الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
اى: قل لهم- أيها الرسول الكريم- لا تتعجلوا- ايها الكافرون- ما أخبرتكم عنه من أن يوم القيامة آت لا ريب فيه، ومن أن العاقبة الطيبة ستكون لنا لا لكم فإن لكم ميقاتا محددا، وموعدا معلوما، عند ما يأذن الله- تعالى- بحلوله وبانتهاء حياتكم ويبعثكم..
لا تَسْتَأْخِرُونَ عَنْهُ ساعَةً من الزمان وَلا تَسْتَقْدِمُونَ عنه ساعة كما قال- تعالى-: إِنَّ أَجَلَ اللَّهِ إِذا جاءَ لا يُؤَخَّرُ لَوْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ «1» .
وكما قال- سبحانه-: وَما نُؤَخِّرُهُ إِلَّا لِأَجَلٍ مَعْدُودٍ. يَوْمَ يَأْتِ لا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ، فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ «2» .
ثم حكى- سبحانه- بعض الأقوال الباطلة التي قالها المشركون في شأن القرآن الكريم، وصور أحوالهم السيئة يوم العرض والحساب، وكيف أن كل فريق منهم صار يلقى التبعة على غيره، قال- تعالى-:
[سورة سبإ (34) : الآيات 31 الى 33]
وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ نُؤْمِنَ بِهذَا الْقُرْآنِ وَلا بِالَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَلَوْ تَرى إِذِ الظَّالِمُونَ مَوْقُوفُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ يَرْجِعُ بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ الْقَوْلَ يَقُولُ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لَوْلا أَنْتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ (31) قالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا أَنَحْنُ صَدَدْناكُمْ عَنِ الْهُدى بَعْدَ إِذْ جاءَكُمْ بَلْ كُنْتُمْ مُجْرِمِينَ (32) وَقالَ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ إِذْ تَأْمُرُونَنا أَنْ نَكْفُرَ بِاللَّهِ وَنَجْعَلَ لَهُ أَنْداداً وَأَسَرُّوا النَّدامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذابَ وَجَعَلْنَا الْأَغْلالَ فِي أَعْناقِ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ يُجْزَوْنَ إِلَاّ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (33)
(1) سورة نوح الآية 4.
(2)
سورة هود الآيتان 104- 105.
والمراد بالذي بين يديه في قوله- تعالى-: وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ نُؤْمِنَ بِهذَا الْقُرْآنِ وَلا بِالَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ..: الكتب السماوية السابقة كالتوراة والإنجيل.
قالوا: وذلك لأن المشركين سألوا بعض أهل الكتاب، عن الرسول صلى الله عليه وسلم فأخبروهم بأن صفاته في التوراة والإنجيل، فغضبوا وقالوا ما قالوا.. «1» .
أى: وقال الذين كفروا بإصرار وعناد وجحود لكل ما هو حق: قالوا لن نؤمن بهذا القرآن الذي جئت به يا محمد صلى الله عليه وسلم من عند ربك، ولا نؤمن- أيضا- بالكتب السماوية الأخرى التي تؤيد أنك رسول من عند الله- تعالى- فالآية الكريمة تحكى ما جبل عليه هؤلاء الكافرون من تصميم على الباطل، ومن نبذ للحق مهما تعددت مصادره.
قال الإمام الرازي: لما بين- سبحانه- الأمور الثلاثة، من التوحيد والرسالة والحشر، وكانوا بالكل كافرين، بيّن كفرهم العام بقوله: وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ نُؤْمِنَ بِهذَا الْقُرْآنِ، وَلا بِالَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وقوله: وَلا بِالَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ المشهور أنه التوراة والإنجيل، وعلى هذا فالمراد بالذين كفروا، المشركون المنكرون للنبوات والحشر.
ويحتمل أن يكون المعنى: لن نؤمن بهذا القرآن ولا بما فيه من الأخبار والآيات والدلائل فيكون المراد بالذي بين يديه ما اشتمل عليه من أخبار وأحكام- ويكون المراد بالذين كفروا عموم الكافرين بما فيهم أهل الكتاب لأن الجميع لا يؤمن بالقرآن ولا بما اشتمل عليه «2» .
وقوله- تعالى-: وَلَوْ تَرى إِذِ الظَّالِمُونَ مَوْقُوفُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ، يَرْجِعُ بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ الْقَوْلَ بيان لأحوالهم السيئة يوم القيامة، ولإصرارهم على الكفر.
ولَوْ شرطية، وجوابها محذوف كما أن مفعول تَرى محذوف أيضا ومَوْقُوفُونَ أى محبوسون للحساب يوم القيامة.
يقال: وقفت الرجل عن فعل هذا الشيء، إذا منعته وحجزته عن فعله.
أى: ولو ترى- أيها المخاطب- حال الظالمين وقت احتباسهم عند ربهم يوم القيامة، وهم يتحاورون ويتجادلون فيما بينهم بالأقوال السيئة وكل فريق، يلقى التبعة على غيره.
لو ترى ذلك لرأيت أمرا عجيبا، وحالا فظيعة، تنفطر لها القلوب، وترتعد من هولها النفوس.
(1) تفسير الآلوسى ج 22 ص 144.
(2)
تفسير الفخر الرازي- بتصرف وتلخيص ج 7 ص 18.
والتعبير بقوله- سبحانه-: مَوْقُوفُونَ يشعر بذلتهم وبؤسهم، فهم محبوسون للحساب على غير إرادة منهم، كما يحبس المجرم في سجنه انتظارا لمصيره السيئ.
وقوله: عِنْدَ رَبِّهِمْ تبكيت وتوبيخ لهم، على ما كانوا يفعلونه في الدنيا من إنكار لليوم الآخر وما فيه من ثواب وعقاب وحساب.
وقوله- سبحانه-: يَقُولُ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا، لَوْلا أَنْتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ تفصيل لجانب من محاوراتهم فيما بينهم، ولما كانوا يراجعون فيه القول بعضهم مع بعض.
والمراد بالذين استضعفوا: الأتباع والعامة من الناس، والمراد بالذين استكبروا: الزعماء والقادة والرؤساء.
أى: يقول الأتباع من الكافرين لقادتهم ورؤسائهم بغيظ وحسرة: لولا أنتم منعتمونا عن اتباع الحق لكنا مؤمنين به، ومتبعين لما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم.
إنهم يقولون لهم في موقف الحساب يوم القيامة، ما كانوا عاجزين عن قوله في الدنيا.
عند ما كانوا مستذلين لهم، وخاضعين لسلطانهم.
وهنا يرد الزعماء باستنكار وضيق، ويحكى ذلك القرآن فيقول: قالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا على سبيل التوبيخ والتقريع أَنَحْنُ صَدَدْناكُمْ عَنِ الْهُدى بَعْدَ إِذْ جاءَكُمْ
كلا، إننا ما فعلنا ذلك، ولسنا نحن الذين حلنا بينكم وبين اتباع الحق.
بَلْ أنتم الذين كُنْتُمْ مُجْرِمِينَ في حق أنفسكم، حيث اتبعتمونا باختياركم، ورضيتم عن طواعية منكم أن تتبعوا غيركم بدون تفكر أو تدبر للأمور.
ولم يقتنع الأتباع بما رد به عليهم السادة والكبراء، بل حكى القرآن للمرة الثانية ردهم عليهم فقال: وَقالَ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا في الرد عليهم بحسرة وألم:
بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ أى قالوا لهم أنتم لستم صادقين في قولكم لنا: إنكم لم تصدونا عن اتباع الهدى بعد إذ جاءنا بل إن مكركم بنا الليل والنهار وإغراءكم لنا بالبقاء على الكفر.
وتهديدكم إيانا بالقتل أو التعذيب إذا ما خالفناكم، وأمركم لنا بأن نكفر بالله- تعالى- ونجعل له أندادا، أى شركاء في العبادة والطاعة. كل ذلك هو الذي حال بيننا وبين اتباع الحق الذي جاءنا به الرسول صلى الله عليه وسلم.
والمكر: هو الاحتيال والخديعة. يقال مكر فلان بفلان، إذا خدعه وأراد به شرا.
وهو هنا فاعل لفعل محذوف والتقدير: بل الذي صدنا عن الإيمان مكركم بنا في الليل
والنهار، فحذف المضاف إليه وأقيم مقامه الظرف اتساعا.
وقوله: إِذْ تَأْمُرُونَنا.. ظرف للمكر. أى: بل مكركم الدائم بنا وقت أمركم لنا بأن نكفر بالله ونجعل له أشباها ونظراء نعبدها من دونه- تعالى- هو الذي حال بيننا وبين اتباع الحق والهدى.
قال الجمل: وقوله بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ يجوز رفع مَكْرُ من ثلاثة أوجه:
أحدها: على الفاعلية بتقدير: بل صدنا مكركم في هذين الوقتين، الثاني ان يكون مبتدأ خبره محذوف. أى: مكر الليل صدنا عن اتباع الحق. الثالث: العكس، أى: سبب كفرنا مكركم. وإضافة المكر إلى الليل والنهار إما على الإسناد المجازى كقولهم: ليل ماكر، فيكون مصدرا مضافا لمرفوعه وإما على الاتساع في الظرف، فجعل كالمفعول به فيكون مضافا لمنصوبه «1» .
والضمير المرفوع في قوله- سبحانه-: وَأَسَرُّوا النَّدامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذابَ يعود إلى الأتباع والزعماء. وأسروا من الإسرار بمعنى الكتمان والإخفاء.
أى: وأضمر الذين استضعفوا والمستكبرون الندامة والحسرة حين شاهدوا العذاب المعد لهم جميعا، وذلك لأنهم بهتوا وشهدوا حين عاينوه، ودفنت الكلمات في صدورهم فلم يتمكنوا من النطق بها وأصابهم ما أصابهم من الكمد الذي يجعل الشفاه لا تتحرك، والألسنة لا تنطق.
فالمقصود من إسرار الندامة: بيان عجزهم الشديد عن النطق بما يريدون النطق به لفظاعة ما شهدوه من عذاب غليظ قد أعد لهم.
وقيل إن أَسَرُّوا النَّدامَةَ بمعنى أظهروها: لأن لفظ أسر من الأضداد.
قال الآلوسى ما ملخصه: وَأَسَرُّوا أى: أضمر الظالمون من الفريقين النَّدامَةَ على ما كان منهم في الدنيا.. لَمَّا رَأَوُا الْعَذابَ لأنهم بهتوا لما عاينوه فلم يقدروا على النطق.
وقيل: أسروا الندامة. بمعنى أظهروها، فإن لفظ «أسر» من الأضداد، إذ الهمزة تصلح للإثبات وللسلب، فمعنى أسره: جعله سره، أو أزال سره.. «2» .
ثم بين- سبحانه- ما حل بهم من عذاب بسبب كفرهم فقال: وَجَعَلْنَا الْأَغْلالَ فِي أَعْناقِ الَّذِينَ كَفَرُوا، هَلْ يُجْزَوْنَ إِلَّا ما كانُوا يَعْمَلُونَ.
(1) حاشية الجمل على الجلالين ج 3 ص 475.
(2)
تفسير الآلوسى ج 22 ص 146.