المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌نظرة في حياة وزير تونسي - موسوعة الأعمال الكاملة للإمام محمد الخضر حسين - ١١/ ١

[محمد الخضر حسين]

فهرس الكتاب

- ‌(20)«توْنس وَجامِعُ الزَّيْتُونَة»

- ‌المقدمة

- ‌فقهاء تونس

- ‌شعراء تونس

- ‌الحالة العلمية بجامع الزيتونة

- ‌الدولة الحسينية في تونس

- ‌الشعر التونسي في القرن الخامس

- ‌حياة ابن خلدون ومثل من فلسفته الاجتماعية

- ‌حياة أسد بن الفرات

- ‌نظرة في أدب الشيخ محمود قبادو التونسي

- ‌نظرة في حياة وزير تونسي

- ‌الشيخ محمد ماضور من علماء تونس وأدبائها

- ‌الشيخ محمد النجار من أفاضل علماء تونس

- ‌أحمد أبو خريص

- ‌الشيخ محمد بيرم الثاني نسبه وولادته ونشأته

- ‌الشيخ محمد الخضار من علماء تونس الأجلَّاء

- ‌السيد محمد النيفر من كبار علماء جامع الزيتونة في القرن الماضي

- ‌السيد محمد الطاهر بن عاشور

- ‌عمر بن الشيخ من أعاظم أساتذتي بجامع الزيتونة في تونس

- ‌أحمد كريم

- ‌محمد بن الخوجة من أركان النهضة العلمية بجامع الزيتونة

- ‌أحمد الورتاني

- ‌محمد الطاهر بن عاشور شيخ جامع الزيتونة الأعظم في تونس

- ‌علي الدرويش من علماء تونس الفضلاء

- ‌تونس

- ‌سَالم بوحَاجب آيَة من آيَات العبقريّة

الفصل: ‌نظرة في حياة وزير تونسي

‌نظرة في حياة وزير تونسي

(1)

من كبار الرجال الذين تولوا الوزارة في تونس، فجمعوا بين العلم وجودة النظر في السياسة الأستاذ الجليل المرحوم الشيخ محمد العزيز بوعَتُّور، وقد رأينا أن نحدِّث قراء هذه المجلة عن شيء من سيرته العلمية الأدبية الاجتماعية، ففيها موضع قدوة.

* نسبه ونشأته:

هو الشيخ محمد العزيز بن محمد الحبيب بن محمد الطيب ابن الوزير محمد بن محمد بوعتّور، ويتصل نسبه بالشيخ عبد الكافي القرشي دفين "صفاقس"، والشيخ عبد الكافي هذا قد جاء في التاريخ أنه من ذرية الخليفة الثالث عثمان بن عفان رضي الله عنه.

ولد صاحب الترجمة في مستهل رجب سنة 1240 في تونس، ونشأ تحت رعاية أبيه الشيخ محمد الحبيب، فلقنه القرآن حتى حفظه على ظهر القلب، والتحق بطلاب العلم في جامع الزيتونة سنة 1254، فتلقى العلوم الدينية والعربية وغيرها عن كبار الأساتذة؛ مثل: الشيخ إبراهيم الرياحي، والشيخ محمد بن الخوجه، والشيخ محمد النيفر، والشيخ محمد سلامة،

(1) مجلة "الهداية الإسلامية" - الجزآن السادس والسابع من المجلد السابع الصادران في ذي الحجة 1353، والمحرم 1354.

ص: 111

والشيخ الطاهر بن عاشور.

برع صاحب الترجمة في العلم والأدب والذكاء، حتى بلغ صيته مجلس أحمد باشا أمير تونس لذلك العهد، فاستدعاه، وولاه خطبة الكتابة بديوان الإنشاء سنة 1262. قال صاحب الترجمة عند حكايته طلب الأمير له، وتردده في قبول الولاية:

"ويشهد الله أني ما فكرت قط في وظيفة مدة قراءتي للعلم، وما قرأت إلا طلباً للكمال العقلي، ولقد فاجأتني الأقدار بما آل إليه أمري، والإنسان مسير لا مخير".

ثم اختاره أحمد باشا لتلاوة الأوراق والحجج التي تعرض عليه؛ لما رأى فيه من فصاحة اللسان، وحسن الإيجاز، وكان يصاحب ولي العهد محمد باي عند تجوله في البلاد، ولما توفي الأمير أحمد باي، كانت مكانة صاحب الترجمة عند الأمير الجديد محمد باي راسخة، حتى إن هذا الأمير كان يحليه في بعض أوامره بقوله:"محبّنا".

ولما انتقلت الإمارة إلى الأمير محمد الصادق باي، كان صاحب الترجمة من أكبر الرجال العاملين في دولته، فأسند إليه رياسة كتبة وزارة المال، ثم كتابة سر الملك، ثم رقاه لرتبة أمير اللواء في شوال سنة 1277، ثم عينه عضواً بالمجلس الأكبر، ومستشاراً للملكة، وكتب إذ ذاك على قانون عهد الأمان تعليقاً نحا فيه نحو المجتهدين في الفقه، العارفين بسياسة العمران، ثم سماه الأمير مستشاراً بمجلس شورى الملك سنة 1277، ومستشاراً لوزارة المال في سنة 1279، وترقى في سنة 1270 لرتبة أمير الأمر، وتولى بعد رياسة الكتاب، ووزارة القلم، فكان أول من جمع يين المنصبين بالدولة التونسية.

ص: 112

وفي سنة 1283 أسند إليه خطبة وزير المالية، وفي سنة 1290 وجد منه الوزير خير الدين العضد الأقوى، فشاركه في تنظيم التدريس بجامع الزيتونة، وترتيب المدرسة الصادقية، وإدارة الأوقاف والسجون، والمستشفى الصادقي، والمحاكم الشرعية، وبيت المال، إلى غير ذلك من شؤون الدولة.

وما زال صاحب الترجمة ناهضاً بأعباء منصبيه: وزارة القلم، ورياسة الكتابة حتى وضعت الحكومة الفرنسية يدها على البلاد. وفي سنة 1299 قلده الأمير محمد الصادق باي الوزارة الكبرى، ولندع سيرته السياسية إلى مقام آخر، والذي يعنينا التعرض له في هذه المجلة إنما هي سيرته العلمية والأدبية.

* مكانته العلمية:

كان صاحب الترجمة من العلماء أولي الآراء المستقلة، وكان مولعاً بمطالعة الأمهات من كتب العلوم الدينية والعربية وغيرها، وإذا حضر مجلسه أكابر العلماء، جلسوا وهم يشعرون بأنهم في مجلس عالم ذي نظر مستقل، واطلاع واسع، ومما كتبه أستاذنا العلامة المرحوم الشيخ مصطفى رضوان في بعض ما كتب:"ونحن الآن في دولة وزير (يعني: صاحب الترجمة) عالم، قد رمى به الجامع (جامع الزيتونة) من أفلاذ كبده. . . إلخ".

ومن المعروف أن المحكمة الشرعية العليا إذا اختلف أعضاؤها في فهم بعض النصوص، أو تطبيق بعض القواعد، رفعوا إليه ما يجري بينهم من الخلاف، فتكون كلمته القول الفصل، كثيراً ما يرجح رأى واحد من أولئك الأعضاء، وإن خالفته الأكثرية.

ولمكانته في علوم الشريعة ووسائلها، عظمت غيرته على المحاكم

ص: 113

الشرعية، وجامع الزيتونة، فكان يدافع عنهما بكل ما يستطيع من قوة.

ولهذا الوزير، وطولِ مدة ولايته رياسة الكتابة والوزارة فضل كبير في رقي الإنشاء العربي بدواوين الحكومة التونسية.

* استقامته وآدابه:

كان صاحب الترجمة يحافظ على أداء صلاة الصبح في وقتها، ويتلو كتاب "الشفاء"، ويقرأ "صحيح الإمام البخاري" في رمضان حتى يختمه، وكان معروفاً بالصبر، ومتانة الخلق، والتؤدة، ولا يعرف عنه أنه باشر أحداً بكلمة جافية، بل كان يسلك في تأديب العاملين في منزله -من نحو الخادم وسائق العربة- الرفق، والعبارات الخالية من كل إهانة، وكان يلبس بعد عودته من ديوان الوزارة الملابس العربية؛ من نحو العمامة والجبة.

* وفاته:

أصيب رحمه الله بنزلة صدربة، وتوفي يوم الخميس غرة محرم سنة 1325 - 4 فبراير سنة 1907 - بسرايته بالمرسى، وصلَّي عليه بإمامة شيخ الإسلام الخنفي الشيخ محمود بن الخوجة، ودفن بالتربة الخاصة بالأسرة الملكية الحسينية، وإليك العبارات المنقوشة على حجر قائم على قبره:

"بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، اللهم صل وسلم على النبي الكريم"

إنا لله وإنا إليه راجعون

هذا ضريح الوزير الأكبر، العلامة الشهير، أستاذ العلم والتحرير، صاحب الرأي المتين، مازج الحياة بالوقار؛ والعزيمة باللين، الشيخ محمد العزيز بوعتور العثماني القرشي، المولود في رجب سنة 1240، المتوفى في 1 محرم سنة 1325 بعد أن درس وحرر، فأظهر فكرُه وقلمه آيات من

ص: 114

المفاخر بينات. ونيطت بأمانته استشارة وزارات. كانت خاتمتها: الوزارة الكبرى، التي نالت به خمساً وعشرين سنة مجداً وفخراً، وكان في جميعها مثال النصح والشرف والاستقامة، ونهى نفسه منذ النشأة عن الهوى، فأطاع ربه وخاف مقامه، حتى انتقل إلى ما عند الله، ومحاسنه ما بين أمثال سائرة، فآتاه الله في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة".

* صلتي بصاحب الترجمة:

كنت أيام الشباب أحاول نظم الشعر في بعض الأوقات، فدعاني ما عرفته عن هذا الوزير من الرسوخ في العلم والأدب أن أهنئه في يوم عيد بشيء من الشعر، فدخلت في طائفة من أهل العلم لتهنئته، وتلوت عليه أبياتاً وأنا جالس أمامه، فأصغى إليها بإقبال، وتناولها مني ببشر ودعاء، وكان في الحضرة سبطه العلامة الأستاذ السيد محمد الطاهر بن عاشور شيخ الإسلام المالكي بتونس لهذا العهد، فودعت الوزير وخرجت، وصحبني الأستاذ ابن عاشور، وكان ذلك اليوم فاتحة عهد اتصالي بالوزير، وعهد صداقة استوثقت بيني وبين حفيده الأستاذ ابن عاشور، وبلغت هذه الصداقة في صفائها وثباتها أقصى غاية.

وأصبح صاحب الترجمة منذ ذلك العهد ينظر إليَّ بعين الأب العطوف، وفي عهده أصدرت مجلة علمية أدبية تدعى:"السعادة العظمى"، ورأيت من تشجيعه ما أطلق القلم، وجعلني لا أبالي بصخب من يثورون في وجه كل ما يخالف العادات والآراء المألوفة، وفي عهده توليت قضاء بلدة "بنزرت" وملحقاتها، ووجود هذا الوزير العلَّامة على رأس الوزارة ساعدني على أن أقتدي بما أقرؤه في سيرة القضاة الذين لا يخافون في الحق لومة لائم.

ص: 115