المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌خاتمة: يرى الباحث بعد التقصي أنه قد تضم البلدة الواحدة نحاة - من تاريخ النحو العربي

[سعيد الأفغاني]

الفصل: ‌ ‌خاتمة: يرى الباحث بعد التقصي أنه قد تضم البلدة الواحدة نحاة

‌خاتمة:

يرى الباحث بعد التقصي أنه قد تضم البلدة الواحدة نحاة من منازع مختلفة، يطغى عليها أحيانا مذهب أهل البصرة، وأحيانا مذهب الكوفة، تبعا لنزعة العالم ذي الأثر فيها. فهذه "حلب" من مدن الشام ضمت عالمين مختلفي النزعة كل الاختلاف في زمن واحد: ابن جني رأس مدرسة القياس الذي كان للمذهب البصري إمامه الأعظم، وابن خالويه الكوفي المنزع صاحب كتاب "ليس في كلام العرب"، الذي اتبع فيه السماع نافيا من اللغة ما جوزه "فلسفة" نحاة البصرة، وبعدهما كان في الشام المعري الذي كان واسع الرواية سماعيا إلى أبعد حدود السماع، يضيق بنحو البصرة الذي كان في أيامه طافحا بالجدل والقياس والتعليل1. وهذه النزعة ظاهرة في كتبه كل الظهور، وحسبك أن تلم برسالة الملائكة لترى مبلغ عنايته بالرواية والسماع، أو أن تمعن في "رسالة الغفران" لترى نقمته على البصريين خاصة من حيث

1 انظر في ذلك بحثا قيما للمرحوم الأستاذ إبراهيم مصطفى نشره في "المهرجان الألفي لأبي العلاء المعري" من مطبوعات المجمع العلمي العربي بدمشق ص362-374.

ص: 108

كانوا أهل القياس1.

1 الظاهر أن مذهب الكوفة انتعش في الشام حينا من الدهر، وعلة ذلك عندي اعتماده على كثرة الرواية والسماع، والشاميون "أثريون سلفيون" إلى حد بعيد، يحترمون السماع عن العرب كثيرا شأنهم في اللغة والنحو كشأنهم في علوم الشريعة، فيهم أخصب علم القراءات وهو سماع محض، ولا تنس أن أكثر أئمة البصرة والكوفة هم قراء أيضا، وعندهم أخصب فن الحديث وهو أيضا سماع محض، وبقي حيا نشيطا إلى زمن قريب، عنوا عناية بالغة به وبسماعاته وطبقات رجاله وإحصاء طرقه، ونبغ فيهم كبار الأئمة فيه، ولا تزال دار كتبهم الظاهرية بدمشق أغنى مكتبات الدنيا اليوم في فن الحديث، وكثير من مخطوطاتها بخطوط مؤلفيها المحدثين أنفسهم لا يدانيها في ذلك مكتبة في العالم. وفيها عدة دور "مدارس" للحديث ولقراءات القرآن. نزعة عرفوا بها، واستأنس إذا شئت بهذه الجملة قرأتها أخيرا في كتاب "تاريخ العرب قبل الإسلام" للباحث الفاضل جواد علي:

"يغلب على التلمود الفلسطيني طابع التمسك بالرواية والحديث، وأما التلمود البابلي فيظهر عليه الطابع العراقي الحر، وفيه عمق التفكير وتوسع في المحاكمة وغنى في المادة، وهذه الصفات غير موجودة في التلمود الفلسطيني" 1/ 24. ومهما تظن من أثر لحب البلد في هذا الكلام، فما ذلك بمانعك الاستئناس به إلى حد ما، ولولا عزوفي عن التعميم وإطلاق الأحكام لشددت به ما أذهب إليه من أثرية "سلفية" بعد التثبت من صحة الحكم.

ص: 109