الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
6 -
وَذكر الإِمَام أَبُو إِسْحَاق عَن الإِمَام مَالك أَنه قَالَ فِي قَوْله تَعَالَى: " {لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ} 1إِلَى آخر الْآيَات
…
قَالَ: فهم أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عليه وسلم الَّذين هَاجرُوا مَعَه، وأنصاره {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالأِيمَانِ} 2فَمن عدا هَؤُلَاءِ فَلَا حق لَهُم فِيهِ"3.
1 - سُورَة الْحَشْر، الْآيَة:8.
2 -
سُورَة الْحَشْر، الْآيَة:10.
3 -
انْظُر الِاعْتِصَام (2/592) . والأثر بِمَعْنَاهُ فِي كثير من كتب التَّفْسِير، انْظُر مِنْهَا معالم التَّنْزِيل (4/331) ، وَزَاد الْمسير (8/216) ، وَالْجَامِع لأحكام الْقُرْآن (18/32)، وَتَفْسِير ابْن كثير (4/340) . فقد اشْتهر عَن الإِمَام مَالك أَنه قَالَ: من يبغض أحدا من أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فَلَا حَظّ لَهُ فِي فَيْء الْمُسلمين.
الْبَحْث الْخَامِس: مَعَ الإِمَام أبي إِسْحَاق الشاطبي فِي شيئ من تعقيباته وآرائه فِي التَّفْسِير
…
المبحث الْخَامِس: مَعَ الإِمَام أبي إِسْحَاق الشاطبي فِي شَيْء من تعقيباته وآرائه فِي التَّفْسِير
(1)
قَالَ الإِمَام أَبُو إِسْحَاق الشاطبي - فِي قَوْله تَعَالَى: {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ} 4 -: "فالمغضوب عَلَيْهِم هم الْيَهُود؛ لأَنهم كفرُوا بعد معرفتهم نبوّة مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم، أَلا ترى إِلَى قَول الله فيهم: {الَّذِينَ
4 - سُورَة الْفَاتِحَة، الْآيَة:7.
آتَيْنَاهُم الكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ} 1يَعْنِي الْيَهُود. والضالون هم النَّصَارَى؛ لأَنهم ضلوا فِي الْحجَّة فِي عِيسَى عليه السلام، وعَلى هَذَا التَّفْسِير أَكثر الْمُفَسّرين2، وَهُوَ مَرْوِيّ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم3وَيلْحق بهم فِي الضلال الْمُشْركُونَ الَّذين أشركوا مَعَ الله إِلَهًا غَيره؛ لأنّه قد جَاءَ فِي أثْنَاء الْقُرْآن مَا يدل على ذَلِك؛ ولأنّ لفظ الْقُرْآن فِي قَوْله:{وَلا الضَّالِّينَ} يعمهم وَغَيرهم، فَكل من ضل عَن سَوَاء السَّبِيل دَاخل فِيهِ. وَلَا يبعد أَن يُقَال: إِن {الضَّالِّينَ} يدْخل فِيهِ كل من ضل عَن الصِّرَاط الْمُسْتَقيم، كَانَ من هَذِه الْأمة أَو لَا، إِذْ قد تقدم فِي الْآيَات الْمَذْكُورَة قبل هَذَا مثله، فَقَوله تَعَالَى:{وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ} 4عَام فِي كل ضال كَانَ ضلاله كضلال الشّرك أَو النِّفَاق، أَو كضلال الْفرق المعدودة فِي الْملَّة الإسلامية، وَهُوَ أبلغ وَأَعْلَى فِي قصد حصر أهل الضلال، وَهُوَ اللَّائِق بكليّة فَاتِحَة الْكتاب والسبع المثاني وَالْقُرْآن الْعَظِيم، الَّذِي أُوتيه مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم"5.
1 - سُورَة الْبَقَرَة، الْآيَة:146.
2 -
انْظُر تَفْسِير ابْن أبي حَاتِم (1/23) فقد قَالَ عبد الرَّحْمَن بن أبي حَاتِم: "وَلَا أعلم بَين الْمُفَسّرين فِي هَذَا الْحَرْف اخْتِلَافا" يَعْنِي تَفْسِير "المغضوب عَلَيْهِم" باليهود، و "الضَّالّين" بالنصارى.
3 -
أخرجه التِّرْمِذِيّ (5/202، 203) كتاب تَفْسِير الْقُرْآن، بَاب وَمن سُورَة فَاتِحَة الْكتاب، تَحت رقم (2953) ، وَالْإِمَام أَحْمد فِي الْمسند (4/378، 379) ، وَابْن جرير فِي تَفْسِيره (1/185) وَمَا بعْدهَا، وَابْن أبي حَاتِم فِي تَفْسِيره (1/23) ، وَابْن حبَان فِي صَحِيحه - مَعَ الْإِحْسَان - (16/183، 184) . والْحَدِيث صحّح أَحْمد شَاكر إِسْنَاده. انْظُر تَفْسِير ابْن جرير الْموضع الْمُتَقَدّم.
4 -
سُورَة الْأَنْعَام، الْآيَة:153.
5 -
الِاعْتِصَام (1/184، 185) .
(2)
وَقَالَ - رَحمَه الله تَعَالَى، فِي قَوْله تَعَالَى:{لِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ} 1الْآيَة -: "فوصفهم الله تَعَالَى بأوصاف، مِنْهَا: أَنهم أحْصرُوا فِي سَبِيل الله، أَي: منعُوا وحبسوا حِين قصدُوا الْجِهَاد مَعَ نبيه صلى الله عليه وسلم، كَأَن الْعذر أحصرهم، فَلَا يَسْتَطِيعُونَ ضربا فِي الأَرْض؛ لاتخاذ الْمسكن، وَلَا للمعاش؛ لِأَن الْعَدو قد كَانَ أحَاط بِالْمَدِينَةِ، فَلَا هم يقدرُونَ على الْجِهَاد حَتَّى يكسبوا من غنائمه، وَلَا هم يتفرغون للتِّجَارَة أَو غَيرهَا لخوفهم من الْكفَّار؛ ولضعفهم فِي أوّل الْأَمر، فَلم يَجدوا سَبِيلا للكسب أصلا.
وَقد قيل: إِن قَوْله تَعَالَى: {لَا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْباً فِي الأَرْضِ} 2أَنهم قوم أَصَابَتْهُم جراحات مَعَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فصاروا زمنى3.
وَفِيهِمْ أَيْضا نزل قَوْله تَعَالَى: {لِلْفُقَرَاءِ [الْمُهَاجِرِينَ] 4 الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ} 5أَلا ترى كَيفَ قَالَ: "أُخرجوا" وَلم يقل: (خَرجُوا من دِيَارهمْ وَأَمْوَالهمْ) ؟! فَإِنَّهُ قد كَانَ يُحتمل أَن يخرجُوا اخْتِيَارا، فَبَان أَنهم إِنَّمَا خَرجُوا اضطرارًا، وَلَو وجدوا سَبِيلا أَن لَا يخرجُوا لفعلوا، فَفِيهِ مَا يدل على أَن
1 - سُورَة الْبَقَرَة، الْآيَة:273.
2 -
سُورَة الْبَقَرَة، الْآيَة:273.
3 -
أخرجه ابْن أبي حَاتِم فِي تَفْسِيره (2/540) ، عَن سعيد بن جُبَير بِإِسْنَاد رِجَاله مِنْهُم الثِّقَة، وَمِنْهُم الصدوق، وَأوردهُ السُّيُوطِيّ فِي الدّرّ المنثور (1/358) وَنسب إِخْرَاجه إِلَى ابْن أبي حَاتِم وَغَيره.
4 -
مَا بَين المعكوفين سقط من النُّسْخَة المطبوعة الَّتِي بَين يَدي. وسقوطه سَهْو.
5 -
سُورَة الْحَشْر، الْآيَة:8. وَلم أَقف على من يَقُول: إِن هَذِه الْآيَة نزلت فيهم، إلَاّ عِنْد أبي إِسْحَاق.
الْخُرُوج من المَال اخْتِيَارا لَيْسَ بمقصود للشارع، وَهُوَ الَّذِي تدل عَلَيْهِ أَدِلَّة الشَّرِيعَة"1.
(3)
وَقَالَ أَبُو إِسْحَاق أَيْضا - بعد أَن أورد قَوْله تَعَالَى: {وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ} 2، وَبَعض الْآثَار فِي مَعْنَاهَا -: "وَيحْتَمل أَن يكون الِاسْتِثْنَاء فِي قَوْله تَعَالَى: {إِلا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ} 3مُتَّصِلا، ومنفصلاً. فَإِذا بنينَا على الِاتِّصَال، فَكَأَنَّهُ يَقُول: مَا كتبناها عَلَيْهِم إلَاّ على هَذَا الْوَجْه الَّذِي هُوَ الْعَمَل بهَا ابْتِغَاء رضوَان الله، فَالْمَعْنى أَنَّهَا مِمَّا كتبت عَلَيْهِم - أَي مِمَّا شرعت لَهُم - لَكِن بِشَرْط قصد الرضْوَان.
{فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا} 4يُرِيد أَنهم تركُوا رعايتها حِين لم يُؤمنُوا برَسُول الله صلى الله عليه وسلم، وَهُوَ قَول طَائِفَة من الْمُفَسّرين؛ لِأَن قصد الرضْوَان إِذا كَانَ شرطا فِي الْعَمَل بِمَا شُرع لَهُم، فَمن حَقهم أَن يتبعوا ذَلِك الْقَصْد، فَإلَى أَيْن سَار بهم سَارُوا، وَإِنَّمَا شرع لَهُم على شَرط أَنه إِذا نسخ بِغَيْرِهِ، رجعُوا إِلَى مَا أُحكم، وَتركُوا مَا نُسخ، وَهُوَ معنى ابْتِغَاء الرضْوَان على الْحَقِيقَة، فَإِذا لم يَفْعَلُوا وأصروا على الأول، كَانَ ذَلِك اتبَاعا للهوى، لَا اتبَاعا للمشروع، وَاتِّبَاع الْمَشْرُوع هُوَ الَّذِي يحصل بِهِ الرضْوَان، وَقصد الرضْوَان بذلك.
1 - الِاعْتِصَام (1/261) .
2 -
سُورَة الْحَدِيد، الْآيَة:27.
3 -
سُورَة الْحَدِيد، الْآيَة:27.
4 -
سُورَة الْحَدِيد، الْآيَة:27.
قَالَ تَعَالَى: {فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ} 1فَالَّذِينَ آمنُوا هم الَّذين اتبعُوا الرهبانية ابْتِغَاء رضوَان الله، والفاسقون هم الخارجون عَن الدُّخُول فِيهَا بشرطها، إِذْ لم يُؤمنُوا برَسُول الله صلى الله عليه وسلم.
إِلَّا أَن هَذَا التَّقْرِير يَقْتَضِي أَن الْمَشْرُوع لَهُم يُسمى ابتداعا، وَهُوَ خلاف مَا دلّ عَلَيْهِ حدّ الْبِدْعَة.
وَالْجَوَاب أَنه يُسمى بِدعَة من حَيْثُ أخلُّوا بِشَرْط الْمَشْرُوع، إِذْ شَرط عَلَيْهِم فَلم يقومُوا بِهِ، وَإِذا كَانَت الْعِبَادَة مَشْرُوطَة بِشَرْط، فَيعْمل بهَا دون شَرطهَا، لم تكن عبَادَة على وَجههَا، وَصَارَت بِدعَة، كالمخل قصدا بِشَرْط من شُرُوط الصَّلَاة، مثل اسْتِقْبَال الْقبْلَة، أَو الطَّهَارَة، أَو غَيرهَا، فَحَيْثُ عرف بذلك وَعلمه، فَلم يلتزمه، ودأب على الصَّلَاة دون شَرطهَا، فَذَلِك الْعَمَل من قبيل الْبدع، فَيكون ترهب النَّصَارَى صَحِيحا قبل بعث مُحَمَّد رَسُول الله صلى الله عليه وسلم، فَلَمَّا بُعِث وَجب الرُّجُوع عَن ذَلِك كُله إِلَى مِلَّته، فالبقاء عَلَيْهِ مَعَ نسخه بقاءٌ على مَا هُوَ بَاطِل بِالشَّرْعِ، وَهُوَ عين الْبِدْعَة.
وَإِذا بنينَا على أَن الِاسْتِثْنَاء مُنْقَطع، وَهُوَ قَول فريق من الْمُفَسّرين، فَالْمَعْنى: مَا كتبناها عَلَيْهِم أصلا، وَلَكنهُمْ ابتدعوها ابْتِغَاء رضوَان الله، فَلم يعملوا بهَا بشرطها، وَهُوَ الْإِيمَان برَسُول الله صلى الله عليه وسلم إِذْ بعث إِلَى النَّاس كَافَّة.
وَإِنَّمَا سميت بِدعَة على هَذَا الْوَجْه لأمرين:
أَحدهمَا: يرجع إِلَى أَنَّهَا بِدعَة حَقِيقِيَّة2 - كَمَا تقدم - لِأَنَّهَا دَاخِلَة تَحت حد الْبِدْعَة.
1 - سُورَة الْحَدِيد، الْآيَة:27.
2 -
الْبِدْعَة الْحَقِيقِيَّة هِيَ الَّتِي لم يدل عَلَيْهَا دَلِيل شَرْعِي، لَا من كتاب وَلَا سنة وَلَا إِجْمَاع. انْظُر الْبِدْعَة ضوابطها وأثرها السيء فِي الْأمة. ص (14) .
وَالثَّانِي: يرجع إِلَى أَنَّهَا بِدعَة إضافية1؛ لأنّ ظَاهر الْقُرْآن دلّ على أَنَّهَا لم تكن مذمومة فِي حَقهم بِإِطْلَاق، بل لأَنهم أخلوا بشرطها، فَمن لم يخل مِنْهُم بشرطها، وَعمل بهَا قبل بعث النَّبِي صلى الله عليه وسلم حصل لَهُ فِيهَا أجر، حَسْبَمَا دلّ عَلَيْهِ قَوْله:{فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ} 2أَي أَن من عمل بهَا فِي وَقتهَا، ثمَّ آمن بِالنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بعد بَعثه وفيناه أجره.
وَإِنَّمَا قُلْنَا: إِنَّهَا فِي هَذَا الْوَجْه إضافية؛ لأنّها لَو كَانَت حقيقيّة لخالفوا بهَا شرعهم الَّذِي كَانُوا عَلَيْهِ؛ لِأَن هَذَا حَقِيقَة الْبِدْعَة، فَلم يكن لَهُم بهَا أجر، بل كَانُوا يسْتَحقُّونَ الْعقَاب؛ لمخالفتهم لأوامر الله ونواهيه، فَدلَّ على أَنهم رُبمَا فعلوا مَا كَانَ جَائِزا لَهُم فعله، وَعند ذَلِك تكون بدعتهم جَائِزا لَهُم فعلهَا، فَلَا تكون بدعتهم حَقِيقِيَّة، لكنه ينظر على أَي معنى أطلق عَلَيْهَا لفظ الْبِدْعَة، وَسَيَأْتِي بعد بحول الله.
وعَلى كل تَقْدِير: فَهَذَا القَوْل لَا يتَعَلَّق بِهَذِهِ الْأمة مِنْهُ حكم؛ لِأَنَّهُ نُسخ فِي شريعتنا، فَلَا رَهْبَانِيَّة فِي الْإِسْلَام، وَقَالَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم:"من رغب عَن سنتي فَلَيْسَ مني"3.
على أَن ابْن الْعَرَبِيّ نقل فِي الْآيَة أَرْبَعَة أَقْوَال:
1 - الْبِدْعَة الإضافية: هِيَ مَا كَانَ أصل الْعَمَل مَشْرُوعا كَالصَّلَاةِ - مثلا - فَيدْخل المبتدع عَلَيْهَا أمرا من عِنْد نَفسه فيخرجها عَن أصل مشروعيتها. انْظُر الْمرجع السَّابِق، ص (15) .
2 -
سُورَة الْحَدِيد، الْآيَة:27.
3 -
أخرجه الإِمَام البُخَارِيّ فِي صَحِيحه - مَعَ الْفَتْح - (9/104) ، كتاب النِّكَاح، بَاب التَّرْغِيب فِي النِّكَاح، ح (5063) ، وَمُسلم فِي صَحِيحه (2/1020) ، كتاب النِّكَاح، ح (5) .
الأول: مَا تقدم. وَالثَّانِي: أَن الرهبانية رفض النِّسَاء، وَهُوَ الْمَنْسُوخ فِي شرعنا. وَالثَّالِث: أَنَّهَا اتِّخَاذ الصوامع للعزلة. وَالرَّابِع: السياحة.
قَالَ: وَهُوَ مَنْدُوب إِلَيْهِ فِي ديننَا عِنْد فَسَاد الزَّمَان1.
وَظَاهره يَقْتَضِي أَنَّهَا بِدعَة؛ لِأَن الَّذين ترهبوا قبل الْإِسْلَام إِنَّمَا فعلوا ذَلِك فِرَارًا مِنْهُم بدينهم، ثمَّ سميت بِدعَة، وَالنَّدْب إِلَيْهَا يَقْتَضِي أَن لَا ابتداع فِيهَا، فَكيف يَجْتَمِعَانِ؟!.
وَلَكِن للمسألة فقه يذكر بحول الله.
وَقيل: إِن معنى قَوْله تَعَالَى: {وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا} 2أَنهم تركُوا الْحق، وأكلوا لُحُوم الْخَنَازِير، وَشَرِبُوا الْخمر، وَلم يغتسلوا من جَنَابَة، وَتركُوا الْخِتَان {فَمَا رَعَوْهَا} 3يَعْنِي: الطَّاعَة وَالْملَّة، {حَقَّ رِعَايَتِهَا} 4فالهاء رَاجِعَة إِلَى غير مَذْكُور وَهُوَ الْملَّة، الْمَفْهُوم مَعْنَاهَا من قَوْله:{وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً} 5؛ لِأَنَّهُ يفهم مِنْهُ أَن ثَم مِلَّة متبعة كَمَا دلّ قَوْله: {إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بِالْعَشِيِّ} 6على الشَّمْس حَتَّى عَاد عَلَيْهَا الضَّمِير فِي قَوْله تَعَالَى: {تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ} 7وَكَانَ الْمَعْنى على هَذَا القَوْل: مَا كتبناها عَلَيْهِم على هَذَا الْوَجْه الَّذِي فَعَلُوهُ، وَإِنَّمَا أمرناهم بِالْحَقِّ، فالبدعة فِيهِ إِذا حَقِيقِيَّة لَا إضافية.
1 - انْظُر أَحْكَام الْقُرْآن (4/1744) .
2 -
سُورَة الْحَدِيد، الْآيَة:27.
3 -
سُورَة الْحَدِيد، الْآيَة:27.
4 -
سُورَة الْحَدِيد، الْآيَة:27.
5 -
سُورَة الْحَدِيد، الْآيَة:27.
6 -
سُورَة ص، الْآيَة:31.
7 -
سُورَة ص، الْآيَة:32.