الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال ابن كثير: المشهور أن علياً لَمَّا طُعِن أوصى إلى ابنه الحسن وأمره أن يركب الجنود (1) وهو بهذا يلمح إلى بطلان تلك الرواية وتهافتها.
ووقف ابن كثير كما وقف غيره من العلماء عند الكتاب المزعوم بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم وضع الجزية عن اليهود الخيابرة، وهو كتاب اغتر به بعض العلماء ومنهم أبو علي بن خيرون فقال بإسقاط الجزية عنهم.
يذكر ابن كثير أنَّه وقف على الكتاب فإذا هو مكذوب فإن فيه شهادة سعد بن معاذ وقد مات قبل خيبر وفيه شهادة معاوية بن أبي سفيان ولم يكن أسلم يومذاك، وفيه وضع الجزية ولم تكن قد شرعت بعد (2) .
وهكذا يضع ابن كثير يده على تناقضات يحملها هذا الكتاب المزعوم مع حقائق تاريخية مقررة مما يؤكد زيف الكتاب.
(1) 9/207.
(2)
6/355-356، راجع أيضاً: ابن القيم: نقد المنقول، ص:90-92.
المحاكمة العقلية للمتون:
في أثناء مراجعته لبعض المتون والأقوال يقوم ابن كثير بمحاكمة عقلية لبعض النصوص، التي يرد في متونها ألفاظ وعبارات لا تدخل في دائرة التصور. وتأتي مراجعته تلك في ضوء ما اكتسبه من علوم وفي ضوء مسلمات عقلية يؤكدها الحس والمشاهدة وهنا لا بدَّ من التنبيه
(1) 9/207.
(2)
6/355-356، راجع أيضاً: ابن القيم: نقد المنقول، ص:90-92.
على أن ما ثبت في الحديث من معجزات ونحوها لا تدخل أساساً تحت طائلة المراجعة والنظر، كما أن العقل الخالي من علوم الشرع ليس بوسعه النظر في المتون من هذه الزاوية.
وضع ابن كثير عدداً من المتون تحت دائرة المراجعة العقلية، والتساؤل الذي يفضي إلى الرد والاستبعاد، ففي فصل "ذكر أول من أسلم ثم ذكر متقدمي الإسلام من الصحابة"يقول عن الحديث المنسوب إلى علي رضي الله عنه:"أنا الصديق الأكبر صليت قبل الناس بسبع سنين"؟. الحديث منكر بكل حال، ولا يقوله علي رضي الله عنه وكيف يمكن أن يصلي قبل الناس بسبع سنين هذا الأمر لا يتصور أصلاً (1) .
ويقول ابن كثير تعليقاً على رواية أبي داود الطيالسي في حفر الخندق "كان الناس يحملون لبنة لبنة" حمل اللبن في حفر الخندق لا معنى له، والظاهر أنه اشتبه على الناقل" (2) .
ويراجع قول من قال: إن تأخير الصلاة يوم الخندق وقع نسياناً، فيذكر:"أنه يبعد أن يقع هذا (النسيان) من جمع كبير، مع شدة حرصهم على المحافظة على الصلاة، كيف وقد روي أنهم تركوا يومئذٍ الظهر والعصر والمغرب حتى صلوا الجميع في وقت العشاء"(3) .
(1) 4/66.
(2)
4/538.
(3)
6/54.
وحيث إن مجموعة من المصنفين في الخصائص والمعجزات انساقوا وراء الأحاديث غير الصحيحة والموضوعة، فثمة أحاديث وروايات نشط قلم ابن كثير في تفنيدها سنداً ومتناً، وكان من وسائله النقدية المناقشة العقلية وإثارة التساؤل حول الرواية وهذا ينطبق على رواية رد الشمس بعد مغيبها لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه بدعوة النبي صلى الله عليه وسلم، حيث تطرق إليها في باب (دلائل النبوة الحسية) .
وبعد ما ذكر ابن كثير أن الحديث ضعيف ومنكر من جميع طرقه، قال:"ومثل هذا الحديث لا يقبل فيه خبر واحد إذا اتصل سنده؛ لأنه من باب ما تتوافر الدواعي على نقله فلا بد من نقله بالتواتر والاستفاضة لا أقل من ذلك، ونحن لا ننكر هذا في قدرة الله تعالى"(1) .
ومما أورده ابن كثير التساؤل التالي إزاء متن الرواية المتضمن أن الموجب لرد الشمس هو فوات صلاة العصر على علي رضي الله عنه: "أيجوز أن ترد الشمس لأبي الحسن حين فاتته صلاة العصر ولا ترد لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولجميع المهاجرين والأنصار وعلي فيهم حين فاتتهم صلاة الظهر والعصر والمغرب يوم الخندق؟ وأيضاً مرة أخرى حين عرس رسول الله صلى الله عليه وسلم والمهاجرون والأنصار حين قفل من غزوة خيبر، فذكر نومهم عن صلاة
(1) 8/569.
الصبح وصلاتهم لها بعد طلوع الشمس فلم يرد الليل على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى أصحابه رضي الله عنهم (1) .
وفي باب ما أخبر به صلى الله عليه وسلم من الكائنات المستقبلة في حياته وبعدها فوقعت طِبق ما أخبر سواءً بسواء.
يقف ابن كثير: مراجعاً للرواية الواردة عند أبي داود الطيالسي ومما جاء فيها.
رؤية النبي صلى الله عليه وسلم لبني أمية يخطبون على منبره فساءه ذلك، فنزلت:
{إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأَبْتَرُ} [الكوثر]، ونزلت:{إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ، وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ، لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ، تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ، سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ} [القدر]، وفي الرواية حمل المقصود بألف شهر على مدة ملك بني أمية قال القاسم (2) : فحسبنا ذلك فإذا هو ألف شهر لا يزيد يوماً ولا ينقص (3) .
وهو حديثٌ منكر كما صرح بذلك الحافظ المزي وفي معرض نقده لمتن الرواية وضح ابن كثير أن مجموع سنوات الدولة الأموية لا يطابق
(1) 8/570.
(2)
القاسم بن الفضل الحداني. روى عنه ابن مهدي وأبو داود الطيالسي مات سنة 167هـ صدوق، وثَّقه ابن مهدي والقطان وأحمد بن معين، ابن حجر: تهذيب التهذيب 8/330، الذهبي: ميزان الاعتدال 3/377.
(3)
9/271.
ألفاً كما يزعم القاسم بن الفضل، وأشار إلى أنه يلزم مما ذكره أن تكون دولة عمر بن عبد العزيز مذمومة وهذا لا يقوله أحد من أئمة الإسلام فإنهم مُصَرِّحون بأنه أحد الخلفاء الراشدين، ونبه ابن كثير على أن تفضيل ليلة القدر ـ وهي ليلة عظيمة ـ على دولتهم لا يلزم منه ذم تلك الدولة، فليتأمل هذا، فإنه دقيق يدل على أن الحديث في صحته نظر؛ لأنه إنما سيق لذمِّ أيامهم (1) .
ويراجع ابن كثير بعض مقررات العلماء واجتهاداتهم قبله من كتاب السيرة مدخلاً إياها دائرة المناقشة العقلية.
ومن ذلك: تعقيبه على السهيلي (ت:581هـ) ذلك أنه بعد إيراده حديث: (أحد جبل يحبنا ونحبه وهو على باب من أبواب الجنة، عير يبغضنا ونبغضه وهو على باب من أبواب النار) .
قال السهيلي مقوياً لهذا الحديث وقد ثبت أنه عليه الصلاة والسلام قال: (المرء مع من أحب) قال ابن كثير في (غزوة أحد) : هذا من غريب
(1) 9/271-173، هذا الحديث صحَّحَ إسناده الحاكم في مستدركه، وقال الذهبي في تلخيص المستدرك (المطبوع بهامشه) روى عن يوسف، نوح بن قيس، وما علمت أن أحداً تكلم فيه، والقاسم وثقوه رواه عنه أبو داود والتبوكي، وما أدري آفته من أين؟ المستدرك، 3/171، ويقول الألباني في ضعيف سنن الترمذي عن هذا الحديث ضعيف الإسناد مضطرب، ومتنه منكر، ضعيف سنن الترمذي، دمشق، نشر المكتب الإسلامي، ط1، 1411هـ، 1991م، ص: 436، ح (663) .