المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌أمية بن أبى الصلت - موجز دائرة المعارف الإسلامية - جـ ٤

[مجموعة من المؤلفين]

الفصل: ‌أمية بن أبى الصلت

‌أمية بن أبى الصلت

شاعر عربى من قبيلة ثقيف، كان يعيش فى الطائف، وأبوه أبو الصلت عبد الله، وأمه رقُيَّة بنت عبد شمس ابن عبد مناف. وهو حفيد أبى سفيان وابن عم عُتْبَة وشيبة اللذين قتلا فى وقعة بدر، ويمتُّ بصلة وثيقة إلى بيوتات قريش فى مكة.

وتدل قصيدة له فى رثاء القرشيين الذين قتلوا فى بدر (أوردها ابن هشام، ص 531 وما بعدها) على أنه كان حيا فى سنة 624 م والمروى أنه توفى فى العام الثامن أو التاسع للهجرة. والأخبار مختلفة فى موقفه بالنسبة للنبى وللإسلام، ولعل الأرجح أنه لم يلق النبى، وأبى أن يصدق بدعوته، يؤيد هذا ما يتجلى فى قصيدته المذكورة من عطف على قريش.

والقصائد والمقطوعات التى وصلت إلينا منسوبة إلى أمية، والتى جمعها شولتس F.Schulthess وزاد عليها باور E.Power يمكن قسمتها بحسب موضوعها قسمين كبيرين. أصغرهما يتكون من قصائد وأبيات قيلت فى مدح أشخاص، وبخاصة فى مدح رجل من أغنياء مكة هو عبد الله بن جُدْعان، وهى لا تختلف فى جوهرها عن نظائرها عند غيره من شعراء العرب القدماء. أما القسم الأكبر الذى يبدأ بالقصيدة الثالثة والعشرين من طبعة شولتس F_Schulthess، فيدل دلالة كاملة على النزعة التى يمكن تسميتها بالحنيفية، وأساسها القول بإله واحد هو "رب العباد". ونرى فيها صوراً شبيهة بالوحى عن مقام الله وملائكته، وحكايات عن الخلق وآراء تتعلق بيوم القيامة والجنة والنار. وفيها دعوة إلى عمل الخير وإشارات إلى عِبَر أخذ بعضها من أخبار العرب، عن عَاد وثمود، وبعضها من قصص التوراة عن الطوفان وإبراهيم ولوط وفرعون.

وابن أبى الصلت مولع إلى جانب هذا برواية الحكايات على السنة الحيوان. ونلاحظ فى شعره أيضاً

ص: 1202

ذكراً للأعمال السحرية (كالسحر للاستسقاء - انظر القصيدة الرابعة والثلاثين قرب آخرها).

والآراء الدينية ومعالجة هذه الموضوعات فى كلام أمية مطابقة لما جاء فى القرآن إلى حد كبير. ويكاد الاتفاق يقع كلمة كلمة فى كثير من الأقوال (انظر أبحاث Frank-Kamentzky)، ولهذا أثيرت بالطبع مسألة اعتماد أحد القولين على الآخر فيذهب إيوار Huart إلى أن أشعار أمية بن أبى الصلت التى تتضمن قصصاً من قصص التوراة مذكورة عند المقدسى فى "كتاب البدء" -وهو الكتاب الذى نسب خطأ إلى البلخى - هى من المصادر الصحيحة التى استمد منها القرآن رأساً. على أن صحة نسبة هذه القصائد إلى أمية أمر مشكوك فيه، شأن أشعاره فى ذلك شأن الشعر العربى القديم بوجه عام. ولكن لا توجد أسباب قوية تدعو إلى الشك فى نسبة مجموع القصائد التى تناقلها الرواة منسوبة إلى أمية، اللهم إلا القصائد التى أضيفت اليها فى العصر الإسلامى، والتى تروع الإنسان بما فيها من محاباة (كالقصيدة الثالثة والعشرين فى مدح محمد) وقصائد أخرى فطن الرواة إلى أنها غير صحيحة النسبة إليه.

أما القول بأن محمدا صلى الله عليه وسلم قد اقتبس شيئاً من قصائد أمية فهو زعم بعيد الاحتمال، لسبب بسيط هو أن أمية كان على معرفة أوسع بالأساطير التى نحن بصددها كما كانت أساطيره تختلف فى تفصيلاتها عما ورد فى القرآن، وفى هذا حجة أيضاً على أن أمية لم يقتبس شيئاً من القرآن الكريم وإن كان هذا غير مستحيل من الوجهة التاريخية؛ فقد ورد فى إحدى الروايات (الأغانى، جـ 3، ص 187 س 10) أن أمية كان أول من قرأ كتاب الله. ويمكن أن نعلل مشابهة قصائد أمية لما جاء فى القرآن بحقيقة لا تحتمل شكا: هى أنه فى أيام البعثة المحمدية، وقبلها بقليل من الزمان، انتشرت نزعات فكرية شبيهة بآراء الحنيفية، واستهوت الكثيرين من أهل الحضر، وخصوصاً فى مكة والطائف، وكانت تغذيها وتنشطها تفاسير اليهود للتوراة،

ص: 1203

وأساطير المسيحيين، مما كان معروفاً ومتداولا فى تلك البقاع وجنوبى الجزيرة فى جهات متفرقة منعزلة. ويعلل لنا هذا ما يعرض من اختلاف بين ما جاء فى القرآن وما ورد فى أشعار أمية.

وأمية وغيرهما من رجال الدين -كزيد بن عمرو وورقة ومسلمة- اقتبسوا جميعاً من مصادر واحدة، سواء أكانت مدونة كما يرى شولتس Schulthess أم مروية كما ذهب إليه نولدكه Noldeke. (انظر المصادر) وقد أبان تور أندريا Tor Andrae حديثاً أنه ليس بين قصائد أمية الدينية ما هو صحيح النسب إليه، وأنه يجب أن يعتبر من انتحال مفسرى القرآن الأولين وهم القصاص كالسدُّى وابن عباس وغيرهما.

المصادر:

(1)

توجد شذرات من الديوان المفقود وعليها شرح لمحمد بن حبيب فى الخزانة، جـ 1، ص 119 وما بعدها.

(2)

المقدسى: كتاب البدء، طبعة كليمان إيوار.

(3)

كتاب الأغانى، جـ 1، ص 199 وما بعدها.

(4)

وتوجد معلومات كثيرة متفرقة فى كتاب الحيوان للجاحظ وفى القواميس (وثبت المصادر يوجد كاملا فى ديوان أمية طبعة شولتس Schulthess).

(5)

Or Studien' No: Fr. Schulthess . J deke-Festschr - عام 1906، ص 71 - 89.

(6)

الكاتب نفسه: Umaija ibn Abis Salt die Gedicht fragmente، طبعة ليبسك سنة 1911، وقد راجعها الأستاذ عدد 28، ص 159 Z.A. فى Noldeke وما بعدها.

(7)

The Poems of Umayya b.: E.Power suggestions and، Abi'l Salt، additions rectifications فى M.F.O.B جـ 1 (سنة 1906) ص 145 وما بعدها.

(8)

Unters. uber: J.Frank - Kamenetzky U.B. abi'l Salt deas Verhaltins der dem Qoran Zugeschriebenen Ged. Zun

ص: 1204

طبعة كيرشهاين سنة 1911 (رسالة جامعية).

(9)

Mem_ de l'Acad. des in-: Cl. Huart scriptions et Bells-lettres، سنة 1904؛ الكاتب نفسه فى T.A. سنة 1924، ص 125 - 167.

(10)

Die Entstehung des: Tor Andrae Islams und das Christentum فى - Kyr kohistorik Arrsskrift، أيسالا سنة 1926، ص 48 وما بعدها.

[هـ. هـ. براو H.H. Brau]

تعليق على مادة

"أمية بن أبى الصلت"

لدينا دليل عظيم الخطر يدل على أن النبى صلى الله عليه وسلم لم يقتبس من أمية بن أبى الصلت ولا من غيره ما أتى به من القرآن الكريم، ولم يكن شعر أمية ولا غيره مصدراً من مصادره. ذلك الدليل هو أن النبى صلى الله عليه وسلم أتى بالقرآن وفيه من أخبار الأولين ما لم يكونوا يعلمون، وفيه من المواعظ والنذر مالا عهد لهم به، وقد تحداهم وجعله دليلا على أنه من عند الله. وقد اجتهد المخالفون المعاصرون للتنزيل أن يجدوا للقرآن مصدراً فلم يفلحوا، وقد جعلوا من مصادره رجلا أعجمياً كان بمكة. قال الله مبيناً قيلهم ومفنداً ما قالوا:{إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ} .

فلو كانت مشابهة بين شعر أمية والقرآن لجعله المشركون مصدراً من مصادره أو على الأقل لقالوا إن الأخبار التى نذكرها وتقول: {مَا كُنْتَ تَعْلَمُهَا أَنْتَ وَلَا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هَذَا} قد ذكرها أمية بن أبى الصلت فى شعره، ولكنهم لم يجعلوها مصدراً من مصادره ولم يقولوا له شيئاً مما ذكرناه. فهذا يدلنا على أنه لم تكن مشابهة بين شعر أمية والقرآن المجيد، وهذا الدليل يخرج بنا إلى نتيجة أخرى وهى أن الأشعار المنسوبة إلى أمية فى أخبار القرون الأولى وما شابه ذلك ليست له بل نحله الرواة إياها، وإنك تقف على ذلك إذا قرأتها فستدرك فيها الصنعة وسترى فيها ضعف المولدين ولا ترى فيها قوة الجاهلين.

محمد عرفة

ص: 1205