المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌علي زين العابدين - موسوعة الأعمال الكاملة للإمام محمد الخضر حسين - ٣/ ٢

[محمد الخضر حسين]

الفصل: ‌علي زين العابدين

‌علي زين العابدين

(1)

* نسبه:

هو علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم، وأمه سلامة بنت يزدجر آخر ملوك الفرس، ذلك أن سبي فارس لما أتي به إلى المدينة في خلافة عمر رضي الله عنه، وكان في هذا السبي ثلاث بنات ليزدجرد، صارت إحداهن إلى عبد اللُّه بن عمر، وهي أم ابنه سالم، وصارت الثانية إلى محمد ابن أبي بكر الصديق، وهي أم ولده القاسم أحد الفقهاء السبعة، وصارت ثالثتهن إلى الحسين بن علي، وهي أم ولده علي زين العابدين رضي الله عنه (2).

* مولده:

ولد زين العابدين سنة ثمان أو سبع وثلاثين بالكوفة، فكانت ولادته قبل وفاة علي - كرم الله وجهه - بنحو ثلاث سنين.

(1) محاضرة الإمام ألقاها في قبة الغوري بالقاهرة بدعوة من إدارة شركة سيارات (أوتوبيس) الدقهلية والشرقية، ونشرت في مجلة "الهداية الإسلامية". الجزء الرابع من المجلد الخامس عشر.

(2)

الزمخشري في كتاب "ربيع الأبرار"، وغيره، وقال ابن قتيبة في كتاب "المعارف": إن أم علي زين العابدين سندية، يقال لها: سلامة، ويقال لها: غزالة.

ص: 25

* روايته للحديث:

روى علي زين العابدين الحديث عن أبيه الحسين، وابن عباس، وأبي هريرة، وعائشة، وصفية بنت حمي، وأم سلمة، وغير هؤلاء، وروى عنه طاوس بن كيسان، وهو من أقرانه، والزهري، وغيره، وقال أبو بكر بن شيبة: أصح الأسانيد: الزهري عن علي بن الحسين عن أبيه عن علي بن أبي طالب.

* فقهه:

قال الزهري: ما رأيت أحداً أفقه من علي بن الحسين، ولكنه كان قليل الحديث.

* تقواه وورعه:

قال سعيد بن المسيب: ما رأيت أورع من علي بن الحسين، وقال مالك ابن أنس: لقد أحرم علي بن الحسين، فلما أراد أن يقول: لبيك، قالها، فأغمي عليه حتى سقط من أعلى ناقته. وروي أنه قال: أخشى أن أقول: لبيك، فيقول: لا لبيك. وقال مالك: إنه كان يصلي في كل يوم وليلة مئات الركعات إلى أن مات.

وسمي زين العابدين؛ لكثرة عبادته، ولم يكن هذا اللقب من الألقاب التي يعطيها الآباء والأمهات لأبنائهم عند ولادتهم، فيسمونه زين العابدين، فيعيش وهو تارك الصلاة، أو ناصر الدين، وهو كبر معول لتقويض أركانه.

* سخاؤه وكرمه:

قال علي بن الحسين: إني لأستحي الله أن أرى الأخ من إخواني، فأسأل الله له الجنة، وأبخل عليه بالدنيا. ويروى: أنه قاسم الله ماله مرتين.

ص: 26

* إخفاؤه الصدقات:

قال محمد بن إسحاق: كان ناس من أهل المدينة يعيشون لا يدرون من أين كان معاشهم، فلما مات علي بن الحسين، فقدوا ما كانوا يؤتون به من الليل.

وقال جرير بن المغيرة: كان علي بن الحسين يُبخَّل "ينسب إلى البخل"، فلما مات، وجدوه يعول مئة أهل بيت بالمدينة، وكان رضي الله عنه يحمل جراب الخبز على ظهره، فيتصدق به، ويقول: إن صدقة الليل تطفئ غضب الرب.

* تعففه وزهده:

روى نافع عن علي بن الحسين: أنه قال: ما أكلت بقرابتي من رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئاً قط. وقال جويرة بن أسماء: ما أكل علي بن الحسين بقرابته من رسول الله صلى الله عليه وسلم درهمًا قط؛ أي: أنه لا يتوسل إلى التحصيل على مال بقرابته إلى النبي عليه الصلاة والسلام.

* بره بأمه:

قيل لعلي بن الحسين: إنك أبر الناس بأمك، ولسنا نراك تأكل معها في صحفة! فقال: أخاف أن تسبق يدي إلى ما تسبق إليه عينها، فأكون قد عققتها. وكثير من الناس غافلون عن حقوق الأمهات، وناسون لما كابدته أمهاتهم في حملهم ووضعهم وتربيتهم من المشاق.

* إجلاله للشيخين:

قال مالك: قال نافع بن جبير بن مطعم لعلي بن الحسين: إنك تجالس أقوامًا، كيف كانت منزلة أبي بكر وعمر من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فأشار بيده إلى قبريهما، وقال: منزلتهما منه الساعة؛ أي: إن منزلتهما في حياته من القرب

ص: 27

هي منزلتهما منه الآن، وكذلك كان الأئمة من آل البيت يجلون الشيخين، ويقدرونهما قدرهما.

* تواضعه:

قال مالك: قال نافع بن جبير بن مطعم لعلي بن الحسين: إنك تجالس أقواماً دوناً، فقال: إني أجالس من أنتفع بمجالسته في ديني.

* كراهته في المبالغة في الثناء عليه:

جاء قوم عليَّ بن الحسين، فأثنوا عليه، فقال: ما أكذبكم وأجرأكم على الله! نحن من صالحي قومنا، وحسبنا أن نكون من صالحي قومنا. وقد شاع بين الناس اليوم الغلو في مديح ذوي الوجاهة أو المال، حتى إن من لم يمدح، أو وقف في مدحه عند الحقيقة، عدّوه جافياً، وغير عارف بآداب مجالسة من يسمونهم: الكبراء من الناس.

* حلمه:

استطال رجل على زين العابدين، فأغضى عنه، فقال له الرجل: إياك أعني، فقال له زين العابدين: وعنك أغضي.

وتكلم فيه رجل افترى عليه، فقال له: إن كنتُ كما قلتَ، فأستغفر الله، وإن لم أكن كما قلتَ، فالله يغفر لك.

* نجدته:

عندما قام أهل المدينة على يزيد بن معاوية، وأخرجوا من كان في المدينة من بني أمية، وكان من بينهم مروان بن الحكم، طلب مروان من بعض رجال المدينة أن يضموا إليه أهله وثقله، ففعل، ووجههم زين العابدين إلى الطائف، ومعهم ابناه: عبد الله، ومحمد.

ص: 28

* فضله:

قال الزهري: ما رأيت قرشياً أفضل من علي بن الحسين.

وقال مالك: لم يكن في أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل علي بن الحسين.

وقال علي بن هاشم: ما رأيت هاشمياً أفضل منه.

* حكمه ومواعظه:

قال زين العابدين لابنه وهو يعظه: يا بني! اصبر على النائبة، ولا تتعرض للحقوق، ولا تجب أخاك إلى شيء ضرره أعظم من منفعته له.

وقال: الناس من بين مغمور بالجهل، ومفتون بالعجب، ومعدول بالهوى عن التثبت، ومصروف بسوء العادة عن تفضيل التعلم.

وقال: إن لله عباداً عبدوه رهبة، فتلك عبادة العبيد، وآخرين عبدوه رغبة، فتلك عبادة التجار، وآخرين عبدوه شكراً، فتلك عبادة الأحرار.

* شعره:

يروى أن أخاه الحسن رضي الله عنه عاتبه في امرأته، فقال:

لعمرك إنني لأحب داراً

تحل بها سكينة والرباب

أحبهما وأبذل كل مالي

وليس للائمي عندي عتاب

ونسب إليه الجاحظ ما يأتي:

الموت خير من ركوب العار

والعار خير من دخول النار

والله من هذا وهذا جاري

* وفاته رضي الله عنه:

توفي علي زين العابدين بالمدينة المنورة سنة اثنتين، أو أربع وتسعين،

ص: 29

ودفن بالبقيع في قبر عمه الحسن بن علي في القبة التي بها قبر العباس رضي الله عنه، وأولاد علي زين العابدين: عبد الله، ومحمد، وزيد، وليس للحسين عقب إلا من ولده علي زين العابدين.

هذه صحيفة من سيرة رجل من عظماء آل البيت نعرضها على حضراتكم، وفي سيرة العظماء عبرة وأسوة لأولي الألباب.

ص: 30