الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مقدمة:
جاء ابن كثير في عصر نشط فيه التأليف في كل فن من فنون الدراسات الدينية والعربية، ومن الطَّبَعي أن يكون التأليف في ميدان السيرة النبوية مواكباً لهذا النشاط الذي استقى موارده ونصوصه من الثروة الضخمة من الكتب والآراء والروايات التي سجلها العلماء والمحدثون والحفاظ قبل ذلك العصر.
لقد شهد القرن الثامن الهجري في مصر والشام المملوكيتين، ظهور عدة مؤلفين في مجال السيرة النبوية، أخرجوا مؤلفاتهم في هذا الفن على نحوٍ مفرد أو ضمن مؤلف موسوعي كبير.
ومن هؤلاء المؤلفين "عبد المؤمن بن خلف الدمياطي"(ت:705هـ) وله كتاب: "المختصر في سيرة سيد البشر"، وكتاب "أسماء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم"(1)، وشيخ ابن كثير كمال الدين بن الزملكاني (ت:627هـ) .
(1) صلاح الدين المنجد: معجم ما ألف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. بيروت، دار الكتاب الجديد، ط1، 1402هـ، ص:125-143.
وله كتاب في مولد النبي صلى الله عليه وسلم، أشار إليه ابن كثير، وذكر أنه تضمن شيئاً في فضائل النبي صلى الله عليه وسلم وأنه عقد فصلاً في هذا الباب فأورد فيه أشياء حسنة، ونبَّه على فوائد مهمة، وترك أشياء أُخر حسنة (1) .
ومن المؤلفين كذلك، ابن سيد الناس: محمد بن محمد بن سيد الناس الأندلسي الإشبيلي، ولد بالقاهرة سنة (671هـ) ، وتفقه على مذهب الشافعي، من شيوخه، والده، وابن دقيق العيد (ت:702هـ) (2) والحافظ المزي، وشيخ الإسلام ابن تيمية (3) .
ألَّف في السيرة "عيون الأثر في فنون المغازي والسير". ومن ميزات هذا الكتاب تلك الدراسة النقدية التي جاءت في مقدمة الكتاب عن أبرز من ألَّف في السير والمغازي من الرواة الإخباريين، وهما: ابن إسحاق والواقدي (4) ، إضافة إلى شرحه للغريب من الألفاظ وذكره للفوائد والتعليق على بعض المتون (5) .
(1) البداية والنهاية. تحقيق عبد الله التركي بالتعاون مع مؤسسة البحوث والدراسات العربية والإسلامية بدار هجر. القاهرة، ط1، 1420?، ج9، ص:308.
(2)
ابن كثير: المصدر السابق، ج18، ص:372-373.
(3)
انظر: الصفدي: صلاح الدين خليل بن إيبك (ت:764?) : أعيان العصر وأعوان النصر، تحقيق علي أبو زيد، دمشق. دار الفكر، ط1، 1418?، 5/653.
(4)
ج10، ص: 8-28.
(5)
انظر على سبيل المثال: 1/191، 199، 302، 2/205.
ومن المؤلفين الشاميين قطب الدين عبد الكريم بن عبد النور الحلبي (ت:735هـ) وله "المورد العذب الهني في الكلام على سيرة عبد الغني"(1) .
ومحمد بن أحمد بن عبد الهادي (ت:744هـ) وهو من تلاميذ شيخ الإسلام ابن تيمية، والمزي، والذهبي، وقد ألف في السيرة جزءاً في مولد النبي صلى الله عليه وسلم، وجزءاً في المعجزات والكرامات (2) .
ليس مهماً رصد ما ألف في السيرة في عصر ابن كثير بقدر ما يهمنا معرفة مدى التنوع والجدة في العرض ومقدرة أولئك المؤلفين على تنقية الروايات وتمحيصها وتجاوز صناعة الجمع والاقتباس إلى النقد والتقويم.
لقد شهدت بلاد الشام ظهور مدرسة اجتهادية تأسست على علوم الحديث والسنة وعلى صحيح المنقول وصريح المعقول، مثَّلها الإمام المجتهد ابن تيمية (ت:728هـ) وتلاميذه وأبرزهم الذهبي وابن القيم وابن كثير. إضافة إلى الإمام الحافظ المزي (ت:742هـ) وغيرهم من الأئمة المجتهدين، وقد جمع رموز هذه المدرسة بين التمسك بالنصوص والعقلية النقدية.
(1) المنجد: معجم ما ألف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ص: 128، وعبد الغني هو عبد الغني بن عبد الواحد الجماعيلي، الإمام الحافظ (ت:600?) ، الذهبي: سير أعلام النبلاء، ج21، ص:443-448.
(2)
ابن رجب: زين الدين بن رجب الحنبلي (795?) : الذيل على طبقات الحنابلة، بيروت، دار المعرفة، ج2، ص:138.
ومن مصنفات الذهبي وابن القيم، وكذلك ابن كثير تتجلى تأثيرات هذه المدرسة حيث يلمس الدارس العناية بتنقية الأخبار وتمحيصها ونقد متونها، فالذهبي: أبو عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان (ت:748هـ) ، يُعدُّ من أبرز علماء عصره الذين ألفوا في تاريخ الإسلام على نحوٍ عام، وقد جاء ما دونه في السيرة النبوية مضمناً في كتابه الشامل "تاريخ الإسلام ووفيات المشاهير والأعلام" موزعة على جزأين: الأول "المغازي"، والثاني "السيرة النبوية"، وهو الترجمة النبوية، وقد قدَّم المغازي؛ لأنَّ من منهجيته تقديم الحوادث التي أسهم فيها صاحب الترجمة على الترجمة ذاتها (1) ، وينبه الذهبي على ما ينتاب بعض الأسانيد من ضعف ونكارة، كقوله بعد إيراده رواية البراء في خبر سواد بن قارب، هذا حديث منكر بالمرة، ومحمد بن تراس وزياد مجهولان لا تقبل روايتهما وأخاف أن يكون موضوعاً على أبي بكر بن عياش، ولكن أصل الحديث مشهور (2) .
ومن نقده الموجه للمتن: نقده لرواية عبد الرحمن بن غزوان (3) بسنده إلى أبي موسى الأشعري في سفر النبي صلى الله عليه وسلم إلى الشام بصحبة أبي طالب،
(1) محمد محمود حمدان، مقدمة تحقيق المغازي من تاريخ الإسلام للحافظ الذهبي، القاهرة، دار الكتاب العربي، ط1، 1405?، ص:35، عبد السلام تدمري، مقدمة تحقيق "السيرة النبوية" من تاريخ الإسلام، بيروت، 1407?، 2/581.
(2)
تاريخ الإسلام "السيرة النبوية" تحقيق، عبد السلام تدمري، ص:206.
(3)
عبد الرحمن بن غزوان، أبو نوح حدَّث عنه أحمد، له مناكير، توفي سنة (207?) ببغداد، الذهبي: ميزان الاعتدال في نقد الرجال، تحقيق علي البجاوي، بيروت، دار المعرفة، ج2 ص581.
وأشياخ من قريش ولقائه بحيرى الراهب (1) ، وهو نقد مشهور، استند إلى معايير تاريخية وعقلية وحلل الخبر تحليلاً علمياً من جميع جوانبه في أحداثه وألفاظه ودلالاته، واستخدم عقله والأدلة التاريخية ليثبت بطلانه (2) ، وهي خطوات تنبئ عن تمكن الذهبي العلمي ورسوخ قدمه في ميدان نقد متون الروايات.
وفي كتبه الأخرى ناقش الذهبي العديد من الروايات في ميدان السيرة النبوية، ففي ميزان الاعتدال، ردَّ رواية عمر بن حَكَّام عن شعبة بسنده إلى أبي سعيد الخدري وفيها أن ملك الروم أهدى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم هدايا فكان فيها جرة زنجبيل.
قال الذهبي: هذا منكر من وجوه:
أحدها: أنه لا يعرف أن ملك الروم أهدى شيئاً إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ثانيها: أن هدية الزنجبيل من الروم إلى الحجاز شيء ينكره العقل فهو نظير هدية التمر من الروم إلى المدينة النبوية (3) .
ورد قول من قال: إن سلمان الفارسي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم عُمِّر ثلاثمائة سنة، يقول معقباً على هذا القول: "ومجموع أمره وأحواله وغزوه وهمته وتصرفه وغرسه للجريد وأشياء مما تقدم تبيِّن بأنه ليس بمعمر ولا
(1) تاريخ الإسلام، السيرة النبوية، تحقيق عمر عبد السلام تدمري، بيروت، 1407هـ، ص:57.
(2)
راجع: بشار عواد معروف: الذهبي ومنهجه في كتابه "تاريخ الإسلام"، القاهرة، مطبعة عيسى البابي الحلبي، ط1، القاهرة، ص:456-457.
(3)
3/254.
هرم فقد فارق وطنه وهو حَدَث ولعله قدم الحجاز وله أربعون سنة أو أقل. فلعله عاش بضعاً وسبعين وما أراه بلغ المائة" (1) .
وقد نظر الذهبي إلى الموضوعات على أنها عبء كبير على السيرة، وأخذ على القاضي عياض (ت:544هـ) مؤلف كتاب "الشفا بتعريف حقوق المصطفى" ما في كتابه من أحاديث مفتعلة واهية، حيث قال عنه:"حشاه بالأحاديث المفتعلة، عمل لا نقد له في الحديث ولا ذوق، والله يثيبه على حسن قصده، وينفع بشفائه، وقد فعل، وكذا فيه من التأويلات البعيدة ألوان، ونبينا صلى الله عليه وسلم غني بمدحه التنزيل عن الأحاديث، وبما تواتر من الأخبار عن الآحاد، وبالآحاد النظيفة الأسانيد عن الواهيات، فلماذا يا قوم التشبع بالموضوعات فيتطرَّق إلينا مقال ذوي الغل والحسد ولكن من لا يعلم معذور"(2) . ويرى الذهبي أن الموضوعات والأخبار الواهية لا يلتفت إليها بل تروى للتحذير منها: "فمن دلَّسها أو غطى تبيانها فهو جانٍ على السُنَّة خائن لله ورسوله، فإن كان يجهل ذلك، فقد يعذر بالجهل ولكن سلوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون"(3) .
وقد عاصر ابن كثير كذلك، ابن القيم: محمد بن أبي بكر بن أيوب الزرعي (691-751هـ) .
(1) سير أعلام النبلاء، ج1، تحقيق شعيب الأرنؤوط، بيروت، 1414هـ، ص:556.
(2)
سير أعلام النبلاء، ج20، تحقيق شعيب الأرنؤوط ومحمد نعيم عرقوسي، ص:216، بيروت، 1417هـ.
(3)
سير أعلام النبلاء، ج8، تحقيق شعيب الأرنؤوط ونذير حمدان، بيروت، 1417هـ، ص:520.
ويعد ابن كثير من أقرانه وأصحابه، يقول عنه:"كنت من أصحب الناس له وأحب الناس إليه"(1) ، وهذا القول يبين أن الشيخين إنما كانا صاحبين يلازمان أمثال ابن تيمية والمزي، لكن بعض المعاصرين يرى أن ابن كثير من تلاميذ ابن القيم (2) ، وعلى كلٍ فثمة عناصر جمعت بين الرجلين، ثقافة ومنهجاً، بالإضافة إلى التلمذة، على شيخ الإسلام ابن تيمية وقد كان الشيخان ضمن بعثة العلماء إلى الحج سنة 731هـ (3) .
ألف ابن القيم في السيرة كتابه المتميز "زاد المعاد في هدي خير العباد" ويعدُّ موسوعة جمعت بين علوم شتى من السيرة والفقه والتوحيد واللطائف في التفسير والحديث والفقه وغير ذلك.
ويرى بعض الباحثين أنه أول كتاب في فقه السيرة، تميز هذا الكتاب بالموضوعات التي طرقها والآفاق التي نقل قارئه إليها من خلال كتابه، والجوانب الجديدة التي تناولها (4) ، وقد تميز كذلك بنقده لمتون كثيرة يرويها كُتَّابُ السيرة ورواتها.
فمن ذلك رواية يونس بن بكير عن سلمة بن عبد يسوع، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كتب إلى أهل نجران قبل أن ينزل عليه طس {إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ
(1) البداية والنهاية، ج18، ص:523، ويلاحظ أنه (ابن كثير) وصفه في الترجمة له بـ (صاحبنا الإمام) .
(2)
بكر عبد الله أبو زيد: ابن قيم الجوزية حياته وآثاره، ص:108، وانظر الندوي، الإمام ابن كثير سيرته ومؤلفاته ومنهجه في كتابة التاريخ، دمشق، دار ابن كثير، ط1، 1420هـ، ص:57.
(3)
ابن كثير: البداية والنهاية، ص:354.
(4)
فاروق حمادة: مصادر السيرة النبوية وتقويمها، الدار البيضاء، دار الثقافة، ط1، 1401هـ، ص:108.
وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} [النمل:30] يعني النمل، باسم إله إبراهيم وإسحاق ويعقوب.
قال ابن القيم: ذلك غلط على غلط فإن هذه السورة مكية باتفاق وكتابه إلى نجران بعد مرجعه من تبوك (1) .
ورَدَّ رواية الترمذي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل مكة يوم الفتح وعبد الله ابن رواحة بين يديه ينشد (خلوا بني الكفار عن سبيله.. الأبيات..) .
قال ابن القيم: هذا وهم، فإن ابن رواحة قتل في هذه الغزوة (مؤتة) وهي قبل الفتح بأربعة أشهر (2) .
ويرد ابن القيم على رواية عرض أبي سفيان على رسول الله صلى الله عليه وسلم الزواج من ابنته أم حبيبة رضي الله عنها قائلاً: "إن أهل التاريخ أجمعوا على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوج أم حبيبة قبل إسلام والدها بزمن طويل"، ويرد على من ذهب إلى أن النبي صلى الله عليه وسلم تزوج أم حبيبة بعد الفتح، فيقول:"هذا باطل عند من له أدنى علم بالسيرة وتواريخ ما قد كان"(3) .
وثمة روايات أخرى حاكمها ابن القيم محاكمة نقدية كاشفاً ما فيها من تناقضات وأوهام كرواية البيهقي التي أسندها إلى محمد بن إسحاق، وفيها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أبلغ حذيفة بالمنافقين الذين حاولوا المكر بالنبي
(1) زاد المعاد في هدي خير العباد، تحقيق شعيب الأرنؤوط وعبد القادر الأرنؤوط، 3/642.
(2)
زاد المعاد، 3/385.
(3)
زاد المعاد، 1/110.
تمهيد:
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، أما بعد:
فقد مر جمع السيرة النبوية وتدوينها بمراحل، في كل مرحلة برز مجموعة من الرواة والكتاب والمصنفين الذين تصدوا للتأليف في هذا الفن ذي الصلة بذات المصطفى صلى الله عليه وسلم وتاريخ حياته.
لقد كانت السيرة النبوية محط أنظار المسلمين في القرن الأول، وجاء تدوين أخبارها بصورة أولية على يد مجموعة من علماء التابعين، كعروة ابن الزبير (ت:94هـ) والزهري (ت:124هـ) ثم جاء ابن إسحاق (ت:151هـ) ليُخْرِج عملاً تاريخياً يشمل السِّيَرْ والمغازي، ويعني ذلك فترة الرسالة بأكملها. وجاء من بعد ابن إسحاق من عني بالمغازي كالواقدي (ت:207هـ) .
وشهدت المراحل التي تلت التدوين الأَوَّلي وعَمَلَي ابن إسحاق والواقدي تنوعاً في مجالات التأليف في السيرة واتجاهاً نحو الكتابة في موضوعات جديدة في محيط السيرة أبرزها دلائل النبوة وأعلامها. ولعل من أبرز المصنفين في تلك الموضوعات الحافظ المشرقي أبا بكر البيهقي (458هـ) صاحب كتاب "دلائل النبوة ومعرفة أحوال الشريعة" وهو
كتاب جامع لا يقتصر على الدلائل كما قد يوحي بذلك العنوان حيث شمل المبعث والمغازي واستوعب مراحل السيرة كافة.
وإلى جانب البيهقي برز مجموعة من العلماء في القرنين الخامس والسادس تناولوا جوانب من السيرة بإفراد كأبي نعيم الأصبهاني والبغوي والتيمي الأصبهاني ثم ابن الجوزي، وفي الأندلس ظهرت مؤلفات لعدد من العلماء في السيرة النبوية بمراحلها التاريخية أو في جوانب منها كجوامع السيرة لابن حزم، والدرر لابن عبد البر، والشفا "وهو في الشمائل" للقاضي عياض (ت:544هـ) .
وإن قراءة سريعة لما أُلِّف عن السيرة النبوية في القرنين الخامس والسادس الهجريين عصر البيهقي والبغوي وابن الجوزي في المشرق والقاضي عياض وابن المقري الغرناطي في المغرب والأندلس، لتقودنا إلى مجموعة من الملحوظات منها: أن معظم مَنْ ألَّف فيها هم من كبار علماء عصرهم وممن عرفوا بجمع الآثار والسنن، كما نلحظ ذلك التنوع في مجالات التأليف في السيرة حيث نجد المؤلف الشامل إلى جانب المؤلف المتخصص في أحد الموضوعات، كما نجد المؤلف المختصر الموجز، إلى جانب المؤلف المتبسط، كما اتسم معظم تلك المؤلفات بالجمع بين مرويات أهل المغازي والسير وبين الروايات والأخبار المنتشرة في دواوين السنة وغيرها من المجامع والأجزاء الحديثية.
وقد تلا أولئك العلماء الحُفَّاظ مجموعة من العلماء المحققين الموسوعيين في القرن الثامن الهجري، كالذهبي وابن القيم وابن كثير،
وقد تميزوا بقدرتهم العلمية القوية وعنايتهم بالحديث والأثر، وامتلاك الأدوات المنهجية والوعي النقدي مما هيأهم للقيام بجهد يتجاوز مجرد الجمع والتدوين إلى غربلة ما جمع من روايات وأخبار ومراجعتها وبناء فقه مستنبط من وقائع السيرة العطرة، وغير ذلك من سمات الإسهام النوعي المتميز في مجال كتابة السيرة النبوية، على صاحبها أفضل الصلاة وأتمّ التسليم.
ويلفت نظر الباحث في هذا الواقع الجهد الذي قام به ابن كثير في كتابه "السيرة النبوية"، حيث نرى عناية بجمع الروايات من مصادرها وعناية بالأسانيد ونقدها، واستيعاباً لجهد من سبقه من العلماء، هذا الجهد الجمعي اللافت للنظر في مراجعة ونقد متون المرويات التي يوردها في السيرة، هذا ما سوف تحاول هذه الدراسة الإجابة عنه.
ومن الله نستمد العون والتوفيق.