الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ولكن المشهور أن نصرا هو الذي ميز بين الحروف المتشابهة بالنقط المتداول حتى اليوم، وغيّر ترتيب "الأبجدية" إلى الترتيب المعروف، ثم ألغى نقط أبي الأسود مستبدلا به "الشكل الحالي" الذي هو أبعاض الحروف "اوي". فنقط أبي الأسود "إعراب" لإبانته عن حركة آخر الكلمة، ونقط نصر "إعجام" لإزالته العجمة عن الحروف وكان يلتبس بعضها ببعض1.
1 جاءت امرأة إلى الفرزدق تستنجد به قائلة: "إن ابني مع تميم بن زيد القيني بالسند، وقد اشتقت إليه، فإن رأيت أن تكتب إليه في أن يقفله إلي" فكتب إلى تميم:
تميم بن زيد لا تكونن حاجتي
…
بظهر فلا يخفى علي جوابها
أتتني فعاذت يا تميم بغالب
…
وبالحفرة السافي عليه ترابها
فهب لي "خنيسا" واتخذ فيه منة
…
أهبه لأم لا يسوغ شرابها
فلما ورد الشعر على تميم، أشكل عليه الاسم "لفقدان النقط على الحروف" فقال:
"أقفلوا كل من اسمه خنيس أو حبيش أو حنيش أو حشيش أو خشيش" فعدوا فكانوا ثمانين رجلا. الأضداد لابن الأنباري ص256 "لا تكونن حاجتي بظهر: لا تطرحها".
الطبقة الثانية من البصريين:
وفيها أبو عمرو بن العلاء وعبد الله بن أبي إسحاق الحضرمي. فأما الأول فمن أشراف مازن وأحد الأعلام في القرآن واللغة والنحو، وهو أحد القراء السبعة، قال فيه أبو عبيدة:"أعلم الناس بالقراءات والعربية وأيام العرب والشعر، وكانت دفاتره ملء بيته إلى السقف" كان مرجع الناس في عصره، وخير ما يعبر عن مكانته في عيون معاصريه حديث سفيان بن
عيينة، قال:"رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في النوم فقلت: يا رسول الله لقد اختلفت علي القراءات، فبقراءة من تأمرني؟ فقال: "بقراءة أبي عمرو بن العلاء" 1، وأخذ عن نصر بن عاصم المتقدم ذكره، وعن يحيى بن يعمر، وعن قارئ مكة عبد الله بن كثير. وأقام بين البدو أربعين سنة كما قرر اليزيدي "ص171 مجالس العلماء للزجاجي".
"وأخذ عنه عيسى بن عمر ويونس بن حبيب وأبو الخطاب الأخفش، فكان هؤلاء الثلاثة أعلم الناس وأفصحهم"2 وأما عبد الله بن أبي إسحاق الحضرمي فقد كان يلحن الفرزدق، وهو في زمن أبي عمرو والناس يفاضلون بينهما، فيقدمون أبا عمرو في اللغة ويقدمون ابن أبي إسحاق في النحو، وهو "أعلم أهل البصرة وأعقلهم، فرع النحو وقاسه، وتكلم في الهمز حتى عُمل فيه كتاب مما أملاه3، ويذكرون أنه أول من علل النحو".
ويمكن أن يلحق بهذه الطبقة عيسى بن عمر الثقفي مولى خالد
1 بغية الوعاة.
2 مراتب النحويين ص23.
3 عن مراتب النحويين ص28 والمزهر 2/ 398، وشهادة يونس بن حبيب فيه:
أنه "لو كان في الناس اليوم من له ذهنه، ونفاذه كان أعلم الناس" طبقات فحول الشعراء ص14. وهذا وللزبيدي كلام يشير إلى نصيب عيسى بن عمر في تدريج النحو يقول فيه: وضع أبو الأسود باب الفاعل والمفعول لم يزد عليه
…
فزاد رجل من بني ليث أبوابا، ثم نظر فإذا في كلام العرب ما لا يدخل فيه فأقصر عنه، فلما كان عيسى بن عمر قال:"أرى أن أضع الكتاب على الأكثر وأسمي الأخرى لغات، فهو أول من بلغ غايته في كتاب النحو.... وضع كتابين سمى أحدهما الجامع، والآخر المكمل" طبقات النحويين واللغويين ص15.
ابن الوليد، أخذ العلم عن أبي عمرو بن العلاء وعبد الله بن أبي إسحاق الحضرمي، وعد في القراء البصريين وهو إمام في العربية والنحو، ولعله أول من ألف فيهما كتابا جامعا، وقد اشتهر اسم كتابيه دون أن يصل إلينا منهما خبر أو أثر، والغريب أن تلميذه الخليل بن أحمد قرأهما ووعاهما، وأعجباه حتى جعل مؤلفهما مجدد هذا الفن، والمعفي على آثار من سبقه قال:
ذهب النحو جميعا كله
…
غير ما أحدث عيسى بن عمر
ذاك إكمال وهذا جامع
…
فهما للناس شمس وقمر
ثم "فقد الناس هذين الكتابين منذ المدة الطويلة ولم يقعا إلى أحد علمناه، ولا خبر أحد أنه رآهما"، وهذا السيرافي وليس بينه وبين زمن المؤلف إلا مائتان من السنين يقول:"لم يقعا إلينا ولا رأينا أحدا ذكر أنه رآهما"1 فإن تكن نسبة البيتين إلى الخليل صحيحة، يكن اختفاء هذين الكتابين من أعجب الأمور في تاريخ النحو.
إذا نحن انتقلنا إلى الطبقة التي تلي هذه كنا إزاء ما سموه
1 انظر الفهرست لابن النديم ص62 وبغية الوعاة. أما ابن الأنباري في نزهة الألباء فقد نقل عن المبرد أنه قال: قرأت أوراقا من أحد كتابي عيسى بن عمر، وكان كالإشارة إلى الأصول" وبين هذه الكلمة الدالة على أنه خطوة ابتدائية، وتقريظ الخليل بون كما ترى. هذا ويذكرون أنه كان فصيحا ويتقعر أحيانا، أمر والي العراق بحمله إليه ودعا بالحداد فأمر بتقييده، فقيل له: "لا بأس عليك، إنما أرادك الأمير لتؤدب ولده" قال:"فما بال القيد إذاً؟ " فذهبت بالبصرة مثلا. وله الجملة المأثورة في كتب البلاغة حين سقط عن حماره فاجتمع عليه الناس فقال: "ما لكم تكأكأتم علي كتكأكئكم على ذي جنة، افرنقعوا عني" انظر بغية الوعاة، وأخبار النحويين البصريين ص32.
بالمذهب الكوفي، فقد تتلمذ على عيسى بن عمر هذا: الخليل وسيبويه وأبو زيد الأنصاري أئمة البصريين الأعلام، وأبو جعفر الرؤاسي الذي صار فيما بعد رأس الكوفيين، وخلفه في ذلك تلميذاه الكسائي والفراء.
ولسنا نفيض في الكلام عليهم فكلهم مشهور، ولكننا نذكر بالنواحي التي تعنينا منهم بكلمات:
فأما الخليل "فقد كان الغاية في استخراج مسائل النحو وتصحيح القياس فيه، هو أول من استخرج العروض وحصر أشعار العرب بها، وعمل أول "كتاب العين" المعروف المشهور الذي به تهيأ ضبط اللغة"1، إلى نواحٍ أخرى له مجيدة مشرفة ليس من غرضنا هنا الإشارة إليها، وقد اشتهر نمط من آرائه في باب القياس. "وهو أستاذ سيبويه، وعامة الحكاية في كتابه عنه. وكلما قال سيبويه: سألته، أو قال: "قال" من غير أن يذكر قائله فهو الخليل"2. ونفع الله به الناس، وعاش من قناعته وعفته وترفعه في عزة دونها عزة الملوك، وصدق النضر بن شميل في قوله: أقام الخليل في خص بالبصرة لا يقدر علي فلسين، وتلامذته يكسبون بعلمه الأموال2.
وأما أبو زيد الأنصاري فقد كان ثقة صدوقا راوية، وهو -وإن قدم في النحو على الأصمعي وأبي عبيدة -غلبت عليه
1 أخبار النحويين البصريين ص 38.
2 بغية الوعاة.
اللغة والنوادر والغريب، وحولها يدور أكثر مصنفاته1.
وندع سيبويه -لشهرة أمره وكتابه وشيوخه وتلاميذه- إلى أبي جعفر الرؤاسي رأس الكوفيين.
1 بغية الوعاة.