الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْمُقامَةِ مِنْ فَضْلِهِ أى: الحمد لله الذي أذهب عنا الأحزان بفضله ورحمته، والذي أَحَلَّنا أى: أنزلنا دارَ الْمُقامَةِ أى: الدار التي لا انتقال لنا منها، وإنما نحن سنقيم فيها إقامة دائمة وهي الجنة التي منحنا إياها بفضله وكرمه.
وهذه الدار لا يَمَسُّنا فِيها نَصَبٌ أى: لا يصيبنا فيها تعب ولا مشقة ولا عناء.
يقال: نصب فلان- كفرح- إذا نزل به التعب والإعياء.
وَلا يَمَسُّنا فِيها لُغُوبٌ أى: ولا يصيبنا فيها كلال وإعياء بسبب التعب والهموم، يقال: لغب فلان لغبا ولغوبا. إذا اشتد به الإعياء والهزال.
قال صاحب الكشاف: فإن قلت: ما الفرق بين النصب واللّغوب؟
قلت: النصب، التعب والمشقة، التي تصيب المنتصب للأمر، المزاول له.
وأما اللغوب، فما يلحقه من الفتور بسبب النصب. فالنصب: نفس المشقة والكلفة.
واللغوب: نتيجة ما يحدث منه من الكلال والفتور» «1» .
وبعد هذا البيان البليغ الذي يشرح الصدور لحسن عاقبة المفلحين، ساقت السورة الكريمة حال الكافرين، وما هم فيه من عذاب مهين، فقال- تعالى-:
[سورة فاطر (35) : الآيات 36 الى 38]
وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نارُ جَهَنَّمَ لا يُقْضى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذابِها كَذلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ (36) وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيها رَبَّنا أَخْرِجْنا نَعْمَلْ صالِحاً غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ ما يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجاءَكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَما لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ (37) إِنَّ اللَّهَ عالِمُ غَيْبِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ (38)
(1) تفسير الكشاف ج 3 ص 614.
اى: وَالَّذِينَ كَفَرُوا في الدنيا بكل ما يجب الإيمان به لَهُمْ في الآخرة نارُ جَهَنَّمَ يعذبون فيها تعذيبا أليما.
ثم بين- سبحانه- حالهم في جهنم فقال: لا يُقْضى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذابِها أى: لا يحكم عليهم فيها بالموت مرة أخرى كما ماتوا بعد انقضاء آجالهم في الدنيا، وبذلك يستريحون من العذاب. ولا يخفف عنهم من عذاب جهنم، بل هي كلما خبت أو هدأ لهيبها، عادت مرة أخرى إلى شدتها، وازدادت سعيرا.
والمراد أنهم باقون في العذاب الأليم بدون موت، أو حياة يستريحون فيها.
كَذلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ أى: مثل هذا الجزاء الرادع الفظيع، نجزى في الآخرة، كل شخص كان في الدنيا شديد الجحود والكفران لآيات ربه، الدالة على وحدانيته وقدرته..
وقوله- تعالى-: وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيها رَبَّنا أَخْرِجْنا نَعْمَلْ صالِحاً غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ بيان لما يجأرون به إلى ربهم وهم ملقون في نار جهنم.
ويصطرخون، بمعنى يستغيثون ويضجون بالدعاء رافعين أصواتهم، افتعال من الصراخ، وهو الصياح الشديد المصحوب بالتعب والمشقة، ويستعمل كثيرا في العويل والاستغاثة.
وأصله يصترخون، فأبدلت التاء طاء.
وجملة رَبَّنا أَخْرِجْنا
…
مقول لقول محذوف.
أى: وهم بعد أن ألقى بهم في نار جهنم، أخذوا يستغيثون ويضجون بالدعاء والعويل ويقولون: يا ربنا أخرجنا من هذه النار، وأعدنا إلى الحياة الدنيا، لكي نؤمن بك وبرسولك، ونعمل أعمالا صالحة أخرى ترضيك، غير التي كنا نعملها في الدنيا.
وقولهم هذا يدل على شدة حسرتهم، وعلى اعترافهم بجرمهم، وبسوء أعمالهم التي كانوا يعملونها في الدنيا.
وهنا يأتيهم من ربهم الرد الذي يخزيهم فيقول- سبحانه- أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ ما يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ، وَجاءَكُمُ النَّذِيرُ....
والاستفهام للتوبيخ والتقريع، والكلام على إضمار القول، وقوله نُعَمِّرْكُمْ من التعمير بمعنى الإبقاء والإمهال في الحياة الدنيا إلى الوقت الذي كان يمكنهم فيه الإقلاع عن الكفر إلى الإيمان.
وما في قوله ما يَتَذَكَّرُ فِيهِ نكرة موصوفة بمعنى مدة. والضمير في قوله فِيهِ يعود إلى عمرهم الذي قضوه في الدنيا.