 1، 2.
وَقَوله تَعَالَى: {أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ} 1 إِلَى آخرهَا"2.
وَأورد الإِمَام الشاطبي من الْآيَات أَيْضا مَا يؤيّد هَذَا الِاعْتِرَاض3.
ثمَّ قَالَ: "فَالْجَوَاب إِن مَا اعْترض بِهِ غير صَاد عَن سَبِيل مَا تقدم، وَعنهُ جوابان: إجمالي وتفصيلي:
فالإجمالي أَن يُقَال: إِن الْأَمر الْعَام والقانون الشَّائِع هُوَ مَا تقدّم، فَلَا تنقضه الْأَفْرَاد الْجُزْئِيَّة الأقلية؛ لِأَن الْكُلية إِذا كَانَت أكثرية فِي الوضعيات انْعَقَدت كُلية، واعتمدت فِي الحكم بهَا وَعَلَيْهَا، شَأْن الْأُمُور العادية الْجَارِيَة فِي الْوُجُود، وَلَا شكّ أَن مَا اعْترض بِهِ من ذَلِك قَلِيل، يدل عَلَيْهِ الاستقراء، فَلَيْسَ بقادح فِيمَا تأصل.
وَأما التفصيلي: فَإِن قَوْله: {وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ} 4 قَضِيَّة عين فِي رجل معِين من الْكفَّار، بِسَبَب أَمر معِين، من همزه النَّبِي عليه الصلاة والسلام وعيبه إيَّاه، فَهُوَ إِخْبَار عَن جَزَائِهِ على ذَلِك الْعَمَل الْقَبِيح، لَا أَنه أُجري مجْرى التخويف، فَلَيْسَ مِمَّا نَحن فِيهِ. وَهَذَا الْوَجْه جَار فِي قَوْله:{كَلا إِنَّ الأِنْسَانَ لَيَطْغَى أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى} 5
…
وَكَذَلِكَ سُورَة وَالضُّحَى، وَقَوله:{أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ} 6 غير مَا نَحن فِيهِ، بل هُوَ أَمر من الله للنَّبِي عليه الصلاة والسلام بالشكر لأجل مَا أعطَاهُ من الْمنح"
1 - سُورَة الشَّرْح، الْآيَة:1.
2 -
انْظُر الموافقات (4/172) .
3 -
انْظُر الْمصدر نَفسه (4/172 - 175) .
4 -
سُورَة الْهمزَة، الْآيَة:1.
5 -
سُورَة العلق، الْآيَة: 6، 7.
6 -
سُورَة الشَّرْح، الْآيَة:1.