الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الشيخ محمد ماضور من علماء تونس وأدبائها
(1)
* نسبه ومولده ونشأته:
أصله من الجالية الأندلسية التي فرت بدينها من عدوان الإسبان سنة 1009، وكان سلفه بالجزيرة من حماة الثغور ينتسبون إلى أبي القاسم أحمد ابن يحيى محمد بن عيسى بن منظور القيسي عالم "إشبيلية" وقاضيها المتوفى سنة 520، وبعد جلائهم نزلوا بقرية "الجديدة" قرية خربة الآن على بعد بضعة أميال من "قرنبالية" تبعد عن مدينة تونس بنحو خمسين ميلاً، ولا تزال قبورهم معروفة هناك بضريح صالح يدعى:"سيدي سليمان"، والمهاجر الأول منهم يدعى: الحاج محمد، وتسلسل من نسله ستة من المحمديين خامسهم صاحب الترجمة.
ولد صاحب الترجمة ببلدة "سليمان" التي هاجر إليها قومه بعد خلاء قريتهم، واستوطنوها، وهي بلدة أنيسة، جميلة الموقع، حسنة المناخ، تبعد من مدينة تونس بنحو 30 كم، وكانت ولادته عام 1150 أيام ولاية والده قضاء تلك البلدة وما يليها من شنة جزيرة شريك.
وكان أبوه من جلة العلماء المشاركين في حركة التجديد العلمي بتونس
(1) مجلة "الهداية الإسلامية" - الجزء السابع من المجلد الثاني الصادر في ذي الحجة 1348.
بعد دروس معالمه أثناء فتنة الاحتلال الإسباني وما تلاه من الحوادث. وقد رحل إلى الشرق، ولقي أعلامه؛ كالسيد البليدي، والصعيدي العدوي، والحفني، والطحلاوي، والدري، وغير هؤلاء ممن كتب له بخطه تقريظ بعض مؤلفاته التي حملها لهم في رحلته إلى حج البيت الحرام عام 1164، وعاد إلى بلده، وتقلد الإمامة والتدريس إلى أن توفي سنة 1199.
نشأ صاحب الترجمة تحت رعاية هذا العالم المحنك، واختص به، وقرأ عليه العلوم الشرعية والعربية والعقلية، وقد رأينا بديوانه قصيدتين بليغتين في تهنئة والده بختم تفسير "الكشاف".
ثم انتقل إلى الحاضرة حيث تلقى العلم عن أعيان علماء ذلك العصر، فأخذ القراءات عن الشيخ أبي يونس حمودة إدريس، والعربية عن الشيخ حمودة بن حسين باكير، والبلاغة عن قاضي باردو الشيخ منصور المنزلي، وأخذ عن شيخي الإسلام: حسين البارودي، ومحمد بيرم الأول، وعن أبي الفضل قاسم القلشاني، والشيخ أبي عبد الله محمد الشحمي.
* حياته ووظائفه:
ولما امتلأ وِطابُه علماً، واشتد نظره فهماً، أقبل على التدريس بالجامع الأعظم إلى أن توفي والده، وأجمع أهل بلده على طلبه لأن يقوم مقامه في القضاء والإمامة والتدريس ببلد سليمان، فتقدم لذلك مكرهاً كما يظهر من نفثات شكواه التي أودعها ديوانه الحافل.
* أخلاقه:
كان سمح السجية، وفياً، ذا ذوق سليم، وطبع رقيق، قال ابن أبي ضياف يصفه: "وكان عالما فقيهاً أديباً، ذا فهم سديد، وفكر ثاقب، خيراً،
عفيفاً، نقياً، عالي الهمة، ولشعره ديوان معروف".
* علمه وأدبه:
كان على طول باعه في علوم اللغة والشريعة يتعاطى ما بلغه العلم إذ ذاك من المعارف الطبية، وخواص المفردات الطبيعية، وله تعليقات على "ألفية ابن سينا"، وله إلمام بأحكام النجوم، ويستعمل لذلك الإسطرلاب والأرباع التي اخترعها العرب.
وله يد في الحساب والهندسة، وأما أدبه، فله شعر سهل المأخذ، رقيق المعاني، ينم عن شاعرية مطبوعة، وذوق لطيف.
* آثاره وخاتمته:
له من المؤلفات -عدا ديوانه العامر، والتعاليق الكثيرة على كتبه في فنون شتى- مقالة نفيسة في مراتب العلوم، ومختصر في رسم القراءات، وآخر في مخارج الحروف، والدر المكفوف في رواية قالون، والتطبيق في التوثيق، ومختارات أدبية.
قال ابن أبي الضياف في تاريخه: ولم يزل معظماً مكرماً، نبيه الشأن إلى أن لبى داعي الرحمن في ذي الحجة سنة 1226 رحمه الله، وتقبله بالعفو-.
* نموذج من أدبه المنظوم:
قال رحمه الله يشكو دهره وحساده في قصيدة مطولة:
وما غريب الدار في غربة
…
وإنما الغربة فقدُ المثال
والعلم نعمَ الخدنُ لكنه
…
مثير حساد وقيل وقال
ما أهنأ العيش مع الجهل لو
…
ينفع في الحشر وعند السؤال
وقال في أخت له، وقد أراد أبوها أن يزوجها من غير كفؤ:
قولوا لمن نشأت بعز دلالها
…
مع أهلها مأنوسة مودوده
في دار مكرمة جرت أمياهها
…
مسكوبة وظلالها ممدوده
هذا أبوك يريد دفنك حية
…
فابكي لنفسك: إنك الموءوده
ومن رقيق شعره في النسيب:
أفي حكم هذا الدهر أن يؤسر الحشا
…
بأرض وفي أخرى أبيت وأُصبحُ
إذا الجانب الغربي لاحت بروقُه
…
أهش كأني بالمدامة أطفح
وأقطع بالتسهاد ليلي صبابةً
…
وزندُ الأسى في باطن الأرض يقدحُ
فيا عجباً رامٍ بتونس سهمه
…
براشٍ، وقلبي في "سليمان"(1) يُجرح
(1) بلد صاحب الترجمة.