الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تونس
(1)
* التعريف بتونس:
المملكة (2) التونسية، واقعة بشمال القارة الإفريقية، يحدها شمالاً وشرقاً البحر المتوسط، وغرباً عمالة قسنطينة من بلاد الجزائر، وجنوباً الصحراء الكبرى في بعضها، وولاية طرابلس في بعضها الآخر المنحرف إلى الشرق.
ومساحتها مئة وثلاثون ألف كيلو متر مربع تقربياً، وهذه المساحة تساوي نحو الخمس من مساحة فرنسا.
وسكان هذه المملكة نحو ثلاثة ملايين نسمة، وهم بحسب أصولهم يرجعون إلى أجناس مختلفة، إلا أن السائد فيهم العنصر العربي، ومن كانوا من غير عنصر عربي؛ كالبربر، والترك، فقد أصبحوا عرباً لغة وعادات، فهم ما بين عرب خُلَّص، ومستعربين، فمن الحق أن تونس بلاد عربية شعباً وحكومة، وهي جديرة بأن تعد في مقدمة الشعوب والدول العربية.
(1) مجلة "الهداية الإسلامية" -الجزء الحادي عشر من المجلد السابع عشر- 1364 هـ.
وهي نص مذكرة الإمام بصفته رئيس (رابطة الدفاع عن أفريقيا الشمالية) إلى دول العالم.
(2)
مقالة الإمام قبل إعلان الجمهورية في تونس.
وقد بلغت تونس في العهود السالفة من المعارف والمدنية وقوة السلطان غايات عزيزة المنال، ولا أذهب في الحديث عن هذا السؤدد إلى عهود بعيدة كانت فيها المملكة التونسية مطلع العلماء الأعلام، ورجال السياسة العظام، ومحط رحال الأدباء والشعراء والكتاب، فذلك شأن من تكون غايته البحث عن تاريخ البلاد، وسيرِ رجالها؛ ليقرر حقائق، أو يستمد مفاخر، أو ينبه لمآخذ عبرة، وإنما غايتنا من هذه المذكرة عرض حالة تونس في عهد نهوضها بنفسها قبل الاحتلال الفرنسي، وعهد وقوعها تحت هذا الاحتلال؛ ليرى الناظر كيف كانت تونس تسير في السبيل الذي تسير فيه الأمم الناهضة، وكيف أتى الاحتلال الفرنسي وأخذ يرجع بها إلى وراء.
* تونس قبل الاحتلال:
كانت القيروان منذ الفتح الإسلامي العربي عاصمة إفريقية، ومنها خرج الجيش الذي فتح بقية بلاد المغرب، والجيش الذي فتح بلاد الأندلس، والجيش الذي فتح صقلية، وفي القرن السادس الهجري صارت عاصمة أفريقية مدينة تونس نفسها، وما زال الشعب التونسي يتمتع بحرية كاملة، ولواء الاستقلال يخفق على أرجاء تلك البلاد إلى أن امتدت إليها يد الإسبان سنة 942 هـ وتخلصت منهم على يد الدولة العثمانية سنة 981 هـ، وصارت من ذلك الحين ولاية عثمانية، إلا أنها تتمتع بجانب عظيم من استقلالها الداخلي، إلى أن تولى أمرها المشير أحمد باشا باي عاشر أمراء الدولة الحسينية سنة 1253، فنهض بهذه المملكة من الوجهة السياسية والعسكرية والعلمية.
اتجه إلى أن تكون الحكومة التونسية حكومة عربية إسلامية، يربطها
بالدولة العثمانية الاعتراف بسيادتها من جهة أنها دولة الخلافة، فسعى لدى الدولة العثمانية لتسقط على تونس المقدار المالي الذي كانت تؤديه لها سنوياً، معتذراً بأن القطر التونسي في حاجة إلى نفقات كبيرة تصرف في شؤونه العلمية والجندية والعمرانية.
وحوَّل المراسلة بينه وبين الدولة العثمانية من اللغة التركية إلى اللغة العربية، معتذراً لها بأنه لا يحسن به أن يضع ختمه على كلام لا يفهم أسراره.
وأقبل على حال الجند، فنظم العساكر على الأسلوب الجديد، وأنشأ مدرسة حربية، واستدعى إليها معلمين من أبرع ضباط أوربا.
ووجّه عنايته إلى إعداد أسطول، فأعد مرسى حربية، وابتدأ بشراء بواخر وبوارج، وابتنى دار صناعة لإنشاء السفن، ومعملاً لصنع الأسلحة، ومستودعات للذخائر الحربية.
وأحدث لقب وزير في المناصب السياسية، فكان لحكومة تونس في عهده رئيس وزراء، ووزير داخلية، ووزير خارجية، ووزير حربية، ووزير بحرية، ووزير مالية.
وتولى بعده أخوه محمد باشا باي، فجرى على سيرة سلفه، ووضع لسياسة الحكومة دستوراً سمي لذلك العهد:"عهد الأمان"، وقرئ هذا الدستور في حفل عظيم حضوه أعيان الأمة وعلماؤها، وسفراء الدول الأجنبيية، في (20 المحرم سنة 1274 - 10 سبتمبر سنة 1857)، وأقسم الباي على أن يعمل بهذا القانون، ويجري في سياسة الحكومة على مقتضاه.
ويشتمل هذا الدستور على إحدى عشرة مادة، ونصها:
"القاعدة الأولى: تأكيد الأمان لسائر رعيتنا، وسكان إيالتنا، على اختلاف الأديان والألسنة والألوان، في أبدانهم المكرمة، وأموالهم المحرمة، وأعراضهم المحترمة، إلا بحق يوجبه نظر المجلس بالشورى، ويرفعه إلينا، ولنا النظر في الإمضاء، أو التخفيف ما أمكن، أو الإذن بإعادة النظر.
القاعدة الثانية: تساوي الناس في أصل قانون الأاء المرتب، أو ما يترتب. كان اختلف باختلاف الكمية؛ بحيث لا يسقط القانون عن العظيم لعظمته، ولا يحط على الحقير لحقارته، ويأتي بيانه موضحاً.
القاعدة الثالثة: التسوية بين المسلم وغيره من سكان الإيالة في استحقاق الإنصاف؛ لأن استحقاته بوصف الإنسانية، لا لغيره من الأوصاف، والعدل في الأرض هو الميزان المستوي، يؤخذ به للمحق من المبطل، وللضعيف من القوي.
القاعدة الرابعة: إن الذميَّ من رعيتنا لا يجبر على تبديل دينه، ولا يمنع من إجراء ما يلزم ديانته، ولا تمتهن مجامعهم، ويكون لهم الأمان من الإذاية والامتهان؛ لأن ذمتهم تقتضي أن لهم مالنا، وعليهم ما علينا.
القاعدة الخامسة: لما كان العسكر من أسباب حفظ النوع، ومصلحته تعم المجموع، ولا بد للإنسان من زمن لتدبير عيشه، والقيام على أهله، فلا نأخذ العسكر إلا بترتيب وقرعة، ولا يبقى العسكري في الخدمة أكثر من مدة معلومة، كما نحرره في قانون العسكر.
القاعدة السادسة: إن مجلس النظار في الجنايات إذا كان الحكم فيه بعقوبة على أحد من أهل الذمة، يلزم أن يحضره من نعينه من كبرائهم، تأنيساً لنفوسهم، ودفعاً لما يتوهمونه من الحيف، والشريعة توصي بهم خيراً.
القاعدة السابعة: إننا نجعل مجلساً للتجارة برئيس وكاتب، وأعضاء من المسلمين وغيرهم من رعايا أحبابنا الدول؛ للنظر في نوازل التجارات بعد الاتفاق مع أحبابنا الدول العظام في كيفية دخول رعاياهم تحت حكم المجلس، كما يأتي إيضاح تفصيله؛ قطعاً لتشعب الخصام.
القاعدة الثامنة: إن سائر رعايانا من المسلمين وغيرهم لهم المساواة في الأمور العرفية، والقوانين الحكمية، لا فضل لأحد على الآخر في ذلك.
القاعدة التاسعة: تسريح المتجر من اختصاص أحد به، بل يكون مباحاً لكل أحد، ولا تتاجر الدولة بتجارة، ولا تمنع غيرها منها، وتكون العناية بإعانة عموم المتجر، ومنع أسباب تعطيله.
القاعدة العاشرة: إن الوافدين على إيالتنا لهم أن يحترفوا بسائر الصنائع والخدم، بشرط أن يتبعوا القوانين المرتبة، والتي يمكن أن تترتب مثل سائر أهل البلاد، لا فضل لأحد على الآخر، بعد الانفصال مع دولهم في كيفية دخولهم تحت ذلك كما يأتي بيانه.
القاعدة الحادية عشرة: إن الواردين على إيالتنا من سائر أتباع الدول، لهم أن يشتروا سائر ما يملك من الدور والأجنَّة والأرضين، مثل سائر أهل البلاد، بشرط أن يتبعوا القوانين المرتبة، والتي تترتب من غير امتناع، ولا فرق في أدنى شيء من قوانين البلاد، ونبين بعد هذا كيفية السكن بحيث إن المالك يكون عالماً بذلك، وداخلاً على اعتباره، بعد الاتفاق مع أحبابنا الدول".
وأنشا هذا الأمير مجلساً بلدياً في مدينة تونس تحت رياسة مستشار الخارجية، وتولى هذا المجلس تنظيم المدينة، وإصلاح طرقاتها، وتنوير
شوارعها، وجلب أدوات الطباعة العربية إلى البلاد.
وتولى الإمارة بعده أخوه محمد الصادق باي، وشد أزره الوزير المصلح خير الدين باشا، فألَّف مجلساً أعلى يتألف من ستين عضواً من الوطنيين للنظر في مصالح الوطن.
وسنّ للفلاحة قانوناً راعى فيه مقتضيات حال القطر. ووزَّع الأراضي الحكومية على صغار الفلاحين، ووضع أول مجلس صحي لمراقبة الأمراض الوبائية.
وسعى في تقدم الصناعات الأهلية، وتوسيع دائرة التجارة الوطنية.
ونظَّم مناهج التعليم بجامع الزيتونة قرينِ الجامع الأزهر في كل ما يدرَّس فيه من العلوم الدينية والعربية، وأنشأ بجانبه المكتبة التي تدعى:"المكتبة الصادقية".
وأسس المدرسة الصادقية، وهي أول معهد أنشئ لدراسة العلوم العصرية واللغات الأجنبية، وصدرت في عهده سنة 1277 هـ صحيفة "الرائد التونسي"، وهي الصحيفة الثالثة العربية للصحيفتين الأخريين: الوقائع، والجوائب.
وأطلق هذا الأمير على الحكومة اسم: الدولة، وأعطى لنفسه لقب: الملك، يوجد هذان اللقبان في نصوص القانون المسمى بقانون الدولة.
يرى الناظر من هذه الشذرات الموردة من تاريخ تونس: أنها أخذت منذ عهد المشير أحمد باشا باي تسير سير الأمم المتيقظة، وأنها قطعت في إصلاح شؤونها السياسية والعسكرية والعلمية والعمرانية شوطاً يشهد بأنها تستطيع القيام بواجبات استقلالها بنفسها، وأنها ليست في حاجة إلى ما يسمونه: حماية.
* كيف وقع الاحتلال الفرنسي؟
بعد أن تم لفرنسا احتلال الجزائر، اتجه نظرها إلى احتلال تونس، وحصلت على موافقة بعض الدول في المؤتمر الذي عقد في "برلين".
ويقال: إن بسمارك أغراها باحتلال تونس بقصد إيقاع الشحناء بينها وبين إيطاليا التي كانت حريصة كل الحرص على ائتلاف هذا القطر.
ادعت فرنسا أن بعض العربان التونسيين الذين يقيمون بالقرب من حدود الجزائر يعتدون على بعض جيرانهم من الجزائريين، واتخذت هذه الدعوى وسيلة لاحتلال المملكة بأسرها، وأجلبت على تونس بخيلها ورجلها، وتجاوزت بها إلى داخل البلاد، وكانت الحكومة التونسية تسجل وتتشكى وتعارض بأنها مستعدة لتربية قبائلها الذين هم في نفس الأمر إنما اتخذوا وسيلة فقط (1).
* المعاهدة كيف أُمضيت؟
زحفت فرنسا بجنود من ناحية الجزائر، وزحفت بجند آخر من ناحية "بنزرت" حتى وصل هذا الجند إلى العاصمة، وأحاط بقصر الملك، وفي هذه الحال قدمت إليه معاهدة ليضع إمضاءه عليها، فتوقف الباي عن الإمضاء، وطلب من نائبي فرنسا: قنصلها، وقائد عساكرها أن يمهلاه مدة ليتأمل فيما تضمنته المعاهدة من الشروط، فأبيا له ذلك، فجمع الباي رجال مجلس الشورى، وكان ممن عارض في إمضاء المعاهدة: السيد العربي زروق رئيس البلدية، ونصح للباي بأن لا يوقع عليها، وقال له: إن ما تخشاه من عدم الإمضاء سيقع لا محالة، فالتمسك بعدم الإمضاء أشرف وأسلم، ولكن
(1)"صفوة الاعتبار" للشيخ محمد بيرم.
الباي رأى نفسه مضطراً إلى توقيع المعاهدة، فأمضاها، وكانت المعاهدة مشتملة على عشرة مواد، وتعريبها:
"إن دولة جمهورية فرنسا، ودولة باي تونس أرادوا أن يقطعوا بالمرة التحبير المخرب الذي وقع قريباً في حدود الدولتين، وفي شطوط تونس، وأرادوا أن يربطوا مخالطتهم القديمة التي هي مخالطة مودة وجوار حسن، فاعتمدوا على ذلك، وعقدوا معاهدة في نفع الجهتين المهمتين، فعلى موجب ذلك رئيس الجمهورية الفرنسية، سمى وكيله (مسيو الجنرال بريار) الذي يتفق مع حضرة الباي السامية على الشروط الآتية:
أولاً: المعاهدات الصلحية والودادية والتجارية وغيرها الموجودة الآن بين الجمهورية الفرنسية وحضرة الباي يتحتم تقريرها واستمرارها.
ثانياً: ليسهل على الدولة الجمهورية إتمام الطرق للتوصل إلى المقصود الذي يعني الجهتين العظيمتين، فحضرة الباي يرضى بأن الحكم العسكري الفرنسي يضع العساكر في المواضع التي يراها لازمة؛ لتقرر وترجع الراحة والأمان في الحدود، والشطوط، وخروج العساكر يكون عندما يتوافق الحكم العسكري الفرنسي والتونسي على أن الدولة التونسية تقدر على تقدر الراحة.
ثالثاً: دولة الجمهورية الفرنسية تتعهد لحضرة الباي بأن يستند عليها دائماً، وهي تدافع عن جميع ما يتخوف منه لضرر ما، إما في نفسه، أو في عائلته، أو فيما يجير دولته.
رابعاً: دولة الجمهورية الفرنساوية تضمن في إجراء المعاهدات الموجودة الآن بين دولة تونس والدول المختلفة الأوروباوية.
خامساً: دولة الجمهورية الفرنساوية تحضر نحو حضرة الباي وزيراً مقيماً بينظر في إجراء هذه المعاهدة، وهو يكون واسطة فيما يتعلق بالدولة الفرنسية، وذوي الأمر والنهي التونسيين، وفي كل الأمور المشتركة بين المملكتين.
سادساً: إن النواب السياسيين، والقناصل الفرنسيين في الممالك الخارجية يتوكلون ليحموا أشغال تونس، وأشغال رعيتها، وفي مقابلة هذا، فحضرة الباي يتعهد بأن لا تعقد معاهدة عمومية من غير أن تعلم بها دولة الجمهورية، ومن غير أن يحصل على موافقتها من قبل.
سابعاً: دولة الجمهورية الفرنسية، ودولة حضرة الباي أبقوا لأنفسهم الحق في أن يؤسسوا ترتيباً في المالية التونسية؛ ليمكن لهما دفع ما يلزم الدين التونسي العام، وهذا الترتيب يضمن في حقوق أصحاب الدين التونسي.
ثامناً: إن غرامة الحرب يغصب عليها القبائل العصاة بالحدود والشطوط، وتفعل دولة الجمهورية مع حضرة الباي فيما بعد شروطاً على كميتها، وكيفية دفعها، ودولة حضرة الباي تضمن في ذلك.
تاسعاً: للمدافعة على منع إدخال السلاح والآلات الحربية للمملكة الجزائرية الفرنسية، فدولة باي تونس تتعهد بأن تمنع دخول الأشياء المشار إليها من جزيرة "جربة"، ومرسى "قابس" وسائر المراسي الجنويية في المملكة.
عاشراً: إن هذه المعاهدة توضع لدى رضاء دولة الجمهورية الفرنسية، وترجع في أقرب مدة ممكنة لحضرة الباي السامية.
حرر في 12 مايو سنة 1881 بالقصر السعيد
الإمضاء: محمد الصادق باي، والجنرال بريار
* كيف كان وقع هذا الاحتلال في نفوس الوطنيين:
قابل الوطنيون هذا الاحتلال بحزن وجزع بالغين، وقامت بعض المدن والقبائل في وجه جيش الاحتلال، واستمر دفاعهم حيناً، ولكنهم لم يجدوا مدداً يساعدهم على إطالة مدة الحرب، فاستطاع جيش الاحتلال أن يلجئهم بكثرة عدده، وإطلاق مدافعه إلى التسليم.
* معاهدة المرسى:
رأت فرنسا أن معاهدة "باردو" تسمح لها بأن تبسط نفوذها في كل شأن من الشؤون الداخلية، فعزرتها بمعاهدة ثانية، وقدمتها إلى المرحوم علي باي للتوقيع، وتعريبها:
1 -
الفصل الأول: لما كان مراد حضرة الباي المعظم أن يسهل للحكومة الفرنسية إتمام حمايتها، تكفل بإجراء الإصلاحات الإدارية والعدلية والمالية التي ترى الحكومة المشار إليها فائدة في إجرائها.
2 -
الفصل الثاني: الحكومة الفرنسية تضمن قرضاً يعقده حضرة الباي المعظم لتحويل، أو لدفع الدين الموحد البالغ 125 مليون فرنك، والدين السائر الذي لا يمكن أن يتجاوز قدره 17550000 فرنك، ولكنها هي التي تختار الزمن والشروط الموافقة لذلك، وقد تعهد حضرة الباي المعظم أن لا يعقد قرضاً في الاستقبال لحساب الإيالة التونسية دون الحكومة الفرنسية.
3 -
الفصل الثالث: يأخذ حضرة الباي من مداخيل الإيالة أولاً: المبالغ اللازمة للقيام بمقتضيات القرض الذي تضمنه فرنسا، ثانياً: راتبه السنوي الملكي، وقدره 1200000 فرنك، وما زاد على ذلك يعين بمصاريف إدارة الإيالة ودفع مصاريف الحماية.
4 -
الفصل الرابع: هذا الاتفاق يكمل ويثبت المعاهدة المنبرمة في 12 سنة 1882 فيما يحتاج منها إلى التئبيت والتكميل، ولا تغير له التراتيب التي سبق وضعها فيما يتعلق بتقدير الغرامة الحربية.
5 -
الفصل الخامس: يعرض هذا العقد على الحكومة الفرنسية لتوقيعه، وتعاد حجة التوقيع إلى حضرة الباي المعظم بما أمكن من السرعة، وإيذاناً بصحة ما تقدم.
حرر هذا الرسم، وختمه الموقعان بختمهما، وكتب في المرسى 8 يونية سنة 1883.
لا يزيد بسط الكلام في هذا الغرض، وندع البسط إلى مقام أفسح من هذا المقام، وإنما نسوق أمثلة بقدر ما يقتضيه الحال، وعسى أن يلم بها القارئ، فتوقد في نفسه غيرة تهزه إلى العطف على ذلك الشعب، ومؤازرة الساعين بالطرق الحكيمة لأن تعاد إليه حريته، حتى يعيش في كرامة وسلام.
الاحتلال ومناصب الحكومة الرئيسية وغير الرئيسية:
كان لتونس قبل الاحتلال وزراء من الوطنيين كما أشرنا إليه آنفاً، ولما احتلت فرنسا البلاد، جعلت وزير الخارجية سفيرها "المقيم العام"، وعينت للحربية، والبحرية، والمالية، والزراعة، والتجارة، والأشغال، والبريد، والمعارف رؤساء فرنسيين، ولم تسمح للوطنيين إلا بوزارة الداخلية، ولكنها أحدثت بجانب وزير الداخلية وظيفة "كاتب عام"، ويتقلد هذه الوظيفة فرنسي، ومكتبه بالقرب من مكتب الوزير، ويعرض عليه كل ما هو من اختصاص وزير الداخلية، وله القول الفصل في كل صغير وكبير.
وسمحت بعد سنين طويلة بأن يكون وزير العدل وطنياً، ولكنها وضعت
له وكيلاً فرنسياً هو صاحب الرأي النافذ في إدار شؤون هذه الوزارة.
ووضعت إدارة المحافظة في أيدي فرنسيين، فرئيس الشرطة، ومراقب الشرطة، والمكلف بالإبعاد والصحافة كلهم فرنسيون.
ورضيت بأن يكون رئيس المجلس البلدي وطنياً، ولكنها جعلت له وكيلين فرنسيين، والوكيل الفرنسي في لغة الاحتلال هو الرئيس الذي يملك الرأي دون من سواه.
لم تكتف حكومة فرنسا المحتلة بتولي المناصب الرئيسية، حتى ملأت الدوائر الحكومية بصغار الموظفين من الفرنسيين، وأتت إلى المملكة، وقسمتها 18 مديرية، وولت في كل مديرية فرنسياً يدعى:"المراقب"، وهو الذي يسيطر على المديرية كما يشاء.
* عدم التسوية بين الوطنيين والفرنسيين في المرتبات:
قد تكون وظيفة الفرنسي ووظيفة الوطني متساويتين في الدرجة، متماثلتين في العمل، ويتفاوتان في المرتب تفاوتاً واسعاً، بحيث يزيد مرتب الفرنسي على مرتب الوطني زيادة فاحشة، ونذكر في سنة 1339 بدا لمدير المعارف في ذلك العهد أن يجعل مرتبات الموظفين في إدارته متساوية، لا فرق بين فرنسي وتونسي، بناء على أن الاتحاد في العمل يقتضي ذلك، وأصدر بذلك قراراً أبلغه الوطنيين، ولكن حزب الاستعمار من الفرنسيين، ونوابهم في المجلس الشورى غضبوا لهذا القرار، وأصروا على إلغائه، فلم يكن من إدارة المعارف إلا أن أبطلت هذا القرار قبل إنفاذه.
* الاحتلال ومالية الحكومة:
تقرر ميزانية تونس بوزارة الخارجية في فرنسا، وترسل إلى تونس
للتنفيذ، وإذا كانت تعرض على المجلس الشوري الذي أحدثته من مدة غير بعيدة، فإن رأيه استشاري فقط، على أن أكثرية أعضائه من الفرنسيين.
ويدلكم على أن المالية لا تقرر على مقتضى المصالح الوطنية كما هو الواجب: أنها قررت في ميزانية سنة 1922 منح مليونين من الفرنكات إعانة لإقامة المؤتمر الإفخارستي الكاثوليكي، وحاول بعض أعضاء المجلس مناقشة الحكومة في هذا التبرع، فكان جوابها المنع من المناقشة في هذا الموضوع؛ حيث إن هذه الإعانة مقررة من وزارة الخارجية، فاحتج بعضهم على هذا العمل، ورددت الصحافة التونسية هذا الاحتجاج، فلم تجد أذناً واعية.
* الاحتلال وأراضي الدولة:
حصرت فرنسا أراضي الحكومة، وأنشأت لها إدارة فرنسية تسمى:"إدارة الفلاحة"، وفوضت إليها بيع هذه الأراضي قطعاً للفرنسيين، فصارت تبيعها لهم، ومقسَّط أثمانها على عشر سنين، وتأبى أن يكون البيع بالمزايدة؛ خشية أن يزاحمهم فيها الوطنيون.
* الاحتلال والأوقاف:
قررت عدم بيع أراضي الأوقاف بالمزاد العلني، وأذنت لإدارة الفلاحة بشرائها لنفسها بأثمان زهيدة؛ لتوزعها على المعمرين الفرنسيين بأثمان زهيدة كذلك، ولما صنعته في أراضي الحكومة وأراضي الأوقاف أصبح معظم أملاك الحكومة وأراضي الأوقاف ملكاً للفرنسيين.
* الاحتلال والقضاء:
في تونس محاكم شرعية، وفيها محاكم أهلية تتولى فصل القضايا بين
الوطنيين، وأنشأت فرنسا سنة 1884 م -أي: بعد الاحتلال بنحو ثلاث سنين- محكمة فرنسية للفصل في جميع القضايا التي تقع بين الأوربيين، أو بين الوطنيين والأوربيين، سواء كان الوطنيون مدعين، أو مدعى عليهم، ولهذا المحكمة فروع في نواحي القطر، والحكام في المحكمة الكبرى (التريبونال) وفروعها كلهم فرنسيون، ويسميهم رئيس الجمهورية الفرنسية، ويحكمون بقوانين فرنسية، وباسم الدولة الفرنسية.
* الاحتلال والجندية التونسية:
لما احتلت فرنسا تونس، ألغت المدرسة الحربية التي أسسها المشير أحمد باي، ولم تمكن الحكومة التونسية من أن ترسل طلاباً إلى فرنسا أو غيرها لتلقي فنون الحرب، ولهذا لا يوجد في الجنود الوطنيين متعلم في مدرسة حربية، ولا يتجاوز التونسي رتبة "يوزباشي".
استمر التجنيد في تونس، وأخذت حكومة الاحتلال تضم الجنود التونسيين إلى الجيش الفرنسي الذي هو تحت إمرة قائد الاحتلال، وإنما تركوا للباي بضع مئات من الجنود التونسية يسمون:"الحرس الملكي".
ولا تبالي الحكومة أن تسوق الجنود التونسيين إلى حروب خارج المملكة التونسية، كما أرسلت منهم فرقاً إلى "مدغشكر" سنة 1895 ميلادية، وأرسلت قسماً منهم إلى "التونكين" على حدود "يونان فو" بالصين، وساقت فرقاً منهم إلى محاربة الألمان في الحرب الماضية.
* الاحتلال والتعليم الديني والمدني:
عرفت فيما أسلفنا أن وزير المعارف في تونس فرنسي، ولهذا الوزير التصرف المطلق في التعليم العام والفنون المستظرفة، فإليه يرجع النظر في
جميع المعاهد العلمية، ومديرو المدارس الحكومية كلهم فرنسيون؛ كالمدرسة الصادقية، والمدرسة العلوية، والمدرسة العليا للآداب العربية.
وتعمل حكومة الاحتلال على تضييق دائرة التعليم ما استطاعت، فلا يوجد في المملكة كلية للطب، ولا كلية للهندسة، ولا مدرسة للصنائع أو الكيمياء أو الطبيعيات، ولا يبرع من التونسسين في علم من هذه العلوم إلا الذين يرحلون إلى أوريا، ويحوزون على الشهادة العليا من إحدى جامعاتها، ومن العجب أن تكون المدارس القرانية الأهلية تابعة لوزير المعارف، وهو فرنسي، وقرأنا في جريدة "مرشد الأمة"، وهي جريدة تصدر بتونس: أن أهل "باجة" طلبوا رخصة فتح مدرسة قرآنية، فأجابهم ذلك الوزير بالحرمان.
وبقي جامع الزيتونة قرينُ الجامع الأزهر مدة بعد الاحتلال تابعاً في إدارته إلى وزير المعارف الفرنسي، ثم ألحقوه بوزارة الداخلية، ولا بد من عرض شؤونه على الكاتب العام، ووزارة الداخلية والكتابة العامة متحدان في الأعمال.
* الاحتلال وحرية الصحافة:
في تونس صحف عربية، ولكنها لا تملك من الحرية ما تملكه صحف الجالية الفرنسية بتونس، وقد انتقد المرحوم محمد بك فريد في رحلته التونسية الضغط على الصحافة العربية هنالك، وجاهر بذلك (المسيو بادو) وكيل الكاتب العام، فأجابه:"بأن الأهالي شديدو الحمية والشكيمة، ولو أطلق لهم عنان حرية الجرائد، لثاروا، وقاموا في وجه الحكومة الفرنسية".
* الاحتلال واللغة العربية:
لغة الكتابة في القطر العربية الفصحى، ولغة التخاطب هي العربية مشوبة
بانحراف كما وقع لغيرها من اللهجات العربية الحاضرة، ولكن حكومة الاحتلال هضمت حق اللغة العربية؛ إذ جعلت حظها في التعليم بمدارس الحكومة دون حظ اللغة الفرنسية، وجعلت الفرنسية كاللغة العربية لغة رسمية، وجرت على أن لا يقبل في إدارة البريد برقية إلا أن تكون مكتوبة باللغة الفرنسية.
* مجلس الشورى في تونس:
أنشأت فرنسا بتونس سنة (1325 هـ - 1905 م) مجلساً شورياً للنظر في مصروفات الدولة، ويتألف هذا المجلس من فرنسيين وتونسيين، والأعضاء الفرنسيون 56، والأعضاء التونسيون 41، من بينهم 7 من اليهود، وآراء هذا المجلس استشارية فقط، لا تتقيد بها الحكومة، واستثنت من هذا فصولاً من المالية لا تعرض على هذا المجلس؛ كمصروفات الدَّين التونسي، ومرتب الوزير المقيم وأعوانه، ومصاريف العدلية الفرنسية التونسية، ومصاريف الأمن العام.
* غطرسة المعمرين واحتقارهم للوطنيين:
يرى أولئك المعمرون أنهم أرفع من الوطنيين في الإنسانية درجات، ويعاملونهم معاملة السادة للخدم، وتأبى هذه الغطرسة إلا أن تظهر في أقوالهم وأعمالهم؛ كأنهم يفهمون أن الاحتلال لا يقف على أقدام راسخة، ولا يملكون به السيادة المطلقة، إلا إذا أشعروا الوطني بأنه في منزلة محتقرة؛ حتى لا يطمع في أن يقف بجانبهم موقف الأنسان من أخيه الإنسان، وأسوق مثلاً على هذا: أن الحكومة عندما أنشأت مجلس الشورى الذي أسلفنا الحديث عنه، أظهر هؤلاء المعمرون -وهم أغلب أعضاء هذا المجلس- نفوراً من أن يجتمعوا
مع الأعضاء الوطنيين في قاعة واحدة، ويتبادلون الرأي وجهاً لوجه، فبعثوا وفداً منهم إلى "باريز" ليبلغ حكومتهم استياءهم من أن يجلسوا مع الوطنيين في مكان واحد، بل طلبوا إلغاء مشاركة الوطنيين لهم في الشورى، ولكن المقيم العام بتونس أراد تخفيف ثورتهم، فقسم الاعضاء قسمين: معمرين، ووطنيين، وخصص لكل قسم مكاناً، وأقام حاجزاً بين مقاعد المستعمرين والوطنيين.
وأذكر أن (مسيو بارجو) وكيل الدولة في المملكة الفرنسية بتونس، قال وهو يدافع في قضية اعتدى فيها أحد المعمرين على وطني:"إن هؤلاء المعمرين قد لوثوا بجريمتهم سياسة فرنسا، ودنسوا وجهها الجميل، وأسقطوا سمعتها بين الأقوام الذين أتينا لحمايتهم".
* الاحتلال والتجنس بالجنسية الفرنسية:
ليس الوطنيون في نظر الحكومة المحتلة بأهل لأن يمنحوا الحرية التي يتمتع بها الفرنسيون، ولكنها فتحت باب التجنس بالجنسية الفرنسية على أن يكون للمتجنس الحقوق التي يتمتع بها الفرنسي الأصل، فعلت هذا ترغيباً للوطنيين في الخروج عن قوميتهم العربية إلى الجنسية الفرنسية، ولكن الوطنيين المسلمين أدركوا أن هذا التجنس يسلخهم من دينهم، ويطعن في قوميتهم ووطنيتهم، فأحجموا عنه إلا نفراً قليلاً استهوتهم منافعه العاجلة، فأثاروا سخط الأمة عليهم، وصارت تنظر إليهم بإنكار وازدراء، وأصرت على أن لا يدفنوا في مقابرها حتى اضطرت الحكومة، ورسمت لهم مقبرة خاصة بهم.
* الاحتلال وجرح عواطف الوطنيين الدينية:
معلوم أن الحكومة الفرنسية لا دينية، ولكنها تعمل في البلاد المحتلة
كحكومة مصبوغة بالمسيحية الكاثوليكية، وأذكر أن مناقشة جرت بالبرلمان الفرنسي في فصول من الميزانية الفرنسية تتضمن العناية بجمعيات التبشير، فقام وزير الخارجية، وقال ما معناه:"إن فرنسا غير متدينة داخل حدودها، وإنها متدينة في الخارج".
والوطنيون لا يأخذون على فرنسا أن تكون مصبوغة بالمسيحية خارج بلادها، وإنما ينكرون عليها إجراءات تتحيز فيها للمبشرين، وتجرح بها إحساس المسلمين، أو تهضم بها حقاً من حقوقهم، ومثال هذا: أنها نصبت في أشهر ميدان من ميادين العاصمة تمثالاً للكردينال "لا فيجري" شاهراً صليبه، رافعاً إياه فوق رؤوس المارين من العرب المسلمين، ومثال آخر: هو أنها عينت بالمؤتمر الإفخارستي الكاثوليكي الذي قام في تونس سنة 1930، وساعدته بمليوني فرنك من خزينة الحكومة التونسية، علاوة على ما أرصدته إدارة الأشغال العامة للإنفاق على رصف الطرقات، ونصب المظلات للوافدين بمكان انعقاد المؤتمر.
* جهاد التونسيين في سبيل قضيتهم:
لم يغمض التونسيون أعينهم عن سالف مجدهم، ويستلموا استسلام الشعب الميت لما يلاقونه من عهد الاحتلال من عسف، بل كانوا يقابلون ذلك بالغضب والإنكار بما استطاعوا، ولهم في جهادهم مواقف حفظها التاريخ، وكم قاموا بمظاهرات تعرضوا بها للنار والحديد، وابتلوا بالاعتقال والسجن والإبعاد إلى أطراف القطر وخارجه، وكانوا يحتملون ذلك الأذى، ويتلقونه بالتجلد والتصميم على العمل لخير وطنهم.
ولا أطيل الكلام بسرد الوقائع في هذا الغرض، وأقتصر على حديث
الحزب الدستوري ومطالبه الشاهدة بصدق ما وصفنا به الحكم في عهد الاحتلال.
في سنة (1329 هـ -1919 م) تألف الحزب الحر الدستوري، وقام هذا الحزب بمطالب قدمها إلى جلالة الملك، والسفير الفرنسي، يقصد بها تخفيف وطأة الاحتلال، وهي أقصى ما يمكن أن تطالب به أمة يحيط بها استبداد دولة قوية من كل ناحية، ونص هذه المطالب:
1 -
المادة الأولى: مجلس تفاوضي يتألف على التساوي من نواب تونسيين وفرنسيين معينين بالانتخاب العام، يملك حق عرض المسائل على المفاوضة، وله سلطة مالية غير محدودة.
2 -
المادة الثانية: مسؤولية الحكومة أمام هذا المجلس.
3 -
المادة الثالثة: التفريق بين السلط: التشريعية، والتنفيذية، والقضائية.
4 -
المادة الرابعة: قبول التونسيين في كل الوظائف الإدارية بشرط الكفاءة.
5 -
المادة الخامسة: المساواة التامة في مرتبات الموظفين الذين يشغلون منصباً واحداً بدون ميز.
6 -
المادة السادسة: تشكيل مجالس بلدية بالانتخاب العام في كافة مدن المملكة.
7 -
المادة السابعة: حرية الصحافة والاجتماعات والمؤسسات.
8 -
المادة الثامنة: التعليم الإجباري.
9 -
المادة التاسعة: مشاركة التونسيين في شراء أراضي الاستعمار وأملاك الدولة.
ورأت فرنسا أن هذه المطالب ما يخالف شروط الحماية؛ حيث إن
العميد أجاب الوفد الذي قدم له المطالب بجواب جاء فيه: "إن كلمة دستور التي تعودتم استعمالها، ربما يكون تفسيرها بمرادفها الفرنسي منافياً لأصول الحماية المؤسسة طبق معاهدات وقعت بين سمو الباي والحكومة الجمهورية، وذلك يؤدي إلى وجود مجلس أمة وحكومة مسؤولة أمامه، وهذان الأمران يخالفان المعاهدات الموجودة بين الدولتين".
وما زالت الحركات السياسية الوطنية في تونس تنهض مرة بعد أخرى، وتردد مطالبها على آذان الحكومة، وتعقد مظاهرات، وتقدم احتجاجات عند كل تشريع أو تصرف يجحف بحقوق الأمة، حتى غشيتها هذه الحرب القائمة، فوقف زعماء تلك الحركات يرتقبون عواقبها، ويرجون انتصار الحرية على الاستبداد، والعدل على الجور، ورأوا الظروف في هذه الأيام مساعدة على مواصلة السعي، فقاموا يجاهدون في سبيل قضيتهم، وما هي إلا أن تنال تلك البلاد حقوقها كاملة.
* أهداف هذه المذكرة:
تذكر الرابطة دول الحلفاء الذين قرروا في ميثاق الأطلنطي إنقاذ الشعوب الواقعة تحت وطأة الاستبداد، بأن تونس من الشعوب التي اعترفت الدول من قبل باستقلالها، كما وقع في مؤتمر "أيلس لا شابيل" الذي انعقد في بلجيك سنة 1810 م، وهي اليوم تقاسي من صنوف الاضطهاد والحرمان من الحقوق الضرورية لحياتها السياسية والاجتماعية ما تذوب له القلوب كمداً وحسرة.
وتذكرة الرابطة دول الاتحاد العربي بأن تونس عربية شعباً وحكومة، فلا فرق بينها وبين العراق وسوريا وفلسطين وغيرها من البلاد العربية في
جنسيتها العربية، وثقافتها التي تؤهلها لأن تقف في صفوفهم، وتكون لبنة في بناء اتحادهم.
وتذكر الرابطة حكومة فرنسا الحرة بأن الشعوب المغلوبة على أمرها، قد انتقلت إلى طور جديد، واتجهت إلى الجهاد في حريتها بتصميم، فإن أراد الفرنسيون الأحرار أن يكونوا براء من تبعة ما سردناه من الحقائق في تصوير حال الشعب التونسي في عهد الاحتلال، فلينظروا إلى تونس بالمرآة الصافية، ويقدروا ما يشهدونه فيها من كفاية لأن تدير شؤونها بنفسها، فقد حظيت باستقلالها شعوب ليست بأفضل منها مدنية، ولا أرقى ثقافة، ولا أدرى بمذاهب السياسة.