المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ابن كثير والسيرة النبوية: - منهجية التأليف في السيرة عند ابن كثير

[عبد الرحمن السنيدي]

الفصل: ‌ابن كثير والسيرة النبوية:

صلى الله عليه وسلم وهو عائد من تبوك، وفي الخبر قال: ادع عبد الله بن أبي وسعد أبي السرح، والروايات التي ذهبت إلى القول بأنَّ سَرِيَّة الخبط وأميرها أبو عبيدة بن الجراح إنما وقعت في رجب سنة ثمان للهجرة (1) .

(1) المصدر نفسه، 3/390.

ص: 13

‌ابن كثير والسيرة النبوية:

ليس ابن كثير فقيهاً مغموراً خامل الذكر، ولا هو ذاك المؤرخ غير المشهور الذي تجهل مكانته ولا تعرف مؤلفاته، ولا هو ممن يحيط به طوق الإهمال والنسيان، فنحن أمام عالم موسوعي جمع بين العديد من العلوم والفنون وذاعت بعض كتبه خاصة التفسير وكتاب "البداية والنهاية" بين المسلمين قديماً وحديثاً. كما كتب عنه عدد من الباحثين (2) ، مما يجعلنا نقتصدُ في الترجمة لهذا العلَم الموسوعي، والإمام المفسر المؤرخ.

(2) ومنهم: إسماعيل سالم عبد العال: ابن كثير ومنهجه في التفسير، القاهرة.. ط4، 1984م، ص:39-84، مسعود الرحمن خان الندوي: الإمام ابن كثير سيرته ومؤلفاته ومنهجه في كتابة التاريخ، ص:13-38، مصطفى عبد الواحد: مقدمة تحقيق السيرة النبوية لابن كثير، بيروت، دار المعرفة، 1396هـ، 1/3-12.

ص: 13

ولد إسماعيل بن عمر بن كثير سنة سبعمائة أو بعدها بيسير، وقد عانى من اليتم منذ صغره حيث توفي والده سنة (703هـ) ، نشأ بدمشق (1)، وتتلمذ على يد مجموعة من علمائها من أبرزهم:

ـ كمال الدين بن الزملكاني شيخ الشافعية بالشام (ت:727هـ)(2) .

ـ إبراهيم بن عبد الرحمن الفزاري (ت:729هـ)(3) .

ـ جمال الدين أبو الحجاج المزي (ت:742هـ)(4) .

ـ ابن تيمية تقي الدين أحمد بن عبد الحليم (ت:728هـ)(5) .

ورغم أن الغالب على الحياة العلمية والدراسات الدينية في بلاد الشام طابع التقليد ومحاكاة السابقين والعكوف على الشروح والمختصرات إلا أن تلك البلاد حظيت بوجود مدرسة حديثية جمعت بين الاتباع السلفي والعلم الراسخ والعقلية النقدية، مثلها شيخ الإسلام ابن تيمية والإمام المزي العالم المحدث ثم الذهبي وابن القيم وابن كثير نفسه، فتكوَّن رحمه الله في ظل هذه المدرسة التي أثرت في تكوينه العلمي واتجاهات البحث عنده.

(1) البداية والنهاية، 18/42، ابن حجر، أحمد بن علي العسقلاني، الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة، تحقيق محمد سيد جاد الحق، القاهرة، دار الكتب الحديثة، 1/399-400.

(2)

ابن كثير: البداية والنهاية 9/308.

(3)

ابن كثير: البداية والنهاية 8/316.

(4)

ابن كثير: المصدر نفسه، 18/427، وشمس الدين الداودي: طبقات المفسرين، بيروت، دار الكتب العلمية، ط1، 1403هـ 1/112.

(5)

ابن حجر: الدرر الكامنة 1/399-400.

ص: 14

لازم ابن كثير والد زوجته الحافظ المزي (1) صاحب ابن تيمية والمحدث المشهور.

كما أخذ عن شيخه ابن تيمية وكانت له به خصوصية ومناضلة عنه واتباع له في كثير من آرائه (2) ، وفي كتابه "البداية والنهاية" يبدو ابن كثير معجباً بشيخه مسجلاً لكثير من مواقفه السياسية في حرب المغول، وكذلك مواقفه في المسائل الدينية وخصوماته الحادة بين المخالفين (3) ، ويذكر ابن قاضي شهبة (854هـ) أن ابن كثير كان يفتي برأي ابن تيمية في مسائل الطلاق وامتحن بسبب ذلك وأوذي (4) .

يُعَدُّ ابن كثير من فقهاء المذهب الشافعي، وكذلك شيخاه المزي والذهبي بخلاف صاحبه ابن القيم (كما يصفه بذلك)(5) .

وقد التفوا حول علَاّمة السنة في وقته (ابن تيمية 661-728هـ) مما أزعج المذهبيين المتمسكين بالمذهب على حساب السنة والأثر، يتجلى

(1) ابن حجر العسقلاني: الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة، 1/399-400، ابن كثير: البداية والنهاية 18/428.

(2)

أبو بكر بن شهبة (851هـ) : طبقات الشافعية، بيروت، مؤسسة الرسالة، 1408هـ، 2/238.

(3)

البداية والنهاية، 18/23-26/51-53-64-95- مثلاً.

(4)

ابن شهبة: طبقات الشافعية، 2/138.

(5)

البداية والنهاية، 18-523.

ص: 15

ذلك في قول الشيخ عبد الوهاب السبكي (ت:683هـ) صاحب طبقات الشافعية: إن المزي والذهبي وكثيراً من أتباعهم أضرَّ بهم ابن تيمية (1) .

إن الخيط الذي جمع بين ابن تيمية وابن القيم الحنبليين والمزي والذهبي وابن كثير الشافعيين، ليس العامل الإقليمي، بل ارتباطهم بمدرسة الحديث والأثر التي ترى أن مصدر العقائد والأحكام هو الكتاب والسنة، وهذه المدرسة هي التي منحت الذهبي وابن كثير تلك المنزلة والمكانة بين المؤلفين في السيرة والتاريخ، فرأينا تميزاً نوعياً في التأليف ومعالجات نقدية للروايات والآراء.

مارس ابن كثير التدريس في الجامع الأموي بدمشق وفي المدرسة النورية وفي عدة مساجد في دمشق وتولى مشيخة دار الحديث الأشرفية كما مارس الإفتاء والخطابة (2) ، هذا إلى جانب النشاط التأليفي الذي يعدُّ الظاهرة الأهم في حياة ابن كثير، حيث ألف وجمع العديد من المصنفات التي يذكر بعض الباحثين أنها تربو على (60) كتاباً (3) . ومع كثرة مصنفاته إلا أن ما ناله من شهرة ومكانة إنما يرجع إلى كتابيه: "تفسير

(1) طبقات الشافعية الكبرى، تحقيق عبد الفتاح الحلو ومحمود محمد الطناحي، القاهرة، 1385هـ، 10/400.

(2)

البداية والنهاية، 18/699،719، 759 الداودي: طبقات المفسرين، 1/112.

(3)

إسماعيل سالم عبد العال: ابن كثير ومنهجه في التفسير، ص:123.

ص: 16

القرآن العظيم" و"البداية والنهاية". وبعد حياة حافلة بالعطاء والإنتاج توفي ابن كثير في موطنه دمشق عام (774هـ)(1) .

(1) ابن حجر: أحمد بن علي العسقلاني: الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة، تحقيق محمد سيد جاد الحق، القاهرة، ج1، ص:399-400.

ص: 17