الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
السيد محمد النيفر من كبار علماء جامع الزيتونة في القرن الماضي
(1)
* نسبه وولادته ونشأته:
هو أبو عبد الله محمد بن أحمد بن قاسم النيفر، يتصل نسبه بالشيخ محمد الرفاعي أخي الشيخ أحمد الرفاعي الشهير.
ولد صاحب الترجمة سنة 1222، ونشأ في حجر والده السيد أحمد النيفر من كبار التجار بسوق العطارين، وبعد أن حفظ القرآن الكريم، شمر عن ساعد الجد في طلب العلم، فأخذ عن أعلام ذلك العصر؛ مثل: الشيخ إسماعيل التميمي، والشيخ إبراهيم الرياحي، والشيخ محمد بن الخوجة، والشيخ محمد بيرم الثالث.
* مكانته العلمية:
أحرز صاحب الترجمة في العلم مرتبة عالية، وانتصب للتدريس وهو ابن ثماني عشرة سنة، ودرَّس بجامع الزيتونة كتباً عالية؛ مثل:"شرح القطب على الشمسية"، و"شرح الجلال المحلي على جمع الجوامع"، و"تفسير القاضي البيضاوي"، وهو من المشهود لهم بالبراعة الفائقة، وحسن البيان، وكان أستاذه الشيخ محمد بيرم الثالث يستمع إلى درسه، فيعجب لحسن
(1) مجلة "الهداية الإسلامية" - الجزء الثاني من المجلد الثاني الصادر في رجب 1348.
إلقائه حتى قال مرة: "هذا يجري على سنن أولي الطبقة العالية ممن بعد العهد بمثلهم". وكان يجلس للتدريس في سكينة ووقار، حتى إنه لا يستعين في التقرير بأية حركة أو إشارة.
وتخرَّج في دروسه طائفة كبيرة من كبراء أهل العلم؛ مثل: شيخ الإسلام أبي العباس أحمد بن الخوجة، وشيخ الإسلام أبي العباس أحمد كريم، وشيخ الإسلام أبي الثناء محمود بن الخوجة، والعلامة الشيخ سالم بو حاجب، والعلامة الشيخ عمر بن الشيخ، والوزيرين: الشيخ محمد العزيز بوعتور، والشيخ يوسف جعيط.
وأخذ عنه ابناه: قاضي الجماعة الشيخ الطاهر النيفر، وكبير أهل الشورى الشيخ الطيب النيفر، وكثيراً ما كان الأستاذ الشيخ يشبه دروس المترجم له برسائل تحوي تحارير بديعة، وتحقيقات نفيسة، مع ما يراعي فيها من حسن الترتيب، وإحكام الصلة بين الباحث.
* مؤلفاته:
لم يكتف صاحب الترجمة بالتدريس، بل ألَّف -عدا التعاليق والفتاوى- رسائل ممتعة وكتبا محررة، منها:"رسالة في البسملة"، و "حصر الخلاف فيها بين المفسرين والفقهاء والقراء"، و"رسالة في تقديم المسند إليه على المسند الفعلي"، وتعليقات على شرح الأشموني على الخلاصة".
* أدبه:
كان صاحب الترجمة يجمع إلى غزارة العلم رسوخاً في صناعة الأدب، يظهر هذا في فواتح مؤلفاته، وفي قطع بقيت من شعره حتى اليوم، ويحضرني الآن من نظمه قوله يوم ولي الفتوى:
ولو أنني استقبلت من أمري الذي
…
لعمري قد استدبرت ما كنت قاضيا
ولكنها الأقدار تجري على الورى
…
بإرغام ذي كره ومن كان راضيا
ومن يلتمس غُنماً فغنمي تخلص
…
وأنجو كفافاً لا علي ولا ليا
* ما تقلد من الخطط العلمية:
تولى رواية الحديث في جامع باب الجزيرة المعروف بجامع القنيطرة، ونظارة مدرسة بئر الحجار، وقضاء المحلة بباردو، ثم تولى قضاء الجماعة (أي: قاضي القضاة) بالحضرة التونسية سنة 1263، وفي يوم ولايته تولى العلامة الكبير الشيخ البنا خطبة الفتوى، ومما قاله الأستاذ الشيخ إبراهيم الرياحي الشهير للأمير في ذلك اليوم:"أصبت، لا زال الله يصيب بك، هما خير زمانهما علماً وديناً". قال الشيخ أبي ضياف: "وناهيك بشهادة من ذلك العدل في ذلك المشهد! ".
* استقامته ووفاته:
نشأ صاحب الترجمة على الفضيلة والتقوى، وسار في القضاء سير السلف العادلين، واستمر في منصب القضاء إلى أن دعاه صلاحه إلى حج بيت الله الحرام، فخاطب صاحب الدولة في أن يقيله من القضاء، ويأذن له في السفر إلى البيت الحرام، فأجاب طلبه، ورفعه إلى خطبة الإفتاء سنة 1267، وهيأت له الحكومة باخرة دولية تحمله ومن شاء أن يرافقه، فقضى فريضة الحج، ثم قفل عائداً، وحج ثانياً متطوعاً سنة 1272، ثم عزم على أداء حجة ثالثة، فعز على أمير البلاد مفارقة الأستاذ للبلاد، وأرسل إليه الوزير أبا الضياف ليحل عزيمته على السفر، حتى قال له الوزير: إن نفع درس التفسير متعدد، ونفع الحج قاصر، وقد أديت الفريضة، وتطوعت بعدها،
ولكن صاحب الترجمة لم يُصغِ إلى قول الوزير، ورحل إلى مكة المكرمة، ثم هبط المدينة المنورة، وهناك فاضت روحه الطاهرة في سنة 1277 - تغمده الله برحمته ورضوانه-.