الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أم كلثوم
إحدى بنات النبى [صلى الله عليه وسلم]، وتذكر عنها الروايات أقل مما ذكرت عن أختها رقية، وهو عبارة عن ترديد لما ورد عن رقية. ويقال إن أم كلثوم تزوجت ابناً لأبى لهب، ولكنه طلقها قبل أن يدخل بها نزولا على إرادة أبيه، وقد عرضنا لهذه المسألة فى مادة "رقية" وفيها يتضح أن أم كلثوم تزوجت حقاً أحد أبناء أبى لهب، مما يؤيد هذا التفسيرُ الشائعُ لكنيتها. ومن الطبيعى أن يستبعد المتأخرون ما قيل عن وجود حفيد للنبى [صلى الله عليه وسلم] من أم كلثوم، هذا ولا نجد ذكراً لزواجها إلا من عثمان، فقد تزوجها بعد وفاة زوجته رقية -وهى أختها- فى أثناء غزوة بدر - وتوفيت أم كلثوم فى العام التاسع للهجرة دون أن تعقب ولداً.
المصادر:
(1)
ابن هشام: طبعة فستنفلد، ص 151.
(2)
ابن سعد: جـ 8، ص 25 وما بعدها.
(3)
الطبرى، طبعة ده غوى، جـ 3، ص 2302.
(4)
Fatima et les filles: H. Lammens de Mahomet، 1912 م، ص 3 وما بعدها.
[بول Fr. Buhl]
أم الولد
هى الأمة التى تلد ولداً من مولاها:
(1)
كان نظر العرب إلى الولد الذى يولد من هذا الاتصال قد بدأ يتغير شيئاً ما قبيل الإسلام، فأخذ يحل نوع من النظام محل الزواج غير المقيد ومحل التسرى، وسمت نظرتهم إلى الزواج من المرأة الحرة، واهتموا بالنسب من ناحية الأم. على أن هذا التحول صحبه انحطاط مركز أبناء الإماء، وكانوا عادة يلحقون فى التسمية بأمهاتهم لا بآبائهم، ولا يتحررون إلا إذا اعترف بهم أباوهم. ومع أن هذا ظل مرعياً على الدوام، إلا أنهم لم يتساووا بالأبناء الشرعيين فى الحقوق، وثار الجدل حول منع الأمة من أن تلد
من سيدها خشية، أن يرث الولد عن أمه صفات الرقيق. وكانت مكانة، أم الولد منحطة حتى أنهم كانوا يطلقون عليها اسم أم الولد، بينما يطلقون على الحرة لقب أم البنين. ولم يكن مركز المرأة التى تسبى فى الحرب يختلف كثيراً عن مركز الأمة، وإن كان الزواج كثيراً ما يحدث فى هذه الحالة عوضاً عن التسرى، ويعتبر أبناؤها أحراراً، وإن لم تكن لهم جميع حقوق الأحرار، وجرت العادة بإلحاقهم فى التسمية بأمهاتهم، وكثيراً ما حاول العرب إزالة هذه الوصمة بإحلال الزواج الشرعى محل ذلك الاتصال غير المنظم بين الرجل والمرأة.
(2)
وظلت الحال على هذا المنوال فى الإسلام دون تغيير جوهرى بادئ الأمر. وأباح القرآن التسرى مما ملكت يمين الرجل وذلك فى آيات عدة تناولت الصلات الجنسية المشروعة وتمييزها عن الزنا (سورة النساء، الآية 3، 27 وما بعدها؛ سورة المؤمنون، الآيات 5 - 7؛ سورة المعارج، الآية 30، وكل هذه الآيات مدنية؛ وانظر ما أشار إليه نولدكه وشوالى Noldeke-Schwally: Gesch- d- Qorans جـ 1). أما الآيات 49 إلى 52 من سورة الأحزاب التى وجه فيها الخطاب إلى النبى [صلى الله عليه وسلم] فقد أحل له فيها ما ملكت يمينه مما أفاء الله به عليه. وعلى ذلك فإن الإسلام لم يفرق من الوجهة النظرية بين الأمَة والسبية، وليس ذلك مستغرباً بعد الذى ذكرناه. أما من الناحية العملية فإن النظرة القديمة إلى السبية ظلت على ما كانت عليه (فلهاوزن - Well hausen: Vakidi، ص 178؛ الكاتب نفسه فى N.G.W Gott سنة 1839 م، ص 436؛ وهذه الحالة الخاصة ليست محققة من وجهة التاريخ ولكن لها دلالتها). ولم يحدد القرآن مكانة أم الولد، والمحقق أن النبى [صلى الله عليه وسلم] لم يشرع أى نظام يغير من مكانتها، أو مكانة أبنائها، ولا يمكننا أن نتخذ عتقه لمارية عندما ولدت له إبراهيم سُنَّة عامة (ابن سعد، جـ 8، ص 155، س 18؛ ص 156، س 4) وإن كانت هذه الحادثة لها صلة بالأحاديث الخاصة بأم الولد، وقد تكون الرواية التى ذهبت إلى أن
النبى صلى الله عليه وسلم اعترف بابن مارية بعد تردد طويل، معقولة من ناحية موضوعها، وإن كانت غير معقولة من ناحية الصيغة التى وردت فيها (1).
(2)
وكان الخليفة عمر أول من سن أن أم الولد تصبح حرة من تلقاء نفسها إذا مات عنها السيد فلا يجوز بيعها أو شراؤها. ويجب أن نتلمس أصل هذه السنة فى حديث رواه أبو داود (عتاق، باب 8)(2) وابن حنبل ـجـ 6، ص 360) وثبتت صحته فى رواية أخرى (كنز العمال، جـ 4، 5126). وتقول هذه الرواية إن امرأة باعها عمها فى الجاهلية وأنجبت ولداً من سيدها، فلما مات عنها أريد بيعها وفاء لدينه، فشكت حالها إلى النبى صلى الله عليه وسلم، فأمر الموكل بالميراث أن يعتقها وعوضه عنها بعبد.
ولاحظ ابن حنبل بحق أن التعليلات المختلفة لتصرف النبى صلى الله عليه وسلم فى هذا الحادث كانت سبباً لما نتج من اختلاف فيما بعد. وليس من شك فى أن هذا التصرف كان خاصاً بهذا الحادث وحده. وهناك حديث أورده البخارى (عتق، باب 8 وغيره)(3) والطحاوى (شرح معانى الآثار: جـ 2، ص 66)
(1) نص الرواية فى طبقات ابن سعد (ج 8، ص 154 - 155)"عن أنس بن مالك قال: كانت أم إبراهيم سرية للنبى صلى الله عليه وسلم فى مشربتها، وكان قبطى يأوى إليها ويأتيها بالماء والحطب، فقال الناس فى ذلك: علج يدخل على علجة؟ فبلغ ذلك رسول صلى الله عليه وسلم فأرسل على بن أبى طالب فوجده على نخلة. فلما رأى السيف وقع فى نفسه، فألقى الكساء الذى كان عليه، وتكشف، فإذا هو مجبوب، فرجع على إلى النبى صلى الله عليه وسلم فأخبره: فقال: يا رسول الله، أرايت إذا أمرت أحدنا بالأمر ثم رأى فى غير ذلك أيراجعك؟ قال: نعم، فأخبره بما رأى من القبطى، فقال: وولدت مارية إبراهيم، فجاء جبريل عليه السلام إلى النبى صلى الله عليه وسلم فقال: السلام عليك يا أبا إبراهيم، فاطمأن رسول الله إلى ذلك". وهذا هو الذى يسميه كاتب البحث "ترددا طويلا" فى اعتراف الرسول صلى الله عليه وسلم بابنه من مارية. كما اعتاد أمثاله أن يتوسعوا فى تحميل الكلام مالا يحتمله، ومذا هو الذى دعاه لأن يزعم أن الرواية، غير معقولة فى الصيغة التى وردت فيها"، وذلك أنه لا يريد أن يسلم بأى شئ يدل على نبوة النبى صلى الله عليه وسلم والوحى إليه وخطاب جبريل له.
(2)
رواه أبو داود (برقم 3953 ج 4، ص 26 طبعه مصطفى محمد) وهو نفس الحديث الذى يشير إليه الكاتب بعد ذلك نقلا عن كنز العمال، ولعله ظن أن هذه رواية أخرى تؤيد تلك، وهما حديث واحد.
(3)
البخارى بشرح فتح البارى (ج 5، ص 118 - 119) طبعة بولاق).
أحمد محمد شاكر
يتصل بالجدل الذى ثار حول أبوة الولد الذى تنجبه الأمة. فسعد بن أبى وقاص اعتبر الولد الذى أنجبه أخوه عُتبة، من أمة له ابناً غير شرعى نزولاً على وصية عتبة أما عبد بن زَمْعة فاعتبره ابناً شرعياً. وبالرغم من مشابهة الولد لعتبة.
فقد حكم النبى صلى الله عليه وسلم وفقاً لقاعدة "الولد للفراش". وعظم الاختلاف فى تفسير هذا الحديث (انظر الشراح، وخاصة شرح العينى على البخارى)، على أن هذا لا يمنع أن يكون صحيحاً فى جوهره. ومن المحقق أن الرواية التى وردت فى الطحاوى (جـ 2، ص 67) ليست صحيحة، وعلى أية حال لا نجد فيها ذكراً لعتق هذه الجارية.
(4)
والسنة التى استنها عمر تؤيدها عدة روايات، ولو أن تفصيلاتها تختلف فيما بينها كما أنها مشوبة بالأساطير (انظر بوجه خاص كنز العمال، جـ 4، 5118، 5122، 5124؛ الصنعانى: سبل السلام، كتاب البيوع، رقم 11)(1).
وإذا تركنا جانباً البحث فى هل كانت سنة عمر مسبوقة بأحكام أخرى (كنز العمال، جـ 4، رقم 5115) فإن القصة التى تذهب إلى أن عمر أمر بعتق أم الولد إذا أنجبت ولدا (انظر الخوارزمى: جامع مسانيد الإمام الأعظم، جـ 2
(1) الأثر عن عمر الذى الذى يزعم الكاتب أنه مشوب بالأساطير رواه الحاكم فى المستدرك (ج 2، ص 458) ونصه: "عن عبد الله بن بريدة عن أبيه قال: كنت جالسا عند عمر بن الخطاب رضى الله عنه إذ سمع صائحة. فقال: يايرفأ، انظر ما هذا الصوت، فانطلق فنظر ثم جاء فقال: جارية من قريش تباع أمها، فقال عمر: ادع لى أو قال: على بالمهاجرين والأنصار، قال: فلم يمكث إلا ساعة حتى امتلأت الدار والحجرة، قال: فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أما بعد، فهل تعلمونه كان مما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم القطيعة؟ قالوا: لا، قال: فإنها قد أصبحت فيكم فاشية، ثم قرأ {فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ} "سورة محمد الآية: 22" ثم قال: وأى قطيعة أقطع من أن تباع أم امرئ فيكم وقد وسع الله لكم قالوا: فاصنع ما بدا لك، قال: فكتب فى الآفاق: أن لا تباع أم حر، فإنها قطيعة، وأنه لا يحل" وهذا أثر صحيح، صححه الحاكم والذهبى، ونسبه فى سبل السلام لابن المنذر وابن عساكر أيضاً. ولست أرى وجها لزعم الكاتب أنه مشوب بالأساطير، فإنه يحكى قصة لا غرابة فى شئ منها.
أحمد محمد شاكر
ص 166؛ كنز العمال جـ 5، رقم 5116) لابد أن تكون قد نشأت من الجدل الذى ثار حول هذه المسألة فيما بعد، وذلك لأن سنه عمر لم تضع حداً لها، بل إنها سببت بعض المنازعات فى عهد عثمان، (كنز العمال، جـ 4، رقم 5112)(المصدر السابق، رقم 5129 - 5131). وقيل إن ابن عباس الصحابى كان يعارض رأى عمر على وجه خاص. وفى الجدل الذى ثار حول هذه المسألة ردّ البعض سنة عمر إلى النبى (المصدر السابق رقم 5135 و 5137). وقال آخرون إن عليا وابن عباس كانا يريان رأى عمر (المصدر السابق رقم 5132؛ ابن عباس المصدر نفسه رقم 5039 و 5041 ابن حنبل، جـ 1، ص 303، ابن عباس عن النبى صلى الله عليه وسلم، الدرامى، ص 18 وص 38؛ ابن ماجه، عتق، باب 2؛ ابن سعد، جـ 8، ص 155، س 20؛ ابن حنبل جـ 1، ص 317). وأصر البعض من ناحية أخرى إصراراً شابه العنف أحياناً على أن النبى صلى الله عليه وسلم أقرّ بيع أم الولد (ابن ماجه، المصدر المذكور؛ ابن حنبل، جـ 3، ص 321؛ الطيالسى رقم 2220; كنز العمال، جـ 4، رقم 5125 و 5127). واستدل آخرون على ضد هذا الرأى بأن صحابة النبى صلى الله عليه وسلم وافقوا على رأى عمر (أبو داود، عتاق، باب 8؛ العينى على البخارى، عتق، باب 8). ولم يكن هذان الرأيان كل ما ذكر فى هذا الموضوع، فقد ذكر رأى آخر نسب إلى عمر أيضاً. ونسبت بعض الأحاديث رأيا مشابها للنبى صلى الله عليه وسلم، ولكن من السهل أن نستخرج منها معنى آخر. (انظر ابن ماجه، عتق، باب 2، ابن سعد، جـ 8 ص 155، س 17، وكلاهما روى عن ابن عباس؛ وانظر أيضاً كنز العمال، جـ 4، رقم 5128). وينسب إلى علىّ أنه قال: للمولى أن يعتق أم ولده إذا أراد وأن يعتبر عتقها مقابل الصداق (كنز العمال، جـ 4، رقم 5133). ويرى ابن مسعود أن أم الولد يجب أن تعتق من رأس مال ابنها "وهذا الابن يعتبر حراً"(العينى، كتابه المذكور). وهذان الرأيان فرعان من الرأى الأصلى.
وإذا نظرنا فى هذه الأحاديث نظرة نقدية نجد أنه لا يُجرح منها إلا الحديث الذى ذكرناه فى الفقرة الثالثة، وهو حديث لا يخلو من الغموض، ولذلك فإنه يفضل عادة الاستشهاد برأى عمر واتخاذه حجة على وجهة النظر التى سادت فيما بعد.
(5)
وقد استطاع العينى (البخارى، عتق، آخر الباب الثامن) أن يعطينا سبعة آراء مختلفة فى أم الولد إلى جانب رأى عمر وذلك فى زمن الفقهاء المتقدمين قبل نشأة المذاهب:
1 -
يجوز للسيد أن يعتق أم الولد [أو غيرها من الرقيق] مقابل مال يأخذه (فتكون كالمكاتبة).
2 -
ويجوز بيع أم الولد من غير قيد ولا شرط.
3 -
ويجوز لسيدها بيعها فى أى وقت إبان حياته، فإذا لم يبعها ومات عنها تصبح حرة (وتعتبر مدبرة، ويقال إن الشافعى أخذ بهذا الرأى).
4 -
ويجوز بيعها سداداً لدين سيدها المتوفى.
5 -
ويجوز بيعها، ولكن إذا كان ولدها على قيد الحياة عند وفاة أبيه، فإنها تعتق وتحسب من نصيب الولد فى التركة وترث معه.
6 -
ويجوز بيعها على شرط أن تعتق ولا يجوز بغير هذا الشرط.
7 -
أنها أن عتقت وأبقت لم يجز بيعها، وإن فجرت أو كفرت جاز بيعها (ويقول المُزنَى إن الشافعى لم يقطع برأى فى هذا الموضوع)(1).
وفى ذلك الوقت نفسه، كان الرأى الذى يذهب إلى أن أم الولد لا يصح بيعها وإنما تصبح حرة عند وفاة سيدها قد اجتذب إليه كثيرين من المؤيدين منهم: الحسن البصرى وعطاء ومجاهد والزُّهرى وإبراهيم النَّخَعى وغيرهم (انظر الخوارزمى: كتابه المذكور، جـ 2، ص 167، كتاب الآثار، ص 71، ص 102).
(1) لا أدرى من أين جاء الكاتب بهذا النقل عن المزنى، والذى فى شرح العينى على البخارى (ج 13، ص 92 طبعة المطبعة المنيرية) نقلا عن الشافعى أنه منع بيعها فى أكبر كتبه، وأنه أجاز بيعها فى بعض كتبه، ثم نقل عن المزنى قال "قطع -يعنى الشافعى- فى أربعة عشر موضعا من كتبه بأن لا تباع" قال العينى:"وهو الصحيح من مذهبه وعليه جمهور أصحابه".
ويُرجع فى المسائل المعينة التى تثار فى الوقت الحاضر لأول مرة إلى المصادر القديمة، كما يُرجع فى الرأى الخامس إلى ابن مسعود وابن عباس وابن الزبير، وفى الرأى السادس إلى عمر (كنز العمال، جـ 4، رقم 5123)، ويرجع إليه كذلك فى تفصيلات أخرى (الموطأ، عتق، باب 8، رواية الشيبانى، كتاب البيوع، باب بيع أمهات الأولاد، الخوارزمى، كتابه المذكور آنفاً
…
إلخ).
(1)
وفى العهد الذى تكونت فيه المذاهب أخذ بالرأى القائل بأن أم الولد لا يصح بيعها أبو حنيفة وأبو يوسف وزُفَر والشيبانى وأضرابهم كالأوزاعى والثورى والحسن بن صالح والليث بن سعد وكذلك مالك (انظر الموطأ، الموضع المذكور، المدونة، جـ 8، ص 23) وأبو ثور وابن حنبل. وهذا هو الرأى الذى انتهى إليه الشافعى فأخذ به أصحابه وتلاميذه، وكان قد ذهب قبل ذلك إلى الرأى القائل ببيع أم الولد معتمداً فى ذلك على حديث صحيح (العينى على البخارى، عتق، باب 8، النووى، مجموع، جـ 9، ص 243، انظر كذلك الفقرة الخامسة من هذه المادة). واستخلصوا القول بعتق أم الولد بثلاثة طرق (النووى، كتابه المذكور).
وعلى هذا يكون لدينا أربعة آراء مختلفة تنسب إلى الشافعى (انظر الشوكانى: نيل الأوطار، كتاب العتق، باب أم الولد، رقم 7).
وعلى هذا يكون لدينا أربعة آراء مختلفة تنسب إلى الشافعى (انظر الشوكانى: نيل الأوطار، كتاب العتق، باب أم الولد، رقم 7).
ويذهب داود والظاهرية والإمامية والاثنا عشرية والمعتزلة (الشوكانى، كتابه المذكور) إلى جواز بيع أم الولد، ولو أن الاثنا عشرية يرون أحياناً عتقها إذا كانت فى حوزة سيدها عند وفاته، وكان ابنها منه حياً.
ومع أن المذاهب الأربعة ذهبت آخر الأمر إلى عدم جواز بيع أم الولد، إلا أن وقوع الإجماع فى هذا الأمر كان موضعاً للشك أحياناً (الصنعانى، كتابه المذكور، رقم 12، الشوكانى، كتابه المذكور) وللتأكيد أحياناً أخرى (النووى، كتابه المذكور). وإذا خالف القاضى فى حكمه هذه الآراء فإنه يجد ما يؤيد الرأى الذى يذهب إليه (انظر النووى كتابه المذكور
…
إلخ).
7 -
وكثيراً ما عمدوا إلى العزل ليحولوا دون ولادة الإماء، ولهذا نجد كثيراً من الجدل فى العزل عند كلامهم على أم الولد.
وقد جمع فنسنك Wensinck أهم مراجع الحديث المتعلقة بهذا الموضوع فى كتابه: Handbook of early (1) .Mohamenedan Tradition
وحسبنا أن نقول هنا أن العزل عن الإماء كان جائزاً. ويجوز للسيد أن ينكر أبوته لابنه من أم الولد حتى لا يجعلها أم ولده (2)، ويرجع هذا إلى ما كان عليه الحال فى الجاهلية (انظر الفقرة الأولى من هذه المادة).
وهذه المسألة لم يوضع لها حكم قاطع، كما هى الحال فى الاعتراف بأبوة الابن من الزوجة الشرعية (انظر فنسنك: كتابه المذكور، مادة "ولد" ومادة "لعان")، ومع هذا فقد حاولوا تقييد حق الأب فى إنكار أبوته لابنه من أم ولده. وتنسب إلى عمر وإلى ابن عمر أحاديث تنفى حق أى رجل وطئ جاريته فى إنكار أبوته لابنها حتى لو احتج فى هذا بأنه عمد إلى العزل، أو قال بإمكان وجود أب آخر للولد. اتفق على هذا المالكية والشافعية. أما الأحناف فيذهبون إلى أن أبوة الولد وصفة الأمة باعتبارها أم ولد إنما تقوم على اعتراف السيد. ويوردون فى صدد هذا بعض الأحاديث التى تذكر أن ابن عباس وزيد بن ثابت أنكرا أبوتهما للأولاد الذين أنجباهم من أمتيهما بحجة استعمالهما للعزل.
وقد ناقش الطحاوى هذا الموضوع وأورد الأحاديث الخاصة به (انظر الطحاوى: كتابه المذكور - ص 66 - 68). ولا خلاف بين المسلمين على أن الولد الذى يولد للرجل من أمته حر متى ثبتت أبوته له. وكان هذا أمراً مسلما به
(1) هو الكتاب الذى ترجمه الأستاذ (محمد فؤاد عبد الباقى) وسماه (مفتاح كنوز السنة) وهذا البحث فيه فى مادة (العبيد ص 331) ومادة (العتق ص 333).
(2)
هذا غير صحيح. ولا يجوز للمسلم أن ينفى ولده الذى تحقق أبوته سواء أكان من زوجته أم من أمته ولكنه إذا نفاه وكان من حرة وجب اللعان، وإن كان من أمته فلا يجب اللعان، ولكنه يكون آثما كبيرا لأنه رمى امرأة بريئة بالباطل والبهتان. أما إذا وثق أنه ليس ابنه فإنه لا اثم عليه فى نفيه عنه، ومرجعه فى ذلك إلى دينه وأمانته، والله مطلع على سريرته.
أحمد محمد شاكر
فى الجدل الذى ثار حول أم الولد، واعتبر حجة لعدم جواز بيعها.
وطبيعى أن نستنتج من هذا أن اعتراف الأب بأبناء التسرّى (انظر الفقرة الأولى من هذه المادة) كان قبيل الإسلام عُرفاً يتبعه العرب. ويظهر أن استمرار النزاع فى أبوة ابن السرية نشأ فى الواقع عن تحسن مركز أم الولد فى الإسلام تحسناً كبيرا على حساب سيدها.
8 -
وقد ذكرت التعاليم الفقهية تفصيلات فى أم الولد نجملها فيما يلى:
كل أمة وإن كانت على غير الإسلام، أنجبت ولداً من سيدها. ولو بعد وفاته، تعتبر أم ولد وتصبح حرة متى توفى عنها سيدها. فلا يجوز بيعها وفاء لدين على ميراثه، ولا تعتبر جزءاً من ثلث التركة الذى يجوز الوصية فيه.
وإذا أوصى لها سيدها بجزء من ماله فلها أن تحصل عليه. يدل على ذلك ما جرى عليه العرف منذ عهد عمر (انظر الدارمى: وصايا، باب 37)(1).
وجميع أبناء أم الولد، شرعيين كانوا أم غير شرعيين، الذين تلدهم من غير سيدها بعد حملها منه، ويصبحون أحراراً كذلك بالطريقة نفسها. أما الذين تلدهم من سيدها فيولدون أحراراً وتكون الأمة أم ولد خلال الحمل أيضاً.
واختلفت الآراء فى إجهاض أم الولد؛ واختلفت كذلك فى زواج الرجل من أمة غير مسلمة وحملها منه ثم بيعه لها، وكذلك فيما إذا أحبل الرجل أمة مملوكة لابنه. وعندها يكون متوقعاً أن تصبح أم الولد حرة فإنها تبعا لذلك لا يجوز بيعها أو إجارتها. وإذا اقترفت جرماً فإن بيع سيدها لها لا يعفيه من تحمل تبعه عملها. وتظل أم الولد فى غير ذلك أمة لا حق لها فى التملك. وما يدفع من الدية أو الأرش لما يلحقها من الضرر يكون من حق سيدها. وتختلف الآراء فى زواج سيدها منها دون رضاها. وعلى أية حال، فإن للسيد وَطْأها وإستخدامها وأخذ أجر عملها. ولكن المالكية يرون أنه لا يجوز للسيد أن يرهقها بالعمل (2)، ويقولون إنه لا يملك
(1) الدرامى (ج 2، ص 423 طبعة دمشق).
(2)
كل المسلمين يقولون بأنه لا يجوز إرهاق الرقيق بالعمل. سواء فى ذلك المالكية وغيرهم.
تأجيرها. واختلفت الآراء كذلك فى المركز الشرعى لأم الولد المكاتبة وغير المسلمة إذا دخلت فى الإسلام. ومن المسلّم به جواز بيع أم الولد سداداً لدين على سيدها استدانه قبل أن تحمل منه، وهى فى رأى الأحناف والمالكية تفقد حقها فى الحرية أيضاً إذا قتلت سيدها عمداً، ويرى الأحناف أنها فى هذه الحالة تكون عرضة للقصاص، أما إذا كان القتل عن غير عمد فلا يصيبها شئ. ويذهب المالكية إلى أن أم الولد إذا قتلت سيدها عمداً تصبح أمة لورثته ولهم أن يقتلوها أو يبقوا عليها. فإذا أبقوا عليها تجلد مائة جلدة وتسجن سنة. أما الشافعية فيرون أنها ينبغى أن تدفع الدية فى كلتا الحالتين. ولكن الحنابلة اختلف قولهم: فهناك رواية تقول بدفعها لدية لا تزيد على ثمنها أو ديتها، ورواية أخرى تقول بدفع ثمنها فقط. ولا يختلف رأى الإمامية من الشيعة عن هذا كثيراً (انظر Querry: Droit musulman جـ 2، ص 147 وما بعدها).
(9)
وفى الفقه الإسلامى تفرقة دقيقة بين الزواج والتسرى تبلغ من الدقة درجة يستحيل معها أن يتزوج السيد من أمة. ومن النادر الخروج على هذه القاعدة، ويقال أن شداد بن حكيم المتوفى عام 210 هـ -وهو من أصحاب زُفَر- كان إذا ابتاع أمة تزوج منها بحجة أنها ربما كانت حرة (انظر عبد القادر: الجواهر المضيئة، جـ 1، رقم 668؛ ابن قُطلوبغا، طبعة فلوكل، ص 81). وذكر صاحب الفهرست (ص 27، س 15) فى تحفظ: أن الطحاوى المتوفى عام 322 هـ، صنّف كتاباً جّوز فيه الزواج من الإماء (والراجح أنها إماء الزوج نفسه). ولا يمكننا التحقق من صحة هذه القصص فالقصة الأولى وردت ضمن مجموعة من الحكايات وتقوم الثانية على السماع لا غير.
وليس من الضرورى أن نتلمس آثار العرف الجاهلى القديم فى تحول التسرى إلى الزواج (انظر الفقرة الأولى من هذه المادة) فى هذه القصص.
فقد تفسر القصة الأولى بما يبديه رجال الدين عادة من تحفظ كبير فى
أمور الدنيا (1). وقد تُعلّل القصة الثانية بالمجاملة التى تنسب إلى الطحاوى عند كلامه عن الأمراء.
(10)
وبالرغم من تحسن مركز أم الولد خلال تطور الفقه الإسلامى، فقد ظل النفور من زواج الأمة وإيلادها، وهو نفور قديم، قائماً أمداً طويلا. وهناك حديث من الأحاديث التى تذم التسرى ظل إلى زمن البخارى (إيمان، باب 37؛ عتق، باب 8؛ مسلم، إيمان، حديث 1، 5، 7) وهذا الحديث لاشك فى أن خصوم العباسيين هم الذين وضعوه ثم حُرِّف عن معناه، وكان فيه آخر صدى للاتجاه الجاهلى القديم؛ وتغيرت الأحوال الاجتماعية عنه تغيراً تاماً فتقررت المساواة المطلقة بين الأبناء الذين يولدون من زوجة حرة وبين أبناء السرية منذ عهد طويل.
المصادر:
(1)
ابن قدامة: المغنى، جـ 12، ص 488 وما بعدها.
(2)
Le Berceau de I'Islam: Lammens ص 276 - 306.
(3)
Kinship and Mar-: Robertson Smith riage in early Arabia، الطبعة الثانية، ص 89 - 91.
(4)
Wellhausen: N.G.W، سنة 1893 م، ص 435 وما بعدها.
(5)
Mekka: Snouck Hurgronje. جـ 2، ص 136.
(6)
Wensinck: - Handbook of Early Mu hamnedan Tradition .
(7)
Handleiding: Juynboll الطبعة الثالثة، ص 236 وص 238.
(8)
Handbuch: Juynboll، الطبعة الثانية، ص 206 وص 236.
(9)
Muhammedanisches Recht: Sachau، ص 127 وص 166 وما بعدها.
(10)
Instituzioni: Santillana، جـ 1، ص 123 وما بعدها.
(يوسف شاخت Joseph Schacht]
تعليق على مادة "أم الولد"
انظر إلى كاتب المادة كيف يجزم بأنه لاشك فى أن خصوم العباسيين هم الذين وضعوا هذا الحديث! ولو ذهبت
(1) ليس هذا خاصا برجال الدين، بل كل مسلم يجب عليه التورع والاحتياط فى الحلال والحرام، وكان أكثر الرقيق مشكوكا فى صحة امتلاكه، خشية أن يكون حر الأصل، أو أعتقه مالكه ثم نسى أو تعمد أن يدلس ويبقيه رقيقا. وكلمة شداد بهذا المعنى فإنه كان يقول:"لعلها حرة أو جرى كلام على لسان أربابها".
تسأله عن دليله على ما يقول لسكت، أو لأتى لك بكلمات جوفاء لا تنطبق على أى قاعدة علمية أو تاريخية، ثم اسأله ما علاقة العباسيين بهذا الحديث حتى يكون تاريخهم أو سيرتهم أو سياستهم دليلا على وضعه فى زعمه؟ . إن للحديث النبوى قواعد وضعها أئمة الحفاظ، وهى أوثق القواعد العلمية وأدقها فى الإثبات التاريخى، وقد احتاطوا أشد الاحتياط فى نقد رواة الأحاديث، وفى نقد ما رووه، وإنما يدرك قيمة عملهم ويستوثق منه ويطمئن إليه قلبه - من مارس قواعدهم وتشبعت نفسه منها، وصار له فيها ملكة فنية، كما يكون ذلك فى كل علم من العلوم.
وبعد: فإن الحديث الذى يجزم الكاتب بوضعه حديث صحيح جداً، اتفق على روايته البخارى ومسلم فى كتابيهما الصحيحين، وهما أصح الكتب بعد القرآن الكريم، وهما اللذان لا مطعن فى صحة حديث من أحاديثهما عند العارفين من أهل العلم، وقد رواه غيرهما أيضاً بأسانيد صحيحة. وهو حديث سؤال جبريل عليه السلام للنبى صلى الله عليه وسلم عن أمور الإسلام والإيمان وعن أشراط الساعة، وفيه أن من أشراطها "أن تلد الأمة ربها" أى تلد المملوكة سيدها. وفى شرح هذا الحديث كلام طويل، والحديث معروف لأكثر المسلمين، فقد رواه البخارى (جـ 1، ص 105. 155، فتح البارى، طبعة بولاق) من حديث أبى هريرة، ورواه مسلم أيضاً (جـ 1، ص 17 - 18) من حديث عمر بن الخطاب، ونقله النووى من حديث عمر فى الأربعين النووية، وهو الحديث الثانى منها. وعن ذلك اشتهر عند الكافة حتى العوام، وحديث أبى هريرة رواه البخارى أيضاً فى مواضع أخرى من صحيحة. ورواه أيضاً ابن ماجه، ورواه أبو داود والنسائى من حديث أبى ذر وأبى هريرة، وحديث عمر رواه أيضاً أبو داود والترمذى والنسائى وابن ماجه وأبو عوانة وابن خزيمة فى صحيحيهما، وكذلك الإمام أحمد فى مسنده والطبرانى، وقد ورد الحديث
أيضاً من رواية أنس بن مالك، رواه البزار بإسناد حسن. ومن حديث جرير بن عبد الله البجلى، رواه أبو عوانة فى صحيحه، ومن حديث ابن عباس، ومن حديث أبى عامر الأشعرى، رواهما الامام أحمد فى مسنده. وانظر تفصيل الكلام على طرقه وأسانيده فى شرح العينى على البخارى (جـ 1، ص 283 - 284) وفى شرح الأربعين لابن رجب (ص 16 - 17) وفى كثير من كتب السنة وشروحها. فهؤلاء الرواة الثقات والأئمة والصحابة كلهم فى نظر كاتب المادة كذابون وضّاعون، لماذا؟ . لأنه يعتقد أنهم خصوم للعباسيين.
ثم يريد الكاتب فى آخر المادة أن يوهم بأن الحديث الذى ظل إلى عصر البخارى ومسلم (منتصف القرن الثالث الهجرى) وضعه خصوم العباسيين، وأن ذلك دليل على التفرقة فى نظر المسلمين فى ذلك العصر بين أبناء الحرة وبين أبناء الأمة. وهذا رمى بالقول على عواهنه، لا يؤيده أى نص تاريخى، ولا أى نظر سليم، بل كان المسلمون -من أول الأسلام، فى عهد النبىى صلى الله عليه وسلم، ثم من بعده فى سائر عصور الإسلام- لا يفرقون بين أبنائهم من الحرائر والإماء، وآية ذلك أن إبراهيم كان الابن الوحيد للنبى صلى الله عليه وسلم فى أواخر حياته، وكان بهذه الصفة معززاً مكرماً، وقد حزن الرسول صلى الله عليه وسلم والمسلمون أشد الحزن عند موته طفلا. وأن أكثر الصحابة فى عصره وبعد عصره كان لهم أبناء من الحرائر والإماء، ولم نسمع شيئاً عن التفرقة بينهم. وانظر تراجمهم فى كتاب (الطبقات الكبير) لابن سعد تجده يذكر فى ترجمة كل صحابى أبناءه - إن كان له عقب - ويذكر أم كل واحد منهم، حرة أو أمة، على قدم المساواة، وانظر ترجمة سيد التابعين وسيد المسلمين فى عصره، وهو (زين العابدين على بن الحسين بن على بن أبى طالب) فى طبقاته ابن سعد (جـ 5 ص 156) وفى ابن خلِّكان (جـ 1، 403) وفى التهذيب (جـ 7، ص 304).
أحمد محمد شاكر