المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[سورة العنكبوت (29) : الآيات 28 الى 35] - التفسير الوسيط لطنطاوي - جـ ١١

[محمد سيد طنطاوي]

فهرس الكتاب

- ‌سورة العنكبوت

- ‌مقدمة وتمهيد

- ‌[سورة العنكبوت (29) : الآيات 1 الى 7]

- ‌[سورة العنكبوت (29) : الآيات 8 الى 9]

- ‌[سورة العنكبوت (29) : الآيات 10 الى 13]

- ‌[سورة العنكبوت (29) : الآيات 14 الى 17]

- ‌[سورة العنكبوت (29) : الآيات 18 الى 23]

- ‌[سورة العنكبوت (29) : الآيات 24 الى 27]

- ‌[سورة العنكبوت (29) : الآيات 28 الى 35]

- ‌[سورة العنكبوت (29) : الآيات 36 الى 40]

- ‌[سورة العنكبوت (29) : الآيات 41 الى 43]

- ‌[سورة العنكبوت (29) : الآيات 44 الى 45]

- ‌[سورة العنكبوت (29) : الآيات 46 الى 49]

- ‌[سورة العنكبوت (29) : الآيات 50 الى 55]

- ‌[سورة العنكبوت (29) : الآيات 56 الى 60]

- ‌[سورة العنكبوت (29) : الآيات 61 الى 69]

- ‌تفسير سورة الرّوم

- ‌مقدمة وتمهيد

- ‌[سورة الروم (30) : الآيات 1 الى 7]

- ‌[سورة الروم (30) : الآيات 8 الى 10]

- ‌[سورة الروم (30) : الآيات 11 الى 16]

- ‌[سورة الروم (30) : الآيات 17 الى 27]

- ‌[سورة الروم (30) : الآيات 28 الى 32]

- ‌[سورة الروم (30) : الآيات 33 الى 37]

- ‌[سورة الروم (30) : الآيات 38 الى 40]

- ‌[سورة الروم (30) : الآيات 41 الى 45]

- ‌[سورة الروم (30) : الآيات 46 الى 53]

- ‌[سورة الروم (30) : الآيات 54 الى 60]

- ‌تفسير سورة لقمان

- ‌مقدّمة

- ‌[سورة لقمان (31) : الآيات 1 الى 5]

- ‌[سورة لقمان (31) : الآيات 6 الى 7]

- ‌[سورة لقمان (31) : الآيات 8 الى 11]

- ‌[سورة لقمان (31) : الآيات 12 الى 19]

- ‌[سورة لقمان (31) : الآيات 20 الى 21]

- ‌[سورة لقمان (31) : الآيات 22 الى 26]

- ‌[سورة لقمان (31) : الآيات 27 الى 28]

- ‌[سورة لقمان (31) : الآيات 29 الى 32]

- ‌[سورة لقمان (31) : الآيات 33 الى 34]

- ‌تفسير سورة السّجدة

- ‌مقدّمة

- ‌[سورة السجده (32) : الآيات 1 الى 9]

- ‌[سورة السجده (32) : الآيات 10 الى 14]

- ‌[سورة السجده (32) : الآيات 15 الى 17]

- ‌[سورة السجده (32) : الآيات 18 الى 22]

- ‌[سورة السجده (32) : الآيات 23 الى 25]

- ‌[سورة السجده (32) : الآيات 26 الى 30]

- ‌تفسير سورة الأحزاب

- ‌مقدّمة

- ‌[سورة الأحزاب (33) : الآيات 1 الى 3]

- ‌[سورة الأحزاب (33) : الآيات 4 الى 5]

- ‌[سورة الأحزاب (33) : آية 6]

- ‌[سورة الأحزاب (33) : الآيات 7 الى 8]

- ‌[سورة الأحزاب (33) : الآيات 9 الى 15]

- ‌[سورة الأحزاب (33) : الآيات 16 الى 20]

- ‌[سورة الأحزاب (33) : الآيات 21 الى 27]

- ‌[سورة الأحزاب (33) : الآيات 28 الى 29]

- ‌[سورة الأحزاب (33) : الآيات 30 الى 34]

- ‌[سورة الأحزاب (33) : آية 35]

- ‌[سورة الأحزاب (33) : الآيات 36 الى 40]

- ‌[سورة الأحزاب (33) : الآيات 41 الى 44]

- ‌[سورة الأحزاب (33) : الآيات 45 الى 48]

- ‌[سورة الأحزاب (33) : آية 49]

- ‌[سورة الأحزاب (33) : الآيات 50 الى 52]

- ‌[سورة الأحزاب (33) : الآيات 53 الى 54]

- ‌[سورة الأحزاب (33) : الآيات 55 الى 59]

- ‌[سورة الأحزاب (33) : الآيات 60 الى 68]

- ‌[سورة الأحزاب (33) : الآيات 69 الى 73]

- ‌تفسير سورة سبأ

- ‌مقدمة وتمهيد

- ‌[سورة سبإ (34) : الآيات 1 الى 5]

- ‌[سورة سبإ (34) : الآيات 6 الى 9]

- ‌[سورة سبإ (34) : الآيات 10 الى 14]

- ‌[سورة سبإ (34) : الآيات 15 الى 21]

- ‌[سورة سبإ (34) : الآيات 22 الى 27]

- ‌[سورة سبإ (34) : الآيات 28 الى 30]

- ‌[سورة سبإ (34) : الآيات 31 الى 33]

- ‌[سورة سبإ (34) : الآيات 34 الى 39]

- ‌[سورة سبإ (34) : الآيات 40 الى 42]

- ‌[سورة سبإ (34) : الآيات 43 الى 45]

- ‌[سورة سبإ (34) : الآيات 46 الى 50]

- ‌[سورة سبإ (34) : الآيات 51 الى 54]

- ‌تفسير سورة فاطر

- ‌مقدمة وتمهيد

- ‌[سورة فاطر (35) : الآيات 1 الى 3]

- ‌[سورة فاطر (35) : الآيات 4 الى 8]

- ‌[سورة فاطر (35) : الآيات 9 الى 14]

- ‌[سورة فاطر (35) : الآيات 15 الى 26]

- ‌[سورة فاطر (35) : الآيات 27 الى 31]

- ‌[سورة فاطر (35) : الآيات 32 الى 35]

- ‌[سورة فاطر (35) : الآيات 36 الى 38]

- ‌[سورة فاطر (35) : الآيات 39 الى 41]

- ‌[سورة فاطر (35) : الآيات 42 الى 45]

- ‌فهرس إجمالى لسورة «العنكبوت»

- ‌فهرس إجمالى لسورة «الروم»

- ‌فهرس إجمالى لتفسير سورة «لقمان»

- ‌فهرس إجمالى لتفسير سورة «السجدة»

- ‌فهرس إجمالى لتفسير سورة «الأحزاب»

- ‌فهرس إجمالى لتفسير سورة «سبأ»

- ‌فهرس إجمالى لتفسير سورة «فاطر»

الفصل: ‌[سورة العنكبوت (29) : الآيات 28 الى 35]

أى: ووهبنا لإبراهيم- بعد أن هاجر ومعه زوجه «سارة» وابن أخيه «لوط» - وهبنا له ابنه إسحاق، ووهبنا لإسحاق يعقوب، وجعلنا بفضلنا ورحمتنا، في ذرية إبراهيم النبوة، إذ من نسله جميع الأنبياء من بعده، كما جعلنا في ذريته- أيضا- الكتب التي أنزلناها على الأنبياء من بعده، كالتوراة، والإنجيل، والزبور، والقرآن.

فالمراد بالكتاب هنا: الكتب السماوية التي أنزلها- سبحانه- على موسى وعيسى وداود ومحمد- صلوات الله عليه-، وهم جميعا من نسل إبراهيم.

قال صاحب الكشاف: فإن قلت: ما بال إسماعيل لم يذكر، وذكر إسحاق ويعقوب؟

قلت: قد دل عليه في قوله: وَجَعَلْنا فِي ذُرِّيَّتِهِ النُّبُوَّةَ وَالْكِتابَ وكفى الدليل لشهرة أمره، وعلو قدره.

فإن قلت: ما المراد بالكتاب؟ قلت: قصد به جنس الكتاب، حتى دخل تحته ما نزل على ذريته من الكتب الأربعة، التي هي: التوراة، والزبور، والإنجيل، والقرآن» «1» .

وقوله- سبحانه-: وَآتَيْناهُ أَجْرَهُ فِي الدُّنْيا بيان لنعمة أخرى أنعم بها- سبحانه- على نبيه إبراهيم- عليه السلام.

أى: وهبنا له الذرية الصالحة، وجعلنا في ذريته النبوة والكتب السماوية، وآتيناه أجره على أعماله الصالحة في الدنيا، بأن رزقناه الزوجة الصالحة، والذكر الحسن بعد وفاته.

وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ الذين نعطيهم فيها أجزل العطاء وأوفاه.

وهكذا جمع الله- تعالى- بفضله وإحسانه، لنبيه إبراهيم، خيرى الدنيا والآخرة، جزاء إيمانه العميق، وعمله الصالح، ووفائه في تبليغ رسالة ربه.

وبمناسبة الحديث عن قصة إبراهيم مع قومه، جاء بعد ذلك الحديث عن جانب من قصة لوط مع قومه. لوط- عليه السلام الذي آمن بإبراهيم وهاجر معه إلى بلاد الشام..

قال- تعالى-:

[سورة العنكبوت (29) : الآيات 28 الى 35]

وَلُوطاً إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الْفاحِشَةَ ما سَبَقَكُمْ بِها مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعالَمِينَ (28) أَإِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجالَ وَتَقْطَعُونَ السَّبِيلَ وَتَأْتُونَ فِي نادِيكُمُ الْمُنْكَرَ فَما كانَ جَوابَ قَوْمِهِ إِلَاّ أَنْ قالُوا ائْتِنا بِعَذابِ اللَّهِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (29) قالَ رَبِّ انْصُرْنِي عَلَى الْقَوْمِ الْمُفْسِدِينَ (30) وَلَمَّا جاءَتْ رُسُلُنا إِبْراهِيمَ بِالْبُشْرى قالُوا إِنَّا مُهْلِكُوا أَهْلِ هذِهِ الْقَرْيَةِ إِنَّ أَهْلَها كانُوا ظالِمِينَ (31) قالَ إِنَّ فِيها لُوطاً قالُوا نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَنْ فِيها لَنُنَجِّيَنَّهُ وَأَهْلَهُ إِلَاّ امْرَأَتَهُ كانَتْ مِنَ الْغابِرِينَ (32)

وَلَمَّا أَنْ جاءَتْ رُسُلُنا لُوطاً سِيءَ بِهِمْ وَضاقَ بِهِمْ ذَرْعاً وَقالُوا لا تَخَفْ وَلا تَحْزَنْ إِنَّا مُنَجُّوكَ وَأَهْلَكَ إِلَاّ امْرَأَتَكَ كانَتْ مِنَ الْغابِرِينَ (33) إِنَّا مُنْزِلُونَ عَلى أَهْلِ هذِهِ الْقَرْيَةِ رِجْزاً مِنَ السَّماءِ بِما كانُوا يَفْسُقُونَ (34) وَلَقَدْ تَرَكْنا مِنْها آيَةً بَيِّنَةً لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (35)

(1) تفسير الكشاف ج 2 ص 451.

ص: 30

وقوله- سبحانه-: وَلُوطاً إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ.. منصوب بالعطف على إبراهيم في قوله- تعالى-: وَإِبْراهِيمَ إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ.. أو بفعل مضمر.

أى: واذكر- أيها العاقل لتعتبر وتتعظ- نبينا لوطا- عليه السلام وقت أن قال لقومه على سبيل الزجر والتوبيخ والإنكار لما هم عليه من فعل قبيح:

إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الْفاحِشَةَ ما سَبَقَكُمْ بِها مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعالَمِينَ أى: إنكم لتفعلون الفعلة

ص: 31

البالغة أقصى دركات القبح والفحش، والتي ما فعلها أحد قبلكم، بل أنتم أول من ابتدعها، وهي إتيان الذكور دون الإناث.

قال عمر بن دينار: ما نزا ذكر على ذكر حتى كان قوم لوط.

وقال الوليد بن عبد الملك: لولا أن الله- تعالى- قد قص علينا خبر قوم لوط، ما ظننت أن ذكرا يعلو ذكرا.

وجاء قوله- عليه السلام مؤكدا بجملة من المؤكدات، لتسجيل هذه الفاحشة عليهم بأقوى أسلوب، وبأنهم لم يسبقهم أحد إلى ارتكابها.

وقوله- سبحانه-: أَإِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجالَ، وَتَقْطَعُونَ السَّبِيلَ، وَتَأْتُونَ فِي نادِيكُمُ الْمُنْكَرَ

بيان لتلك الفاحشة التي كانوا يقترفونها، والاستفهام للتأنيب والتقريع.

والسبيل: الطريق. والنادي: اسم جنس للمكان الذي يجتمع فيه الناس لأمر من الأمور، أى: أإنكم لتأتون الرجال شهوة من دون النساء، وتقطعون الطريق على المارة، بأن تنتهبوا أموالهم، أو بأن تكرهوهم إكراها على ارتكاب الفاحشة معهم، أو بأن تعتدوا عليهم بأى صورة من الصور، وفضلا عن كل ذلك فإنكم ترتكبون المنكرات في مجالسكم الخاصة، وفي نواديكم التي تتلاقون فيها.

فأنت ترى أن نبيهم- عليه السلام قد وصفهم بأوصاف، كل صفة أقبح من سابقتها، والباعث لهم على ارتكاب تلك المنكرات، هو انتكاس فطرتهم، وفساد نفوسهم، وشذوذ شهواتهم.

فماذا كان جوابهم على نبيهم- عليه السلام؟ لقد كان جوابهم في غاية التبجح والسفاهة، وقد حكاه القرآن في قوله: فَما كانَ جَوابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قالُوا ائْتِنا بِعَذابِ اللَّهِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ.

أى: فما كان جواب قوم لوط عليه، إلا أن قالوا له على سبيل الاستخفاف بوعظه وزجره: ائتنا يا لوط بعذاب الله الذي تتوعدنا به، إن كنت صادقا في دعواك أنك رسول، وفي دعواك أن عذابا سينزل علينا، بسبب أفعالنا هذه التي ألفناها وأحببناها.

وهكذا نرى أن هؤلاء المجرمين، قد قابلوا نصح نبيهم تارة بالاستخفاف والاستهزاء كما هنا، وتارة بالتهديد والوعيد، كما في قوله- تعالى-: أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُناسٌ يَتَطَهَّرُونَ «1» .

(1) سورة النمل. الآية 56.

ص: 32

ولذا لجأ لوط- عليه السلام إلى ربه، يلتمس منه النصرة والعون فقال: رَبِّ انْصُرْنِي عَلَى الْقَوْمِ الْمُفْسِدِينَ، أى: انصرني بأن تنزل عذابك على هؤلاء القوم المفسدين، الذين مردوا على ارتكاب فواحش، لم يسبقهم بها من أحد من العالمين.

وأجاب الله- تعالى- دعاء نبيه لوط- عليه السلام، وأرسل- سبحانه- ملائكته لنبيه إبراهيم ليبشروه بابنه إسحاق. قبل أن ينفذوا عذاب الله في قوم لوط، قال- تعالى-:

وَلَمَّا جاءَتْ رُسُلُنا إِبْراهِيمَ بِالْبُشْرى قالُوا إِنَّا مُهْلِكُوا أَهْلِ هذِهِ الْقَرْيَةِ أى: وحين جاء الملائكة إلى إبراهيم ليبشروه بابنه إسحاق: قالوا له: يا إبراهيم، إنا مرسلون من ربك لإهلاك أهل هذه القرية وهي قرية سدوم التي يسكنها قوم لوط، والسبب في ذلك إِنَّ أَهْلَها كانُوا ظالِمِينَ، حيث أتوا بفاحشة لم يسبقهم إليها أحد، وقطعوا الطريق على الناس، واقترفوا في مجالسهم المنكرات.

وهنا قال لهم إبراهيم- عليه السلام بخشيته وشفقته: إِنَّ فِيها لُوطاً أى: إن في هذه القرية التي جئتم لإهلاكها لوطا، وهو نبي من أنبياء الله الصالحين فكيف تهلكونها وهو معهم فيها؟ وهنا رد عليه الملائكة بما يزيل خشيته فقالوا: نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَنْ فِيها من الأخيار ومن الأشرار، ومن المؤمنين ومن الكافرين.

لَنُنَجِّيَنَّهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ كانَتْ مِنَ الْغابِرِينَ أى: اطمئن يا إبراهيم فإن الله- تعالى- قد أمرنا أن ننجي لوطا وأن ننجي معه من الهلاك أهله المؤمنين، إلا امرأته فستبقى مع المهلكين، لأنها منهم، بسبب خيانتها للوط- عليه السلام حيث كانت تقر جرائم قومها، ولا تعمل على إزالتها وإنكارها، كما هو شأن الزوجات الصالحات.

والغابر: الباقي. يقال: غبر الشيء يغبر غبورا، أى: بقي، وقد يستعمل فيما مضى- أيضا- فيكون من الأضداد. ومنه قولهم: هذا الشيء حدث في الزمن الغابر. أى:

الماضي.

ثم بين- سبحانه- حال لوط- عليه السلام بعد أن وصل إليه الملائكة لينفذوا قضاء الله- تعالى- في قومه، فقال- عز وجل: وَلَمَّا أَنْ جاءَتْ رُسُلُنا لُوطاً سِيءَ بِهِمْ. وَضاقَ بِهِمْ ذَرْعاً.

و «أن» هنا مزيدة لتأكيد المجيء. و «سىء بهم» أى: اعترته المساءة والأحزان بسبب مجيئهم، لخوفه من اعتداء قومه عليهم.

ص: 33

قال القرطبي: والذرع مصدر ذرع. وأصله أن يذرع البعير بيديه في سيره ذرعا، على قدر سعة خطوه، فإذا حمل عليه أكثر من طاقته ضاق عن ذلك، وضعف ومد عنقه. فضيق الذرع عبارة عن ضيق الوسع

وإنما ضاق ذرعه بهم، لما رأى من جمالهم، وما يعلمه من فسوق قومه..» «1» . أى: وحين جاءت الملائكة إلى لوط- عليه السلام ورآهم، ساءه وأحزنه مجيئهم، لأنه كان لا يعرفهم، ويعرف أن قومه قوم سوء، فخشي أن يعتدى قومه عليهم.

وهو لا يستطيع الدفاع عن هؤلاء الضيوف.

والتعبير بقوله- سبحانه- وَضاقَ بِهِمْ ذَرْعاً: تعبير بليغ، وتصوير بديع لنفاد حيلته، واغتمام نفسه، وعجزه عن وجود مخرج للمكروه الذي حل به. و «ذرعا» تمييز محول عن الفاعل، أى: ضاق بأمرهم ذرعه.

ولاحظ الملائكة- عليهم السلام على لوط قلقه وخوفه، فقالوا له على سبيل التبشير وإدخال الطمأنينة على نفسه، يا لوط: لا تَخَفْ وَلا تَحْزَنْ أى: لا تخف علينا من قومك، ولا تحزن لمجيئنا إليك بتلك الصورة المفاجئة.

ثم أفصحوا له عن مهمتهم فقالوا: إِنَّا مُنَجُّوكَ وَأَهْلَكَ إِلَّا امْرَأَتَكَ كانَتْ مِنَ الْغابِرِينَ.

أى: إنا منجوك وأهلك المؤمنين من العذاب الذي ننزله بقومك، إلا امرأتك فسيدركها العذاب مع قومك، وستهلك مع الهالكين بسبب تواطئها معهم، ورضاها بأفعالهم القبيحة.

ثم أخبروه بالكيفية التي ينزل بها العذاب على قومه فقالوا: إِنَّا مُنْزِلُونَ عَلى أَهْلِ هذِهِ الْقَرْيَةِ رِجْزاً مِنَ السَّماءِ بِما كانُوا يَفْسُقُونَ.

والرجز: العذاب الذي يزعج المعذب به ويجعله في حالة اضطراب وهلع. يقال: ارتجز فلان، إذا اضطرب وانزعج.

أى: إنا منزلون بأمر الله- تعالى- وإرادته، على أهل هذه القرية- وهي قرية سدوم التي كان يسكنها قوم لوط- رِجْزاً مِنَ السَّماءِ أى: عذابا شديدا كائنا من السماء، بحيث لا يملكون دفعه أو النجاة منه، بسبب فسوقهم عن أمر ربهم، وخروجهم عن طاعته.

ثم بين- سبحانه- أن حكمته قد اقتضت. أن يجعل آثار هؤلاء الظالمين باقية بعدهم، لتكون عبرة وعظة لغيرهم فقال: وَلَقَدْ تَرَكْنا مِنْها آيَةً بَيِّنَةً لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ.

(1) تفسير القرطبي ج 9 ص 74.

ص: 34