المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌نقد اقتراح ببعض الإصلاح في متن اللغة - موسوعة الأعمال الكاملة للإمام محمد الخضر حسين - ٦/ ٢

[محمد الخضر حسين]

الفصل: ‌نقد اقتراح ببعض الإصلاح في متن اللغة

‌نقد اقتراح ببعض الإصلاح في متن اللغة

(1)

قرأت اقتراح حضرة الأستاذ أحمد أمين بك "لبعض الإصلاح في متن اللغة"، فكنت ألاقي في هذا الاقتراح آراء مقبولة، وآراء كان المجمع قد أقرها، وجرى عليها في وضع كثير من المصطلحات، وآراء يصح أن تكون موضع بحث ومناقشة، وحيث إن المجمع قد عمل منذ نشأته على القاعدة التي لا يقوم العلم الصحيح إلا عليها، أعني: منح الحرية المطلقة لكل عضو من أعضائه يريد أن يبدي رأياً، أو يناقش غيره في رأي، لم أتردد في أن أعرض على حضراتكم ما بدا لي في هذا الاقتراح من ملاحظات، وانظروا ماذا ترون:

ذكر الأستاذ في فاتحة اقتراحه: أنه يجب على اللغة أن تخضع لحياتنا، تنمو بنمونا، وتسير مع زماننا، وزمن من يأتي بعدنا، وأن تسايرنا في تقدمنا، وتكون أداة طيّعة لتطورنا، وقال: إن لغة كل أمة عنصر من عناصر تكوينها، ورقيها أو انحطاطها.

وهذا الذي قاله الأستاذ لا يختلف فيه اثنان درسا شؤون الاجتماع، وعرفا مقتضيات التطورات التي تتنقل فيها الأمم حيناً بعد حين، ولكن اللغة تخضع لحياة الأمم، وتنمو بنموها على قدر ما تدعو إليه الحاجة بحق،

(1) مجلة "لهداية الإسلامية"- الجزآن التاسع والعاشر من المجلد السادس عشر.

ص: 92

وتسايرها في تقدمها، وتكون عنصراً من عناصر رقيها متى وقع زمامها في أيد تقودها بحزم وأناة.

ذلك أن الأحوال التي تطرأ على اللغة، أو التصرفات التي يراد إدخالها عليها، قد تكون من مقتضيات التطورات التي لابدَّ منها، وقد تكون أمراضاً تنذر بموتها، أو عيوباً تذهب بكثير من محاسنها.

تحدث الأستاذ عن علماء العربية، وجمعِهم للغة في صدر الدولة العباسية، وقال: إنهم أكملوا متن اللغة بالتعريب، وبتوسيع الاشتقاق بالقياس، وسايرت حركة الاجتهاد في اللغة حركة الاجتهاد في التشريع، وقال:"ثم أصيب العرب بالضربة الشنيعة في الأمرين، وهو إقفال باب الاجتهاد في التشريع، وباب الاجتهاد في اللغة".

ادعى بعض الفقهاء أن باب الاجتهاد مقفَل عندما أدرك الهممَ ضعف، وقلَّ في الناس من يدرس الشريعة دراسة تبلغ بصاحبها أن يكون مجتهدً، ولكن الراسخين في العلم - وإن ورثوا من السلف فتاوى وأقضية وأصولاً لاستنباط الأحكام - لم ينقطعوا عن الاجتهاد جملة، وكانوا لا يبالون أن يناقشوا أقوال أئمة المذاهب، ويتخيرون من بينها ما يرونه أرجح دليلاً، وأوفى برعاية المصلحة، ثم يطبقون على الحوادث المتجددة الأصولَ العامة، أو القواعد المذهبية الخاصة؛ كقاعدة المصالح المرسلة، وقاعدة سد الذرائع، وقاعدة رعاية العرف. واستمر الإفتاء والقضاء بفضل هؤلاء العلماء الذين يملكون أنظاراً مستقلة، جارين على منهج محفوف بعدل وسداد، ولعل كلمة إقفال باب الاجتهاد في الشريعة قيلت عندما تجاسر قليلو البضاعة في العلم على الإفتاء، وأفسدوا كثيراً من الأحكام بدعوى الاجتهاد.

ص: 93

وأذكر أني كنت أنشات في تونس منذ أربعين سنة مجلة (1)، وقلت في أول عدد منها:"ودعوى أن باب الاجتهاد مغلق لا تُسمع إلا بدليل يساوي الدليل الذي انفتح به أولاً".

وأما الاجتهاد في اللغة، فلا أدري متى أقفل بابه، وما زال علماء العربية في القرن السادس والسابع والثامن يناقشون آراء المتقدمين، ويقررون آراء تخالف آراءهم؛ مثل: ابن مالك، وأبي حيان، وابن هشام، وهذا ابن تيمية - وقد أدرك صدراً من القرن الثامن - قد كتب مخطئاً سيبويه في عشرات من المسائل، وهذا كتاب "بدائع الفوائد" لابن قيم الجوزية عامر بمسائل خالف بها علماء النحو والصرف.

فإذا فقد الاجتهاد اللغوي في عصر أو في موطن، فلأن همم طلاب اللغة قعدت بهم عن أن يبلغوا مرتبة الاجتهاد في نحوها وصرفها.

ذكر الأستاذ: أنه وقع التحايل على فتح باب الاجتهاد في التشريع، وقال:"ولمالم تنجح هذه الحيل، كانت الضربة المخجلة، وهي إهمال التشريع الإسلامي، والاعتماد على التشريع الأوربي، إلا في حدود ضيقة؛ كالأحوال الشخصية".

لم يفصح قلم عن وجه التحايل، حتى نأخذ معه بأطراف الحديث عنه، ونستطيع أن نوافقه في عدم نجاحه، أو نخالفه، والذي أريد أن أقوله هنا: هو أن الاعتماد على التشريع الأوربي لم ينشأ عن فقد الاجتهاد في الأحكام الشرعية، وإنما نشأ من ناحية أن التصرف في شأن المحاكم وقع

(1) مجلة "السعادة العظمى" التي أصدرها الإمام في تونس عام 1322 هـ. انظر كتاب: "السعادة العظمى" للإمام.

ص: 94

في أيدي أشخاص لم يعرفوا كفاية الفقه الإسلامي للقضاء، او عرفوا هذا، ولكن لابستهم خواطر اتجهت بهم إلى استبدال التشريع الأوربي بالتشريع الإسلامي، ونحن نعلم أن دولة شرقية أخلت محاكمها من الشريعة الإسلامية حين ذهب بعض زعمائها إلى الطرف الأقصى في محاكاة الأوربيين، ونعلم أن أمة أخرى استبدلت التشريع الفرنسي بالتشريع الإسلامي يوم كان رئيس وزارتها لا يؤمن بحكمة الشريعة الإسلامية.

قال الأستاذ: "وأما في اللغة، فكذلك نمت اللغة العامية على حساب اللغة العربية، واستعمل الناس في حِرفهم وصناعاتهم وحياتهم اليومية الكلمات التي يرون أنفسهم في حاجة إليها، ولو أخذت من اللغات الأجنبية محرفة". ثم قال: "ولو استمروا على ذلك، كانت نتيجة اللغة نتيجة التشريع، ولا علاج لهذا إلا فتح باب الاجتهاد؛ لأن إغلاقه كان هو الداء".

لم يكن سبب نمو العامية إقفال باب الاجتهاد في اللغة، وإنما سببه قلة التعليم، وعدم وجود جماعات تسارع إلى أن تضع لكل معنى يحدث اسماً يليق به، وتذيعه بين الناس، كما فعل أصحاب العلوم فيما سلف؛ إذ رأوا أنفسهم في حاجة إلى وضع مصطلحات للمعاني التي لم يسبق للعرب أن وضعوا لها أسماء، فكثرت المصطلحات في الفقه والنحو والصرف، والفلسفة والحساب، والطب، وغيره، قال الجاحظ يتحدث عن المتكلمين:"وهم نخيروا تلك الألفاظ لتلك المعاني، واشتقوالها من كلام العرب تلك الأسماء، وهم اصطلحوا على تسمية مالم يكن له في لغة العرب اسم، فصاروا في ذلك سلفاً لكل خلف، وقدوة لكل تابع". ثم قال: "وكماسمى النحويون، فذكروا الحال والظرف وما أشبه ذلك؛ لأنهم لو لم يضعوا هذه العلامات،

ص: 95

لم يستطيعوا تعريف القرويين وأبناء البلديين علوم العروض والنحو، وكذلك أصحاب الحساب قد اختلقوا أسماء، وجعلوها علامات التفاهم".

ونبه أبو علي ابن سينا في كتاب "القانون" على طرق يسلكونها لتسمية الأمراض التي لم يضع لها العرب أسماء خاصة، فقال:"قد تلحقها التسمية من وجوه: إما من الأعضاء الحاملة لها؛ كذات الجنب، وذات الرئة، وإما من أعراضها؛ كالصرع، وإما من أسبابها؛ كقولهم: مرض سوداوي، وإما من التشبيه؛ كقولهم: داء الأسد، وداء الفيل، وإما منسوباً إلى أول من يذكر أنه عرض له؛ كقولهم: قرحة طيلانية منسوبة إلى رجل يقال له: طيلاني، وإما منسوباً إلى بلدة يكثر حدوثه فيها؛ كقولهم: القروح البلخية، وإما منسوباً إلى من كان مشهوراً بالإنجاع في معالجتها؛ كالقرحة السيروتية، وإما من جواهرها وذواتها؛ كالحمى، والورم".

فإذا كان جماعات العلوم والفنون وضعوا من المصطلحات ما ألفت فيه كتب مستقلة، ونظر الناس إلى ما صنعوه بإعجاب واستحسان، فلو أن جماعة من العلماء في العهود الماضية أقبلوا على ما يرجع إلى الصناعات والشؤون الحيوية من الأشياء المحدثة، وأخذوا يضعون لها أسماء على نحو مصطلحات العلوم، لم يجدوا - فيما أحسب - منكراً يزعم لهم أن هذا اجتهاد في اللغة، وأن باب الاجتهاد مقفل.

ذكر الأستاذ: أن اللغة واسعة سعة عظيمة أكثر من اللازم، وضيقة في مواضع أخرى ضيقاً شديداً أكثر من اللازم، ثم قال:"وعلاج ذلك في نظري أمور".

وأورد في صدر هذه الأمور: التخفيف من كثير من مفردات اللغة التي

ص: 96

في المعاجم؛ بعلة أننا لسنا في حاجة إلى الثمانين ألف مادة في "لسان العرب"، وقال: لابد من طرح بعض الألفاظ وإماتتها، إلا أن تكون مؤرخة للغة.

توضع المعجات ليأخذ الناس منها ألفاظاً يؤلفون منها خُطبهم ومراسلاتهم وأشعارهم، كما توضع لتيسر للناس فهم ما يقوله بلغاء اللغة من شعر ونثر، وليس من شك أن الألفاظ العربية التي تحتويها المعجمات هي مبثوثة في كلام العرب شعراً ونثراً، ودراسة آداب اللغة تقتضي أن نكون مستعدين لنفهم كل ما يصل إلينا من ذلك الشعر والنثر، فيحسن التخفف من مفردات اللغة في المعجمات التي توضع ليرجع إليها جمهور المثقفين في الكشف عن الكلمات التي تكثر الحاجة إليها، ولا بد لنا بجانب هذا من معجمات نتقي فيها الألفاظ الواردة عن العرب بقدر المستطاع. وقد يقول الأستاذ: هذا ما أردته بقولي: إلا أن تكون مؤرخة للغة. فنقول: لا تورد الألفاظ العربية الصحيحة في المعاجم المبسوطة لمجرد التاريخ، بل توضع لأنه يحتاج إليها في فهم شعر أو نثر قد يكون مشتملاً على حكمة بالغة، أو صورة معنى رائعة.

وأورد الأستاذ ثلاثة أنواع من الكلم رآها أولى من غيرها بالإعدام، وهي الكلمات الحوشية، والمترادفات، وأسماء الأضداد، وساق ممثلاً للكلمات الحوشية أبيات صفي الدين الحلي التي يقول في أولها:

إنما الحيزبون والدردبيس

والطخا والنُّقاخ والعلطبيس

وملاحطتنا على هذا هو ما أشرنا إليه من أن أدب اللغة يحمل كثيراً من هذه الكلمات الحوشية أو المترادفة، أو ما قيل فيها: إنها أسماء الأضداد،

ص: 97

وليس من التحقيق في العلم أن نمر على هذه الكلمات في شعر أو نثر دون أن نفهم معانيها، إلا أن يريد الأستاذ من الحكم بالإعدام: إعدام هذه الأنواع من الكلمات، وإعدام الشعر أو النثر الذي يحملها، فالحيزبون - مثلاً - ورد في شعر عبيد بن الأبرص من الجاهلية، والدردبيس وردت في شعر جزي الكاهلي، إلى غير هذا من الكلمات، بل نجد أشعار البلغاء من الإسلاميين والمحدثين عامرة بكثير من الكلمات الحوشية، وإذا صح لنا أن نقول لمن يزاولون صناعة الفصاحة: لا تستعملوا الكلمة الحوشية؛ فإنها مخلة بالفصاحة، فليس بأيدينا أن نقول لهم: لا تستعملوا هذه الألفاظ المترادفة، وهي مأنوسة الاستعمال، خفيفة على اللسان، كما أنا لا نستطيع أن نقول لهم: لا تستعملوا هذا اللفظ الذي قيل: إنه من أسماء الأضداد، فإن بأيديهم حجة قوية إذ يقولون: نحن أعرف بما يقتضيه المقام، ونفرق بين الكلام الذي يجب أن يكون نصاً صريحاً فيما يراد منه؛ كالمؤلفات العلمية، وعقود المعاهدات والمعاملات، والكلام الذي يحسن أن تقوم فيه القرائن الجلية مقام التصريح، أو القرائن الخفية مقام القرائن الجلية، أو يقوم فيه الإبهام مقام الإيضاح، ولا يمتري أحد في أن كثيراً من المراسلات والمحاصرات الأدبية والسياسية تقوم على البراعة في هذا الأسلوب من الكلام، وقد يكون لنحو التورية والتوجيه والإبهام أغراض نبيلة، وصور من المعاني تستروح إليها النفوس، ويزداد بها أدب اللغة ثراء يغبط عليه.

ورأى الأستاذ أن المترادفات لازمة للشعر العربي حيث تلتزم وحدة القافية والروي في القصيدة الطويلة، وأشار على الشعراء أن يهجروا هذه الطريقة، ويأخذوا بطريقة تعدد القافية حتى يمكن تنفيذ حكم الإعدام على

ص: 98

كثير من المترادفات، وقال:"وما علينا لو تعددت القوافي في القصيدة الواحدة؟! فذلك أروح للسمع، وأفسح مجالاً للشاعر".

وحدة القافية والروي أو تعددهما أمر لا تسيطر عليه المجامع، وإنما هو متروك إلى ذوق الشاعر نفسه، والأذواق في مثل هذا تختلف باختلاف العصور، بل الأشخاص؛ ولا ينبغي -فيما أرى- أن نصرف الشعراء عن وجهة قد تكون ملائمة لأذواق كثير منهم، وهي وحدة القافية والروي، ونقصرهم على وجهة تعددهما، ونضطرهم إلى ذلك بإعدام وسيلة وحدة القافية، وهي المترادفات.

ثم تحدث الأستاذ عن المشترك، فقال:"ولكن لا أريد حذفه بتاتاً كما أريد حذف المتضاد، فالحاجة إليه شديدة، ولكن أريد التخفف منه قدر الإمكان".

يحسن التخفف من المشترك في المعجمات التي يراد منها إسعاف الجمهور؛ بأن تذكر فيها المعاني التي أكثر استعمال اللفظ المشترك فيها، وتترك المعاني التي قلما يستعمل فيها ذلك اللفظ، ولكن يجب أن نستوفي في المعاجم المبسوطة معاني الألفاظ المشتركة إجابة لداعي أدب اللغة؛ فإن معاني هذه الألفاظ قد عرفت من الشعر والنثر العربي القديم، وصارت مبثوثة في المنشآت التي حدثت في القرون الوسطى، أو في العصور القريبة من عصرنا.

ثم تعرض الأستاذ لصيغ الزوائد؛ كأفعل، وفعَّل، وفاعل، وانفعل، وافتعل، واستفعل، وذكر ما قاله النحاة في معانيها، وقال: "وجه العيب أنهم قصروا ذلك على ما سمع، ولم يبيحوا لعلماء اللغة أن يتوسعوا في هذا

ص: 99

الاستعمال متى احتيج إليه، واقترح على المجمع أن يقرر قياسية ذلك".

قد قرر المجمع قياسية أفعل وفعَّل مستأنساً بنصوص بعض أئمة اللغة على قياسيتها، ونعلم أن بعض أئمة العربية قرر قياسية انفعل مطاوعاً ليفعل أو أفعل، أما المطاوع لفعل، فقد قال علماء الصرف: إذا أردت أن تجعل المتعدي لازماً، فالطريقة فيه أن ترده إلى باب انفعل، وأما المطاوع لأفعل، فقد صحح قياسيته ابن عصفور، وأما استفعل بمعنى طلب الفعل، فقد ذهب بعض الأئمة إلى أنه سماعي، وظاهر كلام ابن سعيد السيرافي أنه قياسي؛ إذ قال: أصل استفعلت الشيء في معنى: طلبته، واستدعيته، وهو الأكثر، وما خرج عن هذا، فهو يحفظ، وليس بالباب.

وقد وجدت في بعض مذكراتي عبارة يغلب على ظني أني نقلتها من "شرح المكمل على المفصل" لمظهر الدين محمد، ونصها:"فالباب في استفعلت الشيء أن يكون للطلب، أو الإصابة، وما عدا ذلك، فإنه يحفظ حفظاً".

ومما يلاحظ هنا: أن الأستاذ حرص على تصحيح كلمة "خابره" قياساً على قول العرب: نابأه، وأبدى هذا الحرص عقب دعوته إلى استبعاد كثير من المترادفات في معاجمنا، فهل يريد الأستاذ استبعاد المترادفات المسموعة، وتكثير مواد المترادفات المصنوعة بيد القياس؟

على أني لا أرى مانعاً من جعل صيغة فاعل لمعنى المشاركة في الفعل قياسية؛ لكثرة ترددها في النصوص العربية.

قال الأستاذ: "وكذلك الشأن في المصادر، فقد نصوا على أن الفعل إذا دل على حرفة، فقياس مصدره فِعالة؛ كالخياطة والحياكة، فلنعمم ذلك

ص: 100

إذا شئنا؛ كالبرادة والنقاشة".

ذكر الأستاذ في هذه الفقرة أن النحاة نصوا على أن فِعالة مصدر قياسي للفعل الذي يدل على حرفة، فما وجه التوقف إذن في أن نقول: برادة، ونقاشة؟! وممن نص على قياسيته: ابن عصفور؛ فقد نقل عنه الأزهري وغيره أن فِعالة مصدر قياسي في كل فعل ثلاثي دل على حرفة، أو ولاية، سواء أكان مفتوح العين، أو مكسورها، وسواء كان متعدياً، أو لازماً.

وقد استأنس المجمع بمثل هذه النصوص، فقرر قياسيته، ونص القرار:"يصاغ للدلالة على الحرفة وشبهها من أي باب من أبواب الثلاثي مصدر على وزن فِعالة".

قال الأستاذ: "وفَعَلان يدل على التقلب؛ كالجولان والغليان، فنقيسه في مثله متى احتجنا إلى ذلك، ولو لم ينصوا عليه".

لا داعي لهذا الاقترح، وقد قرر المجمع فيما سلف قياسية هذا المصدر، ونصه: يقاس المصدر على وزن فَعَلان للفعل اللازم مفتوح العين إذا دل على تقلب واضطراب.

قال الأستاذ: "وصيغة فَعَّال تطلق على صاحب الحيوان، ومروضه، فقالوا: فيل وفيّال، فلم لا نقول إذا احتجنا: قرد وقرّاد، وكلب وكلَّاب، وهكذا؟ ".

تكلم النحاة على استعمال فعّال للنسب، ونقلوا عن سيبويه أنه سماعي، ونقلوا عن المبرد أنه قياسي، فيقال لصاحب الفاكهة: فَكَّاه، ولصاحب البر: برَّار ولصاحب الشعير: شعّار؛ كما قالوا: عطّار وبزّاز.

وقال ابن سيده في "المخصص": فرق حُذّاق النحويين بين فاعل

ص: 101

وفعّال، فقالوا: الباب فيما كان ذا شيء، وليس بصنعة يعالجها: أن يجيء على فاعل؛ لأنه ليس فيه تكثير؛ كقولنا لذي الدرع: دارع، ولذي اللبن: لابن، والباب فيما فيه صنعة ومعالجة: أن يجيء على فعّال؛ كالبزّاز والنجّار، وقد يستعمل أحدهما في موضع الآخر؛ نحو: ترّاس لصاحب الترس، وقد يستعمل في الشيء الواحد لفظان؛ نحو: رجل سائف وسيّاف. ومقتضى كلام ابن سيده أن نقول: قارد لمن له قرد، وقرّاد لمن يسوس القرود، على أن المجمعات قد نعتت أنه يقال لسائس القرود: قراد، قال صاحب "القاموس": والقرد معروف، والقرّاد: سائسه.

قال الأستاذ: "كذلك من أصعب الأبواب وأكثرها غلطاً في العربية المذكر والمؤنث"، وذكر ألفاظاً معانيها مذكرة، وقد لحقتها الهاء، وهي: راوية وعلّامة ونسّابة.

ثم ذكر ألفاظاً دالة على أوصاف خاصة بالإناث جاءت خالية من الهاء، وهي: كاعب، وناهد، وذكر ألفاظاً تستعمل للذكر والأنثى خالية من علامة التأنيث، وهي: أملود، وظهير، وضامر، وقال:"إن هناك الحيرة في أسماء هي مؤنثة أم مذكرة؛ كالدرع، والصاع، والسكين، والدلو، والسوق، والعسل، والدوح".

وقال: "فيجب العمل لتسهيل هذه الصعاب المربكة، والجرأة في تنظيمها، ووضع قواعد عامة، ولو خالفنا فيها بعض النصوص".

للأستاذ أن يضع قاعدة تخالف نصوص النحويين، وللمجمع أن ينظر في هذه القاعدة، ويزنها بمقاييس اللغة المأخوذة من موارد الكلام الفصيح، وليس للأستاذ أن يضع قاعدة تبطل استعمالاً شائعاً في نصوص الفصحاء،

ص: 102

وتفرض على أبناء العربية استعمالاً لم يألفوه فيما ينطق به فصحاؤهم في القديم والحديث، والهاء في راوية الشعر، وعلاّمة ونسّابة ونحوها للمبالغة، وأي ضرر في استعمال الهاء للمبالغة حيث لا يحتمل المقام إرادة التأنيث؟. وجاء الأستاذ بقواعد ليضبط بها باب التذكير والتأنيث، وقال أولاً:"جواز تأنيث كل مؤنث بإلحاق تاء التأنيث إليه، فيقال: هي كاعبة، وناهدة، وشاب أملود، وجارية أملودة، وجمل ضامر، وناقة ضامرة".

الأوصاف التي تختص بها الإناث مثل: كاعب وناهد وطالق يلتزم فيها حذف الهاء؛ لأن الهاء يؤتى بها في الأصل للفرق بين المذكر والمؤنث، فاستغني عنها في مثل هذه الأوصاف؛ لظهور التأنيث من نفس الوصف، ومع هذا، فقد قال النحويون: إذا أريد منه معنى الفعل؛ كأن يقال: طالقة غداً، جاز أن تلحق الهاء إجراء له مجرى الفعل، أما ما لا يختص بالإناث، كأملود وضامر، فلا مانع عندي من أن تلحقه الهاء على وجه الجواز، فقد ورد في المعجمات: أملودة، وضامرة، وظهيرة، قال صاحب "القاموس": شاب أملود، وجارية أملودة. وقال صاحب "اللسان": وناقة ضامر ذهبوا إلى النسب، وضامرة. وقال: بعير ظهير: إذا كان شديداً قوياً، وناقة ظهيرة.

ومن القواعد التي قصد بها الأستاذ تنظيم باب التأنيث والتذكير قوله: كل ما ليس مؤنثاً حقيقياً؛ كأسماء الجماد، إذا لم تكن فيها علامة التأنيث؛ كالدلو والبئر والأرض والسماء والنجم، يجوز تذكيره وتأنيثه؛ لما حكى صاحب "المصباح" عن ابن السكيت، وابن الأنباري؛ إذ قالا: إن العرب تجترئ على تذكير المؤنث إذا لم تكن فيه علامة التأنيث!!

الألفاظ التي تخلو من علامة التأنيث، وسُمع من العرب تأنيثها يقسّمها

ص: 103

علماء اللغة إلى قسمين: ما يجب تأنيثه، وما يجوز تأنيثه وتذكيره، وقد تعرض لجمعها بعض كتب فقه اللغة؛ كـ "المخصص"، أو كتب النحو؛ ككتاب "المكمل في شرح المفصل"، وقصد بعضهم إلى جمعها مستقلة؛ كما صنع ابن جني، وابن الحاجب، وكنت منذ عهد بعيد قد تتبعتها في هذه المؤلفات وغيرها، فبلغت نحواً من مئة وستين اسماً، وقد تختلف عبارتهم في واجب التأنيث وجائزه، وإذا نحن أتينا إلى كل ما روى فيه أحد العلماء الوجهين من التذكير والتأنيث، وجعلناه في قبيل المتفق على أنه جائز التأنيث، بقي لنا فيما يجب تأنيثه نحو أربعين كلمة ونيف، وهذا المقدار قريب المأخذ متى أردنا المحافظة على ما هو جار في الاستعمال الفصيح.

ثم إن من ينظر في اللغة الألمانية يجد كلماتها التي يرجع تأنيثها إلى السماع لا تكاد تدخل تحت حساب، فهل خطر على بال طائفة من علمائها أن يبدلوا هذا الوضع من أوضاعها بدعوى أنه فوضى واضطراب؟. ثم إن وجود هذا القسم - أعني: واجب التأنيث - هو الذي يشهد له الاستعمال المعروف في الكلام الفصيح، وقرر جمهور علماء العربية التزام هذا الاستعمال، ولكن بعض اللغويين أجازوا نحو: الشمس طلع، والسماء أمطر، والأرض اخضرّ، قال الألوسي في "شرح ضرائر الشعر":"وعن ابن كيسان الجوهري أن الفعل إذا كان مسنداً إلى ضمير المؤنث المجازي لا يجب إلحاق علامة التأنيث به".

ورأى الأستاذ أن يعد في اللغة ما استعمله أبو تمام والبحتري والمتنبي وأبو العلاء، ومن أتى بعدهم على منوالهم، وقال: فإذا استعمل هؤلاء لفظة،

ص: 104

أو تعبيراً لم يرد في المعاجم، ووجدناه صالحاً يسد حاجة من حاجتنا، استعملناه.

هذا الذي قاله الأستاذ قد ذهب إليه بعض علماء العربية قديماً، وقد استشهد الزمخشري في "تفسيره" ببيت لأبي تمام، وقال: وهو - وإن كان محدثاً لا يستشهد بشعره في اللغة - فهو من علماء العربية، فاجعل ما يقوله بمنزلة ما يرويه.

واستشهد أبو علي الفارسي في كتاب "الإيضاح" ببيت لأبي تمام كان سيف الدولة يعجب به، وينشده كثيراً.

واستشهد الرضي في عدة مواضع من "شرح الكافية" بأشعار أبي تمام، وجرى على هذا المذهب: الخفاجي في الاستشهاد بشعر المتنبي. وقال في شرح "درة الغواص": أجعل ما يقوله المتنبي بمنزلة ما يرويه. واستشهد ببيت لابن دريد، وقال: وابن دريد إمام ثقة نعد ما يقوله بمنزلة ما يرويه.

وتجاوز الأستاذ هذه الطبقة من علماء العربية، وقال:"وإذا استعمل المقري التذكرة بمعنى الرقعة التي يكتب فيها للتذكر، فهي عربية، والألفاظ الاصطلاحية التي استعملها ابن خلدون ليسد بها حاجته في علم الاجتماع عربية، فهل علينا أن نعد ما استعمله أبو تمام وأضرابه عربياً؛ لأنهم عُرفوا بإتقان الرواية، وسعة الاطلاع، وطول الباع في صناعة البيان، وذلك مما يجعل الخطأ فيما استعملوه من الكلمات والأساليب بعيد الاحتمال".

ومن موجبات الفوضى في اللغة: أن نعمد إلى ما يستعمله المؤلفون، ولو لم يتصدوا لرواية اللغة، وبعد عهدهم من العهود التي كانت فيها اللغة

ص: 105

على الألسنة نقية؛ كالمقري، وابن خلدون، ونجعله عربياً، والطريقة السليمة -فيما أرى-: أن ننظر إلى ما يستعمله هؤلاء المؤلفون من الكلمات التي لا تحتويها المعاجم العربية، ونعرضها على مقاييس اللغة، فإن لم تدفعها، تلقيت بالقبول؛ ككلمة التذكرة؛ فإن عربيتها مسلَّمة؛ إذ ليس فيها سوى التسمية بالمصدر، واستعمال المصدر فيما يقوم به، أو يقع عليه، قياس مطَّرد، أما إن كانت مثل كلمة: صدفة، أو كلمة: عمولة، فلا أرى وجهاً لعدها في قبيل اللغة العربية، وإدخالها في المعاجم.

وليسمح الأستاذ بأن أتقدم له بسؤال: هو أنه قال في هذا المقال: "الصعوبة المربكة"، فهل أراد الأستاذ عندما استعمل كلمة: مربكة أن تعد عربية صحيحة، وتدخل في المعجمات الجديدة، أو أنه كتبها على وجه السهو، وكلنا يقع في مثل هذا السهو؟ فإن كتبها على أن تعد عربية، مع وجود ربك، فقد أعان على تكثير المترادفات، وهو يدعو بإلحاح إلى أن نستبعد كثيراً منها، وإن كان كتبها على وجه السهو، فلم لا يحمل ما كتبه المقري، أو ابن خلدون؛ مما لم يسمع، ولم يدخل تحت قياس، على أنه مصدر سهو؟.

ذكر الأستاذ: أن من أشق الأمور على دارس اللغة العربية: وزن الفعل الثلاثي ماضيه ومضارعه، ومشى في تصوير هذه الصعوبة حتى قال:"ولو ترك هذا الأمر على حاله، ما أمكن النطق الصحيح الدائم، مهما طال الزمن، وكثر الدرس".

في الأفعال الستة صعوبة، ولكن متى قرر المجمع التزام شكل الحروف، وصار الناشئ يقرأ الأفعال الكثيرة الاستعمال في الكلام على وجهها الصحيح؛

ص: 106

لكثرة ما يسمعها، أو تقع عليها عينه وهي واضحة الشكل، لم تبق إلا الأفعال القليلة الاستعمال، فربما لقي فيها صعوبة عادية حيث يحتاج في معرفة بابها إلى مراجعة بعض المعجمات.

قال الأستاذ: وقد أدرك هذه الصعوبة بعض العلماء قبلنا، فاجتهدوا فيها، فقد روى "القاموس" في مقدمته عن أبي زيد الأنصاري:"إذا جاوزت المشاهير من الأفعال التي يأتي ماضيها على فعل، فأنت في المستقبل بالخيار، إن شئت قلت: يفعُل - بضم العين -، وإن شئت قلت: يفعِل -بكسرها -".

إنما تحدث أبو زيد على أفعال المضارعة للفعل الذي لم يسمع مضارعه، وذلك الذي فهمه أهل العربية فيما رأينا، وقد تصدى المرتضى في "التاج" لزيادة شرح هذه العبارة، وقال: ويريدون بمجاوزة المشاهير: أن يرد عليك فعل لا تعرف مضارعه بعد البحث في مظانه، أما إذا ورد في بعض المعجمات أنه من باب نصر، أو من باب ضرب، فيتعين الوجه الذي جاء في المعجمات. وهذا صاحب "المصباح" يقول:"وإن لم يسمع في المضارع بناء، فإن شئت ضممت، وإن شئت كسرت، إلا الحلقي العين أو اللام، فالفتح للتخفيف، وإلحاقاً بالأغلب".

قال الأستاذ: "وهو اجتهاد حسن لا بأس به، ولكن يجب أن يكون لنا من الحق ما لأبي زيد، فننظم الأفعال الثلاثية كلها، ولا نقتصر على ما كان من باب فعل، ولا نجيز أن يكون مضارع فعل من باب ينصر أو يضرب، فإن هذه توسعة ضارة لا حاجة إليها، بل نكتفي بوزن واحد، وليكن وزن يضرب".

اجتهاد أبي زيد على وجه الذي فهمه علماء اللغة حسن لا بأس به،

ص: 107

ولنترك مناقشة الأستاذ في تنظيمه للأفعال الثلاثية حتى يفصله، ومتى كان الأستاذ يريد من قوله:"ولا نجيز أن يكون مضارع فعل من باب ينصر"، فعد الذي لم يسمع مضارعه، فله أن يكتفي بوزن واحد، ولا يحجر على غيره أن ينطق به على وزن ينصر ما دامت قواعد اللغة تسمح بذلك.

قال الأستاذ: "فإذا جاز لأبي زيد أن ينظم بعض التنظيم، فنحن أحق ما نكون للتنظيم الكامل، وأقدر منه".

يعمل أبو زيد وأمثاله لتنظيم اللغة في دائرة الإبقاء على أوضاعها ومقاييسها المنظور فيها إلى استعمال فصائحها، ولسنا أقدر منهم على هذا التنظيم المعقول. أما التصرف في اللغة بنحو الهدم والتغيير والتبديل، فغير علماء العربية أسرع إليه، وأقدر عليه من علماء العربية.

قال الأستاذ: "وهناك أبواب أخرى في اللغة العربية مسببة للخلط والاضطراب؛ كباب التعدي واللزوم، وباب العدد، والمصادر، وكثرتها وبعثرتها، وجموع التكسير واضطرابها

إلخ، وكلها تحتاج إلى ضبط، ولو بتضحية أرجئ القول فيها إلى فرصة أخرى".

ذكر الأستاذ في الأبواب التي يراها مسببة للخلط والاضطراب: باب العدد، وأذكر بهذه المناسبة أن شخصاً كتب في إحدى المجلات مقالاً حاول فيه قلب بعض الأوضاع العربية، وذكر في جملتها تذكير العدد للمؤنث، وتأنيثه للمذكر، واقترح تغيير هذا الوضع.

ونحن نعود فنقول: إن الأخذ بمثل هذا الاقتراح ينحرف بنا عن الغرض النبيل، وهو المحافظة على سلامة اللغة العربية؛ إذ هو اقتراح لإعدام شيء من مميزاتها، ولو مشينا في هذا السبيل، لكنا نعمل لإفناء اللغة العربية،

ص: 108

وإحداث لغة أخرى.

ذكر الأستاذ: أن فتح باب الاجتهاد في اللغة لتنظيمها لا يكون إلا بالاعتقاد بأن اللغة ملكنا، وقال:"نتصرف فيها كما يتصرف الملاك بالهدم والبناء، والتغيير والتبديل".

ليست اللغة ملكاً لأفراد، ولا لجماعات قليلة العدد، وإن رأوا في أنفسهم الكفاية للتصرف معها بالهدم والبناء، والتغيير والتبديل ما رأوا، وإنما هي ملك للأمة التي تنطق بها، والناطقون باللغة العربية شعوب يبلغ عددهم نحواً من ستين أو سبعين مليوناً، ومن بين هذه الشعوب علماء درسوا اللغة دراسة ملأت نفوسهم بالإعجاب بها، والحرص على سلامتها، وإنما يطمحون إلى تكميل حاجاتها بنحو وضع مصطلحات لما يتجدد من العلوم والفنون، ووضع أسماء لما يتجدد من مقتضيات المدنية، إلى نحو هذا مما تسعه مقاييسها، ويشر طرق تعليمها، والمجمع ألّف في مصر للمحافظة على سلامة اللغة العربية، وهذا ماجعل الشعوب العربية - ومن بينها مصر - تقدره، وتعلق عليه أمل القيام بالمهمة التي ألقيت على عاتقه، وتسائل كل ركب عن سيرته، وعما قرر في مؤتمراته، فإن أراد المجمع أن يتصرف في اللغة بالهدم والبناء، والتغيير والتبديل، فإنما يريد العمل لإيجاد لغة إقليمية، لا للمحافظة على سلامة اللغة العربية.

قال الأستاذ: "وأخيراً نستخلص من هذا كله مبدأ واحداً، وهو تقرير فتح باب الاجتهاد في اللغة؛ لتنظيمها، وضبط الفوضى فيها".

لا نرى باب الاجتهاد في اللغة مقفلاً، ولكن للاجتهاد فيها حدود، متى تخطاها الناظر، خرج إلى تفكير لا يسمى اجتهاداً في اللغة العربية، وإنما

ص: 109

المجتهدون في اللغة من يستكثرون من حفظ ألفاظها، ويمعنون النظر فيما يراد بها من المعاني، ثم يقبلون على النظر في كلام العرب، فيستخرجون المقاييس التي يقوم عليها الاشتقاق، والنظم التي تراعى في التراكيب.

قال الأستاذ: "ثم لا خطر من هذا الاجتهاد في اللغة مطلقاً متى أحكم طريقه، ومتى حوفظ على مقومات اللغة، وليست مقومات اللغة [في]، ألفاظ تحذف، وألفاظ تزاد، ولا في هذه الفوضى في كثير من الأبواب، إنما مقومات اللغة في هيئتها، وبناء كلماتها، وطريقة الاشتقاق، ونحو ذلك".

نوافق الأستاذ في أنه لا خطر على اللغة من الاجتهاد في اللغة مطلقاً متى أحكم طريقه، ومتى حافظ المجتهد على مقومات اللغة، ولم يمد يده إلى هدم وضع من أوضاعها التي عرفت بها، أو جرى عليها بلغاؤها بدعوى أنها فوضى منتشرة في أبوابها.

ص: 110