الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الْخَامِس: مَعَ الإِمَام أبي إِسْحَاق الشاطبي فِي التَّفْسِير الإشاري لِلْقُرْآنِ الْكَرِيم
1
قَالَ - رَحمَه الله تَعَالَى -: "من النَّاس من زعم أَن لِلْقُرْآنِ ظَاهرا وَبَاطنا
…
"2. ثمَّ ذكر أَبُو إِسْحَاق الْأَدِلَّة على ذَلِك، وَأَطْنَبَ3، وَسَيَأْتِي بَعْضهَا - إِن شَاءَ الله تَعَالَى - فِي التَّعْلِيق على هَذَا المبحث.
ثمَّ ذكر أَبُو إِسْحَاق أَمْثِلَة على التَّفْسِير الإشاري الْبَاطِل4.
ثمَّ خلص أَبُو إِسْحَاق إِلَى ذكر شُرُوط التَّفْسِير الإشاري المقبول فَقَالَ: "فصل: وَكَون الْبَاطِن هُوَ المُرَاد من الْخطاب قد ظهر أَيْضا مِمَّا تقدم فِي الْمَسْأَلَة قبلهَا، وَلَكِن يشْتَرط فِيهِ شَرْطَانِ:
أَحدهمَا: أَن يَصح على مُقْتَضى الظَّاهِر الْمُقَرّر فِي لِسَان الْعَرَب، وَيجْرِي على الْمَقَاصِد الْعَرَبيَّة. وَالثَّانِي: أَن يكون لَهُ شَاهد نصا أَو ظَاهرا فِي مَحل آخر يشْهد لصِحَّته من غير معَارض.
فَأَما الأوّل: فَظَاهر من قَاعِدَة كَون الْقُرْآن عَرَبيا، فَإِنَّهُ لَو كَانَ لَهُ فهم لَا يَقْتَضِيهِ كَلَام الْعَرَب، لم يُوصف بِكَوْنِهِ عَرَبيا بِإِطْلَاق؛ وَلِأَنَّهُ مَفْهُوم يُلصق بِالْقُرْآنِ لَيْسَ فِي أَلْفَاظه، وَلَا فِي مَعَانِيه مَا يدل عَلَيْهِ، وَمَا كَانَ كَذَلِك فَلَا يَصح أَن ينْسب إِلَيْهِ أصلا
…
وَأما الثَّانِي: فَلِأَنَّهُ إِن لم يكن لَهُ شَاهد فِي مَحل آخر، أَو
1 - اسْتَفَادَ القاسمي من هَذَا المبحث فِي مُقَدّمَة تَفْسِيره. انْظُر مِنْهُ (1/41) .
2 -
انْظُر الموافقات (4/208) .
3 -
انْظُر الْمصدر نَفسه (4/208 - 211) .
4 -
انْظُر الْمصدر نَفسه (4/225 - 227) .
كَانَ لَهُ معَارض صَار من جملَة الدَّعَاوَى الَّتِي تدّعى على الْقُرْآن، وَالدَّعْوَى الْمُجَرَّدَة غير مَقْبُولَة بِاتِّفَاق الْعلمَاء.
وبهذين الشَّرْطَيْنِ يتبيّن صِحَة مَا تقدّم أَنه الْبَاطِن؛ لأنّهما مُوَفّران فِيهِ، بِخِلَاف مَا فسّر بِهِ الباطنية1، فَإِنَّهُ لَيْسَ من علم الْبَاطِن كَمَا أَنه لَيْسَ من علم الظَّاهِر"2.
ثمَّ ذكر أَمْثِلَة من تفاسير الباطنية تخَالف هذَيْن الشَّرْطَيْنِ3.
ثمَّ قَالَ: "وَقد وَقعت فِي الْقُرْآن تفاسير مشكلة يُمكن أَن تكون من هَذَا الْقَبِيل، أَو من قبيل الْبَاطِن الصَّحِيح، وَهِي منسوبة لِأُنَاس من أهل الْعلم، وَرُبمَا نسب مِنْهَا إِلَى السّلف الصَّالح"4 ثمَّ ذكر أَمْثِلَة على هَذِه التفاسير المشكلة5.
التَّعْلِيق على مَبْحَث: التَّفْسِير الإشاري لِلْقُرْآنِ الْكَرِيم
التَّعْلِيق على هَذَا المبحث من ثَلَاثَة أوجه:
الأوّل: أَن الْمُعْتَمد لمن ذهب إِلَى هَذَا التَّفْسِير - التَّفْسِير الإشاري - هُوَ مَا أخرجه الإِمَام البُخَارِيّ عَن ابْن عَبَّاس رضي الله عنهما قَالَ: "كَانَ عمر يدخلني مَعَ أَشْيَاخ بدر، فكأنَّ بَعضهم وجد فِي نَفسه فَقَالَ: لم تدخل هَذَا مَعنا، وَلنَا أَبنَاء مثله؟. فَقَالَ عمر: إِنَّه من حَيْثُ علمْتُم. فَدَعَا ذَات يَوْم6
1 - هَذِه فرقة خَارِجَة عَن جَمِيع فرق الْإِسْلَام. انْظُر فِي شَأْنهَا كتاب الْفرق بَين الْفرق، ص (281) وَمَا بعدَها.
2 -
انْظُر الموافقات (4/231، 232) .
3 -
انْظُر الْمصدر نَفسه (4/232، 233) .
4 -
الْمصدر نَفسه (4/235) .
5 -
انْظُر الْمصدر نَفسه (4/235) وَمَا بعْدهَا.
6 -
هَكَذَا فِي النُّسْخَة الَّتِي بَين يَدي من صَحِيح البُخَارِيّ: ((فَدَعَا ذَات يَوْم)) .
فَأدْخلهُ مَعَهم فَمَا رُئيت أَنه دَعَاني يَوْمئِذٍ إِلَّا لِيُرِيَهُمْ. قَالَ مَا تَقولُونَ فِي قَول الله تَعَالَى: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ} 1 فَقَالَ بَعضهم: أُمرنا نحمد الله وَنَسْتَغْفِرهُ إِذا نصرنَا وَفتح علينا، وَسكت بَعضهم فَلم يقل شَيْئا. فَقَالَ لي: أكذاك تَقول يَا ابْن عَبَّاس؟ فَقلت: لَا. قَالَ: فَمَا تَقول؟ قلت: هُوَ أجل رَسُول الله صلى الله عليه وسلم أعلمهُ لَهُ، قَالَ:{إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ} 2 وَذَلِكَ عَلامَة أَجلك {فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّاباً} 3 فَقَالَ عمر: مَا أعلم مِنْهَا إلَاّ مَا تَقول"4. وَقد ذكر أَبُو إِسْحَاق هَذَا الدَّلِيل5.
وَالثَّانِي أَن أَبَا إِسْحَاق لم يرد التَّفْسِير الإشاري جملَة، وَلم يقبله جملَة، بل فصّل فِي ذَلِك وَهَذَا هُوَ الْحق.
وَالثَّالِث: قد أَتَى أَبُو إِسْحَاق الشاطبي على أهم الشُّرُوط الَّتِي تشْتَرط لصِحَّة هَذَا التَّفْسِير، وَقد أضَاف بعض الْعلمَاء مَا يَلِي6:
1 -
ألَاّ يُدَّعى أَنه المُرَاد وَحده دون الظَّاهِر.
2 -
أَن يُبيَّن الْمَعْنى الْمَوْضُوع لَهُ اللَّفْظ الْكَرِيم أَولا.
3 -
ألَاّ يكون من وَرَاء هَذَا التَّفْسِير الإشاري تشويش على المفسَّر لَهُ.
1 - سُورَة النَّصْر، الْآيَة:1.
2 -
سُورَة النَّصْر، الْآيَة:1.
3 -
سُورَة النَّصْر، الْآيَة:3.
4 -
صَحِيح البُخَارِيّ - مَعَ الْفَتْح - (8/734، 735) ، كتاب التَّفْسِير، بَاب قَوْله:
{فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّاباً} ح (4970) .
5 -
انْظُر الموافقات (4/210، 211) .
6 -
انْظُر: مناهل الْعرْفَان (1/549) ، وَقد ذكر الشَّيْخ الزّرْقَانِيّ غير هَذِه الشُّرُوط، وَكَذَلِكَ الشَّيْخ مناع الْقطَّان، غير أَنه بِالتَّأَمُّلِ فِيمَا ذكرا فَإِنَّهَا لَا تخرج عَن الشَّرْطَيْنِ اللَّذين ذكرهمَا الإِمَام أَبُو إِسْحَاق الشاطبي.