الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ابن مالك:
"600-672هـ":
"محمد بن عبد الله بن عبد الله بن مالك، العلامة جمال الدين أبو عبد الله الطائي الجياني الشافعي النحوي، نزيل دمشق، إمام النحاة وحافظ اللغة.
قال الذهبي: ولد سنة ستمائة أو إحدى وستمائة، وسمع بدمشق من السخاوي والحسن بن الصباح وجماعة، وأخذ العربية عن غير واحد، وجالس بحلب ابن عمرون وغيره، وتصدر بها لإقراء العربية وصرف همته إلى إتقان لسان العرب حتى بلغ فيه الغاية وحاز قصب السبق، وأربى على المتقدمين.
وكان إماما في القراءات وعللها؛ وأما اللغة فكان إليه المنتهى في الإكثار من نقل غريبها والاطلاع على حوشيها، وأما النحو والتصريف فكان فيهما بحرا لا يجارى، وحبرا لا يبارى. وأما أشعار العرب التي يستشهد بها على اللغة والنحو فكانت الأئمة الأعلام يتحيرون فيها ويتعجبون: من أين يأتي بها؟!
وكان نظم الشعر سهلا عليه رجزه وطويله وبسيطه وغير ذلك، هذا مع ما هو عليه من الدين المتين وصدق اللهجة وكثرة النوافل وحسن السمت ورقة القلب وكمال العقل والوقار والتؤدة.
أقام بدمشق مدة يصنف ويشتغل، وتصدر بالتربة العادلية وبالجامع المعمور، وتخرج به جماعة كثيرة، وصنف تصانيف مشهورة.
وروى عنه ابنه الإمام بدر الدين، والشمس بن أبي الفتح البعلي، والبدر بن جماعة، والعلاء بن العطار، وخلق" انتهى كلام الذهبي.
قال أبو حيان: "بحثت عن شيوخه فلم أجد له شيخا مشهورا يعتمد عليه، ويرجع في حل المشكلات إليه، إلا أن بعض تلامذته ذكر أنه قال: "قرأت على ثابت بن حيان بجيان، وجلست في حلقة أبي علي الشلوبين نحوا من ثلاثة عشر يوما" ولم يكن ثابت بن حيان من النحويين وإنما كان من أئمة المقرئين. قال: وكان ابن مالك لا يحتمل المباحثة ولا يثبت للمناقشة؛ لأنه إنما أخذ هذا العلم بالنظر فيه بخاصة نفسه، هذا مع كثرة ما اجتناه من ثمرات غرسه" انتهى.
قلت: وله شيخ جليل وهو ابن يعيش الحلبي، ذكر ابن إياز في أوائل شرح التصريف أنه أخذ عنه. أما تصانيفه فرأيت في تذكرة تاج الدين بن مكتوم أن بعضهم نظمها في أبيات، قال الشيخ تاج الدين: وقد أهمل أشياء أخر من مؤلفاته فذيلت عليها، وها أنا أورد نظمها مبينا:
سقى الله رب العرش قبر ابن مالك
…
سحائب غفران تغاديه عطلا
فقد ضم شمل النحو من بعد شته
…
وبين أقوال النحاة وفصلا
بـ ألفية تسمى الخلاصة قد حوت
…
خلاصة علم النحو والصرف مكملا
و"كافية"1.... إلخ.
قال الصلاح الصفدي:
أخبرني الشهاب محمود أن ابن مالك كان إذا صلى في "العادلية" وكان إمامها، يشيعه قاضي القضاة شمس الدين بن خلكان إلى بيته تعظيما له.
وكان أمة في الاطلاع على الحديث، فكان أكثر ما يستشهد بالقرآن، فإن لم يكن فيه شاهد عدل إلى الحديث، فإن لم يكن فيه شاهد عدل إلى أشعار العرب.
وكان كثير العبادة، كثير النوافل، حسن السمت، كامل العقل. وانفرد عن المغاربة بشيئين: الكرم ومذهب الامام الشافعي. وكان يقول عن الشيخ جمال الدين بن الحاجب: "إنه أخذ نحوه من صاحب المفصل، وصاحب المفصل نحوي صغير" قال: "وناهيك بمن يقول هذا في حق الزمخشري". وكان الشيخ ركن الدين بن القويع يقول: "إن ابن مالك خلى للنحو حرمة".
توفي ابن مالك ثاني عشر شعبان سنة اثنتين وسبعين وستمائة.
"بغية الوعاة" ص53-57.
1 حذفنا من الترجمة المنظومة في أسماء كتبه وما قيل فيه من رثاء؛ للاختصار.
ألفية ابن مالك وشروحها:
"المتون" في العلوم اصطلاح جرى عليه المعلمون يطلقونه على مبادئ فن من الفنون تكثف في رسائل قصيرة يستظهرها للطلاب ترسيخا لمسائل العلم في حفظهم، وكلما كانت ألفاظها أقل زادت قبولا عند المدرسين، ثم يشرعون بعد استظهار الطلاب لها في شرح ألفاظها وحل معقداتها؛ أسلوب جروا عليه في العصور التي جمدت فيها الملكات على ما فيه من عناء على "الماتن" والطالب معا. وهذه المتون تكون نثرا وتكون نظما، وقد راج النظم لسهولة حفظه وإن كان التعقيد ألزم له لما توجبه مقتضيات الوزن من تقديم وتأخير زيادة على التكثيف. فمنظومة في مصطلح الحديث، ومنظومة في القراءات، ومنظومة في الفرائض، ومنظومة في الرياضيات، وفي الفلسفة، وفي الفقه
…
إلخ.
وفي النحو ألفية لابن معطي المتوفى سنة "628هـ" بالقاهرة ألف بيت من بحر السريع وبحر الرجز، فأراد ابن مالك نظم ألفية له تلم بمسائل أكثر وتكون كلها من بحر الرجز، ووُفق إلى ما أراد، ورُزقت ألفيته الشهرة في التعليم، فما زال الطلبة يبدءون باستظهارها منذ ثمانمائة سنة حتى اليوم. وشرحت شروحا جمة أشهرها شرح ابن عقيل، ووضعت على الشروح
حواشٍ كثيرة، وصارت الألفية مدار التدريس والتأليف يتبارى المؤلفون في شرحها، ومن أعجب من المؤلفين بشرح ما وضع عليه حاشية تبسط مسائله.
وأكثر هذه الشروح شهرة اليوم شرح ابن عقيل، وشرح الأشموني، وكلاهما مطبوع طبعات عدة، يدرس في المعاهد والمدارس وحلقات العلم، ومن الحواشي المشهورة المطبوعة أيضا "حاشية الصبان على شرح الأشموني" و"حاشية الخضري على شرح ابن عقيل".
وإليك نموذجا من نظم ألفية ابن مالك في عمل "لا" النافية للجنس وشرح ابن عقيل على بيتين منها، ثم نموذجا من كتاب ابن مالك "شواهد التوضيح والتصحيح لمشكلات الجامع الصحيح" وهو كتاب وضعه لبعض ما يستشكله دارسو صحيح البخاري من مشكلات نحوية، وهو من كتبه اللطيفة الحجم؛ لتكون على علم بسعة اطلاعه وأسلوب تأتيه لبحثه:
1-
ألفية ابن مالك:
بدأها بقوله:
بسم الله الرحمن الرحيم
قال محمد هو ابن مالك
…
أحمد ربي الله خير مالك
مصليا على النبي المصطفى
…
وآله المستكملين الشرفا
وأستعين الله في ألفيه
…
مقاصد النحو بها محويه
تقرب الأقصى بلفظ موجز
…
وتبسط البذل بوعد منجز
وتقتضي رضا بغير سخط
…
فائقة ألفية ابن معطي1
وهو بسبق حائز تفضيلا
…
مستوجبا ثنائي الجميلا
والله يقضي بهبات وافره
…
لي وله في درجات الآخره
كلامنا لفظ مفيد كـ "استقم
…
اسم وفعل ثم حرف الكلم
…
إلخ.
"لا" التي لنفي الجنس:
1-
عمل إنّ اجعل لـ لا في نكره
…
مفردة جاءتك أو مكرره
1 ذكر الخضري في حاشيته هنا ما يلي: وقد فاقت هذه ألفية ابن معطي لفظا؛ لأنها من بحر واحد وتلك من السريع والرجز، ولأنها أكثر أحكاما منها. وللجلال السيوطي ألفية زاد فيها على هذه كثيرا وقال في أولها: فائقة ألفية ابن مالك.
وللأجهوري المالكي ألفية زاد فيها على السيوطي وقال فيها:
فائقة ألفية السيوطي
فسبحان المنفرد بالكمال الذي لا يدانى. ص12 من الجزء الأول من حاشية الخضري، الطبعة الثانية ببولاق سنة 1302هـ.
2-
فانصب بها مضافا أو مضارعه
…
وبعد ذاك الخبر اذكر، رافعه
الشرح لابن عقيل:
1-
هذا هو القسم الثالث من الحروف الناسخة للابتداء وهي "لا" التي لنفي الجنس، والمراد بها "لا" التي قصد بها التنصيص على استغراق النفي للجنس كله. وإنما قلت:"التنصيص" احترازا من التي يقع الاسم بعدها مرفوعا نحو "لا رجل قائما" فإنها ليست نصا في نفي الجنس إذ يحتمل "لا رجل قائما بل رجلان"، وبتقدير نفي الوحدة يجوز "لا رجل قائما بل رجلان"؛ وأما "لا" هذه فهي لنفي الجنس ليس إلا، فلا يجوز "لا رجلَ قائم بل رجلان".
وهي تعمل عمل "إن" فتنصب المبتدأ اسما لها وترفع الخبر خبرا لها، ولا فرق في هذا العمل بين المفردة وهي التي لم تتكرر نحو "لا غلامَ رجل قائم" وبين المكررة نحو "لا حول ولا قوة إلا الله" ولا يكون اسمها وخبرها إلا نكرة، فلا تعمل في المعرفة؛ وما ورد من ذلك مؤول بنكرة كقولهم:"قضية ولا أبا حسن لها" والتقدير: "ولا مسمى بهذا الاسم لها". ويدل على أنه معامل معاملة النكرة وصفه بالنكرة لقولك: "ولا أبا حسن حنانا لها"1.
1 حنانا: راحما، ويروى: حيا.
ولا يفصل بينها وبين اسمها، فإن فصل بينهما ألغيت كقوله تعالى:{لا فِيهَا غَوْلٌ وَلا هُمْ عَنْهَا يُنْزَفُون} 1.
2-
لا يخلو اسم "لا" من ثلاثة أحوال: الحال الأول: أن يكون مضافا نحو "لا غلامَ رجلٍ حاضر". الثاني: أن يكون مضارعا للمضاف أي: مشابها له، والمراد به كل اسم له تعلق بما بعده إما بعمل نحو "لا طالعا جبلا ظاهر" و"لا خيرا من زيد راكب"، وإما بعطف نحو "لا ثلاثة وثلاثين عندنا" ويسمى المشبه بالمضاف مطولا وممطولا أي: ممدودا. وحكم المضاف والمشبه به النصب لفظا كما مثل. والحال الثالث: أن يكون مفردا، والمراد به ما ليس بمضاف ولا مشبه بالمضاف، فيدخل فيه المثنى والمجموع، وحكمه البناء على ما كان ينصب به؛ لتركبه مع "لا" وصيرورته معها كالشيء الواحد، فهو معها كـ "خمسة عشر" ولكن محله النصب بـ "لا" لأنه اسم لها. فالمفرد الذي ليس بمثنى ولا مجموع يبنى على الفتح لأن نصبه بالفتحة نحو "لا حول ولا قوة إلا بالله" والمثنى وجمع المذكر السالم يبنيان على ما كانا ينصبان به وهو الياء نحو:"لا مسلمينِ لك ولا مسلمينَ لزيد" فـ "مسلمين" و"مسلمين" مبنيان لتركبهما كما بني "رجل" لتركبها معها. وذهب الكوفيون والزجاج إلى أن "رجل" في قولك "لا رجل" معرب، وأن فتحته فتحة إعراب لا فتحة بناء، وذهب المبرد إلى أن "مسلمينِ ومسلمينَ" معربان.
1 سورة الصافات 37/ 47.
وأما جمع المؤنث السالم، فقال قوم: يبنى على ما كان ينصب به وهو الكسر، فتقول:"لا مسلماتِ لك" بكسر التاء، ومنه قوله:
إن الشباب الذي مجد عواقبه
…
فيه نلذ ولا لذات للشيب1
وأجاز بعضهم الفتح نحو "لا مسلماتَ لك". وقول المصنف:
"وبعد ذاك الخبر اذكر، رافعه"
معناه: أنه يذكر الخبر بعد اسم "لا" مرفوعا، والرافع له "لا" عند المصنف وجماعة، وعند سيبويه الرافع له "لا" إن كان اسمها مضافا أو مشبها بالمضاف، وإن كان الاسم مفردا فاختلف في رافع الخبر: فذهب سيبوبه إلى أنه ليس مرفوعا بـ "لا" وإنما هو مرفوع على أنه خبر مبتدأ؛ لأن مذهبه أن "لا" واسمها المفرد في موضع رفع بالابتداء والاسم المرفوع بعدها خبر عن ذلك المبتدأ، ولم تعمل "لا" عنده في هذه الصورة إلا في الاسم؛ وذهب الأخفش إلى أن الخبر مرفوع بـ "لا" فتكون "لا" عاملة بالجزأين كما عملت فيهما مع المضاف والمشبه به. ا. هـ2.
1 البيت لسلامة بن جندل السعدي.
2 حاشية الخضري على شرح ابن عقيل 1/ 141-144، الطبعة الثانية ببولاق سنة 1302هـ.
2-
شواهد التوضيح والتصحيح لمشكلات الجامع الصحيح:
البحث الثاني فيما يقع الشرط مضارعا والجواب ماضيا:
ومنها قول النبي صلى الله عليه وسلم: "من يقم ليلة القدر غفر له"، وقول عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها:"إن أبا بكر رجل أسيف "حزين"، متى يقم مقامك رق".
قلت: تضمن هذان الحديثان وقوع الشرط مضارعا والجواب ماضيا لفظا لا معنى، والنحويون يستضعفون ذلك، ويراه بعضهم مخصوصا بالضرورة.
والصحيح الحكم بجوازه مطلقا؛ لثبوته في كلام أفصح الفصحاء، وكثرة صدوره عن فحول الشعراء كقول نهشل بن ضمرة:
يا فارس الحي يوم الروع قد علموا
…
ومدره الخصم لا نكسا ولا ورعا1
ومدرك التبل في الأعداء يطلبه
…
وما يشأ عندهم من تبلهم منعا
1 المدره: القوي الجدل والحجة، الورع: الجبان، التبل: الثأر.
وكقول أعشى قيس:
وما يرد من جميع بعدُ فرقه
…
وما يرد بعد من ذي فرقة جمعا
وكقول حاتم:
وإنك مهما تعط بطنك سؤله
…
وفرجك نالا منتهى الذم أجمعا
وكقول رؤبة:
ما يلق في أشداقه تلهما
…
إذا أعاد الزأر أو تنهما1
ومثله:
إن يسمعوا ريبة طاروا لها فرحا
…
مني وما سمعوا من صالح دفنوا2
ومثله:
إن تستجيروا أجرناكم، وإن تهنوا
…
فعندنا لكم الإنجاد مبذول
ومثله:
متى تأته ألفيته متكفلا
…
بنصرة مذعور وترفيه بائس
1 تلهم: ابتلعه مرة واحدة، تنهم: توعد، صوّت شديدا فوق الزئير، والبيت في وصف أسد.
2 لقعنب ابن أم صاحب، بأمه اشتهر وأبوه ضمرة.
ومثله:
إن تصرمونا وصلناكم وإن تصلوا
…
ملأتم أنفس الأعداء إرهابا
ومما يؤيد هذا الاستعمال قوله تعالى: {إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ} 1 فعطف على الجواب الذي هو {نُنَزِّلْ} : {فَظَلَّتْ} وهو ماضى اللفظ، ولا يعطف على الشيء غالبا إلا ما يجوز أن يحل محله، وتقدر حلول "ظلت" محل "ننزل": إن نشأ ظلت أعناقهم لما ننزل خاضعين.
ولهذا الاستعمال أيضا مؤيد من القياس، وذلك أن محل الشرط مختص بما يتأثر بأداة الشرط لفظا أو تقديرا، واللفظيّ أصل للتقديريّ، ومحل الجواب محل غير مختص بذلك لجواز أن يقع فيه جملة اسمية، وفعل أمر أو دعاء، أو فعل مقرون بقد، أو حرف تنفيس، أو بـ "لن"، أو بـ "ما" النافية؛ فإذا كان الشرط والجواب مضارعين وافقا الأصل؛ لأن المراد منهما الاستقبال، ودلالة المضارع عليه موافقة للوضع، ودلالة الماضي عليه مخالفة للوضع، وما وافق الوضع أصل لما خالفه؛ وإذا كانا ماضيين خالفا الأصل، وحسنهما وجود التشاكل؛ وإذا كان أحدهما مضارعا والآخر ماضيا حصلت الموافقة من وجه والمخالفة من وجه، وتقديم الموافق أولى من تقديم المخالف؛ لأن المخالف نائب عن غيره والموافق ليس نائبا، ولأن المضارع بعد أداة الشرط غير مصروف عما وضع له إذ
1 سورة الشعراء 26/ 4.
هو باقٍ على الاستقبال، والماضي بعدها مصروف عما وضع له إذ هو ماضي اللفظ مستقبل المعنى، فهو ذو تغير في اللفظ دون المعنى، على تقدير كونه في الأصل مضارعا فردته الأداة ماضي اللفظ ولم يتغير معناه، وهذا مذهب المبرد، أو هو ذو تغير في المعنى دون اللفظ على تقدير كونه في الأصل ماضي اللفظ والمعنى، فغيرت الأداة معناه دون لفظه وهذا هو المذهب المختار. وإذا كان ذا تغير فالتأخر أولى به من التقدم؛ لأن تغيير الأواخر أكثر من تغيير الأوائل1.
1 ص14-17 من شواهد التوضيح والتصحيح لمشكلات الجامع الصحيح، مطبعة لجنة البيان العربي بالقاهرة سنة 1376هـ-1957م.