المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

بسم الله الرحمن الرحيم ال‌ ‌مقدمة: إذا وجد المختصون في علم ما فائدة - من تاريخ النحو العربي

[سعيد الأفغاني]

الفصل: بسم الله الرحمن الرحيم ال‌ ‌مقدمة: إذا وجد المختصون في علم ما فائدة

بسم الله الرحمن الرحيم

ال‌

‌مقدمة:

إذا وجد المختصون في علم ما فائدة ومتعة حين يخلون بأنفسهم إلى تراجم من سبقهم في هذا العلم، فإن متعتهم بتاريخ العلم نفسه أحفل وأعظم.

إننا نثني عادة على من يؤلف كتابا في حياة عالم، إذ يتيح لنا أن نعايشه فنعاين جده ودأبه، ونلذ نضاله لكشف الغامض ودفع العلم إلى الأمام ولو خطوة، ونجد الأسوة في استهانته بالعراقيل والمعوقات، ووقوفه للزمان والحساد والخصوم والجاهلين، وإن في حياة كل عالم من هذا لنصيبا؛

لذلك نشكر لهذا المؤلف ما يسر لنا من لذائذ سامية.

لكن المسهم في تاريخ العلم لا يحصل على الشكر والثناء في وقت قصير، وقد يقتضيه سطر واحد يخطه في تاريخ العلم من الجهد وطول العمل ما لم يعانه المؤلف الأول في مجلد. ومن ظن أن حياة باحث تفي بتاريخ علم فقد ظن باطلا، إنما يتم ذلك بتضافر جهود الباحثين في أجيال متلاحقة: يتسلم كل جيل تراث من قبله ويعمل في دأب وروية ليتقدم به قليلا أو كثيرا. وموضوعنا في هذه الدراسة: من تاريخ النحو العربي.

وبعد، فماذا يراد من كلمة "مذهب" أو "مدرسة" حين يقال في علوم اللغة العربية: مذهب البصريين أو مدرسة الكوفيين؟

ص: 3

إن نظرة فاحصة في دراسات المحدثين تقودنا إلى الشك في بعض ما عدوه من المسلمات انسحابا على أذيال بعض القدماء ممن تكلم في النحو والنحاة.

لقد أدار هؤلاء التصنيف على البلدان فقالوا: "نحاة الكوفة" و"نحاة البصرة" و"نحاة بغداد" حين ألفوا في الطبقات. فساق هذا -مع تساهل كبير- إلى أن قيل فيما بعد: "مذهب البصريين" و"مذهب الكوفيين" و"مذهب البغداديين".

وقد حان الوقت لتصحيح هذه التسمية، فالأقدمون ومن تأثر بنظرتهم من المحدثين جعلوا البصريين أهل القياس؛ لأن من ضبطه منهم كثيرون جدا ولهم فيه عناية بالغة، على حين عدوا الكوفيين أهل سماع؛ لأنهم سجلوا كل ما سمعوا، وأراغوا القياس عليه فلم يحكموه إحكام الأولين وإن أربوا عليهم في السماع مقدارا لا ضبطا وجودة.

هذه الصفحات محاولة في وضع الأمور في نصابها حيال ما يسمى بالمدارس أو بالمذاهب النحوية من جهة، ووقفة تاريخية فاحصة متروية عند نشأة هذا الفن من جهة أخرى.

والفن أو العلم كائن حي يخضع لما يخضع له الأحياء من سنن الحياة: يبدأ جنينا فرضيعا فطفلا فيافعا ففتى فشابا

وحول نشأة النحو بعض غموض اجتهدت في جلائه بما لدي من أضواء، ممتحنا الأخبار والروايات، متحريا فيها ما يشبه الحق وطبيعة الأشياء؛ حتى إذا اطمأننت إلى نتيجة أثبتها بعد امتحانها، ضاربا صفحا عن سطحيات وعناوين وتهاويل كثيرة يسميها أصحابها دراسات، الموضوع منها والمترجم سواء.

ورأيت أن ألحق بهذه الدراسة نصوصا مختارة لستة مؤلفين عظام في هذا الفن، تقوم كتبهم معالم في طريقه الطويلة، مع موجز من تراجمهم كما

ص: 4

وردت في "بغية الوعاة" للسيوطي مع اختصار أحيانا، وتعريف يسير بكتبهم التي اخترنا منها نصا أو أكثر1، بحيث تتبين للمطالع ملامح واضحة من الطريق الذي شقه النحو على مدى العصور. وسيعجب القارئ حين يرى أنه بدأ بقمة شامخة هي كتاب سيبويه، ثم أخذ ينحدر مع الزمان

ظاهرة غريبة لا أعرف لها مثيلا في تاريخ العلوم والفنون.

ولئن أسعف هذا الملحق من يبتغي النظرة العجلى، فإنه لن يغني بحال عن الدراسة الشخصية المتوسعة المتأنية التي يجب أن يقوم بها مستقلا الباحث أو الطالب الجامعى: إمعان في الآثار وتأن في استنباط النتائج، وصبر على ما يتطلبه البحث من جهد ووقت.

والله المسئول أن يأخذ بأيدينا ويسدد خطانا في خدمة العلم الخالص، متعلمين ومعلمين.

بيروت: الجامعة اللبنانية "قسم اللغة العربية"

سعيد الأفغاني

1 مراعين في اختيارها حاجة الدارسين في شهادة "فقه اللغة العربية" في كلية الآداب بالجامعة اللبنانية.

ص: 5