الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
شعراء تونس
(1)
دخل أدب اللغة العربية البلاد التونسية مع الفتح الإسلامي؛ فقد كان في الفاتحين الأولين من يجيد الشعر؛ مثل: أبي الخطار الحسام بن ضرار، والحسن بن حرب الكندي. ونشأ في أوائل المئة الثانية من الهجرة أدباء يقولون الشعر الجيد؛ مثل: عبد الرحمن بن زياد، وهو أول مولود ولد للعرب في أفريقية، ومما قاله في بغداد وقد عزم على العود إلى القيروان:
ذكرتُ القيروانَ فهاج شوقي
…
وأين القيروانُ من العراقِ
مسيرة أشهرٍ للعير نصاً
…
وللخيل المضَّمرة العتاق
فبلِّغ أنعماً وبني أبيه
…
ومن يرجو لنا وله التلاقي
بأنّ الله قد خلى سبيلي
…
وجدَّ بنا المسير إلى فراق
وفي ذلك العهد ولِّي القيروان يزيد بن حاتم، وقصده الشعراء من المشرق؛ مثل: مروان بن أبي حفصة، وربيعة بن ثابت الذي مدحه بذلك البيت السائر:
لشتان ما بين اليزيدين في الندى
…
يزيد سليم واليزيد بن حاتم
(1) مجلة "الهداية الإسلامية" - الجزآن الخامس والسادس من المجلد الخامس عشر الصادران في ذي القعدة وذي الحجة 1361.
ويزيد نفسه كان شاعراً، وهو القائل:
لا يألف الدرهم المضروب صرتنا
…
لكن يمر عليها وهو منطلق
وما من شك في أن ولاية أمير سخي يقدر الأدب قدره، من أقوى أسباب نهوض أدب اللغة، ولا سيما أميراً يفد إليه الشعراء البلغاء من آفاق شتى.
ويتراءى لنا في المئة الثالثة أدباء يجيدون الشعر؛ مثل: أحمد بن سليمان الربعي، بل نجد فيها أديبات ينظمن الشعر الجيد؛ مثل: ابنة الحسن بن غلبون، ومن شعرها الذي رثت به أخاها غلبون:
يا شقيقاً ليس في وجدي به
…
علة تمنعني من أن أجنّ
وإذا تبلى وجوه في الثرى
…
فكذا يبلى عليهن الحزن
ومن بين أولئك الأدباء علماء تعلقوا بعد العلم بصناعة الشعر؛ مثل: عيسى بن مسكين؛ فقد كان معدوداً في زمرة الفقهاء الأدباء، ومن شعره قوله آسفاً على عهد الشباب:
لعمري يا شبابي لو وجدتك
…
بما ملكت يميني لارتجعتك
ولو جعلت لي الدنيا ثواباً
…
بما فيها عليك لما وهبتك
واشتملت المئة الرابعة على أدباء يقولون الشعر الحسن؛ مثل: زياد ابن يونس اليحصبي، وعلي بن العباس الأيادي، ومن شعره قوله في وصف سجع الحمائم عند فلق الصبح:
قد ولد الصبح فمات الدجى
…
صاحت فلم ندر غِنا أم نواح
وابن عبدون السوسي، ومن شعره قوله متشوقاً إلى القيروان:
يا قصر طارق همي فيك مقصور
…
شوقي طليق وخطوي عنك مأسور
إن نام جارك إني ساهر أبداً
…
أبكي عليك وباكي العين معذور
عندي من الوجد ما لو فاض من كبدي
…
إليك لاحترقت من حولك الدور
وتناول الشعر في ذلك العهد بعض السيدات المهذبات؛ مثل: خديجة بنت أحمد بن كلثوم المعافري. وفي هذا العهد ورد القيران من الأندلس الشاعر المعروف أبو القاسم بن هانئ، واستوطنها، وشأن البلاد التي يستوطنها شاعر عبقري كابن هانئ أن تزداد فيها نهضة الأدب قوة وصفاء.
أما المئة الخامسة، فقد ازدهر فيها الأدب بتونس، وأصبح بمنزلة هي منزلته في أرقى البلاد، وأبهج العصور، ويصح لي أن أقول: إن هذا العصر واسطة عقد العصور الأدبية من جهة الإبداع في الخيال، وإتقان صناعة النظم.
ومن مهيئات هذه النهضة الفائقة: أن المعز بن باديس الذي تولى الملك بالقيروان في طالعة المئة الخامسة كان أديباً بارعاً، ومعنياً بإكرام الشعراء، حتى اجتمع حول قصره -فيما يقصه التاريخ- نحو مئة شاعر يرأسهم أستاذه ووزيره علي بن أبي الرجال.
فلا عجب أن يظهر في ذلك العصر أمثال: الحسن بن رشيق، ومحمد ابن شرف، وإبراهيم الحصري صاحب كتاب "زهر الآداب"، وابن خالته علي الحصري صاحب قصيدة:
ياليل الصبُّ متى غده
…
أقيام الساعة موعده
وظهر في المئة السادسة أدباء لهم شعر رائق؛ مثل: عبد العزيز بن أبي الصلت، وعلي بن فضال، ومن شعره الأبيات السائرة:
وإخوان حسبتهم دروعاً
…
فكانوها ولكن للأعادي
وخلتهم سهاماً صائبات
…
فكانوها ولكن في فؤادي
وقالوا قد صفت منا قلوب
…
نعم صدقوا ولكن من ودادي
وإذا ألقينا نظرة على المئة السابعة، وجدنا للأدب نهضة ذات آثار مليحة، ومن رجال هذه النهضة: عثمان بن عتيق المعروف بابن عريبة.
ومن أسباب نهوض الأدب في هذا العهد: أن أمير تونس أبا زكريا يحيى بن عبد الواحد، وابنه المستنصر بالله، عنيا بنشر العلم، والإقبال على الشعراء، وكان أبو زكريا هذا معدوداً من الشعراء، وفي عهد ولايته قدم من الأندلس محمد المعروف بابن الأبار، وأنشده قصيدته في الاستنهاض لإنقاذ الأندلس، وطالعها:
أدرك بخيلك خيل الله أندلسا
…
إن السبيل إلى منجاتها درسا
وفي هذا العهد ورد تونس من الأندلس أيضاً الأديب الكبير علي بن سعيد متمم كتاب "المغرب"، ومدح السلطان بقصائد بليغة.
وفي عهد ولاية ابنه المستنصر، وفد حازم بن محمد القرطاجني من الأندلس، ومدح المستنصر بمقصورته القصيدة الطائية التي يقول في طالعها:
أمن بارق أودى بجنح الدجى سقطا
…
تذكرت من حل الأجارع والسقطا
ولما وجد هؤلاء الأدباء الثلاثة سوق الأدب في تونس نافقة، اتخذوها وطناً، وكان لهم في رقي الأدب أثر كبير.
وكانت المئة الثامنة عامرة بكثير من الأدباء، ومن أعيانهم: أبو زيد عبد الرحمن بن خلدون، وأخوه يحيى بن خلدون، وشعر ابن خلدون معروف،
ومن شعر يحيى القصيدة التي يقول في مطلعها:
ما على الصب في الهوى من جناح
…
أن يُرى حلف عَبرة وافتضاح
أما المئة التاسعة والعاشرة، فقد انقطعت عنا أخبار أدبائها؛ لما كان يحدث في تونس من الحروب والفتن السياسية، وإنما وصل الباحثون في تاريخ الأدبي التونسي إلى طائفة قليلة جدّاً؛ مثل: أحمد بن عبد الرحمن بن الخلوف، ومثل: أبي الفتح محمد بن عبد السلام، ولهذا العالم الأديب قصيدة يتحسر فيها على ما حل بتونس لذلك العهد من حوادث اضطربت لها الحالة العلمية والسياسية.
ورجع الأدب في المئة الحادية عشرة إلى الظهور، وأخذ التاريخ يحدثنا عن رجال عاشوا في ذلك العهد، وكانت لهم في الأدب أقدام راسخة؛ مثل: الشيخ محمد فتاتة. واتصل أدب هؤلاء بأدب المئة الثانية عشرة، فكان حظ هذه المئة فوق حظ المئة السالفة. ومن أعيان أدبائها: الشيخ حمودة بن عبد العزيز، والشاعران البارعان: أبو عبد الله محمد الورغي، وأبو الحسن علي الغراب، ولكل منهما ديوان معروف عند التونسيين.
وكان لنهوض الأدب في المئة الثانية عشرة أثر كبير في رواج سوقه في المئة الثالثة عشرة، ومن أدباء ذلك العهد: الشيخ محمد الخضار، والشيخ إبراهيم الرياحي، والشيخ بيرم الرابع، والشيخ محمود قبادو، ولهؤلاء دواوين من الشعر، والذي طبع منها: ديوان الشيخ محمود قبادو، وهو أول من أخذ ينحو بالشعر نحو ما يقتضيه حال العصر، وأذكر من قصيدة له يحث فيها الأمة على مسايرة الأمم المجدة في إعداد وسائل القوة والعظمة:
لعمري ليس الميت من أودع الثرى
…
ولكن مطيق للغنى بان عدمه
وممن برعوا في النثر الفني: الأستاذ أحمد أبو الضياف، فقد تولى رياسة الديوان في عهد الأمير أحمد باي، وأخذ ينسج في مراسلاته على مثال لسان الدين بن الخطيب، فسار النثر الجيد بجانب الشعر، وما أتى هذا العصر -وهو القرن الرابع عشر- حتى تهيأت في تونس نهضة أدبية محكمة الأساس، فلم تتبطأ أن صارت تنافس نهضة الأدب في البلاد الشرقية.