المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌أبو داود وكتابه "السنن - موسوعة الأعمال الكاملة للإمام محمد الخضر حسين - ٣/ ٢

[محمد الخضر حسين]

الفصل: ‌أبو داود وكتابه "السنن

‌أبو داود وكتابه "السُّنن

" (1)

من أئمة الحديث وأعلامه: سليمان بن الأشعث بن إسحاق بن بشير الأزدي السجستاني (2) المعروف بأبي داود.

ولد أبو داود سنة 202 اثنتين ومئتين، وأقبل على علوم الحديث حتى صار من أكابر حفاظه، والراسخين في العلم بمراتب الأحاديث وعللها، وما يستنبط منها من الأحكام والآداب.

رحل لطلب العلم، وتجوّل في البلاد، فكتب عن علماء العراق والحجاز والشام ومصر والجزيرة وخراسان. وفي سنة 275 التمس منه أبو أحمد الموفق أخو الخليفة بعد فتنة الزنج أن يقيم بالبصرة؛ ليعمرها بما أوتي من العلم، فأقام بها إلى أن توفي في منتصف شوال سنة 275.

كان أبو داود إماماً في الحديث، بالغًا فيه الذروة، قال الحافظ موسى ابن إبراهيم: خلق أبو فيداود الدنيا للحديث، وفي الآخرة للجنة. وقال الحاكم أبو عبد الله: أبو داود إمام أهل الحديث بلا مدافعة.

(1) مجلة "الهداية الإسلامية" - الجزء السادس من المجلد السادس.

(2)

وهي سجستان المعروفة في خراسان، وما ذكره بعضهم من أنه من قرية بالبصرة يقال لها: سجستان، لم يذكره أحد من الحفاظ.

ص: 86

ولم يكن أبو داود محدثاً فحسب، بل كان محدثاً فقيهاً، وقد عده الشيخ أبو إسحاق الشيرازي في "طبقات الفقهاء" من جملة أصحاب الإمام أحمد بن حنبل. وقال ابن حبان: أبو داود أحد أئمة الدنيا فقهاً، وعلماً، وحفظاً، ونسكاً، وورعاً، وإتقاناً.

وكان أبو داود يشبه الإمام أحمد بن حنبل في هديه وسمته، وروى عنه أحمد بن حنبل فَرْدَ حديث، فكان أبو داود يفخر بذلك، وكان أبو داود يقول: خير الكلام ما دخل الأذن من غير إذن.

ومما يشهد بحلالة قدره في علم الحديث: كتاب "السنن" الذي هو أحد الصحاح الستة، وهو يشتمل على أربعة آلاف وثمان مئة حديث، انتخبها من خمس مئة ألف حديث كتبها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يورد في هذا الكتاب إلا الصحيح، أو ما يقارب الصحيح، وقال في رسالة بعث بها إلى أهل مكة:"وليس في كتاب السنن الذي صنفته عن رجل متروك الحديث شيء".

قصد الإمام البخاري في "جامعه" تخريج الأحاديث الصحيحة المتصلة، وإفادة ما يؤخذ من الأحاديث من الأحكام أو الآداب، أو التفسير أو السيرة، وقصد الإمام مسلم في "جامعه" تدوين الأحاديث الصحيحة من غير تعرض لوجوه الاستنباط. وقصد أبو داود جمع الأحاديث التي استند إليها الفقهاء، وجعلوها مآخذ للأحكام، فجمع في "سننه" الصحيح، والحسن، وإذا أورد هذا حديثاً ضعيفاً، صرح بضعفه.

فكتاب "السنن" لأبي داود جمع أحاديث الأحكام، ورتبها أحسن ترتيب، ونظمها أحسن تنظيم، ولما أتم تأليفه، عرضه على الإمام أحمد بن حنبل، فاستجاده، واستحسنه، ولما اطلع عليه إبراهيم الحربي، قال: "ألِين لأبي

ص: 87

داود الحديث، كما ألين لداود الحديد".

وقال النووي في قطعة كتبها من شرحه على هذه السنن: ينبغي للمشتغل بالفقه وغيره الاعتناء بسنن أبي داود، وبمعرفته التامة؛ فإن معظم أحاديثه يحتج بها، مع سهولة تناوله، وتلخيص أحاديثه، وبراعة مصنفه، واعتنائه بتهذيبه.

وقال ابن الأعرابي: لو أن رجلاً لم يكن عنده من العلم إلا المصحف الذي فيه كتاب الله، ثم هذا الكتاب - يعني: سنن أبي داود -، لم يحتج معها إلى شيء من العلم.

وقال أبو سليمان الخطابي في مقدمة شرحه (1) لهذه السنن: وقد جمع أبو داود في كتابه هذا من الحديث في أصول العلم وأمهات السنن وأحكام الفقه ما لا نعلم متقدماً سبقه إليه، ولا متأخراً لحقه فيه.

(1) يسمى: "معالم السنن"، وقد شرع في طبعه بحلب، وانتهى طبع جزأين منه: الأول والثاني.

ص: 88