الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
صقر قريش وكيف تأسست الدولة الأموية بالأندلس
(1)
الحديث عن عبد الرحمن الداخل مؤسسِ الدولة الأموية في الأندلس، يستدعي كلمة موجزة في الحالة السياسية بتلك البلاد؛ لنعلم كيف تهيأت الأسباب لتبوئه عرش إمارتها.
عين الوليد بن عبد الملك موسى بن نصير عاملاً لإفريقية، وكانت عاصمة إفريقية يومئذ القيروان، فسار موسى بن نصير من القيروان، فوطَّد الأمن ببلاد المغرب، واستعمل على "طنجة" وما والاها تابعه طارق بن زياد، ثم قفل راجعاً إلى القيروان.
وبعد عودته كتب إلى طارق ياذنه في المسير إلى فتح الأندلس، فجهز طارق جيشًا يقال: عدته اثنا عشر ألفاً، واجتاز البحر إلى إسبانيا، ونزل بمكان يعرف الآن بجبل طارق، وبعد أن تجاوز البحر، أحرق السفن، وقال في خطبة
خطبها:
"أيها المجاهدون! لقد آن الأوان، فالعدو أمامنا، والبحر خلفنا، ولم يبق إلا الموت، فاختاروا إحدى الموتتين"، فاختار المسلمون الجهاد، فاختار لهم الله النصر، وفتحوا بلاداً كثيرة في مدة قليلة.
(1) مجلة "الهداية الإسلامية" - الجزء السابع من المجلد الثامن.
ولما بلغ خبر انتصاره موسى بن نصير، كتب إليه أن قف بالمكان الذي انتهيت إليه في الفتح، حتى أقدم إليك، وسرعان ما وصل موسى إلى الأندلس، وامتد في الفتح حتى توغل في البلاد.
ولما بلغ خبر هذا الفتح الوليدَ بن عبد الملك، أرسل يستدعي موسى ابن نصير، وطارق بن زباد، فنظم موسى الحكومة بالأندلس، وجعل على رأسها ابنه عبد العزيز، وسار بمغانم كثيرة، وركب هو وتابعه طارق البحر إلى دار الخلافة بدمشق.
ولما قارب دمشق، أرسل إليه سليمان أخو الوليد بن الوليد في علة سيموت بها قريبًا، فتمهل حتى يكون دخولك في أيامي، لينسب الفتح إليَّ، فأبى موسى أن يتمهل، وقدم دار الخلافة في أيام مرض الوليد.
ولما مات الوليد، انتقم من موسى بن نصير، وجرده من كل شيء، حتى مات موسى في حالة فقر وبؤس، ويقال: إن سليمان هذا لا يعرف له شدة غير ما فعله بموسى بن نصير.
ثم إن عبد العزيز بن موسى بن نصير قتل سنة 98، وتولى إمارة الأندلس أيوب بن حبيب اللخمي ابن أخت موسى بن نصير، وتولاها بعده الحر بن عبد الرحمن الثقفي، ثم السمح بن مالك، وكان من المصلحين، ثم عبد الرحمن الغافقي، ثم عنبسة بن سحيم الكلبي، ثم عاد إليها عبد الرحمن الغافقي، وكان عادلاً حليماً، وهو الذي دخل بلاد فرنسا، ورفع لواء الإسلام فوق أسوار "ليون" ثم عبد الملك بن قطن الفهري، وكان ظالماً جائراً، فعزل، ثم عقبة بن الحجاج السلوي، وكان خير مثال للعدل والتقوى، ثم ثعلبة بن سلامة.
ووقع في عهد ثعلبة بن سلامة هذا تنافسٌ بين اليمنيين والمضريين، فانحاز ثعلبة إلى اليمنيين، فهاج عليه المضريون، وجاء أمر الخليفة بتعيين أبي الخطار حسام الكلبي، وهو من اليمنيين، فاستقرت نار الفتنة بين القبيلتين، وانهزم اليمنيون، وقتل أبو الخطار، وتولى الأمر ثوابة بن سلامة، وتوفي، فتولى بعده يوسف بن عبد الرحمن الفهري، فسكنت الأمور، وتراضى الفريقان، وبقي في الأمارة نحو عشر سنين، وقامت في هذه السنين ثورات في نواحي من البلاد متعددة، فأخمد يوسف نارها.
لندع الأندلس وهي تحت إمارة يوسف بن عبد الرحمن الفهري، ونرجع إلى الشرق؛ لنعلم كيف خرج عبد الرحمن بن معاوية قاصداً المغرب حتى قبض على زمام الأندلس.
معروف أن آخر خلفاء بني أمية في الشرق مروان بن محمد، ففي عهده ظهرت دعوة أبي مسلم إلى العباسيين، وسقطت الدولة الأموية، وقامت مكانها الدولة العباسية.
ومن سيرة السفاح، وتابعه عليها المنصور: الفتكُ بالأموميين، ومطاردتهم، وممن خاف من سطوة هذه الدولة: عبد الرحمن بن معاوية بن هشام بن عبد الملك، فاختفى متنقلًا من بلد إلى آخر قاصداً المغرب حتى وصل إلى "مليلة"(1)، ونزل عند شيخ من البربر حيناً، حتى لحق به مولى أبيه (بدر) بأموال أنفذتها إليه أخته من ذهب وجواهر، وكان عبد الرحمن قد جعل مطمح أمله أفريقيا، ثم رأى أمرها عسراً، فوجه نظره إلى الأندلس، وبعث إليها بدراً مولاه ليمهد له السبيل، ويقرب إليه البغية. فاجتمع بموالي المروانيين وأشياعهم،
(1) مدينة بالمغرب على ساحل البحر.
فبثوا لعبد الرحمن الدعوة، وصادف ما كان بين اليمنية والمضرية من نهل وتقاطع، فأجمعت اليمنية على أمر بيعته، ورجع بدر بالخبر إلى عبد الرحمن، فعبر عبد الرحمن البحر سنة 138، ونزل بساحة المنكبّ (1)، فأقبل الناس على مبايعته، وما زال ينتقل في البلاد حتى انتظم له جيش عظيم، فزحف إلى "قرطبة"، ولاقاه يوسف الفهري بظاهرها.
ودارت بينهما رحى الحرب، فانهزم يوسف، ودخل عبد الرحمن القصر، وخرجت إلى عبد الرحمن زوج يوسف وابنتاه، فقلن له: يا ابن عمنا! أحسن كما أحسن الله إليك.
فقال: أفعل، ودعا بصاحب الصلاة، وكان صاحب الصلاة مولى ليوسف الفهري، وأمره بضم النساء إليه.
وخرج عبد الرحمن في ذلك اليوم، فصلى بالناس صلاة الجمعة، ووعدهم في خطبته خيراً.
ولما انهزم يوسف الفهري، توجه إلى غرناطة، واستولى عليها، فخرج عبد الرحمن في أثره، وحاصره حتى نزل على أمانه، وجاء به إلى قرطبة، وحجز عنه ولديه: عبد الرحمن، ومحمداً، وأبقاهما عنده كِرهانٍ حتى لا ينقض العهد.
ثم إن يوسف الفهري غمر، فخرج هارباً من قرطبة حتى أتى؛ "طليطلة" ليعيد الكرة على عبد الرحمن، فاغتاله أحد أصحابه.
وكان من عبد الرحمن أن عاد إلى قرطبة، واشتد في عقوبة ولدي يوسف
(1) بلد على ساحل جزيرة الأندلس.
الفهري، فقتل عبد الرحمن، وحكم على أخيه محمد بالسجن الدائم.
ثم إن محمداً - وكان يكنى: أبا الأسود - اتخذ حيلة تخلص بها من السجن، ولحق بطليطلة، ودعا إلى نفسه، واستمال الناس، ووقعت بينه وبين عبد الرحمن واقعة انتصر فيها عبد الرحمن، وانهزم جيش أبي الأسود، وفر أبو الأسود إلى ناحية بغرب الأندلس، وتوفي هناك.
وقام بعد أبي الأسود أخوه قاسم بن يوسف، فخرج إليه عبد الرحمن، فلما دنا منه، سلم إليه نفسه في غير أمان، فتقبله، وأحسن إليه.
وفي سنة 146 تجهز العلاء بن مغيث اليحصبي عامل أفريقية لغزو الأندلس، فعبر البحر، ونزل بجيشه في "باجة" داعياً إلى أبي جعفر المنصور. فخرج عبد الرحمن لقتاله، وتلاقيا بظاهر "إشبيلية"، فانهزم جيش ابن مغيث، وقتل ابن مغيث مع كثير من أصحابه، وبعث عبد الرحمن برؤوسهم إلى القيروان، فألقيت في أسواقها سراً.
وتفرغ عبد الرحمن بعد هذا لغزو بلاد الإفرنج، وتم له النصر على جميع أعدائه.
وتوفي عبد الرحمن على فراشه في قرطبة 173، فكانت ولايته اثنتين وثلاثين سنة، ودفن بجانب من المسجد الجامع الذي بناه.
ومن آثاره: بناؤه المسجد الجامع بقرطبة، ولكنه مات قبل إتمامه، ودوّن الدواوين، وزيّن قرطبة بالمباني الضخمة، والحدائق الغناء، وأدار أسوارها.
وكان يقعد للعامة، وينظر أمورهم بنفسه، ومن عاداته: أن يتناول معه الطعام كل من أدركه من أصحابه وقت الطعام، وكل من وافق ذلك
من طلاب الحوائج.
وكان مديد القامة، نحيف الجسم، وقال ابن الأثير في نعته:"كان فصيحاً لسناً، شاعراً عالماً حليماً حازماً، ولا يكل الأمور إلى غيره، شجاعاً مقداماً، بعيد الغور، شديد الحذر، سخياً جواداً، وكان يقاس بالمنصور في حزمه وشدته وضبط المملكة".
ومن بديع شعره قوله متشوقاً إلى وطنه:
أيها الراكب الميمِّم أرضي
…
أقر مني بعض السلام لبعض
إن جسمي كما تراه بأرض
…
وفؤادي ومالكيه بأرض
قدَّر البين بيننا فافترقنا
…
وطوى البين عن جفوني غمضي
قد قضى الدهر بالفراق علينا
…
فعسى باجتماعنا سوف يقضي
وقال في هذا الغرض:
تناءت لنا وسط الرصافة نخلة
…
تناءت بأرض الغرب عن بلد النخل
فقلت شبيهي في التغرب والنوى
…
وطول التنائي عن بنيَّ وعن أهلي
نشأت بأرض أنت فيه غريبة
…
فمثلك في الإقصاء والمنتأى مثلي
وفي أيامه دخل الأندلس عالمان جليلان كانا قد رحلا من الأندلس إلى الشرق بعد دخوله:
أحدهما: الغازي بن قيس، دخل الأندلس بموطأ مالك بن أنس، وبقراءة نافع بن أبي نعيم، فكان عبد الرحمن يكرمه، ويواليه بالصلة في منزله.
ثانيهما: أبو موسى الهواري، جاء الأندلس، وكان قد جمع العلوم
العربية إلى علوم الدين.
وفي أيامه نشأ شاعر الأندلس أبو المخشيّ، ومما جرى لهذا الشاعر: أن مدح سليمان بن عبد الرحمن بشعر، ووقع في وهم بعض الناس أنه عرض بأخيه هشام، فتعصب لهشام أحد مريديه، واعتدى على الشاعر، فأتلف بصره، فقصد الشاعر عبد الرحمن، وأنشد بين يديه أبياتاً يقول فيها:
خضعت أم بناتي للعدا
…
أن قضى الله قضاء فمضى
ورأت أعمى ضريراً إنما
…
مشيه في الأرض لمس بالعصا
فاستكانت ثم قالت قولة
…
وهي حرّى بلغت مني المدى
ففؤادي قرح من قولها
…
ما من الأدواء داء كالعمى
فأعطاه عبد الرحمن ألفي دينار، وضاعف له الدية.
وكان نقش خاتمه: "بالله يثق عبد الرحمن، ويه يعتصم".
وقد كنت نظمت خلاصة ما تضمنته هذه القصة في موشح تحت عنوان: (صقر قريش)، وإليك هذا الموشح:
خلِّ نفسى الحر تصلى النُّوَبا
…
لا تبالي
ليست الأخطار إلا سببا
…
للمعالي
* * *
يا مكبّاً بين ظبي أدعجا
…
ومهاة
إنما الهمة في حجر الحجا
…
كالنبات
أفلا تذبل إذ تقضي الدجى
…
في سُبات
فإذا بتَّ تجاري الكوكبا
…
في مجالِ
كنت كالضرغام يمشي الهيدبى (1)
…
للنزالِ
* * *
ما لهذي السمهريات فخار
…
في الحرابْ
غير عزم هزّه حامي الذمار
…
بالتهاب
أترى الرامح (2) ذا قلب يغار
…
فيُهاب
جرَّ في الآفاق رمحاً سلهبا (3)
…
باختيالِ
وهو كالأعزل لا يلقى الظُّبا
…
والعوالي
* * *
رُبَّ كِنٍّ لا نسميه عرينا
…
في البيان
والذي يحميه لا يلوي جبينا
…
عن طعان
يحطم الطاغي لا يبقى مهينا
…
في هوان
وهزبر الغاب يعدو خببا
…
في الدِّغال
عضَّه الجوع فمدَّ المخلبا
…
لاغتيال
* * *
عاشق العلياء خض في لجج
…
من رماح
وترشف من عصير المهج
…
لا جُناح
(1) الهيدبى: ضرب من مشى الخيل فيه جد.
(2)
الرامح والأعزل: نجمان يسمى أحدهما: السماك الأعزل.
(3)
السلهب: الطويل.
يضحك الملك بثغر بهج
…
كالصَّباح
إن نكى الخصم فماجوا هرباً
…
كالثعالي (1)
وابتغاء السلم من باني الزُّبى
…
كالمحال
* * *
خاطر اليأس لدى باغي العلا
…
غير سائغْ
إن توخى عبقريٌّ أملا
…
فهو بالغ
وحياة الصقر (2) سارت مثلا
…
للنوابغ
إذ بدا في "دير حنا" وشبا (3)
…
كالهلال
وليالي الشام في عهد الصبا
…
كاللآلي
* * *
ذاق في الخامس من صدر سنيه
…
مضضا
والردى سيف بكفٍّ لا تتيه (4)
…
ينتضى
أرهف الحدَّ وأودى بأبيه
…
حَرَضا (5)
(1) جمع ثعالة، وهي أنثى الثعلب.
(2)
الصقر: عبد الرحمن بن معاوية بن هشام بن عبد الملك.
(3)
شبا؛ أي؛ نما وترعرع. يقال: شبا الشجر: طال والتف نعمة.
(4)
لا تتيه: لا تتحير ولا تضل.
(5)
أرهف الحد: فاعل أرهف ضمير الروي في البيت قبله. وحرضا: نزل به الهلاك، أو بلغ منه الحزن والهم. وهو حال من "أبيه".
هل زوت زهرته حتى هبا (1)
…
في كلال
إن في نفس تسامت حسبا
…
خيرُ وال
* * *
أبصر الجدُّ به روحَ الهمام
…
باديا (2)
كالشذا ينبئ عن زهر الكِمام
…
هاديا
وتريك الشمس في قوس الغمام
…
ماهيا
حفه عطفاً كما تسري الصَّبا
…
باعتلالِ
ويدٌ ظلَّت تحابي الأنجبا
…
لم تغالِ
* * *
ضرب الخطبُ على الملك الأثيل
…
محدقا (3)
كم دها السفاح من حُرّ نبيل
…
مرهقا (4)
وجرى المنصور في هذا السبيل
…
مُوبقا
ذهبت عصبته أيدي سبا
…
في نكالِ
وتداعى عرشه منتحبا
…
للزوالِ
* * *
(1) هبا: هلك ومات.
(2)
الجد: هشام بن عبد الملك عاشر خلفاء بني أمية، وقد ترعرع عبد الرحمن في صولته، وتولى في ظل حزمه ونعمته.
(3)
الملك الأثيل: الدولة الأموية.
(4)
هو أبو عبد الله السفاح أول خلفاء الدولة العباسية.
حدق الصقر برأي لا عجل
…
لا حَسير
وانبرى يطوي الفلا يطوي الأمل
…
في الضمير
ككَميّ فرَّ من وقع الأمل
…
ليُغير
عَمِيتْ عنه عيونُ الرُّقبا
…
والموالي
راح كالشمس تؤمُّ المغربا
…
بارتحال
* * *
جمرةُ الأضغان في ذاك الوطن
…
لافحه (1)
كم قلوب بتباريح الإِحَنْ
…
طافحه
فرصة ظلت على وجه الزمن
…
سانحه
إنما الفرصة تدني الأربا
…
بارتجالِ
والفتى يرقبها محتسبا
…
لليالي
* * *
نفض البرْدَين من نقع السفر
…
في "مليله"(2)
ماله جند سوى الرأي الأغر
…
والفضيلة
بثَّ لُسناً نفثت نفث السحر
…
في الخميلة
دعوة حل لها الشعبُ الحُبا
…
باحتفالِ
(1) تلك كانت حال الأندلس لما هبط عبد الرحمن الداخل بلاد المغرب، وهو لا يحمل غير حجاه وعزيمته.
(2)
مليلة: مدينة بالمغرب قريبة؛ من سبتة على ساحل البحر - انظر: "معجم البلدان".
يرتجي عزاً وعدلاً ذهبا
…
في ضلالِ
* * *
آب (بدرٌ) بفؤاد يتألق
…
كالجمانِ (1)
إذ رمى عن قوس داهٍ وتفوَّق
…
في الرهان
ورأى غصن الأماني كيف أوْرَق
…
في تداني
آن للصمصام أن ينتصبا
…
للصقالِ
ولغالي الدم أن ينسكبا
…
بابتذالِ
* * *
نهض الصقر ولا صيد سوى
…
تاج مُلكِ
يتهادى بعد شجو ونوى
…
بين أَيْكِ
يسبك السيرة في نهج سُوى
…
خيرَ سبك
عبر البحر يشق الحببا (2)
…
في جلالِ
أقبل الأبعد يتلو الأقربا
…
ويوالي
* * *
زج بالجند حواليْ "قرطبه"
…
في اتّساق
(1) بدر: مولى عبد الرحمن الداخل، وهو نصيره الوحيد في رحلته من الشام إلى المغرب.
(2)
الحبب: معظم الماء وطرائقه.
وغدا يوسف مما كربه
…
في خناق (1)
هو صبٌّ كيف يلوي الرقبه
…
للفراق
هاله الخطب غداة اقتربا
…
للقتال
لاذ بالرأي فأكدى وكبا
…
في خبال
* * *
خال ما نمَّق كيداً يرشقه
…
كسهام
لا يبيع المجد شهم يعشقه
…
بالحطام
لا تُسليّه فتاة ترمقه
…
بابتسام
فأراه الصقر برقاً خلبا
…
في المقالِ
وأراه الأحوذيَّ القلبَّا
…
بالفعالِ
* * *
هجم الداخل في وجه الزعيم
…
كائدا
فطوى ما خلفه طيَّ الظليم
…
شاردا
واقتفى آثاره الجيش النظيم
…
صائدا
رام "غرناطة" يبغي مركبا
…
للنضالِ
أمل أبرق حينا وخبا
…
كالذُّبالِ
* * *
(1) يوسف: هو ابن عبد الرحمن بن حبيب الفهري، وكان ولي الأمر بالأندلس عند دخول عبد الرحمن.
أغمد السيف ومد العنقا
…
للسلامْ (1)
فأراه الصقر عزماً ذلقا
…
لا ينامْ
أحرز ابنَيْهِ ليأبى الرهقا
…
في الذِّمام (2)
كان في الناس زعيماً فاحتبى باعتزال
لم يطق - كالطفل - صبراً إذ نبا
…
عن فصال
* * *
تبَّ ليل شدَّ فيه المئزرا
…
لانتقام (3)
وامتطى رأيا عقيماً أغبرا
…
كالجَهَام
ليته ما انسلَّ ليلاً وانبرى
…
في احتدام (4)
في مغاني آل هود وثبا
…
للصيالِ
هزَّ جِذعَ الأمن ألقى الطُّنبا
…
في اختلالِ
(1) لما حاصر عبد الرحمن مدينة غرناطة، وهي آخر ما التجأ إليه يوسف الفهري، اضطر يوسف إلى الصلح، فصالحه على شروط، منها: وضع ابنيه عند عبد الرحمن رهن إخلاصه الدائم.
(2)
أحرز ابنيه: أي: أخذ عبد الرحمن ابني يوسف رهينتين ليضمن وفاء أبيهما بعهد الصلح، والرهق من معانيه: الظلم والكذب، يريد: الغدر ونقض الميثاق.
(3)
لم تطل ليوسف حياة الراحة، فنقض العهد سنة 141 بعشرين ألفاً من البربر، فالتحق بطليطلة، إلا أن عبد الرحمن قام له حتى جيء إليه برأسه.
(4)
انسلّ: انطلق في الخفاء. والاحتدام: اشتداد الغيظ. يقال: احتدم صدره غيظاً، وتحدم؛ أي: تغيظ.
أرهق ابنيه جفاء وهفا
…
للرياسهْ
ما تحامى أن يكون هدفا
…
للسياسهْ
ركبت من قتل هذا سرفا
…
في الشراسهْ
وطوت هذا ليبقى حقبا
…
في اعتقالِ
سلْ به إذ فرَّ ماذا ارتكبا
…
من محالِ
* * *
قذفت نار الوغى في (ماردَهْ)
…
بالشرار (1)
أشرع الصقر قناة سائده
…
بانتصار
أطلق الفهريُّ رِجلًا جاهده
…
في الفرار
لحق الموت به واعجباً
…
للنصالِ
تنهض الحتفَ إذا ما نشبا
…
في عقالِ
* * *
بلغ الصقر من العزِّ أشدَّه
…
واستوى
لبس الحزم لمن صاعر خدَّه
…
والتوى
هو لولا بأسه يحرس بَنْدَه
…
لانطوى
سار بالأمة شوطاً عجبا
…
في اعتدالِ
لا يُرى أسرى بها أو أوَّبا
…
في ملالِ
* * *
(1) ماردة: كورة واسعة من نواحي الأندلس من أعمال قرطبة.
بعث العرفان من مرقدهِ
…
في رُواء
وعلت عنق الهدى في عهدهِ
…
كاللولاءِ
ردَّتِ الشركَ مواضي جِدِّهِ
…
في انزواء
نفثت في (شرلمانَ) الرَّهبا
…
كالسعالي (1)
هابها (المنصور) يخشى الغلبا
…
في السجالِ
* * *
لقي العمرانَ مقصوص الجناح
…
خاملا
راشه فانساب في تلك البطاح
…
جائلا
يضبط الشكوى كخصر في وشاح
…
عادلا
يمتطي المنبر يُلقى خُطبا
…
ذات بالِ
يقدمُ الناسَ إماماً مجتبى
…
بابتهالِ
* * *
رحم الله الفتى أنضى العتاقْ
…
في العلا (2)
وغدا إن عُدَّ فرسانُ السباقْ
…
أوّلا
شرب الحكمة بالكأس الدِّهاقْ
…
عَللا
عزمه كالفجر يفري الغيهبا
…
في تعالي
فهو جنديٌّ سياسيٌّ ربا
…
في كمالِ
(1) السعالي: جمع السعلاة، وهي الخبيثة من الجن.
(2)
العتاق: جمع عتيق، وهر الفرس الكريم. وأنضى العتاق؛ أهزلها بالسير.