المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ابن جني وكتاباه: - من تاريخ النحو العربي

[سعيد الأفغاني]

الفصل: ‌ ابن جني وكتاباه:

2-

‌ ابن جني وكتاباه:

"392هـ":

"عثمان بن جني "بسكون الياء معرب كني" أبو الفتح النحوي من أحذق أهل الأدب وأعلمهم بالنحو والتصريف، وعلمه بالتصريف أقوى وأكمل من علمه بالنحو. وسببه أنه كان يقرأ النحو بجامع الموصل، فمر به أبو علي الفارسي فسأله عن مسألة في التصريف فقصر فيها، فقال أبو علي: "زببت قبل أن تحصرم" فلزمه من يومئذ مدة أربعين سنة، وأُعني بالتصريف، ولما مات أبو علي تصدر ابن جني مكانه ببغداد؛ وأخذ عنه الثمانيني وعبد السلام البصري وأبو الحسن السمسمي.

قال في "دمية القصر": وليس لأحد من أئمة الأدب في فتح المقفلات وشرح المشكلات ما له "ولا" سيما في علم الإعراب، وكان يحضر عند المتنبي ويناظره في شيء من النحو من غير أن يقرأ عليه شيئا من شعره أنفة وإكبارا لنفسه، وكان المتنبي يقول فيه:"هذا رجل لا يعرف قدره كثير من الناس".

صنف "الخصائص" في النحو، و"سر الصناعة"، وشرح "تصريف المازني"، وشرح مستغلق "الحماسة"، وشرح "المقصور والممدود"، وشرحين على "ديوان المتنبي"، واللمع في النحو "جمعه من كلام شيخه الفارسي"، والمذكر والمؤنث، ومحاسن العربية، والمحتسب في إعراب الشواذ، وشرح الفصيح، وغير ذلك.

مولده قبل الثلاثين وثلاثمائة، ومات لليلتين بقيتا من صفر سنة اثنتين وتسعين وثلاثمائة".

بغية الوعاة ص322 1.

كتب ابن جني تعد الذروة التي ارتقت إليها بحوث العلماء

1 طبع كتابه الكبير "الخصائص" طبعة متقنة بتحقيق الشيخ محمد علي النجار رحمه الله سنة 1371هـ، والتصريف الملوكي سنة 1331هـ، و"سر الصناعة" سنة 1374هـ، و"المبهج" سنة 1342هـ، و"المنصف" سنة 1373هـ، 1954م.

وانظر عنه ص"91، 99، 136" في كتابنا "في أصول النحو" الطبعة الثالثة بمطبعة الجامعة السورية سنة 1964.

ص: 122

في علوم اللغة العربية وفلسفتها، "لقد كان أعلى علماء العربية كعبا في جميع عصورها، وأغوصهم عامة على أسرار العربية، وأنجحهم في الاهتداء إلى النظريات العامة فيها وكتابه الكبير "الخصائص" لا يزال محطّ إعجاب علماء العرب والغرب على السواء، وحسبك أن ابن جني هو مبتدع نظرية الاشتقاق الكبير1 ومؤسس علم فقه اللغة على ما يحسن أن يفهم عليه هذا العلم اليوم، أما التصريف فهو إمامه دون منازع، وقلما تقرأ كتابا فيه ولا يكون ابن جني مرجع كثير من مسائله"2.

لن نتعرض لمزايا كتابه العظيم "الخصائص" لأنه أدخل في فقه اللغة، وإنما عُني منهاجنا بالناحية الصرفية عند ابن جني ونص على كتابيه "التصريف الملوكي" و"المنصف".

1-

التصريف الملوكي:

هذا كتاب موجز جدا في علم الصرف، جيد العبارة، مكثف المعاني، وضع للشادين في هذا العلم، ومباحثه تدور حول المطالب الآتية:

معنى التصريف، الزيادة في بنية الكلمة "حروف الزيادة، معانيها، مواضعها، أدلتها"، الإبدال، الحذف، الإعلال، الإدغام الأصغر والإدغام الأكبر.

1 "وهو البحث الذي لا يزال يؤتي ثمره إلى اليوم، والذي يختص بمادة الكلمة دون هيئتها، ولم يكن لعلماء اللغة من العرب إنتاج أعظم من هذا" آدم منز في كتابه "الحضارة الإسلامية في القرن الرابع" 1/ 330 "الطبعة الثانية سنة 1947م".

2 من تعريفنا له في كتابنا "في أصول النحو" ص91.

ص: 123

ومع إيجازه نجده يتعرض أحيانا لآراء العلماء في المسألة التي يعرضها، فيشعرنا بموضع الخلاف إشعارا خفيفا، ويلاحظ أن كتابه بين يدي قارئ مبتدئ فيوسع عبارته حين يحاول تبسيط الميزان في الصرف وتطبيقه على الكلمات المختلفة، وهو ذو عناية بالشواهد حتى للمبتدئين، أسلوب درج عليه القدامى من علماء العربية إشعارا للمتعلم أن العربية بشواهدها وأن القواعد خادمة للشواهد، وإنما وضعت إعانة للمتعلم حتى يلتحق بأهل العربية بملكته التى تنمو بدراسة الشواهد خاصة وبتمثلها.

وعبارته صافية خالية من كل حشو، على عكس ما يكثر في كتب المتأخرين. وحسبك أن تعلم أن كتابه وقد طبع سنة 1331هـ 1913م كان في نحو 90 صفحة من القطع الصغير، نصفها تعاليق مصحح الطبع، وإليك نموذجين منه:

ص: 124

بسم الله الرحمن الرحيم

التصريف الملوكي 1:

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

هذه جمل من أصول التصريف يقرب تأملها، وتقل الكلفة على ملتمس الفائدة منها، قليلة الألفاظ، كثيرة المعاني.

في القول على معنى قولنا "التصريف":

معنى قولنا: "التصريف" هو أن تأتي إلى الحروف الأصول -وسنوضح قولنا: الأصول- فتتصرف فيها بزيادة حرف أو تحريف بضرب من ضروب التغيير، فذلك هو التصرف فيها والتصريف لها، نحو قولك:"ضرب" فهذا مثال الماضي، فإن أردت المضارع قلت:"يضرب"، أو اسم الفاعل قلت:"ضارب"، أو المفعول قلت:"مضروب"، أو المصدر قلت:"ضربا"، أو فعل ما لم يُسم فاعله قلت:"ضُرِبَ"، وإن أردت أن الفعل كان أكثر من واحد على وجه المقابلة قلت:"ضارب"، فإن أردت أنه استدعى الضرب قلت:

1 ص2-7 من الطبعة الأولى بمطبعة شركة التمدن الصناعية بمصر سنة 1331هـ. وقد أثبتنا فاتحة الكتاب البليغة الموجزة مع شرحه معنى التصريف، وبعض كلامه على حروف الزيادة، وتمثيله لزيادة الألف والواو والياء ص7.

ص: 125

"استضرب"، فإن أردت أنه كثّر الضرب وكرّره قلت:"ضرَّب"، فإن أردت أنه كان فيه الضرب في نفسه مع اختلاج وحركة قلت:"اضطرب"؛ وعلى هذا عامة التصرف في هذا النحو من كلام العرب. فمعنى التصريف هو ما أريناك من التلعب بالحروف الأصول لما يراد فيها من المعاني المفادة منها، وغير ذلك.

فإذا قد ثبت ما قدمناه، فليعلم أن التصريف ينقسم إلى خمسة أضرب: زيادة، وبدل، وحذف، وتعبير حركة أو سكون، وإدغام.

القول على حروف الزيادة:

وهي عشرة أحرف: الألف والياء والواو والهمزة والميم والتاء والنون والهاء والسين واللام، ويجمعها قولك:"اليوم تنساه" ويقال أيضا: "سألتمونيها". ويحكى أن أبا العباس سأل أبا عثمان1 عن حروف الزيادة، فأنشده أبو عثمان:

هويت السمان فشيبنني

وما كنت قدما هويت السمانا

فقال أبو العباس: "الجواب" فقال: "قد أجبتك دفعتين" يعني قوله:

هويت السمان.

معرفة قولنا: الأصل والزائد

الأصل عبارة -عند أهل هذه الصناعة- عن الحروف التي تلزم الكلمة في كل موضع من تصرفها

إلخ.

1 أبو العباس هو المبرد، وأبو عثمان هو المازني شيخ المبرد.

ص: 126

واعلم أن لكل حرف من هذه الحروف موضعا تكثر فيه زيادته، وموضعا تقل فيه، وربما اختص الحرف بالموضع لا يوجد زائدا إلا فيه. فاعرف تلك الأماكن بما أذكره لك، وليكن الحكم على الأكثر لا على الأقل.

فأما الألف والياء والواو فالحكم عليهن أنهن متى كانت واحدة منهن مع ثلاثة أحرف أصول فصاعدا -ولم يكن هناك تكرير- فلا تكون إلا زائدة، عرفت الاشتقاق أو لم تعرفه؛ فإن عرفته كان على ما ذكرنا لا محالة، وإن لم تعرفه حملت ما جهل من أمره على ما علم.

من ذلك: "كوثر" الواو فيه زائدة؛ لأن معك ثلاثة أحرف أصول لا يشك فيها، وهي: الكاف والثاء والراء، فالواو زائدة؛ هذا طريق القياس.

فأما طريق الاشتقاق فكذلك أيضا، ألا تراه من معنى الكثرة، يقال:"رجل كوثر" إذا كان كثير العطاء، قال الشاعر:

وأنت كثير يابن مروان طيب

وكان أبوك ابن العقائل كوثرا1

وكذلك الياء في "كثير"، والألف في "كاثر"، الحكم فيها ثلاثتها واحد، قال الأعشى:

1 نسب البيت للكميت. عقيلة كل شيء: خياره، العقائل: كرائم النساء.

ص: 127

ولست بالأكثر منهم حصًى

وإنما العزة الكاثر

2-

المنصف "شرح كتاب التصريف":

كتاب التصريف للمازني مشهور متداول منذ المائة الثالثة للهجرة، تواصى العلماء به وأوصوا تلاميذهم بقراءته وإقرائه، وتباهى هؤلاء بسندهم إلى أساتيذهم بقراءة هذا الكتاب لما كان له من شأن في هذا الفن. ومؤلفنا ابن جني قرأه على شيخه أبي علي الفارسي وهذا قرأه على شيخه السري السراج، وهذ قرأه على المبرد، وهذا قرأه على شيخه المازني مؤلف الكتاب1.

ولشأن هذا الكتاب وإقبال الناس عليه عُني ابن جني بشرحه عناية بالغة، ويلفت نظرنا من مقدمته لهذا الشرح أمور هامة نص عليها في مقدمته التي ستقرأ فقرا منها بعد هذا التعريف، من ذلك:

1-

أنه شرح وضع للذين أحكموا أصول هذا الفن، يعني أنه لعلماء الصرف لا للمبتدئين.

2-

وأن كتاب المازني هذا من أرصن كتب الصرف وأعرقها في الإيجاز والاختصار، فعلى قارئه تجنب العجلة في دراسته.

3-

وأن ابن جني قصد في الشرح إلى غامض الكتاب ومشكله

1 أدرج سند ابن جني إلى مؤلف الكتاب آخر المقدمة 1/ 6.

ص: 128

وعويصه وغريبه ليكون شرحه المرجع الوافي في مشاكل الصرف.

4-

وأن من اللغة ما لا يؤخذ إلا بالسماع، وأن هناك فروقا بين اللغة والنحو والتصريف والاشتقاق، وأن بعض أهل اللغة لهم تخليط فيما سبيله القياس.

وطريقته أن يعرض فقرة فقرة من كتاب المازني، فيبسط مسائلها ويوضحها ويمثل لها حتى إذا اطمأن إلى كفاية الشرح انتقل إلى فقرة تالية. وعادته أن يبدأ الفقرة بقوله:"قال أبو عثمان" فإذا انتهت بدأ شرحه لها بقوله: "قال أبو الفتح" فيجعلنا دائما نقف على عبارة المتن وعبارة الشرح، كل على حدة.

هذا الشرح يتفاوت سعة على وفق المسائل المعروضة في الفقرة، فتارة يطول حتى يكون أضعاف المتن وتارة يقصر حتى يساويه وحينا يقل عنه، على مقدار ما يرى ابن جني الحاجة داعية إليه.

والشرح مبسوط، كثير الاعتماد على الشواهد والأمثلة.

وفي مقدمة الشرح نلمس إكبار ابن جني للمازني ولعلمه إكبارا دالا على خلقه العلمي، وهو مع إكباره له وللعلماء القدامى عامة لا ينزههم عن الخطأ.

ولا ينسى أن يحملنا معه على إكبارهم ويوصي بالخطة التي على قارئ كتب العلماء أن يلتزمها إزاءهم، فيشعرنا بنبالته وسمو أخلاقه وينص على وجوب التجاوز عما أخطئوا فيه، وأن يعزو إليهم ما استفاده منهم ويسلم لهم بما فضلهم الله، ويعترف بإحسانهم وتطولهم عليه "فإن فعل ذلك فعلى محجة

ص: 129

أهل العلم والأدب وقف، وإن أبى إلا كفران النعمة فعن المروءة والإنسانية صدف".

وهذه أبواب الكتاب: الأسماء والأفعال، الزيادة، ما قيس من الصحيح، الياء والواو، ما لحقته الزوائد من الفعل الثلاثي المعتل، باب ما جاء من ذلك في الأسماء، ما تقلب فيه الواو ياء، تكسير الأسماء المعتلة، ما لامه همزة، الواو والياء اللتان هما لامان، ما تقلب فيه الياء واوا، التضعيف في بنات الواو، التضعيف في بنات الياء، ما قيس من المعتل ولم يجئ مثاله إلا من الصحيح، ما تقلب فيه افتعل عن أصلها.

وغني عن البيان أن إسهاب ابن جني في مسائل الصرف هنا جعلته يفيض في مسائل الخلاف وأقوال العلماء، ويكثر من الشواهد والتعليق عليها. فالكتاب بسط للمنتهين المتمكنين لا كالكتاب الأول الذي وضع للذين هم في أول الطريق.

وقد طبع هذا الكتاب المسهب طبعة جيدة سنة 1373هـ 1954م في جزأين، من القطع الوسط، زادت صفحاتهما على "900" صفحة.

وإليك فقرا من مقدمته وفيها بسط خطته في الشرح، ثم بابين صغيرين من أبواب الكتاب:

ص: 130

بسم الله الرحمن الرحيم

المنصف: شرح ابن جني لكتاب "التصريف" للمازني

من المقدمة:

الحمد لله رب العالمين، وصلواته على نبيه محمد وآله أجمعين الطيبين الطاهرين، قال أبو الفتح عثمان بن جني رحمه الله:

هذا كتاب أشرح فيه كتاب أبي عثمان بكر بن محمد بن بقية المازني رحمه الله في التصريف، بتمكين أصوله، وتهذيب فصوله، ولا أدع فيه بحول الله وقوته غامضا إلا شرحته، ولا مشكلا إلا أوضحته، ولا كثيرا من الأشباه والنظائر إلا أوردته؛ ليكون هذا الكتاب قائما بنفسه، ومتقدما في جنسه؛ فإذا أتيت على آخره أفردت فيه بابا لتفسير ما فيه من اللغة العربية، فإذا فرغت من ذلك الباب أوردت فصلا من المسائل المشكلة العويصة، التي تشحذ الأفكار وتروض الخواطر.

وليس ينبغي أن يتخطى إلى النظر في هذه المسائل من لم يحكم الأصول قبلها؛ فإنه إن هجم عليها غير ناظر فيما قبلها من أصول التصريف الموطئة للفروع لم يحظ منها بكبير

ص: 131

طائل، وصعبت عليه أيما صعوبة، وكان حكمه في ذلك حكم من أراد الصعود إلى قمة جبل سامق في غير ما سبيل، أو كجازع مفازة لا يهتدى لها بلا دليل.

وهذا القبيل من العلم -أعني التصريف- يحتاج إليه جميع أهل العربية أتم حاجة، وهم إليه أشد فاقة؛ لأنه ميزان العربية، وبه تعرف أصول كلام العرب من الزوائد الداخلة عليها، ولا يوصل إلى معرفة الاشتقاق إلا به، وقد يؤخذ جزء من اللغة كبير بالقياس، ولا يوصل إلى ذلك إلا من طريق التصريف

إلخ.

ولما كان هذا الكتاب الذي قد شرعت في تفسيره وبسطه من أنفس كتب التصريف، وأسدها وأرصنها، عريقا في الإيجاز والاختصار، عاريا من الحشو والإكثار، متخلصا من كزازة ألفاظ المتقدمين، مرتفعا عن تخليط كثير من المتأخرين، قليل الألفاظ، كثير المعاني، عُنيت بتفسير مشكله، وكشف غامضه، والزيادة في شرحه، محتسبا ذلك في جنب ثواب الله، ومزكيا به ما وهبه لي من العلم.

وحقيق على من نظر في كتاب قد عني به واضعه، وانصرف إلى الاهتمام به مصنفه، فحظي منه بأقصى ما طلب، ووصل إلى غايته من كثب، أن يحمد الله على ما وهبه له من فهمه، وأن يسلم لصاحبه ما وفره الله عليه من حفظه، وأن يعتزي فيما يحكيه عنه إليه؛ فإن فعل ذلك فعلى محجة أهل العلم والأدب وقف، وإن أبى إلا كفران النعمة فعن

ص: 132

المروءة والإنسانية صدف.

وأنا أسوق هذا الكتاب شيئا فشيئا، وأُتبع كل فصل مما رويته ورأيته ما يكون مقنعا في معناه، ومغنيا عما سواه؛ فما كان فيما أورده من سداد وصواب فبتوفيق الله وإرشاده، وإن وقع سهو أو تقصير فما لا يعرى منه الحذاق المتقدمون، ولا يستنكفه العلماء المبرزون.

والله أستهدي، وإياه أسترشد، وعليه أتوكل، وهو حسبي وكفى.

زيادة الألف والسين والتاء أول الفعل 1:

قال أبو عثمان: وتلحق السين أولا والتاء ثانية، وتكون السين ساكنة فتلزمها ألف الوصل، ويكون "الفعل على "استفعل"، ولا تلحق السين أولا إلا في "استفعل" ولا التاء ثانية وقبلها زائد إلا في هذا".

قال أبو الفتح:

اعلم أن "استفعلت" يجيء على ضربين: متعد وغير متعد، فالمتعدي نحو: استحسنت الشيء واستقبحته، وغير المتعدي نحو: استقدمت واستأخرت. ويكون "فعل" منهما متعديا وغير متعد، فالمتعدي نحو "علم واستعلم" و"عصم واستعصم" وغير المتعدي نحو:"حسن واستحسن"، و"فتح واستفتح".

1 1/ 77 مطبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده بمصر.

ص: 133

ويقع "استفعل" في الكلام لمعانٍ:

1-

منها الطلب نحو "استعتبته" أي: طلبت إليه العتبى، و"استعفيته" أي: طلبت منه الإعفاء.

2-

ويكون "استفعلت" للشيء تصيبه على هيئة ما نحو: "استعظمته" أي: أصبته عظيما، و"استكرمته" أي: أصبته كريما.

3-

وقد تأتي "استفعلت" بمعنى "فعلت" منها نحو: "مرّ واستمرّ" و"قرّ واستقرّ".

4-

وقد تأتي للتنقل من حال إلى حال نحو: "استنوق الجمل، واستتيست الشاة".

وقوله: "ولا تلحق السين أولا إلا في "استفعل" ولا التاء ثانية وقبلها زائد إلا في هذا" قد حصر به أيضا قطعة من الأمثلة كنحو ما فعل في المثال، والذي قبله.

قال أبو عثمان:

هذا باب ما قيس من المعتل، ولم يجئ مثاله إلا من الصحيح 1:

إنما قسناه على الصحيح؛ لأن المعتل للعرب في إعلاله مذاهب قد أحطنا بها وبمذهبهم فيها، فإذا قيل لك:"ابن كذا" فانظر ما يلزم الياء والواو في مواضعهما، فلا يخرج ذلك من أن يكون له نظير من الياء والواو قد لزمه من كلام العرب:

1 2/ 242.

ص: 134

إما سكون، وإما إتمام، وإما قلب وتغيير، فلم تَعْدُ أن صنعت بالواوات والياءات ما صنعوا، وسأفسر ذلك شيئا فشيئا، إن شاء الله.

قال أبو الفتح:

يقول لك: إنما تقيس ما لم يأت على ما أتى من كلام العرب، والغرض في صناعة الإعراب والتصريف إنما هو أن يقاس ما لم يجئ على ما جاء؛ فقد وجب من هذا أن يتبع ما عملوه ولا يعدل عنه؛ لأنه هو المعني المقصود، والسبب الذي له وضع هذا العلم واخترع.

قال أبو عثمان:

"إذا قيل لك: كيف تصوغ مثل "اغدودن" من "رميت"؟ قلت: "ارموْمى"، فكررت العين ثم قلبت الباء ألفا؛ لأنها لام الفعل وقبلها فتحة، وأصلها الحركة فقلبتها كما قلبتها في "رمى" وعلتها كعلتها، فإذا أضفت الفعل إلى نفسك أو إلى مخاطب قلت: "ارموْميتُ" فلم تقلب الياء ألفا؛ لأن أصلها السكون كما فعلت في "رميْت" حيث كان أصلها السكون".

قال أبو الفتح:

قد أفدنا من قوله هذا أنه لم يأت في كلامهم شيء على "افعوْعل" من المعتل؛ لأنه قد قال في أول الباب: "إنه لم يجئ مثاله إلا من الصحيح" فهذه فائدة، وباقي الفصل

ص: 135

مفهوم إلا أنهم قد قالوا: "احموْمى، وادلولى، واقلولى، واحلولى، وانطوطى" وكله معتل اللام وهو "افعوْعل".

قال أبو عثمان:

وتقول فيها من "غزوت": "اغزوزيت" فتبدل الواو التي هي لام ياء، كما فعلت ذلك في "أغزيت وغازيت" لأنها صارت رابعة. وقد كتبنا علة هذا فتركنا تفسيره لذلك.

قال أبو الفتح:

العلة في ذلك انكسار ما قبل اللام من المضارع نحو قولك: "يغزوزِي" فهذا هو الذي أشار إليه.

قال أبو عثمان:

وتقول فيها من "بعت": "ابييع" فتقلب الواو ياء لأنها ساكنة وبعدها ياء متحركة. ومن "قلت": "اقووّل" تكرر العين وهي واو، وتعل واو "افعوْعل" الزائدة بينهما وهي ساكنة، فتدغمها في الواو التي بعدها.

قال أبو الفتح:

يقول: أصلها "ابيوْيع"، فالياءان هما العينان تكتنفان واو "افعوعل" فوجب قلبها ياء لما ذكر.

ص: 136