الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَالْمَدَنِي فِي الْقُرْآن الْكَرِيم1.
وَفِي ظَنِّي أَن الَّذِي رد على هَذِه الشُّبْهَة وفندها2لَو تنبه لكَلَام الإِمَام أبي إِسْحَاق الشاطبي لنقله؛ لِأَن فِيهِ الْبُرْهَان الدامغ المزهق لشُبْهَة أُولَئِكَ الْمَلَاحِدَة.
1 - انْظُر مناهل الْعرْفَان (1/209) .
2 -
وَهُوَ الشَّيْخ عبد الْعَظِيم الزّرْقَانِيّ. انْظُر كِتَابه مناهل الْعرْفَان (1/209) .
المبحث السَّابِع: مَعَ الإِمَام أبي إِسْحَاق الشاطبي فِي أَن تَفْسِير الْقُرْآن الْكَرِيم يتبع فِيهِ الْمُفَسّر التَّوَسُّط والاعتدال ويتجنب فِيهِ الإفراط والتفريط
…
المبحث السَّابِع:
مَعَ الإِمَام أبي إِسْحَاق الشاطبي فِي أَن تَفْسِير الْقُرْآن الْكَرِيم يتبع فِيهِ الْمُفَسّر التَّوَسُّط والاعتدال، ويجتنب فِيهِ الإفراط والتفريط1
قَالَ أَبُو إِسْحَاق عِنْد هَذِه الْمَسْأَلَة: "رُبمَا أَخذ تَفْسِير الْقُرْآن على التَّوَسُّط والاعتدال، وَعَلِيهِ أَكثر السّلف الْمُتَقَدِّمين، بل ذَلِك شَأْنهمْ، وَبِه كَانُوا أفقه النَّاس فِيهِ، وَأعلم الْعلمَاء بمقاصده وبواطنه.
وَرُبمَا أَخذ على أحد الطَّرفَيْنِ الخارجين عَن الِاعْتِدَال: إِمَّا على الإفراط وَإِمَّا على التَّفْرِيط، وكلا طرفِي قصد الْأُمُور ذميم"2.
ثمَّ بيّن رَحمَه الله تَعَالَى أَن الَّذين فسروه على التَّفْرِيط هم الَّذين قصروا فِي فهم اللِّسَان الَّذِي جَاءَ بِهِ، وَهُوَ الْعَرَبيَّة، وَمن هَؤُلَاءِ الباطنية وَغَيرهم3.
ثمَّ قَالَ: "وَلَا إِشْكَال فِي اطِّراح التعويل على هَؤُلَاءِ"4.
1 - اسْتَفَادَ القاسمي من هَذَا المبحث فِي مُقَدّمَة تَفْسِيره. انْظُر مِنْهُ (1/95) .
2 -
الموافقات (4/261) .
3 -
انْظُر الْمصدر نَفسه (4/261) .
4 -
انْظُر الْمصدر نَفسه (4/261) .
ثمَّ وضَّح رَحمَه الله تَعَالَى أَن الَّذين اتبعُوا الإفراط فِي تَفْسِير الْقُرْآن هم الَّذين دققوا فِي الْأَلْفَاظ المفردة والمعاني البلاغية، وَلم ينْظرُوا إِلَى الْمَعْنى الَّذِي سيق الْكَلَام من أَجله؛ لأنّ هَذِه الْأَشْيَاء إِنَّمَا تبحث بِقدر مَا تُؤدِّي بِهِ الْمعَانِي الْأَصْلِيَّة، الْمَقْصُودَة من سِيَاق الْكَلَام1.
ثمَّ شرح أَبُو إِسْحَاق الوسطية الَّتِي يَنْبَغِي أَن يسير عَلَيْهَا الْمُفَسّر فَقَالَ: "وَالْقَوْل فِي ذَلِك - وَالله الْمُسْتَعَان - أَن المساقات تخْتَلف باخْتلَاف الْأَحْوَال والأوقات والنوازل، وَهَذَا مَعْلُوم فِي علم الْمعَانِي وَالْبَيَان، فَالَّذِي يكون على بَال من المستمع والمتفهم
…
الِالْتِفَات إِلَى أول الْكَلَام وَآخره بِحَسب القضيّة، وَمَا اقْتَضَاهُ الْحَال فِيهَا، لَا ينظر فِي أَولهَا دون آخرهَا، وَلَا فِي آخرهَا دون أَولهَا؛ فَإِن الْقَضِيَّة وَإِن اشْتَمَلت على جمل فبعضها مُتَعَلق بِالْبَعْضِ؛ لأنّها قَضِيَّة وَاحِدَة نازلة فِي شَيْء وَاحِد، فَلَا محيص للمتفهم عَن ردّ آخر الْكَلَام على أَوله، وأوله على آخِره، وَإِذ ذَاك يحصل مَقْصُود الشَّارِع فِي فهم المكلَّف، فَإِن فرق النّظر فِي أَجْزَائِهِ، فَلَا يتَوَصَّل بِهِ إِلَى مُرَاده؛ فَلَا يَصح الِاقْتِصَار فِي النّظر على بعض أَجزَاء الْكَلَام دون بعض، إلَاّ فِي موطن وَاحِد وَهُوَ النّظر فِي فهم الظَّاهِر بِحَسب اللِّسَان الْعَرَبِيّ وَمَا يَقْتَضِيهِ، لَا بِحَسب مَقْصُود الْمُتَكَلّم، فَإِذا صَحَّ لَهُ الظَّاهِر على الْعَرَبيَّة، رَجَعَ إِلَى نفس الْكَلَام، فعمّا قريب يَبْدُو لَهُ مِنْهُ الْمَعْنى المُرَاد، فَعَلَيهِ بالتعبد بِهِ وَقد يُعينهُ على هَذَا الْمَقْصد النّظر فِي أَسبَاب التَّنْزِيل؛ فَإِنَّهَا تبين كثيرا من الْمَوَاضِع الَّتِي يخْتَلف مغزاها على النَّاظر
…
"2.
ثمَّ سَاقه الْكَلَام على الْقَاعِدَة الْمُتَقَدّمَة إِلَى التَّعَرُّض إِلَى مَقَاصِد بعض سور
1 - انْظُر الْمصدر نَفسه (4/261 - 263) .
2 -
انْظُر الْمصدر نَفسه (4/266) .
الْقُرْآن الْكَرِيم، فجَاء فِيهِ بالفوائد الممتعة1.
فمما قَالَ فِي ذَلِك قَوْله رَحمَه الله تَعَالَى: "وَقَوله تَعَالَى: {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ} 2 نازلة فِي قَضِيَّة وَاحِدَة. وَسورَة "اقْرَأ" نازلة فِي قضيتين الأولى إِلَى قَوْله: {عَلَّمَ الأِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ} 3، وَالْأُخْرَى مَا بَقِي إِلَى آخر السُّورَة. وَسورَة الْمُؤمنِينَ نازلة فِي قَضِيَّة وَاحِدَة، وَإِن اشْتَمَلت على معَان كَثِيرَة فَإِنَّهَا من الْمَكِّيَّاتِ، وغالب الْمَكِّيّ أَنه مُقَرر لثَلَاثَة معَان - أَصْلهَا معنى وَاحِد وَهُوَ الدُّعَاء إِلَى عبَادَة الله تَعَالَى - أَحدهَا: تَقْرِير الوحدانية لله الْوَاحِد الْحق
…
وَالثَّانِي: تَقْرِير النُّبُوَّة للنَّبِي مُحَمَّد، وَأَنه رَسُول الله إِلَيْهِم جَمِيعًا، صَادِق فِيمَا جَاءَ بِهِ من عِنْد الله
…
وَالثَّالِث: إِثْبَات أَمر الْبَعْث وَالدَّار الْآخِرَة، وَأَنه حق لَا ريب فِيهِ بالأدلة الْوَاضِحَة، وَالرَّدّ على من أنكر ذَلِك، بِكُل وَجه يُمكن الْكَافِر إِنْكَاره بِهِ....
فَهَذِهِ الْمعَانِي الثَّلَاثَة هِيَ الَّتِي اشْتَمَل عَلَيْهَا الْمنزل من الْقُرْآن بِمَكَّة فِي عامّة الْأَمر، وَمَا ظهر ببادئ الرَّأْي خُرُوجه عَنْهَا فراجع إِلَيْهَا فِي محصول الْأَمر، وَيتبع ذَلِك التَّرْغِيب والترهيب، والأمثال والقصص، وَذكر الْجنَّة وَالنَّار، وَوصف يَوْم الْقِيَامَة، وَأَشْبَاه ذَلِك"4.
ثمَّ رَجَعَ أَبُو إِسْحَاق إِلَى تطبيق الْمعَانِي الثَّلَاثَة على سُورَة الْمُؤمنِينَ، يقف على ذَلِك من أحب فِي موطنه من كتاب الموافقات5.
1 - مِمَّن أحسن كِتَابَة فِي هَذَا الْمَوْضُوع - مَقَاصِد سور الْقُرْآن الْكَرِيم - الفيروزابادي فِي كِتَابه بصائر ذَوي التَّمْيِيز.
2 -
سُورَة الْكَوْثَر، الْآيَة:1.
3 -
سُورَة العلق، الْآيَة:5.
4 -
انْظُر الموافقات (4/269، 270) .
5 -
انْظُر (4/270 - 273) .
التَّعْلِيق على مَبْحَث: تَفْسِير الْقُرْآن الْكَرِيم يتبع فِيهِ الْمُفَسّر التَّوَسُّط والاعتدال
قَضِيَّة التَّوَسُّط والاعتدال الَّتِي ألمح إِلَيْهَا أَبُو إِسْحَاق الشاطبي قضيّة مهمّة جدًّا سَوَاء فِي فهم الْقُرْآن الْكَرِيم وَتَفْسِيره، أَو فِي غير ذَلِك من حَيَاة الْمُسلم.
وَلَو اتُّبع كل من فسر الْقُرْآن الْكَرِيم التَّوَسُّط والاعتدال فِي تَفْسِيره لما وجدنَا الأبحاث المطولة الَّتِي لَا علاقَة لَهَا بتفسير الْآيَة.
وَلَو اتُّبع التَّوَسُّط والاعتدال لما جُعل تَفْسِير الْقُرْآن كتاب نَحْو تذكر فِيهِ الْقَوَاعِد النحوية ودقائق عُلُوم النَّحْو، والاعتراضات والردود، ورد الردود.
وَلَو اتُّبع التَّوَسُّط والاعتدال لما وجدنَا بَين كتب التَّفْسِير مَا يشبه كتاب عُلُوم مدرسي فِيهِ صور الْحَيَوَانَات والنباتات، ثمَّ يَدعِي صَاحبه أَن هَذَا هُوَ مَقْصُود الله من إِنْزَال كِتَابه، وَأَن جَمِيع عُلَمَاء التَّفْسِير الْمُتَقَدِّمين أخطأوا عِنْدَمَا لم يظهروا هَذِه الْعُلُوم النباتية الحيوانية؟.
وَلَو اتُّبع التَّوَسُّط والاعتدال لما وجدنَا بَين الْمُفَسّرين لهَذَا الْكتاب الْكَرِيم من يَقع فِي بِدعَة الاعتزال، والإرجاء، والتشبيه، والتكفير، وَغَيرهَا من الْبدع، ثمَّ يُفَسر الْقُرْآن على مَا يُوَافق بدعته، وَيَزْعُم أَن هَذَا هُوَ مَقْصُود الله من كَلَامه.
وَلَو اتُّبع التَّوَسُّط والاعتدال فِي تَفْسِير الْقُرْآن الْكَرِيم لسلم تراثنا التفسيري من خزعبلات بني إِسْرَائِيل الَّتِي قُصد بهَا إِفْسَاد فهمنا لكتاب الله تَعَالَى.
وَلَو اتُّبع التَّوَسُّط والاعتدال فِي تَفْسِير الْقُرْآن الْكَرِيم وتطبيقه لما وصلنا إِلَى هَذِه الْحَال - الَّتِي نَحن عَلَيْهَا الْيَوْم - من الانحطاط والتبعية لأمم الْكفْر من يهود ونصارى وَغَيرهم.