المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌أوميرس الشاعروالموروث الأوميريسي عند العرب - ملامح يونانية في الأدب العربي

[إحسان عباس]

الفصل: ‌أوميرس الشاعروالموروث الأوميريسي عند العرب

" 2 "

‌أوميرس الشاعر

والموروث الأوميريسي عند العرب

عرف طلاب الثقافة الإغريقية عددا من أسماء شعراء اليونان مثل ايسيودس (1) وبندارس (فندارس)(2) وسيمونيدس (3) وسوفقليس (4) وأوريبيدس (5) ، وألحقوا بكل منهم أقوالا في الحكمة (6) ، ولكن لم يحتل أحد لديهم مكانة عالية كالتي احتلها أوميرس،

(1) ايسيودس (Hesiod) لا يعرف متى عاش على وجه التحقيق، غير أن هيرودت المؤرخ يعده معاصرا لأوميرس، بينما ترجح البحوث الحديثة أنه متأخر عنه بكثير، ومن أهم آثاره " الأعمال والأيام " وهي قصيدة يتوجه بها إلى أخيه برسيس (Perses) الذي حاول أن يغصبه ما ورثه عن أبيه من أرض.

(2)

بندارس (Pindar)(518 - 438 ق. م.) شاعر غنائي، يبدو أن أبويه كانا ينتميان إلى الطبقة الأرستقراطية، أخذ الشعر عن عمه وغيره ونظمه في تمجيد بعض الفائزين في الألعاب الأولمبية، وفي سنة 476 ذهب إلى صقلية ومجد طاغيتها هيرون لفوزه في سباق الخيل، ونظم في مدحه عدة قصائد، وقد جمعت أشعاره في سبعة عشر جزءا.

(3)

سيمونيدس (Simonides)) (556 - 468) شاعر غنائي وصاحب مراث/ ارتحل حوالي سنة 514 إلى تشاليا وحل ضيفا على عائلة السكوبيين ومجد فوزهم في سباق العربات، بأعجوبة حين سقط عليهم البيت فرثاهم في إحدى قصائده، ثم عاد إلى أثينا حوالي 490 وكتب أبياتا سجلت على شاهد القبر الذي ضم قتلى مرثون، وبين سنتي 480 - 479 كسب شهرة عالية إذ كتب أبياتا في رثاء الإسبارطيين الذين قتلوا في معركة ثرموبيلي.

(4)

سوفقليس Sophocles (حوالي 496 - 406 ق. م) أحد الثلاثة أعلام التراجييديا اليونانية، والآخران هما اسخيلوس ويوربيديس كان أبوه غنيا، وكان هو جميل المحيا ماهلاا في الرقص والموسيقى، وقد فاز في المباريات المسرحية عدة مرات، ومن أهم مسرحياته: الكترا وأوديب كولونيوس، وانتيجونه وأوديب ملكا وغيرها.

(5)

أوريبيدس (Euripides)(485 (؟) - 406 (؟)) لعله تتلمذ على انكساغوراس، وخالط بعض فلاسفة عصره مثل سقراط، كان شغوفا بالقراءة والدرس، مؤثرا للعزلة، وقد ظهر أول مرة في المباريات المسرحية سنة 455، ومن أهم مسرحياته التسع عشرة الباقية: الكترا وأورست.

(6)

انظر أمثلة من هذه الأقوال في مختار الحكم: 316 (لايسيودس) 298، 302، 303، 315305 (لبندارس) 316 (لسيمونيدس) 302، 312، 315، 318، 319 (لسوفقليس) 318 (لأوريبيدس) .

ص: 39

فهو أمرؤ القيس اليوناني (1) ، به بدئ الشعر، وكان زمانه في الفترة الواقعة بين أبقراط وجالينوس (2) ، وفي قول آخر إنه كان بعد زمان موسى بخمسة قرون (3) ، وإذا كان غيره من الشعراء قد اقتصر على الشعر فإنه كان يجمع إلى الشعر الحكمة، ولتقدمه في صناعة الشعر أصبح قدوة يحتذى، وعلى منواله نسج كل من جاءوا بعده وتعلموا منه (4) . ويؤخذ من بعض الحكايات أنه كان في الشعر؟ في نظر بعض العرب - من المقلين (5) .

أما من حيث الخلفة فإنه كان معتدل القامة حسن الصورة أسمر اللون عظيم الهامة، ضيق ما بين المنكبين، سريع المشية كثير التلفت، بوجهه آثار الجدري (6) . ومن صفاته أنه كان يحب المزاج ومداخلة الرؤساء، ويوصف أيضا بأنه كان مهذارا مولعا بالسب لمن تقدمه (7) ، ولعل هاتين الصفتين إنما ألحقتا به من جراء الخلط بينه بعض الشخصيات الأخرى، وقيل إنه حين توفي كان له من العمر مائة سنة وثماني سنين (8) .

ولم تكن الشهرة التي نالها أوميرس مبنية بالدرجة الأولى على معرفة وثيقة بآثاره الشعرية، إذا نحن استثنينا من ذلك معرفة حنين المباشرة لشعره، فإن الأثرين العظيمين

(1) منتخب صوان الحكمة الورقة: 11، وصوان (طهران) : 92 الآثار: الباقية: 86.

(2)

ابن أبي أصيبعة 1: 36.

(3)

المبشر بن فاتك: مختار الحكم: 30.

(4)

المصدر السابق نفسه.

(5)

القفطي: تاريخ الحكماء: 70.

(6)

مختار الحكم: 30 وله صورة في مخطوطة برلين رقم: Qu. 785 الورقة 21 ب وانظر مقالة كريمرس ص 289 والصورة المرفقة هنا.

(7)

مختار الحكيم: 30.

(8)

المصدر السابق نفسه.

ص: 40

صورة اوميروش الشاعر

صورة اوميروس كما جاءت في مخطوطة برلين رقم 785.Qu

ص: 41

فراغ

ص: 42

اللذين ينسبان إليه وهما الإلياذة والأوديسة لم يترجما إلى العربية، مع أنهما ترجما (أو ترجم بعضهما) إلى السريانية على يد ثوفيل الرهاوي في القرن الثامن الميلادي، حسبما ذكر ذلك أبو الفرج ابن العبري (1) ، ولكن تلك الشهرة ترجع إلى أن الدارسين للثقافة اليونانية وجدوا في مصادرهم شهادة موثقة في الثناء على أوميرس، وأنه كان عند يونان أرفع الشعراء منزلة (2) وهم يقرأون أن ديوجانس الكلبي سئل من أشعر اليونانيين فقال كل واحد عند نفسه وأوميرس عند الجمهور (3) ومما زكى هذه الشهادة وأيدها إعجاب كل من أفلاطون وارسطاطلليس وثناؤهما عليه واستشهادهما بشعره " لما كان يجمع فيه من اتقان المعرفة ومتانة الحكمة وجودة الرأي وجزالة اللفظ (4) ". وقد وجدوا ارسطاطاليس بخاصة يكثر من ذكره في كتابيه الخطابة والشعر، ويمنحه التفوق في كل موقف ويميزه بالإجادة المطلقة، ولعل هذا الذي أوحى إلى ابن رشد أن يقول فيه:" فكان رب النعمة العظيمة بذلك عند اليونانيين وعظموه كل التعظم حتى اعتقدوا فيه أنه كان رجلا إلهيا، وأنه كان المعلم الأول لجميع اليونانيين (5) ".

وتندرج الأقوال الملحقة باسمه في ثلاثة أنواع:

1 -

أقوال ومواقف حكمية يشارك فيها سائر الحكماء.

2 -

أشعار ثابتة النسبة له أو محتمل ثبوتها.

3 -

أشعار نسبت له وهي لغيره.

1 -

الأقوال والمواقف الحكمية: أورد المبشر بن فاتك عددا كبيرا منها، وعند ابن هندو والشهرستاني والشهرزوري بعضها (6) ، وفي بصائر التوحيدي عدد منها تحت عنوان

(1) كريمر: 261، وانظر أيضا:

G. E. von Grunebaum: Medieval Islam، (the University of Ghicago Press، 1961) P. 303.

(2)

مختار الحكم: 29.

(3)

الكلم الروحانية: 106 ومنتخب صوان الحكمة: 71، وصوان (طهران) :193.

(4)

الملل والنحل 2: 164 ومنتخب: 70 وصوان الحكمة (طهران) : 192.

(5)

ابن رشد: تلخيص الخطابة: 102.

(6)

مختار الحكم: 30 - 33 والكلم: 90 - 91 والملل والنحل 2: 165 - 166 وشمس الدين الشهرزوري: روضة الأفراح ونزهة الأرواح: الورقة 44.

ص: 43

" ومن حكم اليونانيين (1) " دون ذكر لاسم أوميرس، مثل: آله الرئاسة سعة الصدر، عادة الصمت تورث عيا، اللجاجة تسلب الرأي، خضوع اللفظ يحلل الحقد، افرط الأنس مقدمة للجرأة، قوة العزم تنبل البغية. فهذه الأقوال مما نسبه المبشر به فاتك إلى أوميرس، ويبدو أن الأقوال الأخرى التي ذكرها التوحيدي إنما وجدها أيضا منسوبة له، ولكنه أوردها لليونانيين على التعميم، وتجنب ذكر أوميرس في كل كتاب البصائر.

ومن المتعذر أن يقطع المرء بصحة نسبة هذه الأقوال والمواقف إلى أوميرس، وخاصة حين نجد المصادر تخلط في نسبتها، فقد روى المبشر أن أوميرس استرق واشتراه بعضهم فقال له المشتري: لأي شيء تصلح؟ قال: للحرية (ص: 30) ثم روى المؤلف نفسه هذا الموقف نفسه لارسيجانس (ص: 297) وروى الشهرستاني له قوله: الكرم يخرج ثلاثة عناقيد: عنقود الالتذاذ وعنقود السكر وعنقود السفاهة (2)، وهو قول رواه المبشر منسوبا إلى خروسيس (3) (ص: 300) ، وحكي عنه أنه كان يقول: كل الناس يحمل مزادتين واحدة في مقدمة وأخرى في مؤخرة، فالتي في المقدم ينظر بها سيئات غيره وعثراته، والتي في المؤخر لا ينظر بها إلا سيئات نفسه وعثراتها. وقد روى المبشر هذا القول مرتين: مرة لأوميرس (ص: 37) ومرة لأرسورس (ص: 300) وأورده ابن هندو (ص: 101) منسوبا لديمستانس الخطيب، وهذا القول نفسه مروي عن ايسوبيوس (Aesop)(4) ، ولهذا الخلط وما أشبهه أسباب مختلفة، سيجيء الحديث عنها في ما يلي.

2 -

أشعار ثابتة النسبة له أو محتمل ثبوتها:

أكثر هذه الأشعار وردت على شكل شواهد وأمثلة موضحة، سواء في كتاب الخطابة

(1) البصائر والذخائر 3: 676 - 677.

(2)

النص مضطرب في الشهرستاني 2: 167.

(3)

الصواب أنا خرسيس كما أثبت الأستاذ أولمان في كتابه المذكور سابقا ص: 7.

(4)

Babrius and Phaedrus (Loeb Glassical Library 1965) No. 66P. 83، 317.

ص: 44

وكتاب الشعر أو غيرهما، ولكنها لا تفيد معرفة مباشرة بقصائد أوميرس، وقد وضح الأستاذ كريمر أن بعض هذه النصوص قد أسي فهمها (1) ، وأن المترجم كان يكمل النص اليوناني، اعتمادا على معرفته بالنص السرياني، كما حدث في هذين البيتين اللذين يمثلان مطلعي الإلياذة والأوديسية:

أنبئينا أيتها الآلهة عن غضب أخيلوس

أنبئينا يا موسا (Muse) عن الرجل الكثير المكايد الذي حسم أمورا كثيرة من بعد ما خربت المدينة العامرة إليون (2) .

وفي كتاب الخطابة نصوص أخرى بعضها ذو حظ من الدقة مثل: أن الغضب لأحلى من الشهد (ابن رشد: لأحلى من قطرات العسل)(3)، وبعضها قد انحرف عن جادة الدقة مثل قوله يصف إنسانا يندب ميتا: أنه لما تكلم بذلك صرخوا صرخة فاجعة لذيذة (4)، وهذا تحوير لقوله هنالك " ثار في قلوبهم حنين إلى البكاء " (الإلياذة 23: 108) وكذلك جاء عند كل من ابن سينا وابن رشد " إن هذه المدينة إذا فتحت عنوة ستلقى من مالاغروس (Meleagros) كل شر، وكذلك الناس كلهم، فإنه يهلك الناس ويشب الحريق في المدينة حتى يحرقها بأسرها ويعترف كل بولده، أي ينوح كل باسم ولده: يا ولدي فلان (5) "، وإذا قارنا هذا القول بما ورد في الإلياذة (9: 291 - 594) اتضح فيه إساءة فهم المعنى الأصلي، وخطأ المناسبة، وإلحاق إضافات ليست من الأصل.

ولدى البيروني في " تحقيق ما للهند من مقولة " ثلاثة أقوال لاوميرس (6) : أولها: ولست أدري ماذا يعنون بإضافة الصوت إلى السماء وأظنه شبيها بما قال أوميرس شاعر اليونانيين: " إن ذوات اللحون السبعة ينطقن ويتجاوبن بصوت حسن " وعنى الكواكب

(1) كريمر: 263 - 264.

(2)

الترجمة القديمة لكتاب الخطابة: 232، وكريمر: 266 وانظر مثالا آخر: 269.

(3)

ابن سينا: الخطابة: 101 وتلخيص الخطابة: 178 والإلياذة 18: 109.

(4)

الخطابة: 101 والتلخيص: 180.

(5)

الخطابة: 80 والتلخيص: 128.

(6)

تحقيق ما للهند: 21، 48، 114.

ص: 45

السبعة وقد وقف الأستاذ كريمر عند هذا القول، وربط بين فكرة اللحون وآراء فيثاغورس ثم قال: فإذا قبلنا أن يكون البيت الذي رواه البيروني لأوميرس نقلا عن تعليق لفيثاغورس فإن هذا ليس بمستبعد (1) .

وثاني الأقوال التي أوردها البيروني هو: لأن اقراطس الشاعر سمى الفلك زوس، وكذلك قال أوميرس:" كما تقطع الثلج من زوس " وفيه إشارة إلى ما ورد في الإلياذة (19: 357)(2) .

وثالث تلك النصوص قول أوميرس في الحديث عن غلقسياس (Galaxy) ؟ أي المجرة - " إنك جعلت السماء الطاهرة مسكن الأبد للآلهة، لا تزعزعه الرياح ولا تبله الأمطار ولا تتلفه الثلوج، بل فيه الصحو البهي بلا سحاب يغشاه (3) " الاوديسية 6: 42 - 45.

3 -

أشعار نسبت إليه وهي لغيره:

يظهر بعض هذه الأشعار عند حنين بن إسحاق في نوادر الفلاسفة، ولكن أكبر مجموعة منها وردت في صوان الحكمة الذي يقرن باسم أبي سليمان المنطقي، وهو كتاب لم

(1) كريمر: 276.

(2)

كريمر: 270، وانظر الصفحات 274 - 275 في تبيان أهمية ما نقله البيروني في هذا الموضع.

(3)

قد تصح نسبة الأقوال التالية إلى أوميرس وهي مما ورد في مخطوطة آيا صوفيا (رقم: 4260) :

(أ) كن على وصف أوميرس: " أسدا عند الحركة، حملا عند السكون، كالنمر الذي لا ينام وقت جوعه ولا يسهر وقت شبعه ".

(ب) فهو كما قال أوميرس الشاعر: " في الدم سيفه لا يرفع، وأمواله تنفذ، وخراجه مع هذا ثقيل، وخزائنه خراب، ومن يشكره قليل ".

(ج) وأنه لينبغي أن يقال فيها كما قال أوميرس في صانع منطقة هرقلس: " أنه لو لم يصنع شيئا قط سواها لكفاءة بصنعتها شرفا، إذ ما أورد على الناس مثل تلك الصنعة ".

أما بقية الأقوال الواردة في هذه المخطوطة فإنها تلحق بالنوع الثالث.

انظر:

M. Grignaschi، " Le Roman epistolaire classique conserve dans Ia version arabe de Salim abu - I - " Aia " Ie Museon 80، 1967: APPendix LL، No 11، 12، 20.

(ويشار إليها من بعد باسم: غرنياسكي، المقالة الأولى) .

ص: 46

يصلنا في صورته الكاملة، وإنما لدينا منه اجتزاءان: أحدهما يسمى مختصر صوان الحكمة، صنعة عمر بن سهلان الساوي، والثاني: منتخب صوان الحكمة، وعن هذا الكتاب نقل كل من الشهرستاني والشهرزوري صاحب روضة الأفراح ونزهة الأرواح. وقد وردت مجموعة من هذه الأشعار عند معاصر لأبي سليمان وهو أبو الفرج ابن هندو في كتابه الكلم الروحانية، ولكنه لم ينسبها إلى أوميرس وإنما وضعها تحت عنوان " مما نقل من أشعارهم (أي اليونانيين) إلى العربية "(1) وقد عني الأستاذ كريمر في مقالته التي تكررت الاشارة اليها من قبل وفي ملحق المقالة (2) بدراسة هذه المجموعة، وتلاه الأستاذ منفرد أولمان، الذي انطلق من حيث بلغ كريمر، في دراسته، وقام بنشر هذه الأقوال وترجمتها، وردها إلى مصادرها (3) ، وأعاد نشرها الدكتور فهمي جدعان في مقالته " هوميرس عند العرب "(4) .

وخلاصة ما توصل إليه البحث في هذه الأقوال أنها؟ حتى حين تحمل سمات إسلامية - صحيحة النسبة إلى يونان، وهي ليست من صنع شاعر واحد، وإنما هي تنسب لعدة شعراء، فهم يوربيدس ومناندر وديفيلوس وغيرهم، إلا أن القسم الأكبر من هذه الأقوال لا يعرف قائلوه، ويدل الترتيب الذي اتبعه ابن هندو وأبو سليمان المنطقي على أن هذه الأقوال نقلت من مصادر مرتبة بحسب الترتيب الأبجدي اليوناني، وتعرف تلك المجموعات التي تحتوي الأقوال المناندرية نسبة إلى مناندر الشاعر الكوميدي (343 - 292 أو 291 ق. م) مع أنها ليست كلها لمناندر؟ كما تقدم القول -، وقد يرجع بعض هذه المجموعات المناندرية إلى القرن الثاني قبل المسيح، ويرى باحثون آخرون أنه يمكن إرجاعها إلى القرن الأول، وردها بعضهم إلى القرن الرابع ب. م، وهما يكن من شيء فإن هذه المجموعات كانت تتزايد على مر الزمن، خدمة لأغراض تعليمية.

(1) الكلم الروحانية: 135.

(2)

Zu den " Arabischen Homerversen "(ZDMG، 1957) PP. 511 - 518

(ويشار إليه باسم الملحق) .

(3)

هو كتابه المذكور سابقا.

(4)

مجلة الأبحاث (1671) : 3 - 36.

ص: 47

وقد جاء في منتخب صوان الحكمة في تقديم هذه المقطعات، " وهذه بعض مقطعات من أشعار أوميرس التي تسمى يامبو (Iambio) فيها معان حسنة، وترتيبها على حروف اليونانيين، نقلها اصطفن إلى العربية (1) ". واصطفن هذا هو ابن بسيل، كان ترجمانا معاصرا لحنين، وقد نقل كثيرا من الكتب العلمية، من أهمها كتاب ديسقوريدس في النبات، وكان حنين يتصفح ما يترجمه، وكان هو يقارب حنينا في النقل، إلا أن عبارة هذا الثاني أفصح وأحلى (2) ، وقد صرح المنطقي بأن اصطفن قام بالترجمة عن اليونانية مباشرة (3) .

وعدد هذه الأقوال التي ترجمها اصطفن 350 قولا عند أولمان (ويضاف اليها 92 قولا لمترجم آخر) وعند جدعان 213 قولا (يضاف اليها 28 قولا عن كتاب الشهرستاني) ، وسبب هذا الفرق أن أولمان أضاف ما وجده عند الشهرزوري وما في مختصر صوان الحكمة.

وعند المقارنة بين المصادر التي أوردت الأقوال المناندرية نجد اضطرابا في نسبة القول الواحد إلى اثنين أو أكثر (4) ، وهذه القضية تثير السؤالين التاليين لماذا يحدث الاضطراب في نسبة قول ما أولا؟ ولماذا نسبت هذه الأقوال إلى أوميرس، وهي ليست له، ثانيا؟

من الطبيعي أن يحمل بعض هذا الاضطراب على أخطاء النساخ وأوهامهم، وعلى صعوبة الأسماء اليونانية وتشابه بعضها بالبعض الآخر حين ترسم بالحروف العربية، كما أنه قد ينشأ عن جهل بالقائل الأصلي، إذ قد ينزع أحدهم متمثلا بقول قديم، فيظن أنه صاحب ذلك القول، فينسب إليه دون صاحبه الحقيقي، ومن أمثلة ذلك ما يروى من أن رجلا عليه ثياب فاخرة وقف على فيثاغورس فتكلم ولحن في كلامه فقال له

(1) منتخب صوان الحكمة: 71 وصوان (طهران) : 194، وجدعان: 16 وأولمان: 8.

(2)

راجع القفطي: 171 وابن أبي أصيبعة 1: 189، 204، 2:46.

(3)

جدعان: 6.

(4)

يقول الأستاذ أولمان: 9، في خمسة مواضع نسب أحد الأقوال إلى أربعة أشخاص، وفي ثمانية عشر موضعا إلى ثلاثة وفي 84 موضعا إلى اثنين.

ص: 48

فيثاغورس: إما أن تتكلم بكلام يشبه لباسك أو تلبس لباسا يشبه كلامك (1) ، فهذا القول نفسه ينسب للمبرد (2) ، ولا تفسير لذلك إلا أن المبرد تمثل به في موقف مشابه. كذلك فإن بعض الأقوال إذا ترجمت من اليونانية إلى العربية أشبهت أقوالا سائرة في العربية، فاختلطت بذلك نسبتها، فالقول:" لا يكسب الإنسان الحسنة إلا بالتعب " من أقوال يوربيدس (3) ، ومع ذلك فلو نسبه أحدهم لأحد حكماء المسلمين لجازت النسبة. وكثيرا ما يحور المترجمون في النصوص المنقولة بعض تحوير لتشبه شيئا موجودا في تراث اللغة التي ينقلون إليها. وقد يكون المترجم أمينا غاية في الأمانة، إلا أن مصادره مضطربة تنسب القول الواحد لعدة أشخاص. فقد لاحظ الأستاذ شتروماير أن هذا القول:" إنما جعل للإنسان لسان واحد وأذان ليكون ما يسمعه أكثر مما يتكلم به " قد ورد في المصادر الإغريقية واللاتينية منسوبا إلى ديموقريطس وديموستين وزينون الرواقي واكزنوقراطس وافقطيطس، فلما نقل إلى المصادر العربية نسب أيضا إلى سقراط وأفلاطون وديوجانس (4) . وقد تكون شهرة القول ودلالته على وجهة أخلاقية معينة سببا في نسبته لغير واحد، فهذا القول:" لولا قولي إني لا أعلم تثبيتا أني أعلم لقلت إني لا أعلم "، ومثله " ما كسبت من فضيلة العلم إلا علمي بأني لا أعلم "، يشير إلى حث على التواضع محمود في العلماء، ولهذا يمكن أن ينسب لغير واحد (5) .

وكثير من هذا التصرف يرجع إلى طبيعة الأقوال الحكمية والمنهج المتبع في النظر إليها، فهي على خلاف علم الحديث لا توثق بالرواية، ولا يهم اسم قائلها بمقدار ما يهم

(1) مختار الحكم: 68 ولباب الآداب: 443، وانظر الكلم الروحانية: 133 حيث ينسب إلى بعض الفلاسفة.

(2)

البصائر 1: 217.

(3)

كريمر، الملحق:518.

(4)

G. Stromaier: Ethical Sentences and Anecdotes of Greek Philosophers in Arabic Tradition (in Correspondance d، Orient No. 4، Bruxelles، 1970) PP. 464 - 65.

وفي المصادر العربية انظر القول في مختار الحكم: 107، 131، 81 وابن أبي أصيبعة 1: 48 وأسامة بن منقذ: لباب الآداب: 465 وقد نسب في العقد (2: 472) لأبي الدرداء.

(5)

نسب في مختار الحكم: 167 لأفلاطون، 50 لأبقراط، 125 لسقراط، 302 لبندارس وورد في البصائر 2: 693 لأفلاطون وتارة لفيلسوف دون تعيين.

ص: 49

الناس منها محتواها الأخلاقي، ولهذا لا يدقق الرواة في إلحاقها بصاحبها الحقيقي، وعلى هذا فمن الخطر في الدراسة الأدبية الاتكاء الكثير على هذه الأقوال في تبين شخصية المدروس ومنهجه العلمي ونظراته الفكرية. وقد يبلغ التهاون حدا بعيدا يصيب بعض الأقوال والمواقف التي أصبحت من الشهرة والسطوع بحيث لا يمكن نسبتها إلا إلى شخص واحد، فقصة المرأة التي وقفت تشتم زوجها، فلما أعياها صمته وهدوءه صبت عليه الماء فقال لها دون أن يفارقه هدوءه " كنت تبرقين وترعدين وأما الآن فقد أمطرت " مشهورة عن زوجة سقراط، ومع ذلك نجدها منسوبة إلى كل من فيثاغورس وأنكساغوراس (1) . وأبين من ذلك قصة الحكيم الذي اتخذ الحب مسكنا له، فهذه القصة معروفة عن ديوجانس الكلبي، ومع ذلك فإن المصادر العربية نسبتها إلى سقراط. جاء في مختار الحكم:" وقال له بعض تلامذته: أيها المعلم كيف لا نرى عليك أثر حزن؟ فقال له سقراط: لأني لا أملك ما إن عدمته أحزنني، فقال له سوفسطائي كان حاضرا: فإن انكسر الحب؟ وكان سقراط يأوي إذ ذاك في كنف حب - فقال سقراط: إن انكسر الحب فلا ينكسر المكان "(2) ، ولهذا عرف سقراط في المصادر العربية باسم " سقراط الحب "، وقد قصر ابن أبي أصيبعة سكناه الحب على الفترة التي كان فيها مع الملك في المعسكر " فكان سقراط يأوي في عسكر ذلك الملك إلى زير مكسور يسكن فيه من البرد وإذا طلعت الشمس خرج منه فجلس عليه يستدفئ في الشمس " (3) ويبدو أن الشهرستاني لم يأخذ الحكاية علة معناها الظاهري فتأول الحب بمعنى الجسد الإنساني (4) أما القفطي فروى الحكاية على وجهها الظاهري فقال:" ويعرف بسقراط الحب لأنه سكن حبا وهو الدن "(5) .

(1) البصائر 1: 475 ومنتخب صوان الحكمة: الورقة 24 وصوان (طهران) : 115.

(2)

مختار الحكم: 121 وبصورة موجزة: 97. والقصة رواها حنين والكندي أيضا. انظر:

A.S. Halkin: Classical and Arabic Malterial in Ibn، Aknin " Hygiene of the Soul "(in American Academy of Jewish Research، Procee dings vol. Xiv، 1944) P. 50.

ويذكر من بعد باسم هالكن "

وأشار اليها كريمر: 293 - 294، وانظر رسالة الكندي في دفع الحزن (في الكندي فيلسوف العرب الأول لمحمد كاظم الطريحي) ص:119.

(3)

ابن أبي أصيبعة 1: 43 - 44 وهالكن: 51.

(4)

الملل والنحل 2: 143 وهالكن.

(5)

أخبار الحكماء: 197 وهالكن.

ص: 50

ولاستكمال الصورة أيضا نقلت قصة ديوجانس مع الملك، ونسبت إلى سقراط. فقد روي أن سقراط كان يوما يتشرق في الشمس على ظهر الحب الذي يأوي إليه، فوقف عليه الملك فقال: يا سقراط ما الذي منعك من إتياننا؟ فقال: الشغل أيها الملك بما يقيم الحياة، فقال الملك، لو أتيتنا كفيناك، فقال له سقراط: لو علمت أني أجد ذلك لزمتك ما لزمتني الحاجة إلى ذلك، فقال له الملك: فسل حاجتك، قال: حاجتي أن تزيل عني ظلك فقد منعتني المرفق بالشمس، فدعا له بكسى فاخرة من الديباج وغيره والذهب، فقال له سقراط: وعدت بما يقيم الحياة وبذلت [ما] يقيم الأموات، ليس لسقراط حاجة إلى حجارة الأرض وهشيم النبت ولعاب الدود، الذي يحتاج إليه سقراط [هو] معه حيث توجه " (1) ، ولا ريب في أن الدافع إلى تحوير مثل هذه الرواية من ديوجانس إلى سقراط، إنما كان تأكيدا للصورة الزهدية الكبرى التي ارتسمت في الأذهان لذلك الفيلسوف، ولكن من المستبعد أن يكون هذا التحوير قد جرى على أيدي الرواة المسلمين، وأغلب الظن أنه كان من فعل بعض النقلة قبل ذلك، ليمنحوا سقراط طابعا مسيحيا. وقد يطول بنا القول لو أردنا مزيدا من الأمثلة؟ فهي كثيرة حقا - ولهذا نقتصر على هذا القدر ففيه كفاية.

أما لماذا حولت الأقوال الشعرية المناندرية عن مناندر وغيره ونسبت إلى أوميرس، فقد يكون الأمر فيه ما قاله الأستاذ كريمر وهو أن أوميرس كان معروفا أكثر من مناندر (2) ، ولكن المسألة ليست بهذه البساطة، نعم كانت شهرة اوميرس قد طغت بحيث حجبت كل اسم آخر، حتى ان ابن رشد حين وجد أمامه في كتاب الخطابة " قال الشاعر " غيرها وجعلها " قال أوميرس "(مع أن الشاعر هو يوربيدس)(3) ،

(1) البصائر 3: 553 ومختار الحكم: 85 وابن أبي أصيبعة: 44 وهالكن: 51 - 52 والقصة مثال جيد على تصرف النقلة في الروايات، فقد حذف منها أبو حيان معاتبة الملك لسقراط لأنه يعيب عبادة الأصنام، وهي رواية وردت في المختار: 92 مستقلة أيضا. وزاد فيها أبو حيان قصة مزاح الملك الذي قال لسقراط: لقد حرمت نفسك من نعيم الدنيا وجواب سقراط له (انظر أيضا الحكمة الخالدة: 212) وأدخل القفطي: 198 فيها قول سقراط للملك: أنت عبد عبدي لأني أملك شهوتي وأنت لا تملك شهوتك، وسؤال الملك له لم اتخذ الحب مسكنا، وقد أورد المبشر مخاطبة سقراط للملك مستقلة أيضا ص: 120 وعند مقارنة الروايات جميعا يظهر لنا قدر كبير من التصرف في تغيير العبارات نفسها في القصة الواحدة.

(2)

كريمر: 315.

(3)

تلخيص الخطابة: 190 والحاشية.

ص: 51

ولكن هذا لم يكن شيئا عاما. وليسمن شك عندي في أن ما نسبه حنين إلى أوميرس وجده منسوبا كذلك، وأن اصطفن كان أمينا في ترجمته، وان الاضطراب يعود أولا إلى المصادر التي اعتمدا عليها، فقد كان من عادة النساخ إذا رتبوا أقوالا لأحد الحكماء أن يبدأوا باسمه عند أول قولة ثم يضعون بعد ذلك كلمة مثل " وقال " أو " وله "، فإذا جاء ناسخ قليل الاعتناء وحذف الجملة الأولى، اضطربت النسبة، وأصبح كل ما يجيء بعد ذلك منسوبا إلى قائل آخر (1) . ثم إن كل ناسخ أو صانع مختارات كان يطلق لنفسه العنان في الحذف والجمع، حسبما يمليه عليه ذوقه، وفي هذا مجال آخر للاضطراب (2) وإذا صح أن كلا من حنين واصطفن قد ضللته المصادر الأصلية، فقد كانت صورة أوميرس الشاعر الحكيم في نفسيهما تتيح توكيدا قويا لذلك التضليل، وهذا أمر لم يقتصر على أوميرس وحده.

وقد أقترح الدكتور فهمي جدعان أن يكون بعض الأقوال الواردة في منتخب صوان الحكمة صحيح النسبة إلى أوميرس، وأحال بذلك على قصيدة مفقودة للشاعر تدعى " مرغيتس "(3) وهي تعد شبيهة بالكوميديا، وخاصة وأن بعض الأقوال التي نسبت إليه يقوم على السخرية، ولكنه عاد فأبدى شيئا من التحفظ تجاه هذا الرأي (4) ، لأن الأستاذ أولمان كان قد أرجع كثيرا من تلك الأقوال إلى أصولها اليونانية، وليس فيها ما يرتد إلى أوميرس نفسه.

ومن تأمل هذه الأقوال وجدها؟ كما رآها الدكتور جدعان - تنقسم في قسمين أساسيين " أحدهما جاء يعبر عن حكمة الخير والشر وعن الأمثال التي تعبر عن خبرة عميقة وفذة في الحياة وفي معرفة الأمور الإلهية والإنسانية، وثانيهما هازل ناقد ساخر ينصب على موضوعات محددة كالمرأة والزواج اللذين يحظيان بأكبر نصيب من النقد والسخرية "(5) . وبوجه تفصيلي تعلي هذه الأقوال من قيمة الأدب وتتحدث عن الفضيلة

(1) من أوضح الأمثلة على ذلك تلك القائمة من الحكم التي أوردها أسامة بن منقذ في لباب الآداب.

(2)

شتروماير: 464 وانظر كريمر: 301.

(3)

مجلة الأبحاث: 14 - 15.

(4)

مجلة الأبحاث: 26 (الحاشية: 26) .

(5)

مجلة الأبحاث: 25 - 26.

ص: 52

عامة وما يندرج تحتها من عدل وعفة وضبط للسان وغير ذلك كما تشجب الغضب والحسد والعجب والنقمة والعداوة والنميمة والكذب، وفيها مجموعة عن الصداقة والأصدقاء ومجموعة أخرى عن الغربة والغرباء، ومما يندرج تحت هذه المجموعة الأخيرة (1) :

1 -

إذا كنت غريبا فسر بسيرة سنن البلد.

2 -

إذا رأيت مسكينا غريبا فلا تخدعهم [كذا] .

3 -

إن الغربة صعبة لوجوه كثيرة.

4 -

إن أحسنت إلى الغرباء فاعلم أنك تكافأ في بعض الأوقات.

5 -

أعن بصيانة الغرباء ولا تقصر في ذلك.

6 -

كن صديقا صالحا للغرباء الصلحاء.

7 -

إذا أمكنك الزان فلا تكلم غريبا البتة.

8 -

إن العفة صالحة وهي للغرباء نافعة جدا.

9 -

إذا كنت غريبا فقلل من الفضول فإن ذلك خير لك.

10 -

إن من الناس من شأنهم الإحسان إلى الغرباء.

11 -

إن السكوت أصلح للغريب من الكلام.

12 -

إذا كنت غريبا فأكرم من يضيفك.

13 -

أنصف الغرباء فلعلك تكون غريبا يوما ما.

وموضوع الغربة والغريب قد طغى على تفكير مثقفي القرن الرابع (عصر أبي سليمان المنطقي ناقل هذه الحكم) وخاصة على كتابات التوحيدي، غير أن هذه النصائح العملية الموجهة إلى الغريب نفسه حينا وإلى من يعامل الغريب تقف موقف المفارقة مما صار إليه الموضوع لدى التوحيدي، فهو هنالك قد أصبح محاولة لتحديد الغريب، ومبلغ ما يلقاه من تجهم ورد وإذلال في الحياة العملية، وتصويرا للغربة الصوفية في علاقة الإنسان بالله (2) .

(1) تحتل هذه الأقوال الأرقام 221 - 233 في مجموعة أوالمان (ص 44 - 45) .

(2)

انظر مثلا الإشارات الإلهية: 81 وما بعدها.

ص: 53

ومسحة الترجمة واضحة على هذه الأقوال حتى إن بعضها يظل غامض الدلالة بسبب انتزاعه من قرينته الموضحة مثل: إن أحسنت الصبر على الأعراض كنت سعيدا (1)، ومثل: إن العمر سمي عمرا لأنه يكتب بمشقة (2)(فمثل هذا القول يعتمد على الإيحاءات التي تتضمنها كلمة " عمر " في اليونانية) ومثل: إن في الأشرار شيئا من اللذة. (3) كذلك لا تزال فيها لمحات غير إسلامية مثل: " إن والديك آلهة لك " أو " الوالدان آلهة كبار عند من يعقل " أو " من لا يعقل شيئا من الشر فهو إلهي "(4) وقد اضطر المترجم أن يوضح القولة الأخيرة بما يشبه التوجيه حين قال: يريد بالالاهي الشريف كالملائكة.

ومن اليسير أن تقرن معظم هذه الأقوال بما يشبهها في الأدب العربي شعره ونثره، ومن ذا الذي يقرأ (5) :

- كثير من له بخت ولا عقل له.

- قد يصلح البخت سوء الفعال.

- إذا حضر البخت تمت الأمور.

- أكثر أمور الناس بالبخت لا بجودة الرأي.

ثم لا يتذكر ذلك الأدب المستفيض في العربية حول هذا الموضوع من مثل (6) :

- الجد أنهض بالفتى من عقله

فأنهض بجد في الحوادث أو ذو

- لا تنظرن إلى عقل ولا أدب

إن الجدود قرينات الحماقات

- لا تعجبن لأحمق

نال الغنى من غير كده

(1) أولمان، رقم: 9 ص18.

(2)

أولمان، رقم: 51 ص 23.

(3)

أولمان، رقم: 112 ص 30.

(4)

أولمان، رقم: 216، 163، 160 ص 43، 37، 30.

(5)

أولمان، رقم: 257، 259، 262، 285 ص 48، 49، 51.

(6)

انظر ابن عبد البر: بهجة المجالس 1: 186 - 194.

ص: 54

ولعاقل ما يشتعل

فكلهم يسعى بجده

- عش بجد ولا يضرك نوك

إنما عيش من ترى بالجدود وعشرات من مثل هذه الأقوال، وكذلك هو الحال فيما يتصل بموضوعات الشيخوخة (1) ، وتقلب الناس في صداقاتهم بحسب ما يعتري المرء من غنى وفقر (2) ، وعدوى المصاحبة للأردياء وأن القرين يقتدي بقرينه (3) ، وغير ذلك مما يعز حصره.

وأفتقدت الأقوال المناندرية رواءها الشعري، وبذلك لم تضف شيئا إلى الأدب العربي، ولا فتحت أمام قرائها آفاقا جديدة، إلا أنها؟ من وجهة أخرى - رسخت بعض ضروب التجربة وأكدتها حين بينت أن كثيرا من حصيلة تلك التجربة لا يتغير بتغاير الأمم وتقادم الأزمان.

(1) انظر أولمان رقم: 138 " إذا أقبل الكبر جلب كل علة ".

(2)

انظر أولمان رقم: 43 الرجل إذا ساءت حاله هرب منه الأصدقاء، رقم: 116 إذا كانت لنا أموال صارت لنا أصدقاء.

(3)

أولمان رقم: 179 من عاشر الأردياء صار رديئا.

ص: 55

فراغ

ص: 56