الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ أيها الرسول الكريم- مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وأوجدهما على هذا النظام البديع.. لَيَقُولُنَّ في الجواب اللَّهُ أى: الله- تعالى- هو الذي خلقهما، وهو الذي أوجدهما.
قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ قل- أيها الرسول الكريم- الحمد لله- تعالى- وحده، حيث اعترفتم بأن خالقهما هو الله، وما دام الأمر كذلك، فكيف أشركتم معه في العبادة غيره؟ إن قولكم هذا الذي تؤيده الفطرة، ليتنافى مع ما أنتم عليه من كفر وضلال.
وقوله- سبحانه- بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ إضراب عن أقوالهم إلى بيان واقعهم، أى: بل أكثرهم لا يعلمون الحقائق علما سليما، وإنما هم يقولون بألسنتهم، وما يتباين تباينا تاما مع أفعالهم، وهذا شأن الجاهلين، الذين انطمست بصائرهم..
ثم بين- سبحانه- ما يدل على عظيم قدرته، وشمول ملكه فقال: لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ. أى: لله- تعالى- وحده، ما في السموات وما في الأرض، خلقا، وملكا، وتصرفا..
إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ عن كل ما سواه الْحَمِيدُ أى: المحمود من أهل الأرض والسماء، لأنه هو الخالق لكل شيء، والرازق لكل شيء.
ثم ساق- تعالى- بعد ذلك ما يدل على شمول علمه، ونفاذ قدرته، فقال- سبحانه-:
[سورة لقمان (31) : الآيات 27 الى 28]
وَلَوْ أَنَّما فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ ما نَفِدَتْ كَلِماتُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (27) ما خَلْقُكُمْ وَلا بَعْثُكُمْ إِلَاّ كَنَفْسٍ واحِدَةٍ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ (28)
قال ابن كثير: قال قتادة: قال المشركون: إنما هذا كلام يوشك أن ينفد، فقال- تعالى- وَلَوْ أَنَّما فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ
…
وعن ابن عباس أن أحبار يهود قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم أرأيت قولك: وَما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا؟ إيانا تريد أم قومك؟ فقال صلى الله عليه وسلم: «كلا عنيت» فقالوا: ألست
تتلو فيما جاءك أنا قد أوتينا التوراة فيها تبيان لكل شيء؟ فقال صلى الله عليه وسلم: «إنها في علم الله قليل، وعندكم من ذلك ما يكفيكم» وأنزل الله فيما سألوه عنه من ذلك: وَلَوْ أَنَّما فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ «1» .
و «لو» شرطية، وجوابها «ما نفدت كلمات الله..» و «من» في قوله مِنْ شَجَرَةٍ للبيان، وفي الآية الكريمة كلام محذوف يدل عليه السياق.
والمعنى: ولو أن ما في الأرض من أشجار تحولت بغصونها وفروعها إلى أقلام، ولو أن البحر- أيضا- تحول إلى مداد لتلك الأقلام، وأمد هذا البحر بسبعة أبحر أخرى. وكتبت بتلك الأقلام، وبذلك المداد كلمات الله التي يحيط بها علمه- تعالى-..
لنفدت الأقلام، ولنفد ماء البحر، لتناهى كل ذلك، وما نفدت كلمات الله- تعالى- ولا معلوماته، لعدم تناهيها.
إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ لا يعجزه شيء، ولا يغلبه غالب حَكِيمٌ في كل أقواله وأفعاله.
فالآية الكريمة المقصود منها بيان أن علم الله- تعالى- لا نهاية له، وأن مشيئته لا يقف أمامها شيء، وكلماته لا أول لها ولا آخر.
وقال- سبحانه- مِنْ شَجَرَةٍ بالإفراد، لأن المراد تفصيل الشجر واستقصاؤه شجرة فشجرة، حتى لا تبقى واحدة من أنواع الأشجار إلا وتحولت إلى أقلام.
وجمع- سبحانه- الأقلام، للتكثير، أى: أقلام كثيرة يصعب عدها.
والمراد بالبحر: البحر المحيط بالأرض، لأنه المتبادر من التعريف، إذ هو الفرد الكامل.
وإنما ذكرت السبعة بعد ذلك على وجه المبالغة دون إرادة الحصر، وإلا فلو اجتمعت عشرات البحار ما نفدت كلمات الله.
قال صاحب الكشاف فإن قلت: مقتضى الكلام أن يقال: ولو أن الشجر أقلام، والبحر مداد؟ قلت: أغنى عن ذكر المداد قوله يَمُدُّهُ لأنه من قولك: مد الدواة وأمدها. جعل البحر الأعظم بمنزلة الدواة، وجعل الأبحر السبعة مملوءة مدادا، فهي تصب فيه مدادها أبدا صبا لا ينقطع.
فإن قلت: الكلمات جمع قلة، والموضع موضع التكثير لا التقليل، فهلا قيل: كلم الله؟.
قلت: معناه أن كلماته لا تفي بكتابتها البحار فكيف بكلمة؟ «2» .
(1) تفسير ابن كثير ج 6 ص 352.
(2)
تفسير الكشاف ج 3 ص 501.