الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
اسم المصدر في المعاجم
(1)
يقوم المجمع اليوم بعمل معجمين: المعجم الوسيط، والمعجم التاريخي الكبير؛ ليخرج للناس معاجم تمتاز عن المعاجم السابقة بترتيب يجعل الاستفادة منها أيسر، وبعبارات تعرض المعاني في أجلى صورة، علاوة على الداعها ألفاظاً وضعها المجمع، أو أقر وضعها؛ استيفاء لمقتضيات العلم والحضارة.
وهذا الاتجاه الموفق دعاني إلى أن أطرح على بساط المؤتمر الموقر بحثًا في كلمة ترد في المعاجم على وجه غير منضبط، وغير واضح وضوحًا يسارع بمعناها إلى أذهان عامة المطالعين. وهذه الكلمة هي: اسم المصدر، الذي يشيرون إليه بعد ذكر الفعل أو المصدر أو الوصف بقولهم:"اسم المصدر كذا"، أو "الاسم منه كذا"، أو "الاسم كذا"، أو "وكذا الاسم".
توجد هذه الكلمة في المعاجم القديمة؛ ككتاب "الصحاح"، "والمخصص"، "والجمهرة" لابن دريد، "والنهاية" لابن الأثير، "والقاموس المحيط"، "ولسان العرب"، و"المصباح"، كما توجد في المعاجم الحديثة؛
(1) ألقى الإمام هذا البحث في الجلسة التاسعة لمؤتمر مجمع اللغة العربية بالقاهرة (18 يناير 1950) ووفق على إحالته إلى لجنة الأصول. ونشر في الجزء الثامن من مجلة "مجمع اللغة العربية" سنة 1955.
كـ "البستان"، "وأقرب الموارد"، ولا تخلو منها كتب الأدب؛ كـ "الكامل" للمبرد، و"الأمالي" لأبي علي القالي، بل توجد في عبارات يعزوها بعض أصحاب المعاجم إلى الأقدمين من علماء العربية؛ كالخليل، وسيبويه، وأبي عبيدة.
ودخلت هذه الكلمة في كتب العلوم الأخرى، وذاعت في شروحها وحواشمِها، حتى انساقت إلى التفسير، وشروح الحديث عندما يرد شيء من أفرادها في القرآن الكريم، أوالحديث الشريف، وجرت على ألسنة الفقهاء عند تعريف بعض الحقائق الشرعية؛ كالطهارة، والسرقة، والعطية.
ولا أحسب أن في اللغات الواسعة النطاق لغة تخلو من اسم المصدر، وأعرف أن في اللغة الألمانية مصدراً infinitive، واسم مصدر substantivischer infinitive، والقصد من كلمتنا هذه يرجع إلى أربعة أهداف:
أولها: بيان ما هو اسم المصدر في عرف علماء العربية.
ثانيها: عرض أمثلة ترون فيها كيف اختلف أصحاب المعاجم في تمييز اسم المصدر عن المصدر، وساروا في ذكره على طريقة غير منتظمة.
ثالثها: أسباب هذا الاختلاف.
رابعها: البحث عما ينبغي أن نأخذ به في المعاجم التىِ بين أيدينا عندما يقتضي الحال ذكر هذا الصنف من المشتقات.
* ما اسم المصدر؟ وما الفرق بينه وبين المصدر؟
حيث جعلنا الهدف الأخير لهذا البحث: لفتَ نظر المجمع إلى رسم الطريقة التي. ينبغي أن تسير عليها معاجمنا في الصيغ التي تسميها المعاجم السابقة: اسم المصدر، رأيت أن أضع على وجه التذكرة أمام المجمع مذاهب
علماء العربية في هذا المصطلح، وما قرروه في الفرق بينه وبين المصدر، فأقول:
اسم المصدر: كلمة جرى عرف علماء العربية باستعمالها في نوع خاص من الكلمات المشتقة، يجري بحثها في علمي الصرف والنحو، ينظر الصرفيون في بحثها إلى حال بنيتها واشتقاقها، ويبحثها النحويون من جهة إعرابها، وعملها عمل المصدر في نحو الفاعل والمفعول، ويتناول كل منهما عند شرح معناها الفرق بينها وبين المصدر.
يقسم بعض النحويين اسم المصدر إلى ثلاثة أقسام:
أحدها: الاسم المشتق من المصدر بزيادة ميم في أوله؛ نحو: ضرب مَضْرِباً؛ أي: ضرباً، وأكرم مُكرماً؛ أي: إكراما .. وليس هذا موضع بحثنا؛ لأنه من الصيغ المطردة المنضبطة، فلا يقع في اشتقاقه غلط، ولا في معناه التباس. على أن كثيراً من النحويين والصرفيين يسمونه: مصدراً ميمياً، لا اسم المصدر.
ثانيها: اسم يدل على ما يدل عليه المصدر، ويجري عليه من الأحكام ما يجري على بعض الأعلام؛ من البناء، أو المنع من الصرف؛ نحو: برة غير مصروف بمعنى: المبرة، وفجارِ مبنياً على الكسر بمعنى: الفجور، ونظيره بدادِ، ومعناه: البدة، أو المبادة، وهي التفرق، وهمامِ، ومعناه: الهمة، وصلاحِ، ومعناه: المصالحة، وورد إطلاق اسم المصدر على هذا النوع في كتاب سيبويه إذ قال: ومما جاء اسماً للمصدر: قول الشاعر:
إنا اقتسمنا خطتينا بيننا
…
فحملت برة واحتملت فجارِ
وليس هذا النوع أيضاً موضع بحثنا؛ لأنه يمتاز عن المصادر بما أجري
عليه من أحكام العلم، وهي ألفاظ محصورة في المعاجم ليست بكثير.
ثالثها: اسم دال على معنى المصدر، ولكنه يخالف المصدر في عدم جريانه على الفعل الذي يجري عليه المصدر، نحو: الصلح اسم مصدر للمصالحة، فالمصالحة مصدر لصالَحَ، والصلح اسم للمصدر؛ أعني: المصالحة؛ لأنه لا يجري على فعل صالَحَ.
وهذا النوع هو الذي نريد بحثه في هذا الحديث، ونعنيه باسم المصدر، أو هو الذي اختلفت كلمة النحاة في تعريفه، وافترقت المعاجم في إيراده بين المشتقات.
وإليكم بعض النصوص المعبرة عما يراد منه، الكاشفة عما بينه وبين المصدر من فروق. وستلمحون في نصوص أولئك الباحثين اختلافاً أدى إلى ما ألفوه من حرية الرأي، وإطلاق الفكر في مجال الاجتهاد، ولا يضر الاختلاف الصادر عن حرية واجتهاد ما دام وراءه نقد بريء يميز الراجح من الضعيف، والمخطئ من المصيب.
والنصوص التي سنسوقها في التعريف باسم المصدر بعضها يبين الفرق بين المصدر واسم المصدر من جهة اللفظ، وبعضها يبين الفرق بينهما من جهة المعنى.
قال أبو إسحاق الشاطبي في "شرح الخلاصة":
"اسم المصدر يطلق عند النحويين بإطلاقين: أحدهما: أن يكون معناه الاسم المشتق من المصدر بزيادة ميم في أوله؛ كقولك: ضرب مضربًا، وقتل مقتلًا، وأكرم مكرمًا (1). والثاني: أن يكون معناه: الاسم الدال على
(1) وهذا هو الذي أشرنا إليه آنفاً، وقلنا: لا نقصد إلى بحثه في هذه الكلمة.
معنى المصدر المخالف له بعدم جريانه على فعله، ومثاله: الكلام، والسلام، والعون، والكبر، والطاقة، والطاعة، والعطاء، والعسرة، والثواب؛ فإن هذه الكلمات ونحوها غير جارية على أفعالها: والجاري على سَلَّم: التسليم، وعلى كَلَّم: التكليم، وعلى أَعان: الإعانة، وكذلك سائرها؛ أي: والجاري على تكبر: التكبر، وعلى أطاق: الإطاقة، وعلى أطاع: الإطاعة، وعلى أعطى: الإعطاء، وعلى أعسر: الإعسار، وعلى أثاب: الإثابة، فالجاري هو المصدر، وغير الجاري هو اسم المصدر".
وقد رأيتموه كيف أتى بهذه الأمثلة من الصيغ التي جاءت حروفها أقل من حروف الفعل، وهذا ما يصرح به جمهور النحويين؛ إذ يجعلون الفرق بين المصدر واسم المصدر في اللفظ: أن تكون أحرف اسم المصدر أقل من أحرف الفعل، فإن ساوت أحرفُ الصيغة أحرفَ الفعل، أو كانت أزيدَ منها، فذاك هو المصدر، والظاهر أن أبا إسحاق يريد بجريان المصدر على فعله: أن يكون المصدر مشتملًا على أحرف الفعل، سواء كانت أحرفه مساوية، أو أزيد، ويعدم الجريان على الفعل أن تكون أحرفه أنقص من أحرف الفعل، فيدخل في تعريف المصدر: المصادرُ غير القياسية، وهي المصادر الشاذة الموقوفة على السماع، فتكون الصيغ التي تدل على الحدث: مصادر قياسية، ومصادر سماعية، وأسماء مصادر.
وقد ذكر ابن القيم في كتاب "بدائع الفوائد" هذا الفرق، فقال: "إن المصدر هو الجاري على فعله الذي هو قياسه؛ كالإفعال من أفعل، والتفعيل من فَعَّل، والانفعال من انفعل، والتفغُّل من تفغل، وأما السلام والكلام، فليسا بجاريين على فعليهما، ولو جريا عليه، لقيل: تسليم، وتكليم.
وإذا كان المصدر ما يجري على قياس فعله، واسم المصدر ما لا يجري على قياس فعله، بقيت المصادر التي لا تجري على قياس فعلها، وهي المصادر السماعية، خارجة عن التعريفين؛ أي: تعريف المصدر؛ لأنها غير جارية على فعلها، وعن تعريف اسم المصدر؛ لأنها تجيء مساوية للفعل بأحرفها، أو أزيد منها.
والفرق بين المصدر واسم المصدر في اللغة الألمانية من جهة اللفظ: أن المصدر ما كان منتهياً بحرفي en دائماً؛ نحو: kammen المجيء gehen: الذهاب.
وأما اسم المصدر، فإنه يأتي في صيغ مختلفة.
هذا ما يقرره علماؤنا من الفرق بين المصدر واسم المصدر من جهة اللفظ، وأما الفرق بينهما من جهة المعنى، فقد افترقوا في ذلك على ستة مذاهب:
1 -
أن اسم المصدر يدل على ما يدل عليه المصدر؛ أعني: الحدث، فهما في المعنى سواء، وإنما الاختلاف بينهما في اللفظ فقط، وهذا ما يوافق قول الشاطبي فيما نقلناه عنه في تعريف اسم المصدر:"الاسم الدال على معنى المصدر، المخالف له بعدم جريانه على فعله"، وقال ابن مالك في "التسهيل": "اسم المصدر هو ما دل على معناه
…
" إلخ.
2 -
أن معنى اسم المصدر: هو لفظ المصدر من حيث دلالته على الحدث، فتكون دلالة اسم المصدر على الحدث بواسطة دلالته على لفظ المصدر، فمدلول عطاء: لفظ: الإعطاء؛ من حيث دلالة الإعطاء على المعنى الصادر من الفاعل، وهو المناولة، وهذا الرأي - وإن اختاره بعض كبار
النحويين؛ كأبي حيان - نراه بعيداً، ودعوى أن العربي عندما يعبر بلفظ الإعطاء يريد به نفس الفعل، وإذا عبر بالعطاء يريد منه: كلمة الإعطاء؛ ليتوصل منها إلى معناها الذي هو المناولة، تعسفُ ينبو عنه الفكر.
3 -
ثالث المذاهب: أن معنى المصدر هو الفعل، مع ملاحظة تعلقه بالمنسوب إليه، وأما اسم المصدر، فهو موضوع للفعل من حيث هو، بلا اعتبار تعلقه بالمنسوب إليه، وإن كان له تعلق في الواقع. قال الرضي: الحدث إن اعتبر صدوره عن الفاعل، ووقوعه على المفعول، سمي: مصدراً، وإذالم يعتبر من هذه الحيثية، سمي: اسم مصدر، ويرجع إلى هذا المذهب قول ابن القيم في كتاب "بدائع الفوائد":"وأما الفرق المعنوي - أي: بين المصدر واسم المصدر -، فهو أن المصدر وإل على الحدث وفاعله، فإذا قلت: تكليم، وتسليم، وتعليم، ونحو ذلك، دل على الحدث ومن قام به، فيدل التسليم على السلام والمسلم، وكذلك التكليم والتعليم، وأما اسم المصدر، فإنما يدل على الحدث وحده، فالسلام والكلام لا يدل لفظه على مسلم ومكلم؛ بخلاف التكليم والتسليم، فاسم المصدر جردوه لمجرد الدلالة على الحدث".
وقريب من هذا ما يقرر في اللغة الألمانية من أن المصدر الاسمي يلاحظ فيه الحدث مجرداً عن اعتبار تعلقه بفاعل أو مفعول؛ بخلاف المصدر، ولعدم اعتبار تعلقه بفاعل أو مفعول صرحوا بأنه لا أثر له في الإعراب، فلا يعمل في فاعل أو مفعول، وكذلك يقول جماعة من علماء لغتنا: إن اسم المصدر لا يعمل في شيء من متعلقات الفعل، ووقف جماعة على شواهد قليلة فيها إعمال ما يسمى مصدراً، فأجازوا إعماله.
4 -
ورابع المذاهب: ما حكاه أبو البقاء في "كلياته"، وهو أن المصدر مدلوله الفعل مع ملاحظة تعلقه بالفاعل، واسم المصدر يدل على الفعل أيضاً، ولكن مع ملاحظة الأثر المترتب عليه.
5 -
خامسها: أن المصدر اسم عين يستعمل بمعنى المصدر، فيقال فيه عند استعماله لمعنى المصدر: اسم مصدر، قال الرضي في "شرح الكافية": "هو اسم العين يستعمل بمعنى المصدر؛ كقوله:
أكفراً بعد رد الموت عني
…
وبعد عطائك المئة الرتاعا
أي: إعطائك، والعطاء في الأصل اسم لما يعطى".
فاسم الحدث - بناء على هذا الرأي - لا يسمى: اسم مصدر، إلا إذا ثبت أنه استعمل من قبل اسماً لعين.
6 -
وسادس المذاهب: ما أشار إليه فارس الشدياق في كتاب "الجاسوس" إذ قال: "الفرق بين المصدر والاسم: أن المصدر يتضمن معنى الفعل ينصب مثله، والاسم هو الحال التي حصلت من الفعل، مثال ذلك: الغَسل، والغُسل تقول: قد بالغت في غَسل هذا الثوب، فتنصب الثوب، فإن أردت الحال، قلت: لست أرى في هذا الثوب غسلاً، وهذا ماظهر لي".
وهذا الرأي غير معروف في كتب النحو صراحة. غير أني وقفت على عبارة للشهاب الخفاجي في "شرحه للشفاء" توافقه؛ حيث ذكر صاحب "الشفاء": "الثناء، والكرامة"، فقال الشهاب مفسراً للكرامة: الكرامة: اسم مصدر بمعنى الحاصل بالمصدر، وهو الإكرام. والحاصل بالمصدر يريدون منه: الأثر الذي يترتب على فعل الفاعل؛ أعني: الإيقاع. فمدلول المصدر
نفس الإيقاع الذي هو أمر معنوي لا يشاهد، وهو من مقولة الفعل، ومدلول اسم المصدر: أثره الذي هو هيئة محسوسة، وهو بهذا المعنى من مقولة الكيف.
* اختلاف المعاجم في أسماء المصادر:
هل سار اللغويون في معاجمهم عند إيراد اسم المصدر على قاعدة النحويين، وهو أن تكون أحرفه أقل من أحرف الفعل، أو أنهم اتخذوا قاعدة أخرى لهذا المصطلح، وساروا عليها بانتظام؟.
هم يقولون فيما كانت أحرفه أقل من أحرف الفعل: اسم مصدر، فكثيراً ما تجدهم يذكرون فعلاً على وزن أفعل، أو فغَّل، أو تفاعل، أو نحوها من الأفعال المزيدة، ويوردون صيغة أقل حروفاً منه على أنها اسم المصدر، كما قال صاحب "المخصص":"الأداء اسم من قولك: أديت الشيء تأدية". ولكننا نجدهم قد يذكرون الفعل الثلاثي، ويسمون ما يذكرونه بعدُ: اسماً، وهو مساو لحروفه للفعل، كما قال صاحب "المصباح": أثم أثماً من باب تعب، والإثم -بالكسر- اسم منه. وقال صاحب "المخصص": نبزه ينبزه نبزاً، والاسم النبز. وقال صاحبه "البستان": والصدر - محركة -: الاسم من صدر؛ أي: رفع. وقال صاحب "المخصص": عفوت للحق: خضعت، والاسم العفوة. وقال صاحب "الجمهرة": غبّ الطعام يغب غباً، والاسم: الغبّ.
بل نجدهم يذكرون الفعل الثلاثي، ويصلونه بما يسمونه اسماً، وهو أزيد حروفاً من الفعل؛ كما قال صاحب "المصباح":"أتى الرجل يأتي أتياً: جاء، والإتيان اسم منه". قال: "شَتَّ من باب ضرب، والاسم: الشتات"،
وقال صاحب "القاموس": "مرح؛ كفرح ونشط: تبختر، والاسم ككتاب؛ أي: مراح"، وقال:"صقله: جلاه، فهو مصقول، وصقيل، والاسم ككتاب"، وقال:"فطمه: فصله عن الرضاع، والاسم: ككتاب".
وقد يبدو للناظر في المعاجم أن ليس للغويين قاعدة مضبوطة في تسمية بعض أسماء المعاني أسماء مصادر؛ لوجوه:
أحدها: أنهم قد يترددون، أو يختلفون في الصيغة الواحدة بين كونها مصدراً أو اسماً كما قال صاحب "القاموس": عتق العبد يعتق عتقاً، ويفتح، أو بالفتح: المصدر، وبالكسر: الاسم، وقال: الصدق - بالكسر والفتح -: ضد الكذب، أو - بالفتح -: المصدر، و - بالكسر - الاسم، وقال: عاف عيفاً وعيافاً، أو ككتاب: مصدر، وككتابة: اسم، وقال صاحب "المحكم": التلقاء اسم مصدر، لا مصدر، وقيل: مصدر، ولا نظير له.
ثانيها: أنهم يختلفون في الصيغة، هل هي اسم مصدر، أو هي مصدر في بعض اللغات، كما قال صاحب "المصباح": شربته شَرباً - بالفتح -، والاسم: الشُّرب - بالضم -، وقيل: همالغتان، أي: كل منهما مصدر، وكل مصدر عائد إلى لغة، وورد الحَج بالفتح، والحِج بالكسر، فقال أبو علي الفارسي في كتاب "الحجة": الحج مصدر، والحِج الاسم، وقال غيره في "المخصص": همالغتان.
ثالثها: قد يدرج بعضهم في أسماء المصادر صيغة يعدها النحويون من الصيغ الجارية على القياس؛ كما عدّ صاحب "المصباح": النواح اسم مصدر لناح، مع أن الفُعال - بضم الفاء - من الأوزان القياسية مما يدل على صوت؛ كالصراخ، وقد أورده صاحب "القاموس" في المصادر، ثم
0 قال: والاسم: النياحة.
رابعها: أن يذكر فعلا ثلاثياً، وفعلاً آخر من المزيد. ويوردون صيغة واحدة على أنها اسم مصدر لهما؛ كما قال صاحب "المصباح" في مادة: ألف: ألفته إلفاً: أنست به، والاسم: الألفة - بالضم -، والألفة أيضاً اسم من الائتلاف.
خامسها: أن يختلف عمل المعجميين في الصيغة الواحدة، فيوردها
أحدهم في جملة المصادر، ويقول الآخر عنها: إنها اسم مصدر؛ كما ساق صاحب "القاموس" المودة في مصادر ودّ، وعدها صاحب "المصباح" اسم مصدر، فقال: والاسم: المودة، وكما اختلفا في لفظ مُزاحة، ساقها صاحب "المصباح" مساق المصدر، وعدها صاحب "القاموس" اسماً لمصدر مزح. واختلفا في لفظ البخل كفلس، ساقه صاحب "القاموس" مساق المصادر لبخل، وعده صاحب "المصباح" اسم مصدر.
ونسب فارس الشدياق لصاحب "القاموس" تخليط المصدر باسم المصدر؛ حيث ذكر القوت - بالضم - في مصدر قات، مع أن صاحب "الصحاح" عده اسماً إذ قال: والاسم: القوت.
وقد يجدهم الناظر يذكرون للفعل الواحد مصادر متعددة، ولا يسمون واحداً منها اسم مصدر، كما ذكر صاحب "القاموس" لفعل لزم ستة مصادر، ولخسر سبعة مصادر، ولمكث تسعة مصادر، وللقي أحد عشر مصدراً، ولتم عشرة مصادر، ولم يقل في واحد منها: إنه اسم مصدر.
وأحياناً يذكرون للفعل الواحد مصدراً، ويردفونه بصيغ يقولون عنها: إنها أسماء مصادر، قد يكون من المعقول أن يذكرواللفعل المزيد صيغاً
ليست جارية عليه، ويسمونها: أسماء مصدر؛ كما قال صاحب "القاموس": أوصاه، ووصَّاه توصية: عهد إليه والاسم: الوصاة، والوصاية، والوصية، ولكن النظر يقف عندما يذكرون فعلاً ثلاثياً ومصدره، ثم يذكرون صيغاً بمعنى المصدر، ويسمونه: أسماء مصدر، كما قال صاحب "القاموس":"مزح مزحاً"، ثم قال:"ومُزاحة، ومُزاحاً - بضمهما -، وهما اسمان".
* أسباب اختلات المعاجم في مسألة اسم المصدر:
لعدم اتحاد المعاجم على وجهة واحدة أسباب نعرض على حضراتكم ما بدالنا منها أثناء البحث، عسى أن يكون لعرضها أثر في تلافي ذلك النقص فيما سيصدره المجمع من المعاجم:
1 -
جرى علماء اللغة على أن يجمعوالهجات القبائل العربية في لغة واحدة، فيذكرون للفعل الواحد مصادر متعددة، وقد يكون للفعل في لغة قبيلة صيغة مصدر، وله في لغة غيرها من القبائل صيغة أخرى، فهذا صاحب "القاموس" - مثلاً - عدّد لكل من فعلي حمّل وكذّب مصدرين هما: التحميل، والتحمال، والتكذيب، والكِذّاب، والواقع أن كل واحد من المصدرين عائد إلى لغة. قال سيبويه في "الكتاب":"وقال قوم: كلمته كِلَاّماً، وحَمَّلته حِمَّالا". وقال الكسائي: "أهل اليمن يجعلون مصدر فعّل فِعّالاً، وغيرهم من العرب يجعلونه تفعيلاً". ومن أمثلة هذا أن صاحب "القاموس" ذكر مصادر فعل طلع، فقال: طلعت الشمس طلوعاً، ومطلَعاً، ومطلِعاً، وسيبويه يقول في الكتاب أتيتك مطلِع الشمس؛ أي: عند طلوعها، وهذه لغة بني تميم، وأما أهل الحجاز، فيفتحون؛ أي: اللام.
ومن قبيل ما كان تعددُ مصادره من اختلاف اللغات: غزر؛ ككرم،
غزراً، وغزراً؛ أي: أكثر، فقد قال الأصمعي كما في "أمالي أبي علي القالي": إن الغزر لغة أهل البحرين، والغزر - بالفتح - اللغة العالية.
ويدلكم على أن تعدد المصادر قد يكون من اختلاف اللغات: أن قياس أهل نجد كما قال الرضي في "شرح الشافية" أن يقولوا في مصدر مالم يسمع مصدره من فعَل - المفتوح العين -: فُعول، متعدياً كان أو لازماً، وقياس الحجازيين فيه: فعل، متعدياً كان أو لازماً.
ونشأ من إيراد المصادر من غير أن تنسب إلى قبائلها أن ألحقوا بعض المصادر باسم المصدر، وإنما هو مصدر في لغة من اللغات؛ كما عد بعضهم شُرباً - بضم الشين - اسم مصدر لشرب، وإنما هي لغة تميم، قال صاحب "المزهر": شربت الماء شَرباً، وبنو تميم يقولون: شربت الماء شُرباً.
2 -
ومن المصادر الجارية على بعض الأفعال ما يوضع موضع مصدرٍ آخر جارٍ على فعله الخاص؛ كوضع تعقيد موضع تعقُّد، في قولك: فصاحةُ الكلام: خلوُصه من التعيقد،. إذ الكلام إنما يوصف بالتعقد، لا بالتعقيد، ولكنك وضعت التعقيد موضع التعقد، وقد جاء في الكتاب العزيز:{وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا} [المزمل: 8]، وضع هنا التبتيل موضع التبتُّل، وكثيراً ما يقول المتقدمون في مثل هذا النوع: اسم أقيم مقام مصدر كذا، وسماه سيبويه في كتابه: مصدراً، فقال: باب: ما جاء المصدر فيه على غير الفعل؛ لأن المعنى واحد، وذلك قولهم: اجتوروا تجاوراً، وتجاوروا اجتواراً، فإن معنى اجتوروا وتجاوروا واحد، وأورد في هذا القبيل آية:{وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا} وقول القطامي:
وخير الأمر ما استقبلت منه
…
وليس بأن تَتَبَّعُهُ اتِّباعا
كما استعمل رؤبة الانطواء موضع التطوي في قوله: "وقد تطويت انطواء الحضب"، والحضب: الحية. وقد يطلق بعض أهل العربية على هذا النوع كلمة: اسم مصدر، مع أن له فعلاً يجري عليه.
3 -
وقد يجد اللغوي اسم معنى، ولا يقف له على فعل من لفظه يجري عليه، فيسميه: اسم مصدر؛ كما قال ابن الحاجب في "أماليه": "واسم المصدر هو اسم المعنى، وليس له فعل يجري عليه؛ كالقهقرى". ولكن ثبت عند غيره أن له فعلاً يجري عليه؛ كما ورد في "القاموس": أنهم قالوا قهقر؛ أي: رجع إلى خلف. وكما قال ابن درستويه في "شرح الفصيح": ليس واحد من الخُطبة والخِطبة بمصدر لقولك: "خطب المرأة" يخطب، ولكنهما اسمان يوضعان موضع المصدر؛ لأن مصدر هذا الفعل غير مستعمل. وقد ثبت عند غيره أن له مصدراً جارياً عليه، وهو الخطب، أورده صاحب "القاموس"، وأضاف إليه: الخطبة، والخطِّيبى على أن الثلاثة مصادر لهذا الفعل.
4 -
قد يسمون اللفظ الدال على الحدث: اسم مصدر؛ حيث يجدونه وارداً على صيغة غير معروفة في المصادر، ومن هنا أنكر كثير من علماء الصرف أن يكون ما جاء على وزن فَعول - بالفتح - مصدراً، وقالوا فيما ورد منه؛ كَقبول ووَلوع: اسم مصدر، لا مصدر، وحكى صاحب "اللسان" عن ابن جني: أن المجوبة: اسم مصدر من أجاب، ثم قال:"ولا تكون مصدراً؛ لأن المفعلَة عند سيبويه ليست من أبنية المصادر"، وقال صاحب "المحكم": التقاء اسم مصدر، لا مصدر، وإلا، فتحت التاء، فسماه: اسم مصدر؛ حيث ورد في وزن غير معروف في المصادر.
5 -
ثم إن اللغويين قد يصرحون بأن كذا اسم مصدر؛ كما قال صاحب "المخصص": الجزاء اسم مصدر، وقد يقولون بعد ذكر الفعل والمصدر: والاسم كذا، ويتبعونه بما يدل على أنهم أرادوا اسم المصدر؛ كما قال صاحب "المخصص": أنفذت الأمر: قضيته، والاسم النَّفْذ، يقال: أمرته بنَفْذه؛ أي: إنفاذه. وتارة يردفونه بما يدل على أنهم أرادوا المشتق من نحو اسم الفاعل أو المفعول؛ كما قال صاحب "اللسان" في مادة دفأ: والاسم: الدفء - بالكسر -، وهو الشيء الذي يُدفئك، وقال صاحب "العين" فيما نقله صاحب "المخصص" وهو يتحدث عن صفد بمعنى أوثق:"والاسم الصفاد، والصفاد: حبل يوثق به، أو غُل".
وكما قال صاحب "المخصص": "فاد له مال فيداً، والاسم: الفائدة، وهو ما استفدت". وقال في مادة كنز: "والاسم: الكنز، إنما أراد: المال المكنوز؛ أي: المدفون؛ بدليل قوله: والجمع كنوز". وكثيراً ما يقول: والاسم كذا، إنما يريد: اسم الفاعل. وقد تدلك الصيغة على أن المراد اسم الفاعل؛ كما قال صاحب "النهاية": بئس يبأس بؤساً وبأساً: افتقر، والاسم: بائس. وسيبويه قد يعبر في "الكتاب" بالاسم عن اسم الفاعل؛ كما قال بعد ذكر أفعال ومصادرها: والاسم: قاتل، والاسم: خالق، والاسم: لاحس، والاسم: لا قم.
وقد يقولون بعد ذكر الفعل والمصدر: "والاسم كذا". ولا يستبين من عبارتهم ماذا أرادوا، وهذا قد يختلف في تفسيره الكاتبون في اللغة أنفسهم؛ ككلمة "بُقيا"، قال صاحب "القاموس":"والاسم: البُقيا"، ولم يذكر ما يبين المراد منها، وأوردها صاحب "المخصص"، وقال: "البُقيا:
الإبقاء على الشيء". ولكن صاحب "أقرب الموارد" أوردها مع البقوى، وقال: "أسماء لما بقي".
ولم يقع اضطراب لمعاجم اللغة الألمانية في ذكر اسم المصدر؛ لأن المصادر عندهم كلها منتهية بحرفي en. فما عداها مما يدل على المعنى الذي يدل عليه المصدر هو اسم مصدر؛ نحو der cang: الذهاب، و Die kemitnis المعرفة sicit: النظر.
* ما الطريق التي يصح لنا أن نتحراها في صنع معاجمنا؟
إذا كانت كلمة: اسم المصدر من المصطلحات التي نشأت في المصدر الأول، ودخلت في معاجمنا قديماً وحديثاً، بل في أكثر العلوم العربية، وكان لها نظير في اللغات الراقية، لا نرى وجهاً للاستغناء عنها وإيرادها أينما وجدت في قبيل المصادر، حتى على المذهب المشهور القائل: إن مدلول معنى اسم المصدر هو معنى المصدر، ويمكننا أن نتحاشى ذلك الاختلال الواقع في المعاجم بتقرير قاعدة مضبوطة؛ بأن نعتمد الفرق بين المصدر واسم المصدر من جهة اللفظ على ما قاله النحاة، واتبعته المعاجم في أكثر المواد، وهو أن اسم المصدر: ما كانت أحرفه أنقص من أحرف الفعل، والمصدر: ما كانت أحرفه مساوية لأحرف الفعل، أو أزيد منها.
ونضم إلى هذا ما يفهم من تعريف اسم المصدر من أنه إنما يكون للأفعال المزيد فيها؛ أي: لا يكون للأفعال الثلاثية، أو المصادر الثلاثية اسمُ فعل، وقد صرح بذلك بدر الدين بن مالك، فقال:"اسم المصدر ما كان لغير ثلاثي؛ كالغسل، والوضوء". ونعتمد على أن لا فرق بينهما من جهة المعنى؛ أي: أن كلاً منهما يدل على المعنى الصادر من الفاعل، أو القائم
به، وإذا أراد المتكلم أن يدل على معنى الفعل غير ملاحظ تعلقه بفاعل أو مفعول، كان الأولى أن يدل عليه باسم المصدر؛ لأنه أخصر، وله أن يعبر بالمصدر؛ إذ المصدر نفسه قد يستعمل في العربية مشاراً به إلى الاحداث كذات قائمة بنفسها، وذلك ما يعنونه بقولهم: المصدر معنى الثبوت، وما يشار به إلى الحدث باعتبار تعلقه بفاعل أو مفعول، وهو ما يعنونه بقولهم: المصدر بمعنى الحدوث (1)، ومن المعروف في اللسان الألماني أن المصدر قد يستعمل كالمصدر الاسمي مراداً منه الحدث المجرد ويصلونه بأداة التعريف der kammen المجيء، der sehen الرؤية.
ويسوغ لنا أن نطرح من أسماء المصادر كل اسم معنى له فعل ثلاثي يلاقي الفعل المزيد في المعنى، ونذكره على أنه مصدر للفعل الثلاثي، وإذا استعمل مع الفعل المزيد كأنه مصدر له، جعلناه من قبيل المصدر الذي وضع موضع مصدرآخر، وليس كل مصدر أقيم مقام مصدر آخر يستحق أن يسمى: اسم مصدر، فنحو لفظ: نبات له فعل ثلاثي هو نبت، فاستعماله مع الفعل الذي يلاقيه في المعنى، وهو أنبت، لا يقتضي دخوله في قبيل اسم المصدر، وإنما هو مصدر أقيم مقام مصدر آخر؛ لخفته، أو لاستقامة الفاصلة، أو القافية، ونحو ذلك من مقتضيات حسن البيان.
وممن درج على الفرق بين اسم المصدر وما وضع موضع المصدر: صاحب "المصباح" حين تكلم عن لفظ نبات في آية {أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَبَاتًا} [نوح: 17]، وقال: قيل: وضع موضع المصدر، وقيل: هو اسم مصدر.
أما اسم المعنى الذي لم نجد له فعلاً ثلاثياً يلاقي الفعل المزيد في
(1)"شرح ابن هشام لقصيدة بانت سعاد".
المعنى؛ نحو: عطاء، وكلام، وسلام، فلتسميته اسم مصدر وجه، وهو مجيئه على خلاف ما هو معهود في المصادر من ارتباطها بالأفعال، وجريانها عليها بمعنى: استيفاء حروفها.
وترك تسمية بعض الألفاظ العربية باسم المصدر الذي هو مصطلح علمي لا يمس جوهر اللغة بشيء، وإنما هو تصرف في اصطلاح لم يتفق عليه علماء العربية أنفسهم.
هذا ما ظهر لي في تلافي النقص الذي وقع لمعاجمنا في مسألة اسم المصدر، ولينظر المجمع الموقر ماذا يرى.