الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
*
الحسبة
الحسبة نظام إسلامى يقوم بالإشراف على المرافق العامة، ومنع
أى انحراف، وعقاب المذنبين، وهى وظيفة دينية شبه قضائية،
عرفها التاريخ الإسلامى من بدايته. تقوم على فكرة الأمر
بالمعروف والنهى عن المنكر، امتثالا لقوله تعالى: {ولتكن منكم
أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر}.
[آل عمران: من 104]. والأصل فى هذا النظام الإسلامى هو قيام
الناس جميعًا بهذا الواجب الذى هو من فروض الكفاية، لكن الدولة
الإسلامية لم تدع ذلك الأمر للأفراد؛ خوفًا من حدوث فتن
ومشاحنات، وإنما نظَّمته، وجعلته وظيفة خاصة لها مسئول،
يعاونه عدد كبير من الناس. ولا يعنى تنظيم الدولة لوظيفة
«الحسبة» منع الأفراد من الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، بل
من واجبهم القيام بهذا، بشرط أن يكون القائم به عالمًا فقيهًا،
وألا يؤدى أمره بالمعروف إلى منكر، ونهيه عن المنكر إلى
منكر أشد، وأن يكون عمله عن طريق النصيحة. ولما لم يكن من
طبيعة الناس كلهم الاستجابة إلى النصح بالتى هى أحسن، فقد
نشأت وظيفة «المحتسب» ، واشترط فى شاغلها أن يكون من
أهل الهيبة، ليضرب بقوة على أيدى العابثين بأمن المجتمع فى
غذائه وصناعته وتجارته، وعلى من لا يراعى أصول الشريعة
ومبادئها فى سلوكه، ويضايق الناس بأقواله وأفعاله. ولم
يقتصر عمل «المحتسب» على ضبط سلوك العامة، ومراقبة
أعمالهم، وإنما شمل كبار موظفى الدولة، لحملهم على أداء
عملهم على أفضل ما يكون، ومنعهم من الفساد والتعدى على
الناس وقبول الرشوة، وغير ذلك. وبدأ نظام «الحسبة» مع بداية
الدولة الإسلامية، مثل غيره من النظم التى سبق الحديث عن
بعضها، فقد ثبت فى الصحيح أن الرسول صلى الله عليه وسلم
كان أول من باشر عمل «المحتسب» بنفسه، مما يدل على
أهميته، فروى «أبو هريرة» - رضى الله عنه - أن رسول الله
صلى الله عليه وسلم مرَّ على رجل يبيع القمح فى سوق
«المدينة» وأمامه صبرة - كومة كبيرة - فأدخل فيها يده
الشريفة، فأصابت بللا، فقال:«ما هذا يا صاحب الطعام؟» .
فقال: أصابته السماء يا رسول الله. فقال صلى الله عليه وسلم:
«أفلا جعلته فوق الطعام كى يراه الناس؟ من غشَّ فليس منَّا» .
[صحيح مسلم]. وكان النبى صلى الله عليه وسلم يعين من
الصحابة من يقوم بهذا العمل ويراقب الأسواق لمنع الغش فى كل
شىء، فكلَّف «عمر بن الخطاب» بمراقبة سوق «المدينة
المنورة»، وعين «سعيد بن العاص» لمراقبة سوق «مكة» بعد
فتحها. واستمر الخلفاء الراشدون يباشرون عمل «المحتسب»
بأنفسهم أحيانًا، وينيبون غيرهم للقيام به فى أحيان أخرى.
ولما اتسعت الدولة الإسلامية فى عصر «بنى أمية» ، عجز
الخلفاء عن القيام بعمل «المحتسب» بأنفسهم؛ لانشغالهم بمهام
كثيرة سياسية وإدارية وعسكرية، وخصصوا لهذا العمل من يقوم
به، وأصبح نظام «الحسبة» ووظيفة «المحتسب» من أهم النظم
الإسلامية التى تعمل على سلامة المجتمع، وتنقيته من كل
المفاسد. وقد امتد عمل «المحتسب» إلى كل مجالات الحياة
تقريبًا، وقد لخَّص «ابن خلدون» فى مقدمته اختصاصات
«المحتسب» فقال: «ويبحث - المحتسب - عن المنكرات، ويعزِّر
ويؤدب على قدرها، ويحمل الناس على المصالح العامة فى
المدينة، مثل المنع من المضايقة فى الطرقات، ومنع الحمالين
وأهل السفن من الإكثار فى الحمل - لئلا تغرق السفينة بمن فيها
- والحكم على أهل المبانى المتداعية للسقوط بهدمها، وإزالة ما
يتوقَّع من ضررها على السابلة - أى: المارة فى الطريق -
والضرب على أيدى المعلمين فى المكاتب وغيرها فى الإبلاغ -
أى المبالغة - فى ضربهم للصبيان المتعلمين، ولا يتوقف حكمه
على تنازع أو استعداء، بل له النظر والحكم فيما يصل إلى علمه
من ذلك، ويرفع إليه، وليس له الحكم فى الدعاوى مطلقًا، بل
فيما يتعلق بالغش والتدليس فى المعايش وغيرها، وفى المكاييل
والموازين، وله أيضًا حمل المماطلين على الإنصاف، وأمثال ذلك
مما ليس فيه سماع بيِّنة، ولا إنفاذ حكم، وكأنها أحكام ينزَّه
القاضى عنها لعمومها، وسهولة أغراضها، فتدفع إلى صاحب
هذه الوظيفة ليقوم بها، فوضعها على ذلك أن تكون خادمة
لمنصب القضاء». وإذا نظرنا إلى عمل «المحتسب» الذى هدفه
هو راحة الناس فى ضوء النظم الحكومية المعاصرة نجده موزعًا
بين العديد من الوزارات والهيئات، مثل وزارة التموين، والصحة،
والصناعة، والتعليم، والزراعة، والداخلية، والنيابة العامة،
ومصلحة الدمغة، والموازين، والمرافق بمختلف أنواعها.