الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إلياس [عليه السلام]
هو النبى يليا المذكور فى التوراة، ورد ذكره مرتين فى القرآن؛ فقد جاء من غير تفصيل فى الآية 85 من سورة الأنعام "وزكريا ويحيى وعيسى وإلياس كلٌّ من الصالحين"، وحكى تاريخه فى سورة الصافّات (الآيات 123 - 130) على النمط المألوف فى إيراد قصص الأنبياء جميعاً فى القرآن؛ ولابد أن يكون محمد (صلى الله عليه وسلم) قد عرف عنه أكثر من ذلك نستنتج هذا من ورود كلمة "بَعْل" التى اختلف المفسرون فى تأويلها: فبعضهم يرى أنها تدل على إله أو صنم سميت به مدينة "بعلبك". وذهب البعض الآخر إلى أنها تدل على امرأة عبدها بنو إسرائيل.
وقد رُسم إلياس عليه السلام "إل ياسين" فى الآية 130 من سورة الصافات. ولقى المفسرون فى تأويل هذا الاسم كثيراً من العناء. ويتضح من سياق الآيات أنه رسم كذلك لضرورة السجع.
ويذكر المفسرون فى تفسير الآية 123 وما بعدها من سورة الصافات، وكذلك كتّاب التاريخ العام وجامعو قصص الأنبياء عن إلياس عليه السلام ما يلى: إنه كان يعيش فى عهد الملك أحاب ورسمه الثعلبى "لاجَب". وكان لهذا الملك زوجة تدعى إزابل (1). (ورد اسمها فى صيغ مختلفة)، وآمن الملك بإلياس وصدقه، أما بنو إسرائيل فكانوا لا يطيعونه، وكانوا يعبدون بعل. على أن هذا الملك ارتد إلى دينه الأول وهو يقول [لإلياس] إن غيره من الملوك عبدوا الأوثان وكانوا على مثل ما هو عليه، ومع هذا كانوا مملَّكين منعَّمين. فدهش إلياس لقوله، وسأل الله أن يمكنه من خزائن السموات، فحبس عنهم ماءها ثلاث سنين، وهو مختف فى موضع يأتيه رزقه فيه.
وذهب إلياس عليه السلام إلى بنى إسرائيل وطلب إليهم أن يدعوا أصنامهم لتزيح عنهم البلاء، فإن لم تفعل، فليس لهم إلا أن يتجهوا إلى الله. ولم تستجب آلهتهم دعاءهم. وتضرع إلياس إلى الله فأنزل من السماء ماء. على أن بنى إسرائيل لم يتحولوا مع هذا
(1) وردت "آزبيل" فى الثعلبى: قصص الأنبياء طبعة القاهرة، 1348 هـ، ص 168.
اللجنة
عن دينهم. وحنق إلياس عليهم لإصرارهم على الكفر، فدعا الله أن يريحه منهم. ثم خرج إلياس مع تابعه أليسع فظهر له فرس من نار. فركبه وارتفع به إلى السماء، وأليسع يصيح من خلفه. وجعل الله من إلياس كائناً آخر إذ كساه الريش، وأصبح نورانيًا، ونزهه عن الشهوات فكان إنسياً ملكياً، سماوياً أرضياً، وهذه هى رواية الطبرى.
أما رواية الثعلبى فأكثر تفصيلا: قال إن أربيل زوج لاجب لا يوجد على الأرض أفحش منها، وكان لها كاتب، رجل مؤمن يكتم إيمانه. ونجد فى هذه الرواية -كما فى التوراة- أن قصة نبت، ويسمى أيضاً مزدكى وهو تصحيف لمردخاى Mordechai هى السبب فى أن قام إلياس بدعوة الملك إلى الإيمان. وغضب الملك عليه فلحق بالشعاب وقضى فيها سبع سنين. واتفق أن مرض أحب أبناء لاجب إليه. وقيل إن إلياس كان السبب فى مرضه فخرج أربعمائة من سدنة (بعل) يريدون قتله ووقف إلياس عليه السلام بينهم يدعوهم إلى الإيمان، فرجعوا إلى الملك، وقد ملئوا من إلياس رعبا. وأوفد اليه الملك خمسين جنديا يزعمون له أنهم آمنوا بدعوته، ودعا إلياس ربه أن يحصبهم بالنار إذا كانوا كاذبين، فأجاب الله دعوته. ثم أرسل الملك اليه فئة أخرى أصابها ما أصاب الأولى. وأرسل إليه لاجب آخر الأمر كاتب زوجه المؤمن فى جماعة من المخادعين ليستدرجوه، فأوحى الله إلى إلياس عليه السلام أن يذهب مع الكاتب لينقذ حياته من الموت. ولما وصلوا إلى القصر مات ابن الملك، وشغل الملك بذلك عن إلياس عليه السلام فعاد سالماً دون أن يلحظ أحد.
ولما سئم إلياس من المكث فى الجبل هبط إلى بيت أم يونس النبى عليه السلام، وكان يونس حينذاك طفلا اخترمه الموت فبعثه إلياس عليه السلام حياً. وعاد بعد ذلك إلى الجبال، ثم دعا الله أن يحكمه فى المطر سبع سنين. واستجاب الله له، ولكن إلى ثلاث سنين وكان الطير يحمل إليه خلالها طعامه وشرابه.
وأصيب بنو إسرائيل بالمجاعة إلا امرأة واحدة استطاع إلياس بما حباه الله من معجزة أن يزودها بالدقيق والزيت.
أما بقية ما رواه الثعلبى من قصة إلياس وشفائه لأليسع وغير ذلك فعين ما رواه الطبرى. وقد وصف الثعلبى أيضاً إلياس بأنه إنسى سماوى يظهر للخلق على الأرض.
ويروى الثعلبى أن إلياس لقى رجلا فى الأردن تحدث إليه ثم انصرف عنه راكباً بعيره.
وفى القرآن قصة عن إلياس آخر ولو أنه لم يصرح باسمه، لا تصل الرواية بينه وبين إلياس النبى ولكنها تصل بينه وبين الخضر. فنرى فى سورة الكهف (الآية 65 ومابعدها) أن موسى وفتاه كانا يصيدان السمك، فلقيا عبدا من عباد الله الصالحين. وأراد موسى أن يتبعه، فقال له هذا الرجل المجهول: إنك لن تستطيع معى صبراً. ولما انطلقا فى سبيلهما أتى هذا الرجل الصالح بأعمال تدل فى ظاهرها على قسوة مذمومة. وكان موسى يلومه فى كل مرة على عمله، فما كان من هذا الرجل الصالح آخر الأمر إلا أن تخلى عنه بعد أن برر له كل عمل أتى به. وكان موسى يظن أن ما أتاه العبد الصالح كان عملا غير صالح.
وتذكر الأساطير اليهودية رحلة لإلياس مع يوشع بن ليفى أتى فيها إلياس بمثل ما عمل ذلك العبد الصالح الوارد ذكره فى القرآن. وفى هذه القصة أظهر إلياس ليوشع الذى سخط على فعاله أنه تعجل وأخطأ فى الحكم عليه. والتشابه بين القصتين عظيم حتى أنه لا يدع مجالا للشك فى أن القصة الواردة فى القرآن أصلها القصة اليهودية. أما الرجل الصالح من عباد الله الوارد ذكره فى القرآن فقد قال المفسرون إنه الخضر. ونلاحظ هنا أن البيضاوى يقول فى تفسيره لسورة الكهف (الآية 65)"الجمهور على أنه الخضر، وقيل أليسع، وقيل إلياس" وهذا الخلط بين إلياس والخضر له خطره.
وتستطيع أن نذكر شبهاً آخر بين القصتين فقد جاء فى التوراة أن إلياس عليه السلام رفع إلى السماء، ولهذا عده المفسرون المسلمون من الخالدين كالخضر. وربما أوضح لنا هذا اسم
الخضر. فكلمة "الخضر" ليست سوى لقب الرجل الذى كان يسمى بليا أو يليا، أعنى إلياس. ونجد فى رواية أخرى أن إلياس والخضر توأمان، لا من حيث النسب، ولكن من حيث جهودهما ورسالتهما بين الناس. فقد ذهبا معا إلى عين الحياة وشربا منها، ولم يرد هذا الخبر أول ما ورد إلا فى أسطورة الإسكندر ذى القرنين. وهذا الخبر يؤكد خلود إلياس. وفسر اسمه كذلك بأنه "الآس" وهو رمز الخلود.
وعاش إلياس والخضر حتى شهدا أول ما نزل الوحى على محمد، وعندها سألا الله أن يقبضهما إليه. ولكن محمداً قال لهما:"ياخضر عليك أن تعين أمتى فى البَرّ، وأنت يا إلياس عليك أن تعينها فى البحر". والشائع هو أن الخضر سيد البحر وإلياس سيد البَرّ، وهما يصومان رمضان من كل سنة فى بيت المقدس، ثم يحجان إلى مكة، دون أن يعرفهما إلا من شاء الله له ذلك، وطعامهما الكرفس والكمأة. وبعد الحج يأخذ كل واحد منهما من شعر الآخر. ثم يفترقان وكل منهما يثنى على صاحبه.
وقيل إن كل من يقول (سَرْق، حَرْق غَرْق) ثلاث مرات فى الصباح والمساء، يكون بمنجاة من السرقة والحريق والغرق، كما يكون بمنجاة من الشيطان والثعابين والعقارب، ويلتقى الخضر وإلياس كل مساء عند سور ذى القرنين وهناك يطيران فى الهواء.
وتقول الأسطورة اليهودية إن الخضر يحوم فى الهواء ويساعد الناس فى كل مكان.
وإلى جانب قصة الخضر، نجد عند المسلمين أيضاً، قصة إدريس (أخنوخ)، ويقال أحيانا إن إلياس هو إدريس نفسه.
وذُكرت لإلياس أنساب مختلفة، ولكنها أجمعت كلها على أن إلياس هو إدريس، وترده عادة إلى هارون فيقال إنه إلياس بن فنحاص بن عيزار بن هارون وهو جده. وربما يكون اسم أبيه قد اشتق من كلمة "تِسبى" التى حرفت إلى "نسبى" فـ "يسى" ثم إلى ياسين. ونلاحظ أيضاً إن إلياس كثيراً ما يقال إنه القديس جرجس، مثله فى ذلك مثل الخضر. ومن المحتمل أن يكون سبب ذلك هو أن القديس جرجس يعتبر أيضاً حارساً للناس.
المصادر:
(1)
التفاسير المختلفة لسورة الأنعام الآية 85 وسورة الصافات الآية (123 - 130) وسورة الكهف الآية (64).
(2)
تاريخ الطبرى، طبعة ده غوية، جـ 1، ص 415، 540 وما بعدها.
(3)
الديار بكرى: تأريخ الخميس، جـ 1، ص 107.
(4)
الثعلبى: قصص الأنبياء، القاهرة سنة 1290 هـ، ص 221 وما بعدها.
(5)
الطبرى، طبعة زوتنبرغ، جـ 1، ص 409 - 411، ص 373.
(6)
Die Chadhirle-: Friedlander gende und der Alenderroman، ليبسك- برلين سنة 1913 م.
(7)
Was hat Mohammed aus: Geiger judenthamo aufgenommen dem، ليبسك سنة 1902 م، ص 187 وما بعدها، وانظر بخصوص الأسطورة اليهودية عن إلياس كتاب.
(8)
Beth ha-Middrash: Jellinek جـ 5، ص 133 - 135.
[فنسنك A.J. Wensinck]
تعليق على مادة "إلياس"
من يقرأ المعارف التى ذكرتها دائرة المعارف الإسلامية عن إلياس ونسبتها إلى المسلمين يخيل إليهم أن المسلمين قوم يعوزهم النقد العلمى والبحث التاريخى، فهم يصدقون كل ما يقال لهم، ولا يمحصون الروايات، فجاءت معارفهم من أحط المعارف فهم يعتقدون أن من قال (سَرْق، حَرْقَ، غَرْق) كل يوم ثلاث مرات فى الصباح والمساء يكون بمنجاة من السرقة والحريق والغرق والشيطان والثعابين والعقارب، ويعتقدون أن إلياس والخضر خالدان، وأن محمداً [صلى الله عليه وسلم] طلب من أحدهما أن يعين أمته فى البر وطلب من الآخر أن يعين أمته فى البحر إلى آخر ما ذكرته الدائرة.
وكان على أصحاب الدائرة أن يعلموا أن الكتب العربية منها معتمد ومنها غير معتمد يجرى مجرى القصص والروايات، وأن المسلمين يعلمون لكل منها قيمته، وأن قصص الأنبياء للثعلبى الذى كثيراً ما تنقل عنه دائرة المعارف من القسم الثانى، وأنه يقرؤه العامة للتسلية وقطع الوقت، ولا يراه الخاصة
من الكتب الصحيحة المعتمدة التى محصت رواياتها واقتصر فيها على الصحيح.
أما كتاب ابن جرير الطبرى فقد كان غرض مؤلفه أن يجمع الروايات التى كانت فى زمنه سواء فيها ما كان إسرائيلياً وما كان غير إسرائيلى، وترك للناظر أن ينقدها ويتخير منها الصحيح وينفى الزائف الباطل، وقد جاء العلماء بعده فخرّجوا رواياته واقتصروا منها على الصادق الصحيح.
ويكفى أن نقول هنا إن خلود الخضر وإلياس يرده قوله تعالى: "وما جعلنا لبشر من قبلك الخلد". وقد اعتمد المسلمون عدم خلودهما؛ فقد أنكر البخارى أن يكون الخضر حياً وسئل شيخ الإسلام ابن تيمية عنه فقال: لو كان الخضر حياً لوجب عليه أن يأتى إلى النبى [صلى الله عليه وسلم] ويجاهد بين يديه ويتعلم منه. وسئل إبراهيم الحربى عن بقائه فقال: من أحال على غائب لم ينتصف منه، وما ألقبى هذا بين الناس إلا الشيطان.
وقد روى مسلم فى صحيحه أن رسول الله [صلى الله عليه وسلم] قال قبل موته: ما من نفس منفوسة يأتى عليها مائة سنة وهى حية.
أما ما ذكروه من أن من يقول (سَرْق غَرْق حَرْق) نجا من السرقة إلخ فهذا لا أصل له عند المسلمين، وإن عقلاءهم لا يعتقدونه ولا يتعلقون بمثل هذه الوهميات، ولعلهم رأوها فى تلك الكتب العامية أو تلقفوها من ألسنة العوام.
ولقد ذكروا فى هذه المادة بعض دعاوى لم يقيموا عليها دليلا لنتمكن من مناقشته فرأينا تجردها من الدليل مغنيا لنا عن نقضها، مثال ذلك: زعمهم أنَّ محمداً حرّف اسم إلياس إلى (الياسين) فى سورة الصافات آية 130 لضرورة السجع وأن المفسرين لقوا فى تأويل ذلك كثيراً من العناء.
وليس كما زعموا، لأن إلياس اسم أعجمى والأعجمى من الأسماء قد تفعل به العرب ذلك كما تقول ميكال وميكائيل وميكائين بإبدال اللام نونا، قال الشاعر:
قالت وكنت رجلا فطيناً
…
هذا لعمر الله إسرائينا
محمد عرفه